البرلمان اللبناني يقرّ "اتفاق باريس للتغير المناخي" بعد المحارق: "إجر بالبور وإجر بالفلاحة"

لور أيّوب

08/03/2019

انشر المقال

"

كنا جميعنا سنُسر بتغريدة وزير البيئة فادي جريصاتي الذي اعتبر في إثر جلسة الهيئة العامة في مجلس النواب في 6 أذار 2019، التصديق على اتفاق باريس للتغيُّر المناخي وتعديلات كيغالي-رواندا المتعلقة ببروتوكول مونتريال، بمثابة هدية من وزارة البيئة إلى الشعب اللبناني. لكن جريصاتي نفسه كان قد أعلن في إثر اجتماع للجنة الأشغال النيابية قبل الجلسة المذكورة بأيام، تأييده لمحارق النفايات التي اعتمدت رسمياً في النصف الثاني من العام المنصرم، وهو ما يتناقض جذريا مع هذا "الاتفاق-الهدية" الذي بشرنا به.

يذكر أن اتفاق باريس أبرم في كانون الأول عام 2015 تحت إشراف منظّمة الأمم المتحدة، ودخل حيز التنفيذ في تشرين الثاني عام 2016، وتقوم رؤيته على أن مسؤولية التصدي لتحدي تغير المناخ هي مسؤولية مشتركة بين الدول. وهو الاتفاق الذي أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حزيران 2017 عزمه على الانسحاب منه، على اعتبار أن التغيرّ المناخي هو خدعة بالنسبة له. ويهدف هذا الاتفاق إلى احتواء ارتفاع معدل درجات حرارة الأرض دون الدرجتين المئويتين مقارنة بمستويات درجات الحرارة في الحقبة ما قبل الصناعية، ومواصلة تنفيذ الخطوات الرامية إلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية. بالتالي فإن هذه التوجهات تفرض على الدول تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة على المستوى العالمي في أقرب وقت لكي يتسنى تحقيق التوازن بين الانبعاثات والتعويض عنها في النصف الثاني من القرن، كما يتعين عليها

وهنا، عبّر الخبير البيئي الدكتور ناجي قديح ل "المفكرة" عن استغرابه إزاء إقرار الاتفاق في ظل توجه الدولة نحو تركيز المحارق، "الذي من شأنه أن يزيد من كمية الانبعاثات المسببة للتغير المناخي، والأمر نفسه ينسحب على مطامر النفايات أيضاً، فيما يفرض اتفاق باريس تخفيض الانبعاثات". تبعا لذلك، يرى قديح أن ثمة ازدواجية وتناقضا في سياسات الدولة، حيث أن دولا عدة أوقفت المحارق في الآونة الأخيرة، بعدما ثبُت أنها تساهم في الانبعاثات المسببة للتغيّر المناخي.

إذا، ها هو لبنان يصادق على اتفاق باريس، بعد تشكيل الحكومة واستلام وزير جديد لوزارة البيئة، وبعد مرور ثلاث سنوات منذ وضع الاتفاق حيز التنفيذ في 2016. والسؤال الأكبر الذي يطرح إذ ذاك: هل المصادقة على اتفاق باريس هي خطوة جدية تأتي ضمن برنامج عمل للحفاظ على البيئة، أم سيكون كغيره من الإتفاقيات والمواثيق الدولية التي صادق عليها لبنان من باب المجاملة، من دون توفر أي إرادة سياسية في تحقيقها؟

إنشاء محارق النفايات يتنافى مع الحدّ من التغيّر المناخي

يشرح الخبير البيئي د. ناجي قديح بأن توقيع لبنان على اتفاق باريس للتغيّر المناخي يعني أن "لبنان ملزم بتنفيذ مضامينه، بما معناه أنه على الدولة إقرار سياسات تخطيط في مجالات عديدة وخاصة في المجالات الاقتصادية، أي وضع خطط مدروسة لتخفيف الانبعاثات في أوقات زمنية محددة". بشكل أساسي، يؤكد قديح أنه على "الدولة وضع سياسات في عملية إنتاج الطاقة، وتخفيف استخدام الوقود الأحفوري في عملية إنتاج الطاقة وتشجيع الطاقة المتجددة مثال المياه والرياح". لكن هذه الخطوة التي احتفل بها وزير البيئة فادي جريصاتي واعتبرها هدية للبنانيين في تغريدة على تويتر، تُناقض بشكل غير مفهوم توجهه نحو إنشاء محارق النفايات، والتي يؤكد قديح على ضرورة أخذها بعين الاعتبار عند التكلم عن التغيّر المناخي. ويستعين بالمثل الشعبي ليصف هذا التناقض بقوله: "إجر بالفلاحة وإجر بالبور".

ويؤكد قديح على أن دولاً عدة، آخرها بريطانيا، اتجهت نحو إيقاف محارق النفايات بعد إقراراها حقوقياً بأن دراسة الأثر المناخي ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار كل عمليات إنتاج الطاقة عبر الحرق، بما فيها محارق النفايات. ويلفت إلى أن أستراليا سبق واتجهت في الاتجاه نفسه أيضاً.

هذا في سياسات التخطيط. أما في سياسات التكيُّف مع التغيرات المناخية، فعلى "الدولة التفكير في سياسات لمواجهة التغيرات المناخية التي يتأثر بها لبنان"، بحسب قديح. ويشرح أنه "سبق وأن بدت على لبنان ظواهر التغيرات المناخية لناحية الإضطرابات في المتساقطات. فواجه لبنان انخفاضاً بنسبة المتساقطات من جهة، ومن جهة أخرى تغيراً في طريقة نزول المتساقطات، بحيث أصبحت تهطل كميات كبيرة من المتساقطات في نطاق زمني قصير، مما يؤدي إلى إحداث السيول والفيضانات". أمام هذا الواقع، "على الدولة أن تتجنب الأضرار الناتجة عن هذا التغير، بتحسين البنى التحتية وتأهيل مسارب المياه وغيرها من الإصلاحات" بحسب قديح.  يضيف، فإن التغيّر المناخي "يُلزم الدولة وضع سياسات تتناسب مع تبعاته، وهي سياسات تتصل بالمجالات الغذائية والصحية والزراعية، فيُتوقع انتشار الأمراض المعدية، وتكبد خسائر على القطاع الزراعي".

أما بالنسبة إلى ما يمكن أن يترتب على لبنان من حاجات مالية للاستجابة لشروط الاتفاق، يقول قديح إن "التزام لبنان بوضع السياسات والتخطيط والاستجابة لها، يضاعف قدرات البلاد على استقطاب المساعدات الدولية بحسب الآليات المتبعة في الاتفاق". والواقع بحسب قديح، "شهدنا في السابق على استقطاب تمويل خلال العشرين سنة الماضية لأموال كبيرة في مواضيع بيئية تتعلق باتفاقيات دولية، لكن لم نرَ نتائج فعلية، وهذه الأموال صُرفت بطريقة غير مفيدة".

أخيراً، يرى قديح أنه "يجب ألا نكتفي بالتباهي بالمصادقة على الاتفاقيات البيئية، وننتقل إلى مرحلة وضع سياسات التخطيط وسياسات التكيف، ووضع آليات تطبيقها".

ثلاث خطوات تتعلق بالحفاظ على البيئة

يُذكر أن الجلسة التشريعية تضمنت المصادقة على بندين آخرين متعلقين بالحفاظ على البيئة إلى جانب اتفاق باريس:

أولاً، المصادقة على بروتوكول 1997 لتعديل الاتفاقية الدولية لمنع التلوث من السفن (اتفاقية ماربول)، والتي تهدف إلى منع تلوث بيئة البحر وتقليص تسرب المواد الملوثة إليه نتيجة النشاط الإنساني على السفن أو نتيجة الحوادث البحرية.

وثانياً، المصادقة على تعديلات كيغالي المتعلقة ببروتوكول مونتريال الذي يُعنى بتخفيض نسبة انبعاثات غاز الـHFC  الذي يُضعف طبقة الأوزون. وفي معرض سؤاله عن مصادقة لبنان على تعديلات بروتوكول مونتريال، يؤكد قديح أن لبنان عمل بشكل جدي منذ سنوات طويلة على وقف الغازات المسببة بالضرر على طبقة الأوزون. يذكر منها، "التغيرات الملحوظة على صناعات أجهزة التبريد كما واستبدال الغازات المضرة بغازات بديلة في الكثير من الصناعات."

"