المجالس البلدية في عين التنين: تمديد غير دستوري للمجالس البلدية والاختيارية
28/03/2022
يتضمّن جدول أعمال جلسة المجلس النيابي في 29/3/2022 مشروع قانون وارداً بمرسوم رقم 8953 تاريخ 18/3/2022 يرمي إلى تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية حتى 31/5/2023. تبرر الأسباب الموجبة هذا التمديد بتزامن مواعيد انتهاء ولاية هذه المجالس مع موعد إجراء الانتخابات النيابية، واستحالة إجرائها في الوقت نفسه بسبب "جملة من العوامل اللوجستية والمالية والنقص في الإمكانات والعتاد والعديد، وعلى وجه الخصوص تدهور سعر صرف العملة الوطنية". ولا تخفي الأسباب الموجبة أنها تولي الأولوية لاستحقاق الانتخابات النيابية الذي شددت على أهميته وعلى كونه "استحقاقا دستوريا لا يتقدّمه أي استحقاق آخر". فضلا عن ذلك، أشارت الأسباب الموجبة إلى مبرر آخر وهو وجود اقتراح قانون "عصري للبلديات" يدرس حالياً في اللجان النيابية مرجح إقراره هذا العام، علما أن هذا الاقتراح مستقر في المجلس منذ سنوات عديدة. هذا المشروع يستوجِب إبداء الملاحظات الآتية:
أولاً: إنه يُعيد للذاكرة عقودا من استباحة المجالس البلدية
يعيد هذا التمديد إلى ذاكرة اللبنانيين عقوداً من التمديد لولاية المجالس البلدية حيث جرت آخر انتخابات بلدية في العام 1963، ليحصل التمديد تلو الآخر للمجالس البلدية والاختيارية بحجة الظروف الاستثنائية، رغم إجراء انتخابات نيابية مرّات عدة. في إطار التصدّي لذلك، نشأت حملة "بلدي… بلدتي… بلديّتي" في 1998. وقد نجحت في دفع السلطات العامة إلى تنظيم انتخابات بلدية للمرة الأولى في تلك السنة، بعدما استجاب المجلس الدستوري للطعن المقدم آنذاك ضد تمديد ولاية المجالس البلدية (قرار رقم 2/1997 الصادر بتاريخ 12/9/1997). بعدئذ، جرت الانتخابات بشكل منتظم في الأعوام 1998 و2004 و2010 و2016. وهذا ما سعت المفكرة إلى توثيقه في مقال يستعيد أهم محطات تلك الفترة وفي مقابلة أجرتها مع منسق الحملة آنذاك بول أشقر.
ثانيا: إنه مشروع قانون غير دستوري
إنّ هذا المشروع مخالف صراحة للدستور، وفق ما أكّده المجلس الدستوري في عدد من قراراته، وفي مقدمتها قراره المذكور أعلاه رقم 2/97. ففي هذا القرار، اعتبر المجلس الدستوري أنّ المجلس النيابي "لا يستطيع أن يعدل في مدة الوكالة الجارية إلا لأسباب مستمدة من ضرورات قصوى وفي حدود المدة التي تستدعيها هذه الضرورات، أي في حال وجود ظروف استثنائية." ويتبدّى من ذلك أنّ المجلس الدستوري قد ربط التمديد بحال وجود ظروف استثنائية قاهرة على أن تتناسب مدّة هذا التمديد مع هذه الظروف، وهو الأمر غير الحاصل في هذه الحالة. فالمشروع يأتي ليمدّد ولاية المجالس البلدية لمدّة سنة كاملة بحجة تزامن الانتخابات مع الانتخابات النيابية، في حين أنه كان بالإمكان تجاوز التزامن من خلال تسبيق للانتخابات البلدية أو إرجائها لفترة وجيزة لا تتعدى أسابيع، وهي مهلة كافية للتحضير للانتخابات البلدية بخاصة أنّها تجري على أربعة مراحل. وقد اعتبر المجلس الدستوري أنّ قيام المجلس النيابي بممارسته لهذا الحق (التمديد) يبقى خاضعا لرقابة المجلس الدستوري. كما وأكّد المجلس على أنّ "حق الاقتراع، وبالتالي، حق المواطن في أن يكون ناخبا ومنتخبا، هو من الحقوق الدستورية، الذي يجسد المبدأ الديمقراطي الذي يرتكز عليه النظام الدستوري في لبنان، وله القيمة نفسها في حال ممارسته على مستوى الانتخابات النيابية أم على مستوى الانتخابات المحلية". وتنقض هذه الحيثية السبب الموجب الذي انبنى عليه المشروع والذي أشرنا إليه أعلاه وقد جاء فيه أنّ "إجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها يُعتبر استحقاقا دستوريا لا يتقدّمه أي استحقاق آخر".
ثالثا: إنه يخالف البرنامج الحكومي
فضلا عن ذلك، يأتي مشروع القانون الوارد من حكومة نجيب ميقاتي مناقضا للبيان الوزاري الذي نالت الثقة على أساسه، حيث التزمت فيه بإجراء الانتخابات النيابية كما البلدية والاختيارية في مواعيدها. كما ووعدت الحكومة في البيان نفسه أن تباشر فور نيلها الثقة (أيلول 2021)، باتخاذ كل الإجراءات التي ينص عليها القانون الذي ينظم عملية الانتخاب لإتمامها بكل نزاهة وشفافية وتوفير كافة السبل لنجاحها، إلّا أنّها لم ترَ سبيلا لذلك سوى تأجيلها لسنة كاملة. ولعلّ الأخطر من كلّ ذلك هو ما يُحكى عن مساعٍ لتأجيل الانتخابات النيابية (التي يُحتج بها كسبب رئيسي لتأجيل الانتخابات البلدية) بحجج عديدة عبر افتعال مشاكل مالية وأمنية عديدة، وهو ما قد يعني حُكما تقويض كامل حتى لبعض الشكليات والطقوسيات الديمقراطية التي ما تزال موجودة.
كما تجدر الإشارة إلى أنّ وزير الداخلية يتحمل مسؤولية مضاعفة في هذا الخصوص بحيث تخلّف عن القيام بواجبه بدعوة الهيئات الناخبة بمهلة أقصاها شهريْن من تاريخ انتهاء ولايات المجالس البلدية، من دون أي مسوغ قانوني. ففي حين تنتهي ولايات المجالس على التوالي في 8 و15 و22 و29 أيار، كان يفترض به أن يدعو الهيئات الناخبة تباعا في 8 و15 و22 و29 آذار وكلها مواعيد تجاوزها أو سيتجاوزها، على أساس مجرد افتراض بأنّ المجلس النيابي سيقرّ مشروع قانون التمديد، وهو افتراض لا يعفيه طبعا من أي مسؤولية.
رابعا: إنه ينبئ بمزيد من التعطيل لمصالح المواطنين في المناطق
فضلا عن ذلك، تجدر الإشارة إلى استقالة أو حلّ مجالس بلدية عدة في بلديات عدة، مما نقل مسؤولية إدارة شؤونها للقائمقام أو المحافظ إلى حين انتخاب مجالس جديدة لها. هذا مع العلم أنّ وزراء الداخلية المتعاقبين تخلّفوا عن القيام بواجبهم عند استقالة هذه المجالس أو حلّها بدعوة الهيئات الناخبة بمهلة أقصاها شهريْن من تاريخ انتهاء ولايات المجالس البلدية، مما أضاع على هذه المناطق فرصة تجديد مجالسها. ومن شأن إقرار القانون الجديد أن يضيع عليها كما على سائر البلديات فرصا أخرى.
تجدر الإشارة أخيرا إلى أنّ الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات (LADE) وجمعيات أخرى من بينها المفكرة القانونية قد دعت إلى وقفة احتجاجية قبيل الجلسة في الأونيسكو اعتراضاً على المشروع، لتنضم إلى وقفة أخرى دعت إليها جمعية المودعين اعتراضاً على اقتراح الكابيتال كونترول، ووقفة اعتيادية لأهالي الطلاب اللبنانيين في الخارج المطالبين بإقرار قانون الدولار الطلابي.
ونحيل القارئ إلى بيانيْن موقّعيْن من المفكّرة القانونية مع شركاء لها رفضاً لهذا التمديد، على الرابط التالي: "إذا في نية، في إمكانية: الانتخابات النيابية والبلدية بموعدها"
"لا لتأجيل الانتخابات البلدية تحت أي مسمّى… عجز السلطة وتقصيرها تتحمله وحدها"