تجديد منح الحكومة حق التشريع في الحقل الجمركي: خطوة ضرورية لمواجهة الأزمة

11/09/2023

انشر المقال

وافق مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 16/8/2023 على مشروع قانون يمنح الحكومة حق التشريع في الحقل الجمركي لمدة ثلاثة سنوات بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء وذلك اعتبارا من تاريخ 18/10/2023، بينما نصت المادة الثانية من المشروع على تخويل الحكومة أيضا صلاحية تعديل التعرفة الجمركية مباشرة أو أن تنيب المجلس الأعلى للجمارك كي يمارس هذه الصلاحية.

وقد بررت الأسباب الموجبة طلب الحكومة هذا بأن التفويض الحالي الذي أقره مجلس النواب بموجب القانون الصادر في 18/10/2018 ينتهي في 17/10/2023 ما يحتم ضرورة تجديده لأن "الحفاظ على المصلحة العامة واستمرارية الدور الجمركي الفعال تفرضان بقاء السلطات المختصة مهيّأة في كل وقت لاتخاذ الإجراءات الضرورية ووضعها فورا موضع التنفيذ وذلك بالنظر لطابع السرعة التي تتّسم بها التشريعات الجمركية ولطابع السرية خلال فترة دراستها وإعدادها حتى إصدارها".

لا بد من التذكير هنا أن التعرفة الجمركية من الأمور التي تدخل ضمن فئة الضرائب والرسوم التي فرض الدستور في المادة 81 منه ضرورة تحديدها من قبل السلطة التشريعية، أي بموجب قانون يقره مجلس النواب، وبالتالي لا يحق في المبدأ للسلطة التنفيذية أن تتّخذ مراسيم تؤدّي إلى تعديل التعرفة الجمركية كون ذلك يخرج عن صلاحيّاتها بموجب نصّ دستوريّ صريح. لكن لبنان اعتمد منذ 1950 وسيلة مختلفة من أجل تحديد التّعرفة الجمركيّة قوامها إقرار مجلس النواب لقانون يمنح بموجبه للحكومة لفترة زمنية محددة صلاحيّة التشريع في الحقل الجمركي. وقد جاء هذا الحلّ حينها بسبب القطيعة الاقتصادية بين لبنان وسوريا وما رافق ذلك من نهاية الوحدة الجمركية التي كانت قائمة بين البلدين خلال الانتداب الفرنسي ما أدى إلى فقدان المجلس الأعلى للمصالح المشتركة الذي كان يضم ممثلين عن الحكومتين اللبنانية والسورية، دوره بخصوص التعرفة الجمركية التي كانت من ضمن صلاحياته.

وهكذا منذ ذلك التاريخ، بات يتمّ تجديد هذا التفويض دوريا. فقد صدرت عشرات القوانين المشابهة كان آخرها القانون رقم 93 تاريخ 10 تشرين الأول 2018 والذي منح الحكومة لمدة خمس سنوات "حقّ التشريع في الحقل الجمركي بمراسيم تتّخذ في مجلس الوزراء". لا بل أن القانون سمح أيضا للحكومة فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية أن تنيب المجلس الأعلى للجمارك في ممارسة هذا الحق.

إن هذا المشروع يسترعي إبداء الملاحظات التالي:

تفويض تقليديّ لا بدّ منه

لا شكّ أنّ طبيعة التعرفة الجمركية، التي تتطلب السرّية وفرضها بشكل سريع ومباشر، هي التي أرغمتْ مجلس النواب على الاستمرار بتفويض صلاحيات ماليّة تدخل في صلب اختصاصه التشريعي. وقد أصبح منح الحكومة صلاحيات التشريع في الحقل الجمركي الاستثناء الوحيد الذي لا يزال يعمل به اليوم بعد توقف ظاهرة المراسيم الاشتراعية إذ لم يعد مجلس النواب يمنح الحكومة صلاحية التشريع في أي مجال من المجالات. وكانت الحكومة تمارس أحيانا هذا الحق مباشرة عبر تعديل التعرفة الجمركية عملا بقانون التفويض، أو كانت تمنح المجلس الأعلى للجمارك هذه الصلاحية كونه يتمكن من اتخاذ قرارات سريعة تضمن في المبدأ عدم معرفة التجار المسبقة بها، ما يعزز المنافسة ويمنع تحقيق الأرباح غير المشروعة عبر المضاربة وتخزين البضائع لبيعها لاحقاً عندما ترتفع التعرفة.

وغالباً ما كانت الحكومة تنيب المجلس الأعلى كي يمارس هذه الصلاحية، لا بل أنّ هذا الأمر بات تدبيراً مألوفاً على مرّ السّنوات يتمّ تجديده دورياً، علما أن قانون التفويض الحالي لم يقترن هذه المرة بصدور مرسوم ينيب المجلس الأعلى للجمارك، إذ عمدت الحكومة إلى ممارسة هذه الصلاحية مباشرة أكثر من مرة.

مخاوف من انتهاء مدة التفويض من دون تجديده

من البيّن أن القدرة على تعديل التعرفة الجمركية باتتْ حاجة ماسة في الظروف الراهنة، لا سيما إذا كان من شأن ذلك تأمين موارد جديدة للخزينة عبر استهداف المواد والسلع الكمالية. فنهاية التفويض التشريعي في تشرين الأول المقبل من دون التصويت على القانون الجديد التي تقدمت به الحكومة يعني أن كل تعديل للتعرفة الجمركية بات يحتاج إلى قانون خاص، وهو أمر متعذر ليس فقط بسبب الوقت الطويل الذي تتطلبه العملية التشريعية، بل أيضا بسبب الخلاف السياسي حول جواز التشريع في ظل الفراغ في رئاسة الجمهورية وعدم تمكن مجلس النواب من الانعقاد بسبب فقدان النصاب نتيجة المصالح المتضاربة للجهات السياسية المسيطرة على هذا الأخير.

أن نهاية التفويض من دون إقرار القانون الجديد سيؤدي عمليا إلى تعطيل القدرة على رفع التعرفة الجمركية ما يعني بكل بساطة إن الإيرادات المتأتية من الجمارك ستصبح مهددة أو حتى بحكم غير الموجودة مما يحرم الخزينة العامة من مواردها ويقوض إجراءات حماية المنتوجات اللبنانية ويحول دون تراجع الاستيراد ومعه اختلال ميزان المدفوعات الخارجية.

لذلك لا بد للحكومة من الاستفادة من هذه الصلاحية الاستثنائية كي تتمكن من مواكبة تطور سعر صرف الليرة اللبنانية عبر رفع التعرفة الجمركية عند الحاجة، لا سيما وأن الاستهلاك المحلي للسلع المستوردة وفقا للأرقام الرسمية للسنة المنصرمة لم يعرف تراجعا كما هو متوقع في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان. فقدرة الدولة على الحد من استيراد السلع الكمالية أو على الأقل بإخضاعها لرسوم جمركية حقيقية تصبح شبه معدومة إذ لم تكن الحكومة مخولة بتعديل التعرفة الجمركية بالسرعة المطلوبة دون انتظار تدخل مجلس النواب.

جراء ما تقدم، يصبح جليا أن إقرار مشروع القانون هو تدبير مألوف وإجراء اعتيادي، لا بل هو بات يكتسي اليوم أهمية مضاعفة نظرا لطبيعته الملحة وضرورة الحدّ من استنزاف العملة الأجنبية ورفد الخزينة بالموارد الإضافيّة. فتجديد التفويض التشريعيّ يشكل خطوة ضرورية لمواجهة الأزمة الاقتصادية وتفعيل دور الدولة الذي بات يشهد تراجعا في كل الميادين.