جلسة 13 تشرين الأوّل: الفراغ الرئاسي المبكر في نظام بدعة الثلثين
14/10/2022
منذ جلسة الخميس، دخل لبنان عملياً في الفراغ الرئاسي. الجلسة التي دعا إليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لم تُعقد، لما اعتبره هذا الأخير عدم توفر النصاب، أي 86 نائباً، إذ لم يحضر من النواب سوى 71 نائباً. وقد أفتى بري أن نصاب الانعقاد هو الثلثين في الدورتين الأولى والثانية، فيما سبق للباحث في المفكرة القانونية وسام اللحام أن أعد دراسة أكد فيها أن نصاب الانعقاد يُفترض أن يكون النصف زائد واحد، على أن يتم انتخاب الرئيس بثلثي عدد الأصوات الصحيحة من الحاضرين في الدورة الأولى. لكن فيما يتغاضى كل أركان النظام عن وجهة النظر هذه، معتمدين نصاب الثلثين من العدد القانوني لأعضاء مجلس النواب الأمر الذي يحوّل الانتخاب إلى مجرد تكريس لتوافق يحصل خارج البرلمان، فإن تفسيراً آخر تم تجاوزه أيضاً، يتعلق بوجوب استكمال الانتخابات التي بدأت في 29 أيلول من حيث انتهت. فإذا كانت عقدت الدورة الأولى حينها، قبل أن يُفقد النصاب، فيُفترض، في حال تأمين النصاب مجدداً، أن تُعقد الدورة الثانية، أي أن يتمّ انتخاب الرئيس بالنصف زائد واحد. هنا تُطرح إشكالية تتعلق بنصاب الانعقاد، هل تحتاج الجلسة إلى نصاب الثلثين لانتخاب الرئيس بالأكثرية المطلقة؟ لا مجال هنا للآراء الدستورية التي تؤيد أو ترفض التفسير هذا أو ذاك. رئيس المجلس هو الذي يقرر. وقد قرر اعتبار الدورة الأولى التي عقدت في أيلول كأنها لم تكن، بما يجعل، نصاب الثلثين هو المطلوب حسبه ليتمكن أي مرشح من الوصول إلى سدة الرئاسة. اللافت أن أحداً لم يعترض على هذا الإجراء الذي اعتمده بري لأول مرة في العام 2016، من دون أي قرار من المجلس النيابي بهذا الصدد. وهو ما كرره أمس معتمداً على تفسير يميز بين الدورة والجلسة، فإذا عقدت الدورة الأولى وبقيت الجلسة مفتوحة يتم الانتقال إلى الدورة الثانية، أما في حال رفع الجلسة، فإن أي انعقاد جديد سيعني تلقائياً عقد جلسة جديدة بدورة أولى، ووجب حصول المرشح فيها على الثلثين.
بهذا التفسير، تغاضى بري، من دون أي اعتراض، عن حقيقة أن الدورة الأولى عُقدت بالفعل، وكانت نتيجتها عدم حصول أي من المرشحين على الثلثين، ما يحتم بالتالي الانتقال إلى الدورة الثانية. والدورة الثانية هنا ليس شرطاً أن تعقب الدورة الأولى مباشرة. فعلى ما يُبيّن اللحّام في مقالته المنشورة في 7/10/2022، تؤكد العودة إلى التجربتين الفرنسية والإيطالية أن دورات الاقتراع تتعاقب بغضّ النظر عن تاريخ الجلسة. فجلسة الانتخاب هي الحيّز الزماني الذي تجري خلاله عملية الاقتراع. وبمجرّد حدوث ذلك، تكتسب الدورة مفاعيلها القانونية التي لا يمكن إلغاء نتائجها بحجة عقد جلسة جديدة بسبب فقدان الجلسة السابقة للنصاب.
كل ذلك لم يكن مهماً لا بالنسبة لرئيس المجلس ولا بالنسبة للكتل النيابية. الكل انضوى تحت التفسير الذي اعتمده بري في العام 2016، حين أعاد عقد الدورة الأولى أثناء جلسة انتخاب الرئيس ميشال عون بالرغم من أن هذه الدورة كانت عقدت في العام 2014. ولما لم يحصل عون على ثلثي عدد الأصوات انتقل إلى الدورة الثانية حيث جرى الانتخاب بالأكثرية المطلقة.
لم يصل الأمر إلى هذا الحد أمس. بدلاً من تكرار تجربة 29 أيلول بحيث تعقد الدورة الأولى ثم يفقد النصاب من بعدها، فضّلت قوى السلطة عدم تأمين نصاب الانعقاد، من دون أن تعلن أي كتلة عدم مشاركتها في الجلسة، باستثناء كتلة التيار الوطني الحر، التي لم تحضر لتزامن الجلسة مع ذكرى 13 تشرين 89. رئيس التيار جبران باسيل كان أعلن في مقابلة تلفزيونية أن بري تعمّد اختيار هذا التاريخ كي لا يتأمن النصاب. لكن بالرغم من غياب تكتل لبنان القوي (21 نائباً)، فقد كان بالإمكان تأمين نصاب الثلثين، إلا أن عدداً من الكتل، لاسيما حزب الله وأمل، اختار الحضور رمزياً من دون حشد كل أعضاء الكتلة، فلم يحضر في النهاية أكثر من 71 نائباً، ليعلن بري بعدها تأجيل الجلسة إلى 20 تشرين الأول (وهي بداية فترة الأيام العشرة التي تسبق نهاية ولاية رئيس الجمهورية والتي يتحول فيها المجلس إلى هيئة انتخابية)، على أن تُعقد قبلها (18 تشرين الأول) جلسة انتخاب اللجان النيابية، مع ترجيحات بأن تعقبها جلسة تشريعية. وهنا لا يزال الغموض يحيط بآلية تطيير النصاب في الجلسة المقبلة. هل يتكرر مشهد 29 أيلول، بحيث تُعقد الدورة الأولى ثم يفقد النصاب في الدورة الثانية، أم يتكرر مشهد أمس، بحيث لا يدخل إلى القاعة ثلثا عدد النواب؟
وكان بري دخل إلى القاعة العامة أمس، منتظراً اكتمال النصاب، خلافاً لعادته. فهو لا يدخل إلى القاعة عادة إلا ليعلن بدء الجلسة. لكنه مع ذلك حافظ على تمثيلية السعي إلى تأمين النصاب، طالباً استدعاء النواب من الخارج، قبل إعلان إرجاء الجلسة، التي صار جلياً أنه لن يعقدها جدياً إلا عندما يتم التوافق على اسم رئيس الجمهورية. وإلى ذلك الحين، سيكون هامش المناكفات السياسية مرتفعاً، بين من يعتبر أن حزب الله وحلفاءه يعطلون الجلسات لعدم اتفاقهم على اسم وبين من يعتبر أن أياً من الفرقاء لا يملك حتى اليوم مرشحاً جدياً يخوض به الانتخابات، وبالتالي لا بديل عن الاتفاق.
إلى أن يتحقق ذلك، فإنه أصبح واضحاً أن مشهد العام 2016 سيتكرر، بحيث يدعو بري إلى جلسات انتخاب لا يتأمن لها النصاب. وهذا سيعني عملياً تجميد مجلس النواب وإلغاء الانتخابات الديمقراطية واستبدالها بالتسوية السياسية. بالنسبة للنائب حسن فضل الله هذا الأمر فرضته تركيبة المجلس، فلا أحد يملك الأكثرية، وبالتالي لن يكون بالإمكان تأمين حصول أي مرشح على الثلثين أو حتى على النصف زائد واحد من دون توافق. علماً أن الفريق الذي يعتبر اليوم أن الورقة البيضاء تعطل، سيكون أول المعطلين للنصاب عندما يتم الاتفاق على اسم قد يحصل على النصف زائد واحد.
ولذلك، قال فضل الله، قبل دخول النواب القاعة العامة: "هل سنكمل بهذا المسار، أم نذهب الى توافق؟، نحن دعوتنا أن نتلاقى حول اسم رئيس يحظى بمقبولية ويكون قادرا على الحصول على موافقة المجلس النيابي".
من جهته، أكد النائب جورج عدوان جاهزية كتلته لانتخاب رئيس للجمهورية، "فيما هناك أكثر من فريق بسبب الخلافات والنزاعات الموجودة ليس جاهزا لانتخاب الرئيس". وقال: إذا اعتقد البعض أنه مع مرور الوقت سنخفّض سقف معاييرنا وسنذهب نحو رئيس "أبو ملحم" يكون مخطئاً. كل الكتل التي لا تختار رئيساً بالعلن ولا تطرح أسماء تؤكّد أنه ليس لديها الجرأة لمواجهة الرأي العام".
وفي موقف لافت، أعلن النائب أسامة سعد أنه سيعطي صوته للدكتور عصام خليفة. ورأى أن "انتخاب الدكتور خليفة هو رسالة إدانة لمراكز القرار في الدولة والطبقة السياسية التي استطاعت أن تنجز اتفاقا مع العدو برعاية اميركية، في الوقت الذي تعجز فيه عن معالجة أصغر مشاكل اللبنانيين". وشدد على "إدانة كل ما يتعرض له خليفة الصامد في مواجهة الحملة الإعلامية التي تسعى لإخفاء كل الثغرات والنواقص والخلل والتفريط بحقوق لبنان في الاتفاق الأخير مع العدو بالرعاية الأميركية".