بانتظار "مختارة" الحيّ: الانتخابات الاختيارية بيد هيئة بلا موارد

وسام اللحام

27/04/2023

انشر المقال

تقدم النائبان بولا يعقوبيان وياسين ياسين بتاريخ 14 آذار 2023 باقتراح قانون يهدف إلى تعديل أصول انتخاب المختارين والمجالس الاختيارية بهدف تحديثها وتطويرها. وقد أشار الاقتراح في أسبابه الموجبة أن المختارين والمجالس الاختيارية تلعب دورا مهما في تأمين مشاركة الجماعات المحلية لا سيما على مستوى القرى والأحياء في إدارة شؤونها الذاتية عبر تسهيل أمور أهاليها وتمثيلهم في مراجعة السلطات. لذلك كان من الضروري أن تكون الانتخابات الاختيارية معبّرة عن صحة التمثيل ومحكومة "بالضوابط الصارمة للحملات والعملية الانتخابية بما يضمن تكافؤ الفرص وصدقية ونزاهة الانتخابات".

وينطلق الاقتراح من ضرورة تحديث الأحكام المتعلقة بالانتخابات الاختيارية علما أن آخر تعديل لها حصل سنة 1997 "أي منذ حوالي خمسة وعشرين عاما، ولم يحصل بعدها أيّ تطوير جدّي لهذه الأحكام بما يواكب أقله التعديلات الحاصلة على صعيد الانتخابات النيابية والقوانين المتعاقبة المتعلقة بها (...) ومطالب الرأي العام وفئات الشعب اللبناني وفعالياته وأجياله". 

وعلى الرغم من أن مجلس النواب قد أقرّ مؤخرا قانونا قضى بتمديد المجالس الاختيارية حتى تاريخ أقصاه 31/5/2024. لكن هذا الأمر لا يمنع من إبداء الملاحظات التالية على الاقتراح المذكور: 

يتقاطع هذا الاقتراح في نقاط عديدة منه مع الاقتراح الذي تقدّم به أيضا النائبان يعقوبيان وياسين حول تعديل النظام الانتخابي الخاص بالبلديات. لكن الاختلاف الجوهري بينهما هو أن الاقتراح الخاص بالبلديات تبنّى نظام التمثيل النسبي في الانتخابات البلدية بينما الاقتراح الحالي يحافظ على النظام الأكثري من أجل انتخاب المختارين والمجالس الاختيارية . ولا شكّ أن هذا الأمر منطقي ليس فقط للطابع المحلي والأهلي للانتخابات الاختيارية التي تجري ضمن نطاق أضيق أحيانا من البلديات أي في الأحياء التي تتألف منها تلك الأخيرة، لكن أيضا للطابع الفرديّ عندما يتم الاكتفاء بانتخاب مختار واحد لكلّ حي من دون أعضاء اختياريّين كما هي الحال في المدن والقرى التي يتألّف المجلس الاختياري فيها من مختار وثلاثة أعضاء.

ومن أهم الإصلاحات التي يتضمّنها الاقتراح تبني أوراق اقتراع رسمية تضعها وزارة الداخلية مسبقا بالنسبة لكل قرية أو حيّ ما يساهم بتعزيز نزاهة العملية الانتخابية ويحدّ من إمكانيّة الفساد عبر الحفاظ على مبدأ سرية الاقتراع ويمنع الضغط على الناخبين. 

كما يلحظ الاقتراح إمكانية انضواء المرشحين ضمن لوائح رسمية مع تحديد مقعد كلّ منهم. ويفهم من هذا التعديل المقترح أنه يخص المجالس الاختيارية  التي تتألف من أكثر من عضو. لكن هذه اللوائح غير إلزامية إذ لا شيء يمنع من تقديم ترشيحات فردية ويبقى الناخب محتفظا بحريته من أجل تشكيل المجلس الاختياري وفقا لما يراه مناسبا. فاللوائح الرسمية التي يتم تشكيلها هي، خلافا للانتخابات النيابية، غير مقفلة، وهذا ما يظهر جليا في الاقتراح الذي ينص صراحة على أن اقتراع الناخب لمرشح واحد فقط من ضمن اللائحة لا يعتبر اقتراعا للائحة بأكملها "ويبقى للناخب حق اختيار غيره من المرشحين المنفردين أو المنضوين ضمن لوائح أخرى حتى اكتمال العدد المطلوب انتخابه".

ومن الإصلاحات المهمة التي يعتمدها الاقتراح إخضاع الانتخابات الاختيارية لرقابة هيئة الإشراف على الانتخابات لجهة التمويل والإنفاق الانتخابي والإعلام والإعلان الانتخابيين، ما يعني توسيع صلاحيات الهيئة وتعزيز دورها ما يعيدنا مجددا إلى إشكالية مدى قدرة الهيئة ضمن إمكانياتها الحالية من الإشراف الفعلي على الانتخابات الاختيارية  التي تضم آلافا من المرشحين. وما يفاقم من صعوبة هذا الأمر هو أن مقدّمي الاقتراح سبق لهما وأن تقدّما باقتراح يجعل من الانتخابات البلدية خاضعة أيضا لرقابة هيئة الإشراف. وبما أن الانتخابات البلدية والاختيارية تجري دائما في لبنان بشكل متزامن، الأمر الذي يعني أن هيئة الإشراف يتوجب عليها، في ظل تواضع إمكانياتها وعدم اكتراث السلطة السياسية لحل المصاعب التي تواجهها، القيام بمجهود جبار لمراقبة آلاف المرشحين ليس فقط في الانتخابات الاختيارية  لكن أيضا البلدية، وهو أمر دونه عقبات جمة. فالإصلاح لا يمكن أن يتم في النصوص القانونية فقط بل هو يتطلب وجود إرادة سياسية تسمح بتفعيل دور مؤسسات الدولة وتعزيز شرعيتها، الأمر الذي يبدو أنه بعيد المنال حتى الآن في ظل هيمنة السلطة الحاكمة الحالية. 

ويعيد الاقتراح التذكير بالمادة الثانية من القانون رقم 306 الصادر في 28/10/2022 المتعلق بالسرية المصرفية التي سبق وأن أعلنت صراحة عدم تطبيق السرية المصرفية على المرشحين للانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية، كما يعمد الاقتراح إلى توسيع صلاحيات الهيئة لجهة ممارسة رقابتها على الإنفاق الانتخابي إذ يمنحها القدرة على الاطلاع في أي وقت تشاء على أي حساب أو معلومات مصرفية عائدة لأي من المرشحين. 

وقد تنبه الاقتراح لضرورة تعديل سقف خلال الحملة الانتخابية نظرا لطابعها المحلي فنص على سقف للإنفاق يحدد لكل مرشح بلدي بمئة مليون ليرة يضاف إليه 50 ألف ليرة عن كل ناخب مسجل في القرية أو الحي. 

في النهاية، يتبين أن هذا الاقتراح يؤدي إلى إدخال إصلاحات مهمة لكنها أقل طموحا من الإصلاحات الموجودة في اقتراح الانتخابات البلدية المقدم أيضا من النائبين يعقوبيان وياسين، وبخاصة لجهة خلوه من مبدأ المناصفة الجندرية أو الكوتا لذوي الحاجات الخاصة. فالانتخابات الاختيارية نظرا لطابعها الأهلي ولقربها الشديد من الحياة اليومية للمواطنين يمكن أن تساهم بشكل فعال جدا بتعميم ثقافة انتخابية جديدة تؤدي إلى تكريس دور المرأة "كمختارة". فمؤسسة المختار ورثها لبنان من الحقبة العثمانية وقد غلب عليها لسنوات طويلة الطابع الذكوري. لذلك كان من الضروري تكريس مشاركة المرأة في المجالس الاختيارية  لأن التماس بينها وبين سائر المواطنين سيعزز دورها في الحياة العامة ويجعل من حضورها في مركز القرار أمرا مألوفا.

للاطّلاع على اقتراح القانون، إضغطوا هنا