انتخابات أجهزة المجلس: التغيير تحت سقف الطائفية والمحاصصة

إيلي الفرزلي

19/10/2022

انشر المقال

لم تمر انتخابات أعضاء اللجان النيابية وأعضاء مكتب المجلس بالتزكية كما أمل الرئيس نبيه بري، خلال جلسة أمس. البداية كانت بوجود ترشيحات عدّة لأمانة سرّ المجلس، واتّسعت لتشمل من بعد لجنتيْ المال والموازنة والإدارة والعدل.

دروز ضد دروز والأرمن ضد الأرمن

في البدء، كانت ترشيحات أمانة سرّ المجلس. وقد ذهبت إدارة المجلس إلى تطييف مركزيْ أمين السر بحيث يخصص أحدهما لنائب ماروني والآخر لنائب درزي، بحيث يتنافس على كل من هذه المركزين المرشحون من الطائفة المعنية. وفي حين انسحب الياس حنكش من السباق ليحظى آلان عون بالمقعد "الماروني"، تنافس على المركز الدرزي النائب مارك ضو وهادي أبو الحسن الذي حاز عليه بأكثرية 85 صوتا مقابل 30 صوتاً

في انتخابات المفوّضين، تكرّر الحرص على التوازنات الطائفية كما حصل في الانتخابات الماضية. عرض رئيس المجلس أسماء المفوضين الثلاثة الحاليين، وهم هاغوب بقرادونيان وميشال موسى وعبد الكريم كبارة، فأعلنت بولا يعقوبيان الترشّح، لكن جدالاً ظهر ربطاً بآلية الانتخاب. أوضح النائب ملحم خلف أن المادة الثالثة من النظام الداخلي للمجلس تحتّم "انتخاب ثلاثة مفوضين بورقة واحدة بالغالبية النسبية". وهو ما كان رفضه كل من جبران باسيل وجورج عدوان ثم وائل أبو فاعور، الذين طالبوا بأن يقتصر الانتخاب على المقعد الأرمني، مع اعتبار العضوين الآخرين فائزين بالتزكية. أما السبب، فالخوف من أن يفوز عضوان أرمنيان، ما يؤدّي إلى اختلال التوازن المعمول به في المجلس. علماً أن البعض أكد أن هذه الممارسة ليست عرفاً وبالتالي لا شيء يمنع من فوز أي نائب، بغض النظر عن طائفته، طالما أنه حصل على الأغلبية.

بري كذلك، كان حريصاً على هذه الممارسة، وبعدما كان طلب وضع ثلاثة أسماء على ورقة واحدة، عاد ووافق على اقتراح كتابة اسم واحد. وعليه، طلب توزيع الأوراق على أن يتم الاختيار بين يعقوبيان وبقرادونيان فقط، وهو ما حصل، حيث لم تحصل الأخيرة سوى على 23 صوتاً، مقابل 85 صوتاً لبقرادونيان.

انتخابات المال والموازنة والإدارة والعدل

بعد ترشحه لأمانة سر المجلس، فاجأ ضو رئيس المجلس بالترشح لعضوية لجنة المال. وقد تعاملت أحزاب السلطة مع هذا الترشيح بوصفه ترشيح تحدٍّ، واجهوه سريعاً بترشّح النائب عدنان طرابلسي. فكانت النتيجة أن نال طرابلسي 60 صوتاً مقابل 44 لإبراهيم منيمة، فيما لم ينل ضو أكثر من 22 صوتاً، علماً أن أغلب المرشحين حصلوا على ما يزيد عن 100 صوت، وكان أكثرهم نيلاً للأصوات النائب آلان عون ب 110 أصوات.

الأمر تكرر في انتخابات لجنة الإدارة والعدل، حيث أعلنت النائبة حليمة قعقور ترشيحها إلى عضوية اللجنة. لكن قبل بدء عملية الاقتراع، اقترح النائب أديب عبد المسيح على الرئيس نبيه بري اللجوء إلى التزكية كخطوة إيجابية تبدأ في لجنة الإدارة والعدل بانسحاب أحد أعضاء اللجنة وانضمام قعقور وتستمر في كل اللجان. لكن بري كشف أن النائب ميشال معوض كان قام بهذا المسعى، وتواصل معه ومع عدد من النواب التغييرين، على أن تضم كل لجنة عضواً من الكتلة التغييرية، لكن هذا المسعى فشل. كما أشار بري أن النائب الياس بو صعب كان قد سعى إلى التوافق منذ عدة أيام ولكن مساء أمس أخبرني بفشل هذه المساعي، والدليل ما حدث من ترشيحات. وأوضح بري أنه "حتى إن كان المسعى يقضي بأن يحلّ أحد النواب التغييريين مكان نائب آخر ولو من كتلتي وحتى ولو كان كافة نواب المستبدلين من كتلتي أنا أتعهد بذلك". أضاف: أنا لا زلت مستعداً لذلك، وعلى سبيل المثال أن نستبدل أحد أعضاء كتلتي في لجنة الادارة والعدل بزميل آخر من نواب التغيير كالنقيب ملحم خلف، هذا الكلام قلته وتعهدت به على أساس أن يحصل التفاهم كسلة متكاملة لكنكم كسرتم الإتفاق وذهبتم الى الانتخابات".

لكن مع إعلان كل من خلف وضو الاستعداد للسير في التسوية على أن تبدأ بلجنة الإدارة والعدل وتشمل البيئة والتربية وغيرها، بدا واضحاً أن بري لم يعد يريد التسوية.

النائب علي حسن خليل تولى من جهته الدفاع عن التوافق المشروط. من دون أن يعرف هذا الشرط: هل هو استعداد بري للسير بملحم خلف دوناً عن القعقور، أم أن المطلوب كان إعلانها أولاً انسحابها؟ الكتلة التغييرية اعتبرت أنه لو وافق بري فعلاً على التزكية لكان سحب أحد نوابه لتحل محله القعقور، فيما نواب بري اعتبروا أن المطلوب كان انسحاب قعقور، وطالما أنها أبقت على ترشيحها فهذا يعني رفض التزكية. لكن في مطلق الأحوال بدا واضحاً أن حديث بري عن استعداده للتنازل كان منتهي الصلاحية، فهو رأى أن الاتفاق فرط، ولم يعد ينفع ترقيعه. فبالرغم من أن انتخابات لجنة الإدارة والعدل لم تكن قد بدأت إلا أنه اعتبر أنه صار ملزماً باستكمال التصويت لأنه تم توزيع المغلفات. ومع بدء فرز الأصوات، تدارك المجلس المدّة الطويلة التي استغرقها في فرز أصوات انتخابات لجنة المال والموازنة، فقام بجمع اللوائح الكاملة التي صوّتت باتّجاه عدم حصول أي تغيير في أعضاء اللجنة، وبلغ عددها 64 صوتاً. واقتصر الفرز على اللوائح التي تضمنت تعديلات على التشكيلة الحالية. وبالنتيجة، بقيت اللجنة على حالها دون تغيير، مع خسارة النائبة حليمة قعقور التي لم تحصد سوى 18 صوتاً. وكما حظي رئيس لجنة المال إبراهيم كنعان بشبه إجماع النواب (102 صوتا)، حاز رئيس لجنة الإدارة العدل جورج عدوان على 100 صوت، ما يعكس حرصاً من جميع الكتل، حتى المتخاصمة سياسياً، على تكريس التوازنات المبنية على المحاصصة في اللجان، أكثر مما يتعلق بالرضا على أداء رئيس هذه اللجنة أو تلك.

في هذه المعمعة، لم يشر بري إلى القطبة المخفية التي طيّرت التفاهم قبيل الجلسة. فبحسب النائبة بولا يعقوبيان، الاتفاق الذي كان يسعى إليه أبو صعب انتهى عندما رفضت السلطة تمثيل الكتلة التغييرية في مكتب المجلس أو في رئاسة أي لجنة، مكتفية بالموافقة على تمثيلها في عضوية اللجان. وهو ما تم رفضه، فكانت الانتخابات هي البديل. وهي لم تؤدّ إلى وصول أي من المرشحين، لكنها ساهمت في سحب عضوية لجنة المال من منيمنة.

بعد تجربة مكتب المجلس ولجنتي المال والموازنة والإدارة والعدل، لم يترشح أي من النواب التغييريين فبقي القديم على قدمه، بحيث تمّت تزكية جميع أعضاء اللجان الأخرى من دون تعديلات تُذكر باستثناء:

•       لجنة الأشغال العامة: حلّ النائب أديب عبد المسيح مكان النائب محمد يحيى.

•       لجنة الصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية: حلّ النائب علي المقداد مكان النائب أحمد رستم.

•       لجنة الشباب والرياضة: حلّ النائب جهاد بقرادوني مكان النائب كميل شمعون.

أمّا في ما خصّ رئاسة اللجان ومقرّريها، فكان لافتا إعلان رئيس المجلس النيابي لأسماء هؤلاء، علما أنّ النظام الداخلي يفرض أن تلتئم اللجنة خلال 3 أيّام لانتخاب الرئيس والمقرر. إلّا أنّه تبيّن لاحقا أنّ أعضاء هذه اللجان قد وقّعوا على أوراق تُفيد موافقتهم على السير برئاسة وعضوية اللجان كما هي عليه. إلّا أنّه برزت بعض الاستثناءات على ذلك لجهة:

•       لجنة الاقتصاد والتجارة والصناعة والتخطيط: أعلن رئيس كتلة لبنان القوي جبران باسيل ترشيح النائب فريد البستاني لرئاسة اللجنة التي يرأسها حاليا النائب ميشال ضاهر. وقد رفض ضاهر الاستغناء عن منصبه، طالبا حصول انتخابات للّجنة. وهو ما حصل بعد انتهاء الجلسة، حيث فاز البستاني بأغلبية 6 مقابل 5 أصوات لضاهر.

•       لجنة الإعلام والاتصالات: طلب النائب محمد سليمان إعفاءه من منصب المقرّر لأنّه لا يمتلك الوقت للقيام بمهامه. عندها أعلن النائب ياسين ياسين استعداده لتولّي المنصب، وقد تُرك الأمر لانتخابات داخل اللجنة.