الموقوفون الإسلاميون: العفو العام أم المحاكمة العادلة؟

لور أيّوب

31/03/2018

انشر المقال

صرح النائب عماد الحوت أن 71 في المئة من "الموقوفين الإسلاميين"، في السجون اللبنانية، لن يشملهم العفو العام إذا ما أُقر بالشكل الذي يتم دراسته راهناً في المجلس النيابي". وقال "أن اقتراح القانون المتداول يستثني المتهمين بجرائم القتل العمد والإرهاب، وهي التهم الموجهة لغالبية ال 1200 موقوف إسلامي، من دون وجود أدلة قاطعة وإثباتات"، وفق الحوت. تصريحات الحوت جاءت ضمن ندوة نظمتها جمعية الإرشاد والإصلاح الخيرية الإسلامية بعنوان "تطبيق المحاكمة العادلة في لبنان وموجبات العفو العام" يوم الجمعة في 29 آذار 2018.  شارك في الندوة المحامي عن عدد من ملفات الإسلاميين محمد صبلوح متحدثاً عن ظروف الموقوفين خلال التحقيقات لدى الأجهزة الأمنية في لبنان، فيما سرد الممثل المسرحي زياد عيتاني تجربته في السجن مع الموقوفين الإسلاميين.

اعتبر الحوت أن الموقوفين "تم اعتقالهم دون أدلة على ارتكابهم أي جرائم، حيث أن المحكمة العسكرية تستهل الإتهام بجرمي القتل العمد والإرهاب، بينما انتهت محاكمات كثر بعد نحو خمس سنوات من سجنهم بالحكم ببراءتهم".

في المقابل، يؤكد الحوت أن "كل شخص ثَبُتت عليه تهمة القتل لا ينبغي أن يشمله قانون العفو العام، لكن في حالة الموقوفين الإسلاميين فإنه يتم إعداد ملفاتهم بالجملة، وتحديداً في ملف عبرا". ويشير إلى أنه "تم توقيف أكثر من مئة شخص في الملف نفسه (قتل وقتال في وجه الجيش) ولكننا لا نعرف إن كان أحداً منهم قد ساهم في عملية قتل أم لا" كما قال.

ووفقاً للحوت "فإنه لم يثبت حتى الآن على أحد من هؤلاء أنه قام بالقتل، لكنهم في كل الأحوال سيحاكمون بهذه التهمة، وبالتالي، لن يشملهم قانون العفو العام".

 في السياق نفسه، يلفت الحوت إلى أن العفو العام "دخل للأسف في البازار الانتخابي، وعندما شعرت قوى سياسية أنه من الممكن أن ينقلب عليها سلباً، تم تأجيله إلى ما بعد الانتخابات".

وميّز الحوت بين الشرائح المعنية بالعفو العام معتبراً أن "مروجي المخدرات والذين تربوا في أحضان إسرائيل لا يستحقون هذا العفو كما الإسلاميين"، ليقول "لن نرضى بقانون عفو يشمل هؤلاء ويستثني الموقوفين الإسلاميين".

واستشهد الحوت بقضية الفنان زياد عيتاني معتبراً أنه "طالما تم تلفيق ملف زياد عيتاني، سأعتبر أن الـ 1200 ملف (الإسلاميين) تم تلفيقهم". وبعدما عرض لسياق إصدار قوانين عفو منذ الاستقلال لغاية اليوم، رأى الحوت أنه وبرغم أن "لبنان يعيش في حالة استقرار إلا أن احتياجنا للعفو العام هو بسبب العلة في المنظومة القضائية".

وعليه، يقدم الحوت اقتراحيّن تشريعيين لتطبيق العدالة كما قال: "اقتراح قانون لكف يد المحكمة العسكرية عن محاكمة المدنيين، لاختلافها تماماُ عن المحاكمة أمام القضاء العدلي، والثاني لوضع قاعدة لإلزام القضاة بصياغة عدد من الأحكام كل شهر، لأجل التعجيل بالمحاكمات، عبر فك الملفات عن بعضها".

وأعطى مثالاً عن ذلك حيث أنه "إذا كان هناك ملفات تطال 50 شخصاً، فإن غاب واحد منهم عن جلسة المحاكمة لأي سبب يتأثر بهذا الغياب الـ 49 شخص الآخرين، وتؤجل الجلسات لشهور عدة". كما قال الحوت أنه سيطالب بمنع تدخل السياسيين بالقضاء وضمان استقلاليته.

حقوق الموقوفين: اعتقالات تعسفية وتعذيب

بدوره، تحدث المحامي محمد صبلوح، وهو وكيل عدد من الموقوفين الإسلاميين، عن ما أسماه "التعذيب والتعسف بالاعتقالات العشوائية، والأمور التي تحول دون تطبيق المحاكمة العادلة"، مشيراً إلى أن "لبنان موقّع على معاهدة مناهضة التعذيب والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، وبالتالي هو ملزم بتأمين معايير المحاكمة العادلة".

وتبدأ المحاكمة العادلة وحقوق الموقوفين، وفق صبلوح، "منذ لحظة توقيفهم إلى بدء التحقيق معهم حتى وصولهم إلى القضاء وذلك عبر تطبيق المادة 47 من قانون أصول محاكمات جزائية وبالتالي إعلام الموقوف فور احتجازه بكامل حقوقه وأبرزها توكيل محام يختاره بنفسه أو أن يتم تعيين محام له قبل المباشرة بالتحقيق، بالإضافة إلى الاتصال بالعائلة والخضوع لكشف طبي، وعدم التعرض للتعذيب الجسدي أو المعنوي، وحقه بالاحتجاز في مكان تتأمن فيه الظروف الإنسانية المناسبة".

ولكن في الواقع وفق صبلوح "غالبا لا يتم تطبيق المادة 47 في لبنان، ويتم الختم على المحضر عبارة "تم عرض المادة 47 من قانون أصول محاكمات جزائية، فصرح (أي الموقوف) أنه لا يريد الاستفادة منها". ويقول ساخراً "كل الموقوفين في لبنان لا يريدون الاستفادة من حقوقهم". ليلفت إلى "أنه "في الواقع لا نعرف أي خبر عن الموقوف إلا بعد نحو 20 يوماً من توقيفه"، ليعتبر هذا الأمر "انتهاكاً ثانيا بعدم تطبيق المادة 48 من القانون نفسه والتي تؤكد على عدم تجاوز الاحتجاز لأكثر من أربعة أيام".

يتابع صبلوح، بعد ذلك "يكشف طبيب السجن وهو موظف لدى الجهاز الأمني ويكتب تقريراً بأن الموقوف مؤهل للإحتجاز". ومع ذلك، يقول صبلوح "لا تنتهي الإنتهاكات هنا، إذ يتحول الموقوف إلى التحقيق وهناك تبدأ مخالفات بالجملة، من تعذيب وضرب، ومنع الموقوف من قراءة ما تم تسطيره من سيناريوهات على محضر التحقيق، ويجبر الموقوف أن يوقع عليها بشكل عرضي".

ويعتبر صبلوح أنه عندما "يتعرض الموقوف لسوء التعذيب أو المعاملة على يد الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون، أو عندما تتسم تفقد الإجراءات القضائية نزاهتها، فإن نظام القضاء الجنائي يفقد مصداقيته". ويضيف "إن لم تصن حقوق الإنسان في مراكز الشرطة ومراكز الإحتجاز والإستجواب وقاعات المحكمة وزنازين السجون، تكون الحكومة قد اخفقت بأداء واجباتها وأخلت بالمسؤوليات التي أنيطت بها". ويعتبر أن الشيخ أحمد الأسير مسجون في الإنفرادي منذ ثلاث سنوات بشكل يخالف القانون الذي ينص على أن العقوبة التأديبية هي السجن الإنفرادي لمدة أسبوعين فقط". وتوقف عند الكتاب الذي أرسلته الأمم المتحدة إلى وزارة العدل تتساءل فيه عن ظروف إحتجاز الاسير، واحتجازه في غرفة مظلمة ولا يصلها الهواء". "فكان رد وزير العدل أن "هذه حال السجون في لبنان، أي أن الدولة اللبنانية ليس لديها ميزانية لشراء لمبة" بحسب تعبير صبلوح.

لذا، يعتبر صبلوح أنه هناك "معياريّن إثنين لتطبيق أسس المحاكمة العادلة. أولاً إستقلال القضاء، حيث يحاكم المرء أمام محكمة غير منحازة وشفافة، كما استقلال المحامين"، لافتاً إلى "أن المحامين يمنعون من الاطلاع على المستندات كافة، وغالباً ما يقدمون أدلة ولا يتم الأخذ بها، فضلاً عن عدم استفادة المحامين من المدة الزمنية المعقولة والتسهيلات الكافية لإعداد الدفاع". وهنا يذكر صبلوح أن المحامين "لم يتمكنوا من الإطلاع على التقارير الطبية وأسماء شهداء الجيش اللبناني في ملف عبرا. والحال أن المتهمين بهذه الملفات يواجهون أحكام الإعدام". وهنا  يؤكد صبلوح على حق الموقوف بالطعن بمشروعية الإحتجاز وفقاً للقانون.

وينتقل صبلوح إلى مشكلة "وثائق الإتصال" التي يتم العمل بها حتى الآن، علماً أن الحكومة قد أصدرت مرسوماً في تموز 2014 الغت بموجبه العمل بها"، مؤكداً "صدور آلاف وثائق الاتصال حيث يتم الإعتقال بموجبها من دون أي إشارة من النيابة العامة بل من الجهاز الأمني وحده". ويتم الإحتجاز، وفق صبلوح، "في الغرف المظلمة لأيام وأسابيع مع التعذيب، ودون الإلتزام بالإجراءات القانونية التي تجبر الجهاز الأمني التقيد بها، لا سيما لناحية الإفصاح عن المعلومات الخاصة بظروف الإحتجاز"، وفقاُ لصبلوح.

ويقدم صبلوح أمثلة عدة عن انتهاكات طالت الموقوفين الإسلاميين، ومنها "ملف متفجرة التل، التي سببت بسجن 35 موقوفاُ لا علاقة لهم بالتفجير، وحوكم منهم بالإعدام والمؤبد ما بين الـ 15 سنة والـ 20 سنة، كما حكم آخرين بالبراءة" وفقاً لصبلوح. ويعتبر أن ذلك حصل "بسبب فشل الأجهزة الأمنية بتوقيف المجرم الحقيقي". ويلفت صبلوح إلى أنه "ناشد حينها وزير العدل الأسبق شكيب قرطباوي وحاول الأخير أن يقنع رئيس الجمهورية بإعداد قانون عفو خاص، لكن من يجرؤ؟" بحسب تعبيره. ويعرض صبلوح مثالاً آخر وهو "صدور أحكام براءة بحق 45 شخصاً من فتح الإسلام بعد مرور 10 سنوات على إحتجازهم".

وفيما اعتبر صبلوح أن قضية المخرج زياد عيتاني هي مادة حسية في هذه الندوة، حيث "كان ليحكم بالسجن لعشر سنوات بسبب الفبركة ظلماً لو أن قاضي التحقيق لم يعد النظر بملفه". ومن ملف عيتاني انطلق صبلوح ليؤكد "أن هناك أجهزة أمنية تلفق الملفات وهو مسؤول عن كلامه". لكن عيتاني الذي كان حاضرا في الندوة اعترض على كلام صبلوح ليعتبر أن قضيته هي "قضية فردية ولا يلام فيها الجهاز بأكمله بل الموظف الذي حقق معه".

عيتاني "هكذا تعرفت إلى مظلومية الموقوفين الإسلامين"

قال عيتاني أنه تعرف إلى مظلومية الموقوفين الإسلاميين لدى نقله من السجن الإنفرادي إلى الزنزانة التي يتواجد فيها عشرات من الموقوفين. يحكي عن تعرفه إلى شاب في العشرين من عمره، متهم بقضية إرهاب. يقول عيتاني أن هذا الشاب أخبره أنه لدى اندلاع الأحداث في سوريا كان متحمساً وقد قام بالتواصل مع أشخاص من جبهة النصرة وهو لم يكن قد تجاوز الـ 15 عاماً. يتابع، "اليوم تذكرته الأجهزة الأمنية وقامت باحتجازه بسبب عمل اقترفه خلال مراهقته، وقد علمت مؤخراً أنه تم نقله إلى سجن رومية".

وأظهر عيتاني تعاطفه التام مع قضية الموقوفين الإسلاميين، وقال أنه كان شاهداً عند انتقاله إلى "سجن رومية على القساوة التي تعاني منها عائلات الموقوفين". إذ يؤكد أن "غالبية من الأهالي يتنقلون بشكل مستمر من مناطق بعيدة مثل عرسال إلى رومية بهدف رؤية أولادهم"، وهو ما أثر به وحثه على متابعة هذا الملف بعد إخلاء سبيله.