الياس جرادة... لترميم أجزاء لبنان معاً: ماذا فعل النواب الأطباء في يوم البايجر؟

رازي أيوب

24/09/2024

انشر المقال

في 18 أيلول، اليوم الثاني من مجزرتي أجهزة "البيجر" واللاسلكي المروّعة[1]، ولمّا استوعب الناس الصدمة، برز على وسائل التواصل الاجتماعي "فيديوهات" وأخبار مؤثّرة، نقل بعضها على ألسنة أطباء من المستشفيات اللبنانيّة وهم يروون حجم الكارثة من منظور طبي، ومدى التضامن المجتمعي وتفاعل الجسم الطبي مع ما جرى. ومن بين المقاطع المتداولة، مقطع من مقابلة مع النائب الياس جرادة لاقى رواجاً واسعاً. بدا فيه جرادة وهو خارج من عمليات الجراحة بالغ التأثّر، لم يتمالك نفسه وبكى أمام الكاميرا، كان واضحاً أنّ جرادة يمّر بنوع من التروما، نسمعه يتمتم بصوت مختنق يقول، "بتنحط بنفس الموقف؟!!!". ويضيف في مقابلة مع "الجزيرة" بعد أن تمالك نفسه، "نفس المشهد من أربع سنين وكنا بنفس المسؤولية" (إشارة ربما إلى قنص متظاهري 17 تشرين في أعينهم عام 2020)، ويردف أنه كان يرى في كل مريض جزءاً من لبنان، "كنت عم حاول رمم شي من لبنان".       

بصرف النظر عن رواج الفيديو، كان جرادة مميزاً من بين النوّاب الأطباء وعددهم 15، بخاصّة وأنّه اعتبر أنّ مهنته كطبيب تتقدّم على أي عمل آخر في مثل هذه الأوقات. أمّا سبب ذلك وفق ما عبّر في المقابلات التي أجريت معه فتوقه لترميم الوحدة بين اللبنانيين. وهي الرسالة التي بدا أنها تتصدر عناوين خطاب جرادة منذ انتخابه. ولكن هناك سبب آخر لتميّز جرادة يعود بلا شك إلى تاريخه كونه أحد أشهر أطباء العيون ومن بين حائزي لقب "طبيب الفقراء"، علاوة على تاريخه ومعاناته من عنف إسرائيل بعد أن قضى 8 أشهر في سجونها. هو يعرف بالتالي معاناة كثير من الأسرى الذين فقدوا عيونهم جراء التعذيب في سجون الإحتلال، ويعرف استمرار معاناة هؤلاء ولو خرجوا من الأسر.

وفي مقابلة له أول أمس على "الجديد"، يقول جرادة "لا أعتقد، أنني أو أنّ سواي (من الأطباء)، كان ليتخيل ما قد جرى، سواء إنسانياً أو طبياً أو وطنياً"، وأكّد أنه من الناحية الطبية لم يكن أحد مهيئاً لهذا الكمّ من الضحايا. موضحاً أنّه في الحالات الطبية المتعلقة في العيون، يعطى المرضى مواعيد في أغلب الأحيان وتبقى حالات الطوارئ قليلة ويمكن احتواؤها بسلاسة. أمّا أن يأتي هذا الكم الهائل من الجرحى، ولديهم إصابات مرافقة (غير الإصابة في العين)، فقد أحدث ذلك ضغطاً هائلاً على الجسم الطبي، وإن نجح في تجاوزه كما يوضح جرادة.

وعن مدى تأثّره شخصياً، قال أنه كان يرى في كل مصاب ابنه أو أخاه أو جاره. وأردف أنّ الهمّ الوطني يتقدّم عنده في هذه اللحظات، "هؤلاء تريد أن تبني حلماً ووطناً معهم. وفي هذه اللحظة لا يوجد انتماء سياسي أو عقائدي إنما انتماء وطني فحسب". وشدّد جرادي أنه "لا يجب على أحد في لبنان أن يتوهم أن تكون له حياة دون الآخرـ أو أنه يحقق انتصاراً أو أهدافاً على حساب انكسار شريكه في الوطن". وأكّد أنه لا يمكن أن ننتصر إلّا معاً. وأطلع جرادة الناس على النواحي التقنيّة المتعلّقة بإمكانيّة ترميم عيون المصابين والعلاج الطبي والنفسي. وعاد ليؤكّد "أتمنى من كل قلبي أن أتمكن من المتابعة معهم". وأكّد جرادة على ضرورة الوقوف بجانب هؤلاء "ممنوع أن ينكسر أحد في هذا البلد! ممنوع!". وختم أنه "لا يجب أن نترك جرحانا خلفنا مهما يكن". 

ويشار إلى أن آخرين من النواب الأطباء عبروا بشكل أو بآخر عن تضامنهم، بعضهم بزيارة المصابين مثل النائب شربل مسعد في جزين، والنائب عبد الرحمن البزري في صيدا،و النائب علي مقداد في البقاع. ووصف البزري في تعليق له ما جرى أنه "عملية مبرمجة الهدف منها التشويه وفقدان البصر"، وأنها تذكر بالعدوان على الشعب الفلسطيني عام 2018 والذي استهدفه بإصابات تؤدي إلى عطل دائم. وأوضح أنّ هذا يؤدي إلى مشكلة صحية متراكمة، وأن العديد من المصابين قد يحتاج 5 إلى 12 تدخلا جراحيا. وتحدث البزري في مقابلة أخرى عن البطولات الطبية، واعتبر أن الأطباء قد انتصروا على العدو الإسرائيليّ.

وعلّق النائب غسان سكاف أنّ "المشهدية الدموية التي تسبّبت بها دولة مجرمة البارحة، زادها الظلم وغذاؤها الاغتيالات، تحوّلت إلى حالة وطنية بإجماع تعاطف كافة المكونات رغم (الاختلافات)، مع الشهداء والضحايا والمصابين". كما شدد النائب ميشال موسى على "أن ما يصيب أي لبناني، إنما يصيب جميع اللبنانيين وأمنهم واستقرارهم"، داعيا إلى "تعزيز التضامن والوحدة الداخلية"، وندد بالعدوان الذي يعدّ "انتهاكا للحرمات والقيم الإنسانية والأخلاقية وخرقا للقوانين والأعراف الدولية". وكذلك فعل نواب أطباء آخرون شاركوا بتعليق على الأقل عبروا فيه عن تضامنهم أو تنديدهم بالعدوان، مثل النواب إيهاب مطر، بلال الحشيمي، وعناية عز الدين، وحيدر ناصر، وسامر التوم، وفريد البستاني، وعماد الحوت، وبلال عبدالله. وأثنى الأخير على جهوزية وزارة الصحة وعلى اندفاعة المستشفيات والأطباء والجهاز التمريضي والإسعافي في كل لبنان، "الذين أثبتوا ويثبتون أن إرادة اللبنانيين أقوى من أن يقهرها العدو الاسرائيلي مهما مارس من غدر وقتل ووحشية!".

 


[1]ذهب ضحيتها نحو 37 شخص، بينهم أطفال ونساء، وخلّفت أكثر من ألفي جريح المئات منهم إما حالتهم مستعصية أو فقدوا طرفاً من جسدهم. وشكّلت سابقة في الشكل لجهة تزامن توقيت انفجارات الأجهزة في أماكن مختلفة في لبنان، وتركّز الإصابات في العيون والأوجه والأيدي، مخلفّة الكثير ممن فقدوا نظرهم تماماً. والأخطر هو أنها شكلت سابقة في الوسيلة لجهة عسكرة سلسلة توريد الأجهزة، وتفخيخ سلع في إحدى مراحل السلسلة. ما طرح أسئلة حول إمكانية الثقة بالعولمة لناحية تعدد مراحل إنتاج وتوريد السلع –من شأن تعدد المراحل تقليل تكلفة الإنتاج-، وإمكانية ثقة المستهلك بأي منتج تقني أو غذائي، الخ.. بخاصة في الدول غير الصناعية والتي تعتمد بشكل كبير على الاستيراد الخارجي.