الاقتراح السابع لتعديل السنة السجنيّة: مطلب حقوقي ذو أبعاد طائفية وسياسية
13/12/2024
ينشر المرصد البرلماني تعليقه على الاقتراح الرامي إلى تحديد السنة السجنية، مع التذكير بإمكانية الاطلاع على مضمون المقترح ووثيقته على موقع المرصد البرلماني.
تقدّم النواب محمد سليمان ووليد البعريني وسجيع عطية وأحمد رستم وأحمد الخير وعبد العزيز الصمد، باقتراح قانون معجلّ مكرّر في تاريخ 19/11/2024، يرمي إلى تعديل المادة 112 من قانون العقوبات (تحديد السنة السجنيّة) بهدف تخفيض مدة التنفيذ الفعلي للعقوبة. ويأتي هذا الاقتراح ضمن سلسلة من الاقتراحات المقدمة اعتبارا من العام 2020، ترمي كلّها إلى تقصير مدة تنفيذ السنة السجنيّة، وإن اختلفت التبريرات في الأسباب الموجبة بين اكتظاظ السجون ووباء الكورونا وغيرها. ومن هذه الاقتراحات التي تمّ رصدها: (1) الاقتراح المقدم من النائب إيهاب مطر في تاريخ 29/05/2023، (2) الاقتراح المقدّم من النائب قاسم هاشم في تاريخ 1/9/2022(تعليق المرصد البرلماني)، والذي تمّ إحالته إلى لجنة فرعية منبثقة عن اللجان المشتركة وقررت عدم الأخذ به في تقريرها الصادر في 10/7/2023؛ (3) الاقتراح المقدم من النواب محمد خواجه ومحمد سليمان وعلي حسن خليل في 7/9/2022، وهو ذات مضمون مطابق لاقتراح هاشم؛ (4) الاقتراح المقدم من النائب أشرف ريفي بتاريخ 29/8/2022؛ (5) الاقتراح المقدم في 10/12/2020 من النواب عدنان طرابلسي وعبد الرحيم مراد وفيصل كرامي؛ و(6) الاقتراح المقدم في 19/10/2020 من النائب جميل السيّد.
وبحسب مضمون الاقتراح الأحدث المقدّم في هذا المجال، تُحتسب مدّة التنفيذ الفعليّ للعقوبات وفقا لهذه المعايير:
- ما خلا عقوبة الحبس المستبدل من الغرامة، يحتسب يوم العقوبة أو التدبير الاحترازي 24 ساعة، والشهر 30 يوما،
- إذا كانت العقوبة المقضي بها دون السنة حبس، فيحتسب الشهر 18 يومًا،
- إذا كانت العقوبة المقضي بها هي سنة فأكثر، تحتسب السنة السجنية على أنّها ستة أشهر،
أمّا فيما يخصّ المحكومين بعقوبات مؤبدة أو بالإعدام، وفي حال لم يستفيدوا من آليات التخفيض الفردي للعقوبات المنصوص عنها في القانون 463/2002 وتعديلاته، فتعدّ عقوبتهم منفّذة بالكامل في حال توفر شرطين مجتمعيّن:
- بالنسبة للمحكومين بعقوبة مؤبدة: أن يكونوا قد نفذّوا 25 سنة سجنية على الأقل من مّدة عقوبتهم وأن يكونوا قد بلغوا على الأقل 50 سنة من العمر،
- بالنسبة للمحكومين بعقوبة الإعدام: أن يكونوا قد نفذّوا 30 سنة سجنية على الأقل من مدّة عقوبتهم وأن يكونوا قد بلغوا على الأقل 55 سنة من العمر.
هذا ويستند الاقتراح لتبرير ضرورة التخفيض على "الظروف الاستثنائية" التي تمرّ بها البلاد لا سيما الحرب الدائرة مع العدو الإسرائيلي، والتدمير والتهجير الممنهج الذي لحق بمناطق الجنوب والبقاع، وإغلاق عدد كبير من السجون والنظارات في هذه المناطق ونقل المساجين منها إلى سجون أخرى كما وتدمير جزء كبير من هذه السجون، "مما يستدعي في حال الوصول إلى إطلاق نار وقتا طويلا لإعادة توزيعهم عليها"، بالأخصّ أن السجون والنظارات المتبقيّة لا يمكنها استيعاب هذا العدد من المساجين.
وقبل المضيّ في إبداء ملاحظاتنا، تجدر الإشارة إلى أن مقدّمي هذا الاقتراح عمدوا إلى تقديمه بالتزامن مع تقديم اقتراحين آخرين هما تمديد "سنّ تقاعد قادة الأجهزة الأمنية العسكريين الذين يحملون رتبة عماد أو لواء لمدة سنة من تاريخ إحالتهم إلى التقاعد" واقتراح يرمي إلى إعفاء بعض رسوم البناء من الرسوم على نحو يؤشر إلى مسعى منهم إلى مراعاة التوازن بين ما يعد عموما مطالب طائفية وتحديدا التجديد لقائد الجيش (وهو "مطلب ماروني") وتسهيل إجراءات إعادة الإعمار (وهو "مطلب شيعي") وتخفيض السنة السجنية (وهو "مطلب سني").
وعليه، يهمّ المرصد البرلماني إبداء ملاحظاته إزاء هذا الاقتراح، قبل تقديم مقارنة ما بينه وبين الاقتراحات السابقة:
1- اعتراف بالفشل في إصلاح السجون
يجدر التذكير هنا بأن تخفيض السنة السجنية من سنة إلى 9 أشهر والحاصل بموجب القانون رقم 216 الصادر بتاريخ 30/03/2012 قد تم تبريره بتاريخ إقراره بأسباب موجبة مشابهة، ترتبط بالاكتظاظ في السجون وتخطي القدرات الاستيعابيّة وتبعاتهمْا. وهو الأمر الواقع في السجون اللبنانية بصرف النظر عن اشتداده بفعل العدوان الإسرائيلي حيث ارتفعت نسبة الاكتظاظ في السجون من حوالي 200% إلى 300%. ومن هذه الزاوية، يأتي الاقتراح بتخفيض السنة السجنيّة من 9 إلى 6 أشهر بمثابة اعتراف إضافي على استمرار واقع السجون على حاله وتاليا على فشل الدولة في إنجاز الإصلاحات الموعودة فيه. فكأنما تخفيض السنة السجنية أصبح الحلّ الضروري وربما الحتمي بعدما أصبح الإصلاح شبه مستحيل.
2- اعتراف بفشل آليات التخفيض الفردي للعقوبات
فضلا عما تقدم، يبرز الاقتراح وكأنه يبدّي التخفيض التلقائي والعام للعقوبات على التخفيض الفردي وفق الحالات والذي يدخل ضمن صلاحية لجان تخفيض العقوبات المنشأة بموجب قانون تنفيذ العقوبات الصادر عام 2002. فبدل أن يتم التخفيض حالة فحالة، ينص الاقتراح على تخفيض العقوبة بموجب قاعدة عامة تسري على جميع المحكوم عليهم، بمعزل عن حسن سلوكهم أو تنفيذهْم حدّا أدنى من العقوبة المقضي بها أو أي استحقاق من أي نوع كان، وبدرجات تتجاوز ما يمكن لجان تخفيض العقوبات إقراره.
هذا إضافة إلى أن الاقتراح يتعدّى عمليّا على دور هذه اللجان في حالات المحكوم عليهم بعقوبتي الإعدام أو المؤبد، حيث تعدّ هاتان العقوبتان منفّذتين بالكامل في حال لم يستفد المحكوم عليهم من تخفيضات اللجنة وعند توفر شرطين: تنفيذ على الأقل 25 سنة من العقوبة وبلوغ 50 عاما على الأقل في حالة عقوبة المؤبد؛ وتنفيذ على الأقل 30 سنة وبلوغ على الأقل 55 عاما في حالة عقوبة الإعدام. فيما يعتبر نسفا لدور القضاء واللجان في تخفيض العقوبات وانتقاصًا من سلطتهما التقديريّة.
ويشكل الاقتراح من هذه الزاوية اعترافًا بفشل آليات تخفيض العقوبة الفردية والسياسات الجنائية ونسفًا لمبدأ تفريد تنفيذ العقوبات مقابل اللجوء إلى تعميم التخفيضات دون استثناء.
وكانت "المفكرة القانونية" اعتبرتْ في تعليقها على التخفيض الحاصل عام 2012 أن "المشرّع يسرق دور القضاء في تخفيض العقوبات". وها الاقتراح الحالي يذهب في الاتجاه نفسه.
3- اختلال في التوازن ما بين حقوق السجين وحماية المجتمع
من جهة ثالثة، يجدر التساؤل إذا كان من شأن الاقتراح أن يوازن بين الهدف من إنزال العقوبة على المحكوم عليه ألا وهي حماية المجتمع، وحماية المحكوم عليه نفسه من خلال ضمان الغاية التأهيلية من السجون. وأهم ما يجدر تسجيله هنا هي تلقائية تخفيض العقوبة من دون أي استثناء أو ضوابط، بحيث يستفيد منه المحكوم عليهم بجنحة بسيطة كما المحكوم عليهم بجناية بالغة الخطورة. ومن هذه الزاوية، يصبح التساؤل أكثر إلحاحا طالما أن التخفيض سيشمل من يشملهم أشخاصا قد يكونون على درجة كبيرة من الخطورة. وانطلاقا من ذلك، من المهم إعادة التفكير في الجرائم المستفيدة من تخفيض العقوبة، في اتجاه استبعاد الجنايات الخطيرة.
4- تشدّد غير مبرّر حيال المحكوم عليهم الأكثر هشاشة
اللافت أنه رغم التساهل الكبير لمقدّمي الاقتراح حيال المحكوم عليهم بعقوبات سجنية ومنهم الأكثر خطورة، نلقى تشددا حيال الفئات الأكثر هشاشة. وهذا ما نستشفّه من استثناء عقوبة الحبس التي تطبّق على الذين يعجزون أو يتخلّفون عن تسديد الغرامة والتي من الممكن أن تصل إلى سنة كاملة وفق المادة 54 من قانون العقوبات. بمعنى أن الاستثناء الوحيد على تخفيض العقوبة هي الحبس الذي لا يستهدف بطبيعته إلا فئة واحدة هم المحكوم عليهم العاجزين عن تسديد الغرامة المحكوم بها، أي الفقراء منهم وبسبب فقرهم.