"الدولار الطالبي" في ظلال الـ "كابيتال كونترول"
28/03/2022
من أبرز البنود الواردة على جدول أعمال الجلسة النيابية المزمع انعقادها في 29 آذار 2022، مرسوم إعادة قانون الدولار الطالبي من رئاسة الجمهورية إلى مجلس النواب لإعادة النظر فيه. وكان المجلس النيابي قد صدّق القانون المذكور في جلسته المنعقدة في 7/12/2021. إلّا أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون أعاده إلى المجلس عملاً بصلاحياته الدستورية مرفقاً بعدد من الملاحظات. بعد ذلك، نظرت اللجان النيابية المشتركة في ملاحظات رئاسة الجمهورية في 9/3/2022 لتقرّ إحداها (إلغاء العقوبة الجزائية المفروضة على المصارف في حال عدم التزامها بتنفيذ القانون مقابل إعطاء "المتضررين الحق باللجوء إلى أحكام الأوامر على العرائض") قبل أن تعيد الاقتراح للتصويت أمام الهيئة العامة. وعليه، سيكون تمرير هذا القانون مشروطاً بالحصول على أكثرية مطلقة لأعضاء المجلس النيابي بالنسبة للملاحظات التي لم يؤخذ بها والتي سنذكّر بها أدناه. إلّا أنّ التحدّي الأكبر أمام هذا الاقتراح يتأتّى من أنّه سيتم النظر فيه بالتوازي مع اقتراح قانون لتقييد التحويلات إلى الخارج (كابيتال كونترول) لا يلحظ أيّ حق مكتسب في إجراء أي تحويلات لأغراض تعليمية إلى الخارج. ومجرّد تزامن إحالة هذيْن الاقتراحيْن (وكلاهما نوقش مطوّلاً في اللجان المشتركة) إنّما يعكس حجم الفوضى والارتجال في عمل النواب.
بقي أن نسجّل ملاحظات رئيس الجمهورية التي سيجري التصويت عليها تبعاً لرفض اللجان المشتركة الأخذ بها، وهي الآتية:
- أوّلاً، المسّ بمبدأ المساواة الدستوري المنصوص عنه صراحةً في البند "ج" من مقدّمة الدستور كما في المادة 7 منه، معتبراً أنّ على القانون أن يشمل الطلاب اللبنانيين الجامعيين الذين درسوا ويدرسون في الخارج خلال العامين الدراسيين 2020–2021 و2021–2022 والمسجّلين في الجامعات والمعاهد التقنيّة العليا قبل إقرار القانون وليس فقط الطلاب الذين يدرسون في الخارج قبل العام 2020-2021.
وفي حين أنّ هذه الحجّة ترتكز إلى أسباب جدية، تجدر الاشارة إلى أنّ القانون لا يفرّق فقط بين الطلاب اللبنانيين في الخارج المسجّلين قبل العام 2020-2021 وبعده بل أيضاً بين الطلاب اللبنانيين الذين يدرسون في الخارج والذين يدرسون في لبنان في حين أنّ القطاع التعليمي الرسمي والخاص الوطني يعاني من مشاكل مالية تهدّده بالانهيار وهو الذي يشمل العدد الأكبر من الطلاب اللبنانيين. هذا بالاضافة إلى التفرقة بين الطلاب اللبنانيين في الخارج وباقي المواطنين من غير الطلاب بخاصّة المودعين منهم (مع التذكير أنّ بعض الطلاب المستفيدين من القانون ليسوا أصلاً بالضرورة مودعين كما يتحصّل من الاقتراح موضوع الردّ وهذا ما سنعود إليه). ونلحظ أنّ الاقتراح الذي تمّ إقراره لم يتضمّن أيّ دراسة واقع اقتصادي لتبرير أحقّية استخدام العملات الصعبة لغرض إكمال اللبنانيين الذين بدأوا دراستهم في الخارج ما قبل 2020-2021 مسارهم التعليمي (وهم بالطبع فئة متضرّرة) بالأولوية على فئات واسعة من اللبنانيين لحقوق أخرى أساسية، وعلى ما قد يقتضيه الأمن الطاقوي والغذائي والصحي للبلاد. ويتأتّى هذا الأمر في موازاة استمرار تغييب أي تشريع فعّال يضع قيوداً عادلة ومنطقية على حركة الرساميل، ويرشّد استخدام الاحتياطي المتبقي، بعد قرابة عامين من تبلور ملامح الانهيار المالي والاقتصادي.
- ثانياً، عطف القانون الذي جدّد العمل به 193/2020 على سعر صرف رسمي للدولار الأميركي 1515 وهو بحسب الرئيس "من شأنه أن يطرح أسئلة محورية لجهة تحديد القيمة الرسميّة للدولار الأميركي بالليرة اللبنانيّة ومرجعيّة التحديد، فيما لو كانت المشترع أو مصرف لبنان، خاصّة على ضوء تزاحم القيم المتداولة في مختلف النصوص التنظيميّة من قرارات وتعاميم وسواها أو المعمول بها في المنصّات المستحدثة بموجب هذه النصوص، وهو الذي من شأنه تشتيت السعر المرجعي للدولار الأميركي بالنسبة لليرة اللبنانيّة". بالفعل يشكّل سعر الصرف مع تعدّده إحدى أهم الإشكاليات التي تؤدي إلى تدهور قيمة العملة الوطنية مع ازدهار سوق المضاربة على العملة الوطنية. ويأتي هنا اعتراض الرئيس بمثابة اعتراض رسمي قد يكون الأوّل من نوعه على طريقة تحديد سعر (الأصح أسعار) صرف العملات الأجنبية بصورة اعتباطية من مصرف لبنان.