تحركات في البقاع وشمال لبنان رفضا لمسودة العفو، وجريصاتي يتسلح بالضبابية والكتمان

سعدى علوه

16/03/2018

انشر المقال

سيصحو رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري صباح غد الأحد ليجد ضيوفا في داره، وتحديداً في باحة بيت الوسط في ما لو سمح الحراس لذوي الموقوفين والمحكومين الإسلاميين الدخول إلى حرمه، وفق ما أكدت مصادر الإسلاميين ل "المفكرة القانونية"، "وإلا فإننا سنعتصم أمام دارته". أما رئيس مجلس النواب نبيه بري، فقد تمكن من تهدئة أعضاء لجنة العفو العام في بعلبك الهرمل ومناصريها من خلال الموعد الذي ضربه لهم للاجتماع به في عين التينة الأربعاء المقبل، وفق ما أكد أحد أعضاء اللجنة ل "المفكرة". تبدو الفئتان المعنيتان بشكل رئيسي بقانون العفو مصدومتين بمضمون مُسودة اقتراح قانون العفو الذي نشرته "المفكرة" بعدما وزعته قوى سياسية على عدد من الكتل النيابية تمهيدا لدراسته في حال تمّ إدراجه على جدول أعمال العقد الاستثنائي لمجلس النواب. ويتخوف البعض من أن تكون المسودة مجرّد "جزرة" انتخابية أو حقنة مخدّر تستخدمها القوى السياسية الحاكمة لتمضية الوقت الضائع قبل الانتخابات ولإظهار بعض "الجدية" في تناول موضوع العفو والتزامها بالوعود. ويتخوف هؤلاء من أن يكون هدف القوى المذكورة من المسودة هو الإمساك بناخبيها، على أمل تمريرها بعد الانتخابات.

ردود الأفعال المستنكرة اقتصرت على منطقتي بعلبك الهرمل وشمال لبنان، ولم تستدعِ أي ردة فعل من قبل المعنيين بملف عملاء إسرائيل. ويرجع ذلك إلى أن المقترح ينص على العفو عن جميع الجنح باستثناء مخالفات البناء والفساد وحماية المستهلك والآثار، مما يؤدي عمليا إلى إعفاء عائلات العملاء من أزواج وأبناء، لاشتماله على أفعال "الدخول إلى أراضي العدو" (التي تعتبر جنجا).

ويقول المحامي محمد صبلوح، وهو وكيل العديد من الموقوفين الإسلاميين، أن وكلاءه وذويهم وكل الإسلاميين لن يقبلوا بالمقترح الذي نشرت "المفكرة" محتواه، والذي أكدت له القوى السياسية دقة مضمونه. ولكن قوى سياسية معنية بالتواصل مع الإسلاميين قالت للذين راجعوها "أنها مسودة للنقاش والتعديل يتم وفق توافق القوى في مجلس النواب". ويعود رفض الإسلاميين لمسودة العفو كونها تشمل أبناءهم المطلوبين وفق المادة 335 فقط، أي الانتماء لعصابة مسلحة، وتستثني المطلوبين أو الموقوفين أو المحكومين بجرائم قتل أو محاولة قتل سواء طالت عسكريين أو مدنيين وكذلك جرائم نقل متفجرات وممارسة الخطف، وهي تهمة الغالبية الساحقة من أبنائهم. وعليه، واصل الموقوفون والمحكومون الإسلاميين في سجن رومية (المبنى ب وفيه 600 إسلاميا والمبنى د وفيه 110 إسلاميا) وفي سجن طرابلس القبة (150 إسلاميا) وجزين (60 إسلاميا) إضرابهم عن الطعام، والذي سيتزامن مع برنامج تحركات يومي لذويهم في الخارج يتوجونه حسبما صرحوا به باعتصام صباح الأحد أمام بيت الرئيس الحريري في وسط بيروت.

وفي بعلبك الهرمل، أصبح قانون العفو حديث الساعة في معظم بيوت ولقاءات المنطقة. ويعتبر العديد من أعضاء لجنة العفو في المنطقة أن "المقترح المطروح لا داع له في ما يتعلق بالمخدرات" إذ أنه يشمل تعاطي المواد المخدرة وتسهيلها (الضيافة، أي تقديم مادة مخدرة لشخص آخر من دون بدل) بينما يستثني كل الجرائم المتعلقة بالزراعة والإتجار والترويج. ويذكّر محامي اللجنة حافظ المولى أن قانون المخدرات الصادر في العام 1998 يمنح المدمن الحق بطلب العلاج والخضوع له كبديل عن العقاب، "وبالتالي القانون لا يتعامل أصلا مع المدمن كمجرم، مما يجعل العفو من باب لزوم ما لا يلزم". ومن يزُر منطقة بعلبك الهرمل، يتبيّن أنها تغلي على وقع وجود 48 ألف مذكرة توقيف وبلاغ بحث وتحرّ بحق 31 ألف مواطنا يشكلون نسبة لا بأس بها من الناخبين الشيعة في المنطقة وهو الأمر الذي يحرج الثنائي الشيعي. "ما فيهم يقبلوا بهيدي المسودة، إما تكفّر القوى السياسية والدولة عن ذنوبها في إهمال شؤون المنطقة على الصعد كافة، وإلاَ لا نريد عفواً لا داع له ولا أهمية"، كما يقول أبو عبدو المظلوم من اللجنة.

وكان من المقرر أن ينفذ أهالي المنطقة اعتصاما عند منعطف طاريا على الطريق السريعة بين بعلبك والهرمل. إلاّ أن تدخلات أدت إلى تأجيله بسبب احتفال القسم للإمام الصدر في مدينة بعلبك وانشغال القوى الأمنية، ولكي لا تتم عرقلة المواكب المشاركة من المنطقة باتجاه بعلبك. وما أسهم في إرجاء الموعد أيضا هو الموعد الذي ضربه الرئيس بري لأعضاء لجنة العفو العام في بعلبك الهرمل.

وما أضاف من أجواء التوتر في المنطقة، هو أن أحد المواطنين عمد مساء الجمعة إلى إحراق سيارته في إثر تنظيم قوى الأمن الداخلي مخالفة مادية بحقه. كما تبقى الجهود قائمة لتطويق ذيول حادثة مقتل الشاب ياسين المظلوم وهو عائد من ممارسة كرة القدم على يد قوى الأمن خلال مداهمة عناصرها لأحد المطلوبين في بريتال.  

وفي موازاة هذه التحركات، غرّد وزير العدل سليم جريصاتي مساء الجمعة، في ردّ ضمني على ما نشرته "المفكرة" وعلى القوى السياسية التي أكدت صحتها: "أن ما يتداوله الاعلام بموضوع العفو العام يعني الإعلام ومصادره فقط. ولا يعني وزارة العدل التي لا تملك الإفصاح عن مضمون أي مشروع قانون عفو عام تضعه أو التوقيت". وهو بذلك بدا وكأنه يتسلح بالضبابية والكتمان في قضية يفترض أنه المسؤول الأول عن إنارة الرأي العام بشأنها.