الموازنة العامة لعامي 2019-2020: إصلاحات ظاهرة تكذّبها التفاصيل

المرصد البرلماني

25/11/2021

انشر المقال

في 2017، وضعت السلطات العامة حدّا لممارسة غير دستوريّة، قوامها الامتناع عن وضع موازنة سنويّة عامّة، وهي ممارسةٌ استمرَّت زهاءَ 12 سنة وأنتجَتْ غياب أيّ موازنة عامّة طوال فترة 2006-2016. وقد استمرّت السّلطات العامة بعد ذلك في إصدار موازنات عامة للعاميْن 2018 و2019 وذلك من باب استكمال الشروط المفروضة على لبنان للاستفادة من مشروع "سيدر". إلا أنّه رغم هذا التحوُّل الهامّ في أداء السّلطات العامّة، فإنّها بَقِيَتْ عاجِزةً عن إنْجاز قطْع حسابات للسّنوات السّابقة بمُخالفة صريحة للمادّة 83 من الدّستور، وذلك باعتراف صريح من مجلس النّواب الذي أدْلى بعوائق عدّة تبنى أحكاما لتجاوزها في السنوات التالية من دون أن ينجح في ذلك. وقد أمكنه المضيّ في هذه المخالفة بفعل تساهل المجلس الدستوري الذي اعتبر في قراره 2/2018 بأنّه رغم أن إقرار موازنة عامة من دون قطع حساب يشكّل مخالفةً دستوريةً تامّة، فإنّه امتنع عن إبطال الموازنة العامة لسنة 2018 بحجّة أنّ موجب إقرار موازنة عامة قيمة دستورية استثنائية أعلى من قيمة إقرار قانون قطع الحساب، بحيث أن عدم إقرار موازنة له انعكاسات سلبية على الدولة ويؤدي إلى فوضى المالية العامة.

فضلا عن ذلك، بقيت الموازنات الماليّة المُعتمدة منها مليئة بالمخالفات الدستورية والقانونية ومنها كمّ من الإعفاءات والتسويات الضريبية غير المبرّرة وفرسان الموازنة (أي موادّ لا صلة لها بالموازنة العامّة)، والأخطر معزولة عن أيّ رؤية إصلاحيّة لمالية الدولة أو اقتصادها. 

وقد اخترْنا هنا أن ندرس قانونيْ الموازنة 2019 و2020 في الوقتِ نفسِه بفعل اشتراكِهما بعناوينَ يُراد منها الإيحاء بوجود نيّة بتخفيف عجز المُوازنة أو تحريك قطاعاتٍ اقتصاديّة أو زيادة الشفافيّة، وهي عناوين بقيت في غالبِها عاجزة تماما عن تحقيق الغايات المعلنة سواء في توقي الأزمة (2019) أو في معالجتها (2020). وما فاقم من محدوديّة الإصلاحات الحاصِلة بفعل قوانين الموازنة ومنها هاتين الموازنتين هو صدورها خارج المهل الدستورية المقرّرة لها (2019) أو بغياب حكومة فعليّة (2020).

ومن المهمّ التذكير بهذا المكان أن مشروع موازنة 2020 وضع على عجل تحت وقع ثورة 17 تشرين ومن ضمن ما سمي آنذاك الورقة الإصلاحية للحكومة التي استقالتْ مباشرة بعد إقرارها. وقبل المضيّ في دراسة مضمون هاتين الموازنتيْن، نتوقّف بدايةً عند المخالفات الدستورية التي تشوبهما.                                            

1- المخالفات الدستورية    

تضمّن قانونا الموازنة العامة في سنتيْ 2019 و2020 كمّا المخالفات الدستورية. وقد تمكّن المجلس الدستوريّ من التّدقيق في مدى دستوريّتهما نتيجة طعون قُدّمت إليه من عدد من النواب.

 

صدور الموازنة من دون قطع الحساب

تفرض المادة 87 من الدستور إقرار قطع الحساب في مجلس النواب قبل أن تُنشر الموازنة، أي أنّ إقرار قطع الحساب يقع كشرط جوهري لا يُمكن من دونه نشر موازنة وإقرارها. وفي مسعى للتخفيف من تجاوز هذا الموجب الدستوري قبيل إقرار موازنة 2019، أقرّ مجلس النوّاب قانوناً من مادة واحدة حول قطع الحساب (القانون 143/2019) قوامه إلزام الحكومة بإنجاز جميع الحسابات المالية النهائية والمدققة اعتبارا من سنة 1993 حتى سنة 2017 ضمنًا، وبأن تحيل مشاريع قوانين قطع الحساب عنها بمهلة أقصاها ستة أشهر اعتبارُا من تاريخ نفاذ هذا القانون. وتمكينا لها من تحقيق هذه الغاية، كلّف المشرّع الحكومة بتأمين "الموارد البشرية والمادية اللازمة لتمكين ديوان المحاسبة من إنجاز مهمته في تدقيق الحسابات المالية النهائية حتى سنة 2017" خلال شهر واحد اعتبارًا من تاريخ نفاذ القانون. لم تطبّق هذه المادة ولم يؤمّن للديوان ما يلزمه للقيام بهذه المهام لا خلال مهلة الشهر الممنوحة ولا حتى اليوم ولم تضع الحكومة أي مشروع قانون قطع حساب. 

ورغم وضوح هذه المخالفة، فإنّ المجلس الدستوريّ الذي قُدِّم أمامه طعنان في دستوريّة موازنتيْ 2019 و2020 تعمّد تجاهلها تماما في قرارِه الأوّل ليعلن بالمقابل في قراره الثّاني أنّ نشر قانون موازنة 2020 قبل قطع الحساب "يشكل مخالفة للمادة 87 من الدستور" من دون أن ينتهي إلى إبطاله متذرعا ب "الظروف الاستثنائية التي يمرّ بها لبنان (والتي) تسمح للمشترع بالخروج عن المبادئ الدستورية" ولأن "البديل أي عدم إقرار الموازنة ونشرها يؤدي إلى إطلاق يد الحكومة في الإنفاق من دون تحديد أي سقف لهذا الإنفاق ما يشكل خللا أكبر في النظام العام المالي وضرراً فادحاً بمصالح البلاد العليا". بذلك، يكون المجلس الدستوريّ قد اعترف بعدم دستورية موازنة العام 2020 لجهة عدم إقرار قطع الحساب قبل نشرها، ليعود ويقرّر عدم إبطالها، آخذًا بنظرية الظروف الاستثنائية نفسها التي أخذ بها في قراره حول موازنة العام 2018.

 

تجاوز المهل الدستوريّة

كعادتها، لم تحترمْ السلطتان التنفيذية والتشريعية المهل الدستورية لمناقشة وإقرار قانون موازنة 2019، حيث أقرّ القانون في 19 تموز ونُشر في 31 منه أي بتأخر سبعة أشهر جعل من عمر تنفيذ الموازنة 5 أشهر فقط. أمّا فيما خص موازنة 2020، فإنّها أقرّت في كانون الثاني من هذه السنة وفق المادة 86 من الدستور والتي تسمح في حال تأخّر بتّ الموازنة قبل بداية السنة المعنية بفتح عقد استثنائي يستمرّ لغاية نهاية كانون الثاني إذا لم تكن الموازنة قد أقرّت بعد.

 

تضمين الموازنة موادّ كان المجلس الدستوري أعلن من قبل عدم دستوريتها

بالتدقيق في مواد القانونيْن، يتبيّن أنهما تضمّنا موادَّ كان المجلس الدستوري أعلن بوضوح كلّي عدم دستوريّتها في قرارات سابقة له. ويُظهر هذا التوجّه استسْهالا في تجاوز قرارات هذا المجلس ومعها مبادئ هامّة استندت إليها هذه القرارات.

فقد تضمّنت المُوازنتان (المادة 41 في قانون موازنة 2019 والمادة 28 في موازنة 2020) إجراء تسوية على التكاليف المتعلّقة بضريبة الدخل والضريبة على القيمة المضافة والتكاليف المتعلقة بالضرائب التي تحققها مديرية المالية العامة والمُعترض عليها أمام الإدارة الضريبية أو لجان الاعتراضات. وتقوم التسويّة على تسديد 50% من قيمة الضريبة المُعترض عليها. 

إنّ إجازة هذه التسوية تتعارض تماما مع قرار المجلس الدستوري رقم 2/2018 بشأن قانون موازنة 2018، والذي أبطل بندا مماثلًا يسمح بإجراء تسويات ضريبية عملا بمبدأ المساواة ومبادئ العدالة الاجتماعية ومبدأ العدالة الضريبية وعلى خلفية أنه يؤدي إلى التشجيع على التهرّب الضريبي ويبدّد المال العام. يُذكر أنّ المادّة نفسها عادتْ ووردتْ مجددًا في مسودة مشروع موازنة العام 2021 المعدّ من قبل وزير المالية السابق غازي وزني.

واللافت أكثر من ذلك أنّ المجلس الدستوري نفسه لم يُبطل هذه المواد عند نظره في طعون هاتين الموازنتين بل لم يتطرق إليهما قط.

 

فرسان الموازنة

حصر الدستور مشتملات الموازنة بالنفقات والإيرادات المتوقعة دون أن يتعدّاها إلى موادّ تتضمّن إجراءات تنظيمية وإدارية لا تتصل بهذه المشتملات. وهذا ما يتحصّل من المادة 83 التي نصّت أنّ الحكومة تقدّم "لمجلس النواب موازنة شاملة لنفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة" وأيضا من المادة 5 من قانون المحاسبة العمومية والذي نصّ أنّ قانون الموازنة  يحتوي "على أحكام أساسية تقضي بتقدير النفقات والواردات، وإجازة الجباية، وفتْح الاعتمادات اللازمة للإنفاق، وعلى أحكام خاصّة تقتصر على ما له علاقة مباشرة بتنفيذ الموازنة". انطلاقًا من ذلك، استقرّ المجلس الدستوريّ اللبناني على غرار نظيره الفرنسي على أنّه لا يُمكن تضمين قوانين الموازنة أحكاماً ليس لها صبغة مالية وأن الأحكام الغريبة التي لا علاقة لها بقوانين الموازنة تشكّل فرسان موازنة ويكون مصيرها الإبطال. وكان المجلس الدستوري أبطل في بعض قراراته كالقرار 2/2018 عددا من بنود فرسان الموازنة. وكذلك فعل المجلس الدستوري في قراره 23/2019 حيث أبطل العديد من مواد موازنة 2019 على أساس أنها فرسان موازنة ومنها (منع نقل وانتداب القضاة إلى ملاكات الإدارات والمؤسسات العامة كافة (م.89)، إعفاء المحكومين من تسديد الغرامة المالية في حال إمضاء مدة عقوبتهم وما زالوا مسجونين لعدم دفعهم الغرامات (م. 67)، ...الخ).

إلا أنه يبقى أن عددا كبيرا من موادّ موازنة 2019 لم يبطله المجلس الدستوري رغم كونها فرسان موازنة منها على سبيل المثال وليس الحصر "إمكانية منح إجازة وإقامة عمل لأكثر من سنة" و"تعديل قانون السير واللوحات المميزة" و"شطب الشركات المتوقفة عن العمل أو التي لم تزاول عمل من السجل التجاري" (2019) و"إلغاء المؤسسة الوطنية لضمان الاستثمارات" (2020).

وهذا ما عبّر عنه عضو المجلس الدستوري الياس أبو عيد في رأيه المخالف في القرار 23/2019 حيث ورد حرفيا: "إنّه مليئ  بفرسان الموازنة وأحصنة طروادة، فأنا أميل إلى القول بوجوب إبطاله برمّته على قاعدة الملاءمة الصحية المالية".   

 

المجلس الدستوري يخلط بين استقلالية القضاة وامتيازاتهم

شهد نقاش موازنة 2019 حراكات فئوية واسعة أهمّها حراك القضاة ومتقاعدي الجيش نتيجة العديد من البنود المقترحة والتي تهدف إلى التقليص من مستحقاتهم المالية. وقد بادر هؤلاء إلى حثّ نوّاب إلى تقديم طعون في قانون الموازنة. وكان القضاة حذّروا من مغبّة المسّ بصندوق تعاضد القضاة أو بأيٍّ من موارده أو خدماته وانقطعوا عن العمل في محاكم عدة لأشهر عدة. وقد اعتبرُوا أن ذلك يشكّل إنقاصاً لضمانة حقّ دستوريّ، وهي ضمانة الاستقلالية الماليّة للقضاة، وتاليا مخالفة دستوريّة وذلك عملاً بمبدأ حظر العودة عن ضمانة أساسية ذات قيمة دستورية أو الانتقاص منها effet de cliquet، وهو المبدأ الذي ضمّنوه الطعن الذي قدمه النواب بناء على طلبهم. وكانت "المفكرة القانونية" أول من طالب باحترام هذا المبدأ بكلّ ما يتّصل بالاستقلالية المالية للقضاة.

كما ضمنوا شكواهم تجاوز استشارة المجالس القضائية حول الأحكام القضائية التي تمسّ بالشؤون القضائية وأيضا عدم جواز تنظيم شؤون القضاة والموظفين العامين في نصوص واحدة نظرا لتميّز طبيعة الوظيفة القضائية بأنها سلطة دستورية.

إلا أنه عند مطالعة القرار الدستوري الصادر في 12/9/2019، نلحظ أنّ الأمور قد اختلطتْ بشكل كبير على المجلس الدستوري، فأبطل موادّ ألغَتْ امتيازات أو منافع قضائيّة بحجّة أنّها تمُسّ ضمانات استقلاليّة من دون أن يكون بالإمكان ربطها بضمانات استقلالية القضاة المالية، في حين أنّه أبقى موادّ أخرى تشكّل مسًّا بضمانة الاستقلالية. هذا فضلا عن أنّه أعطى قيمة دستوريّة لموجب استشارة المجالس القضائيّة في المسائل المتّصلة بالقضاء ولعدم جواز تنظيم شؤون القضاة في نفس النّصوص المتّصلة بالموظّفين العامّين.

فمن الامتيازات التي أبطل المسّ بها، استثناء القضاة من الإعفاءات على رسوم السّير والميكانيك (م.26) أو عدم تخصيص القضاة بحرف خاصّ بلوحات سيّاراتهم وقد ذهب المجلس إلى حدّ تحديد الأحرف ب J و R (م.27). وقد عاد المجلس الدستوري ليؤكد على موقفه هذا في قراره الصادر بالطعن في قانون موازنة 2020، حيث اكتفى المجلس الدستوري بإبطال المادة المتعلقة أيضا بالرسوم على لوحات السيارات كونها أوردت الحرف R من ضمن رموز أرقام اللوحات المخصصة لعموم المواطنين والتي يجب أن تخضع لرسم خاص بالنسبة لأصحاب الأرقام المميزة، بينما المفروض استثناء هذا الحرف من هذه الرسوم انسجاما مع قرار المجلس الدستوري بشأن موازنة 2019 (كما ورد فيه). ومن المنافع الأخرى التي أبطل المجلس الدستوري المس بها إدراج القضاة مع العاملين في الإدارات والمؤسسات العامّة لناحية وضع حدٍّ أقصى لتعويضات وملحقات الراتب التي يستفيدون منها (م.81) أو تطبيق قاعدة عدم تجاوز الجمع بين المعاش التقاعدي وأيّ مبلغ شهريّ مهما كانت تسميته مدفوع من المال العام عشرين ضعف الحد الأدنى للأجور (م. 84). فرغم أنّ هاتيْن المادّتيْن كانتا خفّضتا مداخيل محتملة للقضاة العاملين أو المتقاعدين، إلا أنهما خفّضتَا مداخيلَ إضافيّة مُحتملة وليس أساس الراتب المضمون وملحقاته والذي يفترض أنه يشكّل وحده ضمانة الاستقلالية المالية.

بالمقابل، فإنّ المجلس الدستوريّ رفض إبطال تخفيض مساهمة الدولة في صندوق تعاضد القضاة بنسبة 10%، بحجة أن هذا التخفيض فرضه العجز في موازنة الدولة. وهذا الأمر إنما يدعو حقا للاستغراب طالما أن هذا الصندوق شكّل موردا يضمن للقضاة مجموعة من الحقوق الاجتماعية، التي ستنخفض حكما بفعل تخفيض موارده بشكل ملحوظ. كما يُلحظ أنّ المجلس أبطل عدم استثناء القضاة من تخفيض منح التعليم بنسبة 15% في القطاع العامّ (م.94)، بحجة أن هذه المادة قد اعتبرَتْ القضاة موظفين ومستخدمين كسائر القطاع العام لا سلطة مستقلة. وقد بدا المجلس هنا كأنه يتدخل لحماية تمايز القضاة عن الموظفين أكثر مما يتدخل لضمان الحقوق الاجتماعية للقضاة.

وإذ يُسجّل إيجابا أن المجلس الدستوري رفض إبطال البند الذي حدّد "سقف مجموع المبالغ الشهريّة التي تُدفع للقضاة كبدلات أتعاب عن الخدمات التي يقدّمونها للإدارات والمؤسّسات العامّة كاستشارات وما شابه بحسب القوانين المرعية الإجراء بثلاثة أضعاف الحدّ الأدنى للأجور كحد أقصى" (م. 72)، فإنّه كان يقتضي أن يستفيد المجلس الدستوري من وضع يده على مادة مماثلة لإبطال إمكانيّة تكليف القضاة بأداء مهامّ مُماثلة لما تحملُه من تضارب مصالح ومسّ باستقلاليّة القضاء. وما يعزّز هذا الموقف هو التعليل الذي أعطاه المجلس الدستوري نفسه لرفض إبطال هذه المادة، وقوامه أن قيمة التعويضات تُحدّد من قبل المرجع الإداري وأنّ تحديد سقف التعويضات الشهرية يعزّز من استقلالية القاضي عبر تحريره من أيّ شكل من أشكال التبعية للمرجع الإداري طالب التكليف.

أخيراً، نلحظ أنّ سوء استخدام مبدأ فصْل السّلطات واستقلال القضاء بلغ أوجّه في القرار الدستوري بما يتّصل بإبطال "إعفاء المحكومين من تسديد الغرامة المالية في حال إمضاء مدة عقوبتهم وما زالوا مسجونين لعدم دفعهم الغرامات" (م. 67). فبدل أن يستفيد المجلس الدستوريّ من وضع يده على هذه المادة لإعلان موقفٍ مناصر لمبدأيْ المساواة والعدالة الاجتماعية (وهي مبادئ تختل في ظل نظام استبدال الغرامات بالحبس بمعزل عن الحالة المالية للمحكوم عليه)، رأى وجوب إبطال هذه المادة بحجة أنها تخالف مبدأ فصل السلطات، لجهة أنّ مجلس النواب أي السلطة التشريعية يتدخّل في أحكام صادرة عن السلطة القضائية لناحية الإعفاء من دفع هذه الغرامات.

 

حين تخلّى المجلس الدستوري عن اختصاصه

نصل هنا إلى موقف المجلس الدستوري من المادة الأكثر شهرة في موازنة 2019 وهي المادة 80 التي انتهتْ إلى حفظ حقّ الناجحين في المباريات والامتحانات التي أجراها مجلس الخدمة المدنية بناءً على قرار مجلس الوزراء وأعلنتْ نتائجها حسب الأصول بتعيينهم في الإدارات المعنية.

وكانت هذه المادة أثارت الكثير من الجدل السياسي والاجتماعي، أهمها مدى انطباق قاعدة المناصفة على التوظيف خارج الفئة الأولى. فرغم وضوح المادة 95 من الدستور التي حصرت مجال المناصفة في وظائف الفئة الأولى بين الطوائف، وجّه رئيس الجمهورية ميشال عون إلى المجلس النيابي رسالة حثّه فيها إلى مناقشة المادة 95 على ضوء الفقرة ي من مقدمة الدستور التي تنص أن "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك". وبدل أن يستفيد المجلس الدستوري من وضع يده على مسألة بالغة الأهمية كهذه لبلورة الموقف المناسب لجهة تطبيق الكوتا الطائفية في الوظيفة العامة وبشكل أعمّ لجهة العلاقة بين الطوائف والدولة، قرّر أنّ المجلس النيابي قد "وضع يده على الموضوع" بعد رسالة رئيس الجمهورية ليمتنع عن اتّخاذ أيّ قرار بشأنه. فكأنّه يقدّم هدية للسلطة السياسية قوامها إعلان استعداده للتخلي عن النظر في أي موضوع يقرر المجلس النيابي مناقشته، بما يلغي دوره تماما الذي هو يقوم أصلا على مراقبة عمل هذا المجلس وما تسفر عنه نقاشاته من قوانين.

 

2- الأهداف الإصلاحية المعلنة

اشتركتْ موازنتا 2019 و2020 في تضمينهما عناوين إصلاحية للحدّ من العجز في الموازنة وذلك عبر زيادة الإيرادات وتخفيض النفقات أو تعزيز الشفافية أو أيضا تفعيل القطاعات المنتجة. وقد هدفتْ السلطة السياسية من خلال ذلك إلى الإيحاء بتوفّر نوايا إصلاحية تنسجم مع اشتراطات مؤتمر سيدر أو تعمل على احتواء انتفاضة 17 تشرين وغضبها (بالنسبة لموازنة 2020). إلّا أنّ هذه المحاولات بقيَتْ بعيدةً عن أصل المشكلة ولم تعالج سوى بعض عوارضها. وما الانهيار المالي والاقتصادي غير المسبوق إلا دليل على عدم سدادة هذه الإجراءات. وفي حين أن موازنة 2019 بدتْ غير واقعيّة في مقاربتها لتوقّي الأزمة، فإن موازنة 2020 بدتْ بمثابة حلّ سحريّ للانهيار.

 

تخفيض الإنفاق

أهم السبل لتخفيض الإنفاق تمثّل في خفض الإنفاق الاستثماري في 2019 وصولا إلى إلغائه كليّا في 2020. وهذا ما نستشفّه بشكل خاصّ من تعديل الإنفاق المرصود سابقا لهذين العامين ضمن ما يسمّى "قوانين برامج" وهي المشاريع التي يحتاج تنفيذها إلى أكثر من عام. وعليه انخفضتْ الاعتمادات المرصدة لقوانين البرامج في العام 2019 من حوالي 835 مليار إلى حوالي 118 مليار ليرة، أي بنسبة 85% (م.14). وقد وصل المبلغ المرصود في 2020 إلى 75 مليار ليرة فقط وضمن برنامج واحد متعلّق بوزارة الاتّصالات. وكان رئيس الحكومة المستقيلة غداة 17 تشرين أعلن في ورقته الإصلاحية نية الحكومة بإلغاء الإنفاق الاستثماري الداخلي بحجة أنه ساحة واسعة للفساد، على أن تُمول المشاريع الاستثمارية حصْرًا من الهبات والقروض الدولية وبخاصة ضمن مخصّصات مؤتمر سيدر، وذلك على أساس أنّ هذه المشاريع ستكون تحت رقابة دولية. 

إلى ذلك تم تخفيض العديد من النفقات التي كانت تسدد للعاملين في الإدارات العامة في موازنة 2019. ومنها، تخفيض منح التعليم في القطاع العام بنسبة 15% (م.94)، ووقف العمل بتوزيع أنصبة الأرباح والرواتب الإضافية (م.86)، ومنع تجاوز مجموع المعاش التقاعدي وأي مبلغ شهري مهما كانت تسميته مدفوع من المال العام عشرين ضعف الحد الأدنى للأجور (م.84)، وفرض اقتطاع شهري على رواتب ومعاشات تقاعد العسكريين لزوم الطبابة والاستشفاء والمساعدات الاجتماعية (م.82)، ووضع حدّ أقصى لتعويضات وملحقات الرواتب التي يستفيد منها العاملون في الإدارات العامة والمؤسسات العامة والمجالس والصناديق والهيئات والقطاعات والمرافق العامة بما نسبته 75% عن مجموع الرواتب الأساسية (م.81) (وهو ما تكرر في 2020)، والتأكيد مجددا على وقف التوظيف والتعاقد في الإدارات والمؤسسات العامة (م.80)، وتجميد الإحالة على التقاعد لمدة ثلاث سنوات (م.78)، كما تم تحديد سقف المبالغ المدفوعة للقضاة لقاء خدماتهم في الإدارات العامة بثلاثة أضعاف الحدّ الأدنى للأجور كحد أقصى (م.72). ورغم أهمية أكثر هذه المواد، فإنها تبقى عاجزة عن تحقيق إصلاح ذات شأن في أرقام الموازنة. وفي موازنة 2020، تم إلغاء مؤسسة ضمان الاستثمارات في مسعى لتخفيض الإنفاق أيضا (م.29).

إلى ذلك، عمدت موازنة 2020 إلى تخفيض العجز بشكل مصطنع وشبه احتيالي من خلال نقل جزء من كلفة خدمة الدين العام من الخزينة إلى حسابات مصرف لبنان لإخفاء هذه الكلفة.

 

زيادة الإيرادات

أمّا على صعيد الإيرادات، فقد تضمنت موازنتا 2019 و2020 مواد عدة بهدف زيادتها وإن بقي مفعول هذه الإجراءات هنا أيضا محدوداً وقد خلا من أي تطوير حقيقي على صعيد السياسة الجبائية وقدرتها في تمكين الدولة من مواجهة الأعباء العامة المتراكمة ضمن خطة اقتصادية ومالية واضحة. ويظهر التدقيق في تفاصيل هاتين الموازنتين أن الإجراءات المتخذة هي بمثابة إجراءات ترقيعية (بعضها فولكلوري مثل زيادة نسبة الضريبة على جوائز اليانصيب) لا تُحدث تغييرا حقيقيّا على واقع الموازنة وأن المشرّع عمد أحيانا إلى تسهيل التهرب الضريبي وضرب العدالة الضريبية بحجة العمل لزيادة إيرادات الدولة، فضلا عن أنه لم يجد حرجا في تشريع بعض القطاعات الاحتكارية وغير القانونية. وهذا ما سنحاول إبرازه من خلال العناوين الآتية:

 

استحداث ضرائب أو رسوم وزيادة نسبتها

في هذا المجال، استحدثت موازنة 2019 بعض الضرائب والرسوم الجديدة، ومنها رسم عن كل إجازة لإعلان طرقي ورسم عن كل معاملة نقل كفيل للعمال الأجانب، ورسم لقاء منح تصريح سنويّ لدخول حرم المرافئ البحرية لكل عميل جمركي (م.19). كما تمّ زيادة شطر إضافيّ على ضريبتيْ الباب الأول والثاني بفرض نسبة 25% عن قسم الواردات الصافية الخاضعة للضريبة الذي يزيد عن 225 مليون ل.ل.، وزيادة الضريبة على شركات الأموال من 15% إلى 17% (م.23 و24). وتمّ زيادة رسوم إجازات العمل للأجانب (م.44)، إضافةً إلى فرض رسم سنويّ للحصول على "رخصة تدخين" للمؤسسات السياحية (م.58). كما تمّ فرض رسم نوعي مقطوع لمدة ثلاث سنوات قدره 3% على المستوردات الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة (م.59). ومصرفيًا، تقرّر إخضاع فوائد وعائدات وإيرادات الحسابات الدائنة كافة المفتوحة لدى المصارف بما فيها حسابات التوفير وفوائِد وإيرادات سندات الخزينة بالعملة اللبنانية لضريبة 10% بدل من 7% لمدّة ثلاث سنوات، علمًا أنّ هذه المادة كانت تستوجب تحديد دقائق تطبيقها بقرار من وزير المالية وهو الأمر الذي لم يحصلْ (م.31).

لم تدخل موازنة 2020 المقتضبة والتي تمت صياغة مشروعها على عجل تحت وطأة الانتفاضة في هذه التشعبات، إنما ركّزت على ضريبة أعلنَها الحريريّ في ورقته الإصلاحية، قوامها فرض ضريبة على المصارف والمؤسسات المالية ومؤسسات الوساطة المالية قدرها 2% من رقم أعمال العام 2019 علاوةً على الضريبة على الأرباح (م.20)، وقد اعتُبر هذا البند تجاوبًا مع مطالب الشارع بتحميل المصارف أعباء ضريبية إضافية بدل تحميلها لعموم المواطنين. إلّا أنّ هذه المادة تركت لوزير المال تحديد العناصر التي تدخل في احتساب حجم الأعمال، ما ترك لهذا الأخير هامشاً واسعاً في تحديد الأعمال وبالتالي تحديد القيم التي ستُجبى من هذه الضريبة. وإذ لم نصل إلى قرار وزير المالية حول هذه المادة ما يشي بعدم صدوره أصلًا، تزيد الشكوك حول تطبيق هذه المادة على ضوء مسودة مشروع موازنة 2021 الذي أعدّه وزير المالية السابق غازي وزني حيث لم يتم ذكر الإيرادات الناجمة عن هذه المادة لسنة 2020 مطلقًا ضمن خانة الإيرادات. يضاف إلى ذلك فرض ضريبة بنسبة 20% على جوائز اليانصيب الوطني (م.15). 

وإذ أضاء واضعُو الموازنة على رسوم استعراضيّة للإيحاء بوجود إرادة في زيادة الإيرادات كالضّريبة على جوائز اليانصيب أو رسوم اللوحات المميّزة، فإنّ التدقيق في تفاصيلها يظهر بالمقابل اتجاها إلى التفريط بموارد هامة. من الأمثلة على ذلك، السماح للشركات التي تمارس الأنشطة البترولية بالتصريح وتسديد الضرائب بالليرة اللبنانية على أساس "الحد الأقصى لسعر الصرف الصادر عن مصرف لبنان"، بعد أن كان ذلك حصرًا بالعملة الأجنبية وكذلك بشأن الغرامات المترتبة عليها (م.54 و55 من قانون موازنة 2019). وقد بلغ التفريط بإيرادات الدولة مبلغا أكبر في موازنة 2020 حين وضعت مبدأ استيفاء جميع الضرائب والرسوم والأجور من قبل الدولة بالليرة اللبنانية وإذا اقتضى الأمر معادلة الليرة اللبنانية بالعملة الأجنبية يكون ذلك وفقًا للتسعيرة الرسمية التي يفرضها المصرف المركزي، من دون إدخال أي تمييز أو استثناءات على تطبيق هذا المبدأ.

إلى ذلك، ألغيَتْ بموجب الموازنة 2019 الإعفاءات من الرسوم الجمركية الممنوحة قبل صدور هذا القانون. ويشمل الإلغاء الإعفاءات من الحدّ الأدنى ومن رسم الاستهلاك الداخلي مع الإبقاء على بعض الاستثناءات (م.25). كما تمّ إلغاء الإعفاءات الممنوحة لبعض الأشخاص والجهات على رسوم تسجيل وسيْر جميع المركبات والآليات مع الإبقاء على بعض الاستثناءات (م.26)، وفرض رسوم سنوية مقطوعة على أرقام اللوحات المميزة (م.27).

 

التهرّب الضريبي

في مسعى لإظهار النية لزيادة تحصيل الإيرادات، برزت موادّ عدّة تُعنى بمكافحة التهرّب الضريبي. وقد تمثّل ذلك في توجّهين: الأوّل وهو إشراك البلديات في تعزيز معلومات المالية بشأن المكلّفين ضمن نطاقها والثاني ضمّ قطاعات لم تكن تدفع ضرائبها من قبل.

وعليه، ألزم قانون موازنة 2019 البلديات تسليم وزارة المالية كشفاً بالإشغالات المسجلة والتي ستسجّل ضمن نطاقها وكشفًا للشركات والمؤسسات التجارية والصناعية والمهنية القائمة ضمن نطاقها كما إبلاغ وزارة المالية بالمؤسسات والمهن التي ليس لديها رقم ضريبي (م.50+ 51) وذلك لمكافحة التهرّب الضريبي.

وقد برزت في موازنة العام 2019 أيضًا مساعي لتوسيع مروحة الجباية الضريبية لتشمل قطاعات غير قانونية، من أبرزها أصحاب المولدات الكهربائية الذين يبيعون الطاقة للجمهور حيث تم فرض رسم مقطوع عليهم يصل إلى 15,000 ل.ل. سنويا على أساس ال KVA (م.70). فهذا القطاع الموجود دون نصوص تنظّم عمله، والمعتدي على الشبكة حيث الهدر التقني يصل إلى مستويات قياسية، والذي حصد أرباحًا طائلة على مدار السنوات، يُفرض عليه هذا الرسم البسيط عليه دون إعادة النظر بتنظيمه وهيكله، وبدون أي سياسة عامة لحل أزمة الكهرباء ككل أو حتى لضمان تحصيل ضريبة على الدخل منهم. 

وبدل منع استكمال نهش ما تبقّى من جبال لبنان بفعل استثمار مرامل ومقالع وكسارات بصورة غير قانونية قلما تحترم الشروط البيئية، جاء قانون موازنة 2019 ليقوم بما هو أشبه بتسوية مع أصحاب هذه المنشآت فحمّل "كل شخص استثمر عقاراً كمقلع أو مرملة أو كسارة، تكاليف المسح الميداني والجوي.. "(م.61). والملفت أكثر هو المرسوم الصادر عن مجلس الوزراء لتحديد دقائق تطبيق هذه المادة، حيث اعتبر في المادة الخامسة منه أنّه "يعتبر مستثمرا كل من قام بشكل قانوني أو غير قانوني باستثمار مقلع أو كسارة أو محفار في عقار يملكه هو أو غيره". ثمّ أُضيف على المرسوم التالي "إن استيفاء الضريبة أو الرسم من المستثمر غير المرخّص له وفقا للاصول، أو المخالف لشروط الترخيص، لا يعتبر بمثابة ترخيص أو تسوية وضع، وهو لا ينشىء أي حق مكتسب للمستثمر. وعلى وزارة البيئة تحصيل كلفة التدهور البيئي وكلفة التأهيل وفرض جزاء العمل بدون ترخيص، أو مخالفة شروط الترخيص، وذلك وفقا للأصول المحددة في القوانين البيئية وسائر النصوص المرعية الاجراء". من هنا نستشف أنّ الهم الأول والرئيسي كان تحصيل إيرادات دون الإلتفات للمخاطر التي تسفر عنها هذه الأعمال، حيث أنّ الأولوية أعطيت لاستيفاء الرسوم من دون أي تدابير لوضع حدّ لهذه الكارثة البيئية.

 

فتح باب التسوية

وفي إطار التشجيع على دفع الضرائب لزيادة الإيرادات، تمّ إقرار تسوية تقضي بدفع نسبة 50% من الضرائب المعترض عليها والعالقة أمام لجان الاعتراض وذلك في موازنتي 2019 (م.41) و2020 (م.28). إلّا أنه يخشى أن يكون مُؤدّى هذه التسويّة تشجيع التهرّب الضريبي لكونها تحسم نصف قيمة الضرائب المقدّرة من قبل مديرية المالية العامة وتكافئ المكلف الذي يرجح أنه خالف واجباته الضريبية أو تخلف عن تسديد الضريبة المتوجبة عليه من خلال حسم 50% منها. وهذا ما كان أقره المجلس الدستوري عند النظر في موازنة 2018 بعدما انتهى إلى إبطال مادة مماثلة وردت في تلك الموازنة.

 

خطاب زيادة الشفافية والرقابة على الإنفاق

في مسعى لتعزيز الشفافية المالية والرقابة ونية مراقبة تنفيذ الموازنة، فرضت موازنة 2019 بعض الإجراءات التي يُزعم أنّها تفيد هذا الإتّجاه. إلّا أنّ المعيار الرئيسي للرقابة والشفافية وهو قطع الحساب بقي غائبًا إذ تم منح الحكومة في موازاة إقرار هذه الموازنة مهلة 6 أشهر إضافية لتحضيره كما سبق بيانه، ولم تفعل.

ومن أهم التدابير المبررة بتعزيز الشفافية والرقابة، الآتية:

  • تمّ إلغاء جميع الموازنات المُلحقة ودمجها بالموازنة العامة وإيداع أموال الموازنات الملحقة في حساب الخزينة لدى مصرف لبنان بدءًا من العام 2021 (م.76 و77). وهو ما حصل في مقترح وزير المالية بهذا الخصوص، حيث أنّ الموازنات الملحقة لم تكن تخضع للرقابة ذاتها التي كانت تخضع لها الموازنة ككل.
  • وفي حين سهّلت موازنة 2019 كيفية قبول الهبات النقدية والعينية المقدمة للدولة والتي تقل قيمتها عن 250 مليون ليرة لبنانية، حيث باتت تقبل بمرسوم جوّال يصدر بناءً على اقتراح الوزير المختص ووزير المالية، بخلاف الهبات الأخرى التي يتمّ قبولها بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، فإنه بالمقابل  نصّ على قيد كل هذه الهبات النقدية في قسم الواردات من الموازنة مع فتح اعتمادات بقيمتها في قسم النفقات إذا كانت لهذه الهبات وجهة إنفاق معينة  (م.85). ويعدّ هذا الإجراء جيدًا لضبط كيفية إنفاق الهبات التي جرتْ العادة على مدى سنوات بعدم إدراجها في الموازنة. وقد تم التأكيد على ذلك في موازنة 2020.
  • لم تحصر الموازنة العامة تدخّلها بشأن الهبات الممنوحة للدولة، بحيث فرضتْ أن يتمّ قبول جميع الهبات للبلديات والمؤسسات العامة والصناديق من قبل مجلس الوزراء. وفي حين أن هذا الأمر قد يسهم في مركزة المعلومات حول الهبات ووضع سياسات عامة في هذا الشأن، إلا أنه يؤدي أيضا إلى تعزيز السلطة المركزية ومعها سلطة القوى المشاركة في الحكم في مواجهة السلطات المحلية (البلديات) والمؤسسات العامة، بما قد يزيد من مخاوف تعزيز نظام المحاصصة أي ما يناقض مبادئ الشفافية.  
  • هذا فضلا عن أنه تم التأكيد على إدراج الهبات والقروض ضمن الموازنات المختلفة وإخضاعها لرقابة ديوان المحاسبة (م.7).
  • في موازنة 2020، تقرّر إلزام الشركات المشغلة لقطاع الخليوي وإدارة مرفأ بيروت بتحويل الإيرادات بصورة دورية إلى حساب الخزينة في كل يوم إثنين وخميس (م.36 و37). إنّ هذه المادة تفيد بزيادة الرقابة على شركات الخليوي وإدارة المرفأ والتأكد من صحّة ما يتم إرساله إلى الخزينة من عائدات. فكانت تسري الكثير من الأخبار والمعلومات عن أنّه كان يتم استهلاك الكثير من هذه العائدات في صفقات وخدمات يشوبها الكثير من الزبونية وتناقض المصالح. ورغم وضوح هذه المادة، فإن وزيريْ المالية والاتصالات أصدرا قرارا بآلية تحويل عائدات شركتيْ الخليوي إلى خزينة الدولة بصورة تناقض تماما موازنة 2020 حيث يسمح لهما حسم المصاريف التشغيلية منها. وقد نجح أحد مساهمي هاتيْن الشركتيْن في انتزاع قرار من مجلس شورى الدولة في 1/6/2021 بوقف تنفيذ آلية الدفع هذه بفعل تعارضها مع موازنة 2020. 
  • كما كان بارزًا منع أي نوع من أنواع الهبات أو المساهمات أو التمويل التي يمكن القيام بها من قبل كل أشخاص القانون العام أو عبر استعمال أموال عمومية، كما وحصر الإنفاق بالرواتب والأجور ومتمّماتها والإدارة والتشغيل والتطوير الضروري والصيانة اللازمة بموجب موازنة 2020. إضافةً إلى ذلك فُرض على جميع أشخاص القانون العام والبلديات والمصالح المستقلّة بتقديم نُسخٍ عن موازناتها السنوية إلى مجلس الوزراء ووزارة المالية أو وزير الوصاية (م.32). إلّا أنّ تعديلًا قد ورد على هذه المادة بموجب القانون رقم 161/2020 والذي عاد وأجاز استثنائيًا للبلديات أن تنفق هبات مقدمة من جهات غير رسمية حصرًا للأمور المتعلقة بمحاربة فيروس كورونا. كما تم استثنائيًا الإجازة للمؤسسات العامة وكل أشخاص القانون العام والبلديات واتحادات البلديات التي تتمتّع بفائض مالي تقديم هبات نقدية غير مشروطة على أن تكون إلى الحكومة حصرًا وحصرًا لمواجهة تداعيات الفيروس.

وفي الخلاصة، أمكن القول أنّ أحكام هاتين الموازنتين بقيت ذات طابع ترقيعي مجتزأ من دون أي مسعى لمعالجة أساس وهيكل السياسات المالية والنقدية العامة للدولة وكيفية إدارة الدين العام.

 

3- معالجة ذيول الانهيار

جاءت موازنة 2020 تبعًا لبدء انهيار العملة الوطنيّة وتوقّف المصارف عن تسديد قيمة الودائع بالعملة الأجنبية وسط مخاطر إفلاس هذا القطاع برمّته. وكان مصرف لبنان قد فرض أسعار صرف مختلفة في ظاهرة غريبة أدخلت للمرة الأولى في لبنان تفاوتا كبيرا بين سعر الصرف الحقيقي وأدنى سعر صرف معلن من مصرف لبنان. وقد بلغ هذا التفاوت أقصاه مع ارتفاع قيمة الدولار إلى ما يزيد عن 20000 ليرة لبنانية في شهر آب 2021 لتعود وتنخفض قليلا فيما بعد.

من أهم الأحكام الواردة في موازنة 2020 والمرتبطة بالانهيار، الآتية:

اعتماد سعر الصرف الرسمي لاحتساب الرسوم والضرائب

اعتمدت موازنة 20202 مبدأ استيفاء جميع الضرائب والرسوم والأجور من قبل الدولة بالليرة اللبنانية وإذا اقتضى الأمر معادلة الليرة اللبنانية بالعملة الأجنبية يكون ذلك وفقًا "للتسعيرة الرسمية التي يفرضها المصرف المركزي"(م.35). رغم أنّ هذا الإجراء سهّل الكثير على المكلّفين من الطبقات الأقل يسرا، إلّا أنّه حرم الدولة من جزء هام من إيراداتها مع التدهور الكبير في قيمة العملة المحلّية الذي حصل بعد إقرار الموازنة. هذا فضلا عن أن اعتماد سعر الصرف هذا أدى عمليا إلى الإخلال بالعدالة الضريبية بشكل سافر حيث تمّ احتساب المداخيل بالدولار لغاية احتساب الضريبة بقيمة أدنى بكثير من قيمتها الحقيقية. وهذا الأمر إنما يشكّل مؤشّرا إلى نشوء الضريبة التراجعية أي الضريبة التي تقلّ نسبتها كلما ارتفعت المداخيل أقله بالنسبة إلى الذين يتحصّلون على مداخيل بالعملة الأجنبية، وذلك على أنقاض الضريبة التصاعدية.

 

تمديد المهل لتسديد الضرائب والرسوم والغرامات

تمّ تمديد 21 مهلة لتسديد ضرائب ورسوم وغرامات كانت قد منحت في موازنة 2019 لمدة ستّة أشهر (م. 22). ويأتي ذلك على اعتبار أنّ الأزمة قد تفاقمت ولم يعد بإمكان الكثيرين تسديد ما عليهم من متوجبات للخزينة.

 

رفع قيمة الضمانة على الودائع

في ظل المخاوف المتزايدة من إفلاس المصارف وفقدان الودائع، زيادة قيمة الضمان على الودائع من 5 ملايين ليرة إلى 75 مليون ليرة، على أن يدفع 30% من الضمانة فور صدور قرار توقف المصارف عن الدفع أو وضع اليد على المصرف. إلّا أن ذلك لا يعد سوى إبرة مخدّر للمودعين لا بل عملية قص شعر مقنّعة لهم، وهنا نذكر بملاحظات "المفكرة" حول هذه المادة:

  • إنّ تحديد الضمانة على الودائع بما فيها الودائع بالعملة الأجنبية بالليرة اللبنانية التي ما لبثت تفقد قيمتها ومن دون اعتماد أي مؤشر آخر كسعر الصرف المعمول به عند استحقاقها يبقى أمرا نظريا، وبخاصة أن هذه الضمانة لا تستحق إلا في حال إعلان توقف المصرف عن الدفع.
  • إن قرض تسديد 30% فقط من قيمتها مع السماح بتأجيل الباقي يعني أنّ القيمة الفعليّة للضمانة هي 30 مليون ليرة وهو المبلغ الذي يدفع فورًا ويفقد قيمته بفعل استمرار تراجع قيمة العملة الوطنية. أما ما تبقى فقد لا يسدد إلا بموجب سندات خزينة يُترك للمجلس المركزي لمصرف لبنان مهمّة تحديد استحقاقها من دون إلزامه بأجل أقصى. فمدة السنة هي الأجل الأقصى لدفع الأقساط في حال اعتماد طريقة التقسيط أو إصدار سندات الخزينة، وليست المدة لحلول أجل استحقاق هذه السندات. ومن شأن هذا الأمر أن يقضم جزءا هاما من الضمانة سواء بفعل تأخير الدفع أو بفعل مضاعفة مخاطر فقدان قيمة الليرة تبعا لهذا التأخير.
  • إنّ ما تم ذكره هو بمثابة هيركات بنسبة 70% على جميع الودائع دون تمييز بينها. فتأخير دفع ال70% المتبقية من الضمانة دون ضوابط وفوائد وفي ظل الانهيار المستمر لسعر الصرف هو فعليًا تجميد لهذه الأموال التي ستفقد قيمتها سريعًا.

 

تخفيف أعباء العمال المصروفين وتسوية أوضاع العمال الأجانب

أخيرا، تمّ إعفاء تعويضات الصرف من الخدمة من ضريبة الرواتب والأجور من الأول من تموز 2019 وحتّى إقرار القانون، وذلك في مسعى للتخفيف من أعباء الأجراء المصروفين نتيجة للأزمة (م.27).

هذا فضلا عن فتح الباب لإجراء تسويات لأوضاع العمال الأجانب الذين أصبحوا بمثابة المخالفين لشروط العمل والإقامة في لبنان وذلك عبر إعفاءات من الغرامات أو تسهيل عملية نقل الكفيل أو إيجاد كفيل جديد أو تسهيل عملية ترحيلهم (م.21). وقد جاءت التسوية لتحل إشكالات العمال الأجانب العاملين لدى أصحاب عمل باتوا عاجزين عن تسديد رواتبهم بالدولار الأميركي ولكن أيضا لتسهم في إبقاء من يرغب من العمال الأجانب في ظل صعوبة استقدام عمال أجانب جدد.

 

إلى ذلك، سجل عدد من القوانين المرتبطة بقانونيْ الموازنة العامة لهاتين السنتين، هي الآتية:

 

1- الإنفاق وفق القاعدة الإثني عشرية حتى 31/5/2019

صدّق في جلسة 6و7 /3/2019[1] اقتراح القانون المقدّم من النائب ياسين جابر للإنفاق وفق القاعدة الإثني عشرية. وكان يهدف إلى الإجازة للحكومة اعتماد الإنفاق وفق القاعدة الإثنتي عشرية لغاية صدور قانون موازنة عام 2019. إلا أن النقاش النيابي أفضى إلى وضع ضابط زمني قوامه تقصير مهلة هذه الإجازة حتى آخر شهر أيار. يشكل هذا القانون مخالفة جسيمة للدستور، تحديداً المادة 86 منه واستعادة لذكرى سيئة عن غياب الموازنة العامة لما يزيد عن 12 سنة.

 

2- تمديد مهلة الإجازة للحكومة باعتماد القاعدة الإثني عشرية حتى 30/6/2019

في الاتجاه عينه صدّق في 26/6/2019[2] مشروع قانون لتمديد مهلة الإجازة للحكومة باعتماد القاعدة الإثني عشرية حتى 30/6/ 2019. وكانت قد تمت إحالته إلى المجلس النيابي في 28/5/2019. وقضى القانون إذاً بتمديد جديد لمهلة اعتماد هذه القاعدة شهراً إضافياً (حتى آخر حزيران)، بسبب تأخر صدور موازنة العام 2019.

 

3- نقل اعتمادات مؤسسة الإسكان لصالح مؤسسات الرعاية الاجتماعية

جرى التصديق في جلسة 24/9/ 2019[3] على اقتراح قانون تمّ تهريبه من خارج جدول أعمال الجلسة قدّمه النائب ياسين جابر من خارج المهل وقد تمثل في نقل اعتمادات مؤسسة الإسكان لصالح مؤسسات الرعاية الاجتماعية. والخطير أن القانون أقرّ على الأرجح دون معرفة العديد من النوّاب بما كانوا يصوّتون عليه، وقد أدى إلى زيادة الضغط على مؤسسة الإسكان في ظل أزمة سكنية قديمة-مستجدة (مع توقّف القروض السكنية الذي شكّل أحد أول مؤشرات الأزمة[4] ووضع قانون الإيجارات الجديد[5]). فللتذكير، أدت سياسة المصرف المركزي المالية وإصداره التعميم 503/2018 الذي ضبط استخدام المصارف لإحتياطها الإلزامي لأسباب مرتبطة بسعر صرف الليرة، إلى إيقاف القروض السكنية. وفي سياق محاولة امتصاص آثار البلبلة التي أحدثها، صدّق قانون بإجماع سياسي يقضي بفتح اعتماد إضافي في موازنة 2018 قدره مئة مليار ليرة لبنانية في باب وزارة الشؤون الإجتماعية- المؤسسة العامة للإسكان، بهدف تمكينها من دعم فوائد القروض الممنوحة من قبلها. فنقل الاعتمادات من مؤسسة الإسكان إمعان من المجلس النيابي بالسياسة التدميرية للحق بالسكن، خصوصاً وأن المبالغ المرصودة أصلاً للمؤسسة وهي مئة مليار ليرة لا تغطي حاجات السوق المقدّرة ب3000 مليار ل.ل بحسب أرقام وزارة المالية (ذلك قبل انهيار سعر الصرف). وهو متعلّق بنقل ما يقارب 30 إلى 35% من قيمة الاعتمادات المرصودة للمؤسسة العامة للإسكان في موازنة وزارة الشؤون الاجتماعية لصالح مؤسسات الرعاية (خصوصاً الجمعيات التي تُعنى بشوون ذوي الإحتياجات الخاصة بحسب النائب حسن فضل الله) وهو ما وضع حسب النائب حسن فضل الله خلال النقاش النيابي حول الاقتراح "الفقراء بمواجهة بعضهم البعض، والأخذ من جيوب البعض منهم لإعطاء بعضهم الآخر”.

ومن اللافت أن النائب ياسين جابر، صاحب الاقتراح، دافع عنه معتبراً "أن آلاف الشقق فارغة والإيجار لا يكلّف 2% من سعر الشقة"، في ما يفهم منه أنه دعوة لاستئجار الشقق عوض شرائها لتأمين الحق بالسكن. وفي هذا الموقف تغييب تام لتوجّه الدولة الأحادي منذ الستينيات[6] وحتى اليوم نحو تشجيع تملّك الشقق، خصوصاً منذ ما بعد الحرب، خدمة لمصالح رأس المال. كما أنه تجاهل تام لحقيقة سوق الإيجارات في ظل سياسة تحرير الإيجارات وانكفاء الدولة عن دورها الرقابي وغياب أي مؤشر لضبط بدلات الإيجار التي باتت تأكل نسبة كبيرة جدا من مداخيل الأسر.

الأخطر من ذلك، أن نقل الاعتماد يهدف إلى تمويل جمعيات الإحسان (التي هي في غالبها تخضع للمحاصصة السياسية والطائفية) كبديل عن تمكين عدد من اللبنانيين من التمتع بحقوق مكتسبة، منها حق الوصول إلى سكن ميسّر.

 

4- إعطاء سلفة خزينة لكهرباء لبنان

 صدّق في جلستي 6-7/3/2019[7] اقتراح قانون معجل مكرر تقدّم به النائب ياسين جابر في 29/1/2019 يسمح بإعطاء كهرباء لبنان سلفة خزينة طويلة الأجل بقيمة 794 مليار ليرة. 2019. هذه السلفة تهدف إلى تأمين أموال لشراء الفيول وهي تشكّل استمرارا في النهج الذي اعتمدته الدولة في عدم حلّ مشكلة الكهرباء والإستمرار في مسار الاستدانة بدل السعي لتطبيق خطة جدية مستدامة، مع العلم أن السلف لا تردّ وهي عبارة عن فتح اعتمادات إضافية.

 

5- الإجازة للحكومة باقتراض ما يعادل 19 مليار د.أ بالعملات الأجنبية

صدّق في جلسة 6/3/2019[8] اقتراح القانون المعجل المكرر الرامي إلى الإجازة للحكومة باقتراض ما يعادل 19 مليار د.أ بالعملات الأجنبية الذي قدّمه النائب ياسين جابر في 28/1/2019. ومن اللافت أن هذا الاقتراح تمثل بمبادرة نيابية، وتحديدا من النائب ياسين جابر، وذلك تحسبا لإيفاء الدولة بالتزاماتها في وقت كان لبنان يعاني فيه من فراغ حكومي. وقد تدخل في النقاش على الاقتراح 13 نائبا فضلا عن رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير المالية آنذاك علي حسن خليل (وهما نائبان أيضا).

ويلحظ أن هذا النقاش كان يجري في حين قارب الدين العام 100 مليار دولار أميركي وسط أزمة اقتصادية ومالية خانقة وفي ظل تأخير الحكومة عن تقديم مشروع الموازنة العامة لسنة 2019 كما يتعلّق بمبلغ يفوق قيمة الموازنة السنوية دون تحديد وجهة الانفاق. كما كان قد كان سبق لمجلس النواب أن ناقش في عدد من المناسبات[9] إمكانية الاقتراض بالعملات الأجنبية أو تحويل جزء من الدين من الليرة اللبنانية إلى هذه العملات، وإن لم يتطرق النقاش في هذه الجلسة إلى هذه المسألة.

المناقشات النيابية: كان لافتاً جداً النقاش البرلماني حول القانون وما قدّمه من مؤشرات على "الخفة" التي تعاملت بها السلطة بكافة أطيافها مع الأزمة ومؤشرات الانهيار التي بانت قريبة (باستثناء ندرة من النوّاب). ولأهميته ننقل أبرز ما دار من نقاش برلماني.  بدأ النقاش من خلال سؤال وجهه النائب إدي أبي اللمع إلى الحكومة عن سبب الاقتراض من شباط حتى اليوم (آذار 2019). هذا الكلام دفع بوزير المالية إلى الرد فورًا معتبرًا أنّ: “هذا الاقتراح يأتي من ضمن الموازنة العامة بسبب تأخر الموازنة، حضّرنا هذا الاقتراح وطلبنا من الزميل ياسين جابر أن يوقع عليه نظرا إلى حاجة الحكومة في هذا الصدد. هناك خلط بين الإجازة للحكومة إصدار سندات وبين تكليف الحكومة. وكنا مضطرين للبدء بإصدار السندات بالعملة الأجنبية، والاستحقاق الكبير هو في منتصف نيسان”.

وهنا جاءت مداخلة رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان الذي قال: “اليوم هناك حكومة، وليتها تحترم الإنفاق على قدر الموازنة. هناك مشاريع لم تمرّ في لجنة المال. ولنسمع هذه الشروحات ونكوّن قناعة”. وقد تمنى ألا تأتي هذه القوانين بصفة المعجل المكرر، فالمفروض أن يتم درسها من قبل اللجنة المختصة. وكان من اللافت موقف النائب ياسين جابر صاحب الاقتراح، الذي قال: “الظروف التي أتى فيها الاقتراح لم تعد مناسبة، وأنا أسحبه ولتأتي الحكومة بمشروع”. وهنا تدخل الرئيس سعد الحريري: “قدم الاقتراح بغياب حكومة وعلينا أن نسدد الأموال، نحن نفضل أن يأتي المشروع من الحكومة. وعلينا تسديد المبالغ بأسرع وقت ممكن. وهذا أمر يحتاج إلى عمل. إما نسدد أو نفلس”. في سياق مشابه، رأى النائب ميشال معوض أن “علينا أن نواجه الاستحقاقات قصيرة المدى وألا نكمل من دون سياسة إصلاحية. وأنا مع إعادة الجدولة، وأقترح إعطاء إذن للاقتراض على قدر حاجتنا والباقي يكون ضمن الموازنة ويمر عبر لجنة المال.”

وأعلن النائب أسامة سعد رفضه للاقتراح. بدوره اعترض النائب سامي الجميل على اقتراح القانون معتبرا أن الأسباب الموجبة لهذا القانون تقول أن الحاجة التمويلية لعام 2019 للدولة اللبنانية هي 19 مليار دولار، 10 مليار دولار منها سوف تذهب إلى خدمة الدين وسداد الديون ونريد أن نعرف أين ستصرف الأموال الأخرى أي 9 مليارات؟ وأضاف: "لا يجوز أبدا الاستدانة عبر اقتراح قانون من ورقتين، من دون أن نعلم ما هي الأبواب التي سوف تصرف من خلالها هذه الأموال". هنا تدخل وزير المالية مجددًا للرد على النائب الجميّل، فقال: “معاشك ومعاش النواب سامي: هنا عجز الدولة”. وسأل النائب جهاد الصمد: “ما دور مجلس النواب، فقد أصبحنا شهود زور، يراد أن نبصم على كل شيء”.

بالمقابل دعا الرئيس نجيب ميقاتي إلى إقرار الاقتراح مستعيداً الخطاب التهويلي لرئيس الحكومة سعد الحريري بكون “هذه استحقاقات رسمية إذا لم تنفذها الدولة نكون وقعنا في المحظور بموضوع إفلاس الدولة”. وشدد على ضرورة “عقد جلسة طوارىء مالية من أجل دراسة الوضع المالي من كل جوانبه”.

وطرحت صفة العجلة على التصويت، فصدقت. وطرح الاقتراح على التصويت فصدق، مع تسجيل اعتراض نواب الكتائب وجميل السيد وفيصل كرامي وأسامة سعد.

 

6- فتح اعتماد إضافي من الموازنة العامة لتسديد جزء من المصالحات المدققة لصالح المستشفيات الخاصّة في كورونا (167/2020)

 


[1]  المرصد البرلماني-المفكرة القانونية أبرز ما أقرّه المجلس النيابي اللبناني في دورته الإستثنائية: (+) اتفاقية للحد من تغيير المناخ (-) القاعدة الإثني عشرية، الإقتراض بالعملات الأجنبية، تمديد المهلة لتسوية الأملاك البحرية، موقع المفكّرة القانونية تاريخ 8/3/2019

[2] المرصد البرلماني-المفكرة القانونية، ماذا سيناقش المجلس النيابي اللبناني اليوم؟ ، موقع المفكرة القانونية تاريخ 26/6/2019

[3]المرصد البرلماني- المفكرة القانونية سدّ بريصا المثقوب يعرّي سياسة السدود الفاشلة: هل ينقذ فشل بريصا مرج بسري؟ (تعليق على نتائج جلسة 24 أيلول التشريعية)، موقع المفكرة القانونية، تاريخ26/9/2019

[4] ميريم مهنا، اعتماد لدعم القروض السكنية في لبنان، 2018: قروض سكنية على هامش حقوق السكن، موقع المفكرة القانونية، 29/5/2019

[5] ميريم مهنا، حلا نجار، كيف طبّق القضاء قانون الإيجارات التعديلي رقم 2/2017؟ هكذا اختلّ التوازن بين حق الملكية والحق في السكن، موقع المفكرة القانونية، 5/7/2019

[6] ميريم مهنا، أي سياسات إسكانية في لبنان؟، المفكرة القانونية، العدد 60، حزيران 2019

[7] المرصد البرلماني- المفكرة القانونية، أبرز ما أقرّه المجلس النيابي اللبناني في دورته الإستثنائية: (+) اتفاقية لل/حد من تغيير المناخ (-) القاعدة الإثني عشرية، الإقتراض بالعملات الأجنبية، تمديد المهلة لتسوية الأملاك البحرية، موقع المفكرة القانونية، تاريخ 8/3/2019.

[8] المرصد البرلماني- المفكرة القانونية، أبرز ما أقرّه المجلس النيابي اللبناني في دورته الإستثنائية: (+) اتفاقية لل/حد من تغيير المناخ (-) القاعدة الإثني عشرية، الإقتراض بالعملات الأجنبية، تمديد المهلة لتسوية الأملاك البحرية، موقع المفكرة القانونية، تاريخ 8/3/2019.

[9] وللتذكير بأبرز هذه المناسبات، نحيل بشكل خاص إلى الجلسة المنعقدة بتاريخ 2 كانون الأول 2002 حيث رأى العديد من النواب أن من شأن تفاقم الدين بالعملات الأجنبية أن يهدد السيادة الوطنية وأن يزيد من حظوظ إفلاس الدولة