السلطة تفشل في تمرير "كابيتال كونترول" على قياسها
06/12/2021
لم تكن نتيجة جلسة اللجان النيابية المشتركة إسقاط اقتراح الكابيتال كونترول المقدّم من النائب نقولا نحّاس فحسب. الجلسة حسمتْ إلى حدّ كبير أنّه لن يكون قانون ضبط التحويلات والسحوبات، إلّا جزءاً من خطة مالية شاملة تنفّذ بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.
أما المشروع الذي أريد تمريره بضغط من جمعية المصارف، فلم يصل إلى مرحلة النقاش حتى، بعدما كُشفت، خلال الأيام الماضية، كمية الأفخاخ التي يتضمّنها، والتي جعلت حتى أشدّ المتحمسين له عاجزاً عن الدفاع عنه، وبخاصّة في ظلّ تنامي الحراك العام ضدّه. حتى محاولة التهويل التي مارسها عضو جمعية المصارف نديم القصار لم تغيّر من النتيجة شيئاً. فالقصار، ركز على الدعاوى الخارجية المرفوعة ضد المصارف، معتبراً أن عدم السير بالقانون يمكن أن يؤدّي إلى توسّع حركة الدعاوى، ما يهدد المصارف بالإفلاس. وهو سمع كلاماً واضحاً بأن أحداً لا يريد ضرب القطاع المصرفي لكن في المقابل، فإن الأولوية تبقى لحماية أموال المودعين وحقوقهم.
الجلسة كانت بدأت بتوزيع اقتراح نحّاس مجدداً، لكن هذه المرة موقعاً منه. بعد ذلك أخذ رئيس لجنة المال إبراهيم كنعان الكلام، مشيراً إلى أنّ الاقتراح يأتي من خارج السياق النظامي، ولم يتضح ما إذا كان صندوق النقد قد وافق عليه. ولذلك، طلب من نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي توضيح هذه المسألة. وقد أكد الأخير أنه لا يملك أي ملاحظات خطية من الصندوق.
بدا ذلك دليلاً قاطعاً على أن السلطة كان يمكنها منذ اليوم الأول إقرار القانون وإيقاف نزيف الأموال، إلّا أنّها أصرّت على ترك الباب مفتوحاً أمام تهريب الأموال من دون رقيب. حينها كانت حجّتها لعدم إقرار قانون يقيّد السحوبات والتحويلات هو انتظار ملاحظات صندوق النقد الدولي.
الأسبوع الماضي فقط تغيّر الخطاب. لم يعدْ أحدٌ مهتمّاً بملاحظات الصندوق، بل صارتْ الأولوية هي إقرار القانون، بنسخته المفخّخة، بأي ثمن. ما سبب التغيير؟ لم يجد أحد من النوّاب أيّ سبب سوى حماية المصارف من الدعاوى التي يتوقّع أن تخسرها في الخارج، وأوّلها الدعوى المرفوعة من المودع بلال خليفة في لندن، والتي يتوقّع أن يصدر الحكم فيها قبل 21 كانون الأوّل الجاري. حتى قبل الدخول في التفاصيل، بدا جليّاً أنّ الاقتراح قائم على استضعاف المودع والتعامل مع السحوبات كما لو أنّها منّة من المصارف، وإعطاء صلاحيات استثنائية لمصرف لبنان، كما قال النائب حسن فضل الله.
وعلى المنوال نفسه أكد النائب علي فياض انقلاب الاقتراح حتى على القليل الذي أنجز في لجنة المال، مثل الحفاظ على الدولار الطلابي وتحديد سقوف دنيا للسحوبات.
كما طالب النواب الحكومة بتقديم الخطة المالية إلى المجلس بدلاً من كابيتال كونترول مفصّل على قياس المصارف. كما توسعوا في النقاش في مصير الخطة المالية التي يفترض أن تكون أولوية الحكومة.
حتى الكتل التي كان مرجحاً أن تؤيد الاقتراح، مثل "أمل" و"الاشتراكي" و"المستقبل" تأثرت بموجة الاعتراض، فأكدت النائبة رولا الطبش رفض الاقتراح. وكذلك فعل النائب فيصل الصايغ، فيما تراجع النائب علي حسن خليل عن مطلب الدخول في مناقشة المواد بنداً بنداً، انطلاقاً من أن المشكلة أكبر من الخلاف التقني.
في نهاية الجلسة، وبالرغم من سعي نائب رئيس المجلس إيلي الفرزلي إلى النقاش في تفاصيل الاقتراح، إلّا أنه رفع الجلسة بعد نحو ساعتين، معلناً أنه اقتنع بوجوب عدم طرح الأمر. وقال إنّ "ضميري لا يطاوعني أن أدخل في النقاش مادة مادة"، داعياً الحكومة إلى إرسال الخطّة المالية ونتيجة التفاوض مع صندوق النقد.
في إثر الجلسة، قال الفرزلي: "أجمع النواب على نقطة مركزية هي هاجسنا الرئيسي: حقوق المودعين، وهذه هي المسألة المركزية التي يتمسّك المجلس بها ويعلن استعداده للنقاش والبحث في أي شيء على الإطلاق".
وأضاف: "أفهمت الحكومة هذا الكلام بشكل قاطع لا يرقى إليه أي شك. فكان المنطق الذي يقول نعم للكابيتال كونترول، نعم لضرورة إنشائه، ولكن بعد خطة اقتصادية تظهر فيها أرقام مقنعة تأتي الى المجلس ونتأكد من صحتها وسلامتها للحفاظ على حقوق المودعين".