حلول عقابية وعقيمة للعمالة السورية: ملاحظات حول اقتراح "لبنان القويّ" بشأن "أوضاع النازحين"
10/10/2023
كان يفترض أن تعقد لجنة الإدارة والعدل جلسة اليوم لدرس اقتراحات قوانين تمّ تقديمها مؤخرًا تحت عنوان معالجة أزمة "النزوح" السوري في لبنان، لكن تمّ إرجاؤها إلى الأسبوع المقبل. وبعد أن قدّمنا تعليقاتنا على اقتراح القانون المقدّم من النائب إلياس جرادة ورفاقه، سنقدّم ملاحظاتنا على اقتراح آخر تقدّم به سبعة نوّاب من كتلة لبنان القويّ (وهم جبران باسيل، سيزار أبي خليل، أسعد درغام، ماريو عون، أنطوان بانو، إدكار طرابلسي وفريد البستاني) في 19/1/2022 بعنوان: "تنظيم الوضع القانوني للنازحين السوريين في لبنان". ينطبق الاقتراح حصرًا على "كلّ مواطن سوري مسجّل بصفة نازح في لبنان"، ولكن خلافًا لعنوانه لا يهدف إلى تنظيم وضعه القانوني، بل إلى فرض مقاربة عقابية عليه، لا سيّما لجهة منعه من العمل في لبنان.
ويقتصر الاقتراح على ثلاثة بنود على الشكل الآتي:
- منع دخول "المواطن السوري المسجّل بصفة نازح" إلى لبنان إذا "كان قد أقدم على الخروج من الأراضي اللبنانية برًّا، بحرًا أو جوًّا"،
- تغريمه إذا "أقدم على العمل بحسب تعريف قانون العمل اللبناني أو استأجر مؤسّسة أو مبنى أو مركزًا بهدف العمل أو تشغيله، بمبلغ قدره خمسة ملايين ليرة لبنانية، لتسوية أوضاعه القانونيّة للعمل في لبنان بحسب القوانين المرعية الإجراء وذلك ضمن مهلة أقصاها 30 يومًا من تاريخ صدور هذا القانون"، على أن تتم مضاعفة الغرامة عشر مرّات في حال تخلّف عن ذلك. وإذا "تلكّأ" عن ذلك يتمّ سجنه لمدة 4 أشهر ومن ثم مغادرته الأراضي اللبنانية في حال كرّر المخالفة،
- معاقبة "كل ربّ عمل لبناني أقدم على توظيف و/أو تشغيل عامل من الجنسية السوريّة وهو مسجّل بصفة نازح في لبنان بغرامة ماليّة لا تقلّ عن عشرة ملايين ليرة و/أو السجن لمدّة 6 أشهر".
يستدعي الاقتراح الملاحظات التالية:
1. منهجية تشريعية ركيكة
أوّل ما نلحظه في هذا الاقتراح هو ضعف المنهجية التشريعية، إذ يستخدم صياغة ركيكة ولا يستند إلى أي معطيات قانونية واضحة. فعلى سبيل المثال، لا تتطابق معظم الأسباب الموجبة التي أوردها الاقتراح مع مضمونه إذ تتناول التزام لبنان بمبدأ عدم الترحيل القسري، والعبء الاقتصادي الذي تكبّده نتيجة أزمة اللجوء من سوريا، و"الخطر الديموغرافي" الناتج عن عدم تسجيل ما يقارب "31% من الولادات لدى النازحين السوريين"، وتنامي "ظاهرة شراء العقارات من قبل السوريين"، بالرغم من عدم تطرّق بنود الاقتراح إلى أيّ من هذه الأمور.
كما لم يستند الاقتراح إلى النصوص القانونية الموجودة والسارية حاليًا والتي ترعى إقامة الأجانب والسوريين وعملهم في لبنان، ولم يتضمّن أي توضيح حول كيفية ملاءمتها مع النصوص الجديدة المقترحة. فيطمح الاقتراح إلى معالجة أزمات كبيرة، ترتبط باللجوء من سوريا وسوق العمل، بأربعة بنود فحسب جاءت منفصلة بشكل تام عن مجمل التنظيم القانوني اللبناني، وذلك بعد تقاعس مجلس النوّاب على مدى عقود من التشريع في مجال الأجانب واللجوء والهجرة.
2. أي "نازح"؟
ينحصر نطاق الاقتراح بالمواطنين السوريين "المسجّلين بصفة نازحين" وليس مجمل الأجانب الذين قد يتواجدون في وضعيات قانونية مشابهة. وعليه، يمكن اعتباره اقتراحًا يميّز على أساس الجنسية كونّه يتناول جنسية واحدة، ممّا يخالف مبادئ التشريع، وقد يعرّضه للإبطال من قبل المجلس الدستوري في حال إقراره على هذا النحو والطعن به.
علاوة على ذلك، يستخدم الاقتراح عبارة "كلّ مواطن سوري مسجّل بصفة نازح في لبنان" من دون تعريف ما المقصود بها. فعلى غرار معظم أدبيات الدولة اللبنانية، يستخدم الاقتراح عبارة "نازح" بدلًا من "لاجئ" بالرغم من أنّه مفهوم غير موجود في القانون اللبناني. كما أنّه يخالف التوصيف القانوني للسوريين الذين لجأوا إلى لبنان، إذ أنّ "النازح" هو من أُرغم على الانتقال من مكان إلى آخر داخل الدولة الواحدة ومن دون عبور حدود دولية (كالنازحين من جنوب لبنان خلال حرب تموز 2006)، فيما "اللاجئ" هو من أُرغم على مغادرة بلده إلى بلد آخر لأسباب ترتبط بالاضطهاد والنزاعات المسلحة، وكأنّ الاقتراح يعتبر لبنان محافظة من المحافظات السورية.
والأهمّ أنّ عبارة "مسجل بصفة نازح" قد تشمل فئات مختلفة من اللاجئين السوريين في لبنان: فهل المقصود بها السوريون المسجّلون لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (المفوّضية) الذين يقارب عددهم اليوم 790 ألف شخص أي حوالي 186 ألف عائلة؟ أم المقصود بها السوريون المسجّلون لدى المفوّضية الذين منحهم الأمن العام إقامات مجاملة بصفة "نازح-UNHCR" بالاتفاق مع المفوّضية والذين يقدّر ألّا يتجاوز عددهم 40 ألف شخصًا؟
3. منع العودة إلى لبنان
ينصّ الاقتراح على منع عودة "السوري المسجّل بصفة نازح" إلى لبنان بعد خروجه منه. وقد برّرت الأسباب الموجبة هذا الأمر بأنّه مرتبط بعودة بعض اللاجئين إلى سوريا، حيث ورد فيها بأنّه "يتبيّن من الأرقام أنّ عددًا كبيرًا من النازحين السوريين لا ينطبق عليه هذا التوصيف تبعًا لكونه خرج من لبنان بانتظام ولا يعود إلّا بهدف تحصيل المساعدات الدولية"، وذلك من دون توضيح هذه الأرقام أو مصدرها. إلّا أنّ النصّ المقترح لم ينحصر في حالة عودة اللاجئ إلى سوريا أو زيارته لها، بل شمل أي خروج من لبنان إلى أي بلد آخر، ممّا يؤدّي إلى تطبيقه مثلًا في حال سفر اللاجئ لزيارة عائلته في تركيا، في حين قد لا يزال لاجئًا غير قادر على العودة إلى سوريا.
وفي مطلق الأحوال، فإنّ هذا البند لا قيمة فعلية له طالما أنّه لم يتمّ ضبط تهريب الأشخاص عبر الحدود بين لبنان وسوريا والتي أصبحت بمثابة منطقة خاضعة لسلطة عصابات تنخرط في مختلف أشكال الجريمة المنظّمة. فمعظم السوريين المسجّلين لدى المفوضية الذين يقومون بزيارة سوريا لا يعبرون عبر المعابر الرسمية كون هذا الأمر يؤدّي غالبًا إلى إلغاء تسجيلهم مع المفوّضية استنادًا إلى التعاون القائم بين الأمن العام والمفوّضية، علمًا أنّ القوانين الدولية وإجراءات المفوضية تجيز سحب صفة اللجوء عن اللاجئين الذين يعودون إلى بلادهم في بعض الحالات ووفقًا لشروط محدّدة.
4. جريمة مبهمة: معاقبة عمل اللاجئين وعقود الإيجار؟
يبتكر الاقتراح جرائم جديدة تطال اللاجئين السوريين، كما أصحاب العمل والمؤجّرين الذين غالبًا ما يكونوا من اللبنانيين. وفي حين لم تتضمّن الأسباب الموجبة مبرّرات واضحة للتجريم، تكمن خطورة هذا الاقتراح في نصّه على جرائم جديدة بشكل غير واضح ومن دون تعريف عناصرها بشكل كافٍ، ممّا قد يشكّل مخالفة لمبدأ شرعية الجريمة.
وقد ظهر ضعف الصياغة القانونية بشكل أساسي في البندين الثاني والثالث من الاقتراح، إذ لم يُفهم إذا كان الهدف منه تغريم كل لاجئ "أقدم على العمل" في لبنان حتّى لو كان عمله نظاميًا أمّ اللاجئ الذي أقدم على العمل بشكل غير رسمي من دون إجازة عمل. فهو ينصّ في البند الثاني منه على منح اللاجئ مهلة 30 يومًا من صدور القانون "لتسوية أوضاعه القانونية للعمل في لبنان بحسب القوانين"، مما قد يُفهم منه أنّه يُعاقب اللاجئ الذي يعمل بشكل غير رسمي تمهيدًا لتسوية وضعه. إلّا أنّه في البند الثالث منه يعاقب صاحب العمل الذي "أقدم على توظيف و/أو تشغيل عامل من الجنسية السورية وهو مسجّل بصفة نازح في لبنان" بالغرامة والحبس، وهو ما يُفهم منه معاقبة أي صاحب عمل يوظف لاجئًا سوريًا حتّى ولو كان يعمل بشكل رسمي. وفي حال اتجاه الاقتراح نحو المنحى الثاني (أي معاقبة عمل اللاجئ حتى لو يعمل بشكل رسمي)، فنكون أمام عقابًا عبثيًا تمامًا، ما يستوجب حتمًا تعديل صياغة الاقتراح.
بالإضافة إلى ذلك، لا يكتفي الاقتراح بمعاقبة اللاجئ السوري الذي يعمل في لبنان، بل وسّع نطاق التجريم ليطال إبرام اللاجئ السوري لعقد إيجار لأهداف العمل، إذ يقترح معاقبته إذا "استأجر مؤسسة أو مبنى أو مركزًا بهدف العمل أو تشغيله". يؤدّي ذلك إلى تحميل المؤجّر (اللبناني غالبًا) مسؤولية التقصّي عن وجود ترخيص بالعمل لتأجير أي من ممتلكاته، وقد يُعرضّه للمساءلة القانونية في حال اعتبار عقد الإجارة مخالفًا للنظام العام وتحصيله بدلات الإيجار التي قد تعدّ أموالًا غير مشروعة في حال إقرار الاقتراح بصيغته الحالية.
وفي مطلق الأحوال، يُشار إلى أنّ النصوص القانونية الحالية تعاقب الأجنبي وصاحب العمل (اللبناني أو الأجنبي) في حال مخالفة قوانين العمل (كالعمل من دون إجازة عمل) بغرامات تتراوح بين مليونين وخمسة ملايين ليرة لبنانية (المادتان 107 و108 من قانون العمل كما عدّلهما قانون موازنة العام 2019). إلّا أنّ الاقتراح تجاهل هذه النصوص القانونية. فبدلًا من تعديلها بهدف تشديد عقوبتها مثلًا، ذهب باتجاه إقرار نصوص جديدة تهدف إلى توسيع الجرم وفرض عقوبات أشدّ لكن من خلال صيغة مبهمة ومن دون ربطها بالنظام القانوني القائم.
فقد ذهبت الفقرة الثانية من البند الثاني في اتجاه تشديد العقوبة على اللاجئ العامل في حال "تخلّف" أو "تلكّأ" عن دفع الغرامة أو عن تسوية وضعه (النصّ غير واضح)، وذلك من خلال مضاعفة الغرامة عشر مرّات في مرحلة أولى، وأن "يتم سجنه لمدة 4 أشهر ومن ثم مغادرته الأراضي اللبنانية في حال كرّر المخالفة". أمّا البند الثالث من الاقتراح، فذهب في اتجاه تشديد العقوبة على صاحب العمل الذي يقوم بتوظيف أو تشغيل لاجئ سوري من خلال رفعها إلى 10 ملايين ليرة لبنانية كحد أدنى وإضافة إمكانية فرض عقوبة الحبس بحقّه لمدة 6 أشهر. مع الإشارة إلى استخدام الاقتراح لعبارتي "السجن" (بدل "الحبس") و"مغادرته" لبنان (بدلًا من "إخراجه" من لبنان) وهو ما لا يستقيم قانونًا.
ويشار أيضًا إلى أنّ الاقتراح لم يوضح مدى انطباقه على اللاجئين السوريين الذين يحملون إقامات عمل (أي بموجب إجازات عمل صادرة عن وزارة العمل)، علمًا أنّ وزارة العمل منحت في العام 2022 إجازات عمل إلى 2018 مواطنًا من سوريا (308 إجازة جديدة و1710 إجازة مجددة). وهو ما قد يعرّض هؤلاء وأصحاب عملهم إلى العقوبة في حال إقرار هذا الاقتراح واستمرار العلاقة فيما بينهم وإذا تبيّن تسجيل أي منهم لدى المفوضية. كما لم يوضح الاقتراح مدى انطباقه على اللاجئين السوريين الذين يحملون إقامات بموجب تعهّد بالمسؤولية من قبل صاحب عمل من دون حيازتهم على إجازة عمل، وهي من فئات الإقامة التي ابتكرها الأمن العام في العام 2015 وأخضع من خلالها السوريين إلى نظام الكفالة. فهؤلاء لاجئون مسجّلون لدى المفوّضية وسمح لهم الأمن العام بالقيام بعمل مأجور في لبنان من دون أن يستحصلوا على إجازات عمل (يطلب منهم الأمن العام التعهّد بالاستحصال على إذن عمل من وزارة العمل رفعًا للمسؤولية إلا أنّه يقوم بتجديد الإقامة بغض النظر عن ذلك لعلمه برفض الوزارة أو عدم امكانيتها منح أذونات بالعمل). وتتعامل الإدارات العامّة مع هذه الإقامات على أنّها تجيز العمل الرسمي للسوريين ولا تعاقب الحائزين عليها.
ويبقى أنّ الاشكالية الأساسية فيما يتعلّق بعمل الأجانب في لبنان (ومن ضمنه عمل السوريين اللاجئين أو غير اللاجئين، الرسمي أو غير الرسمي) لا تتعلّق بنقص في النصوص القانونية بحد ذاتها بل بمدى توّفر الإمكانيات لتطبيقها لا سيّما تبعًا لارتفاع نسبة العمل غير الرسمي إلى 62.4% في العام 2022. إذ أنّ غياب التخطيط الاقتصادي للسلطات اللبنانية لتقييم حاجتها إلى العمالة الأجنبية، كما وضعف آليات الرقابة لدى وزارة العمل وإدارات الدولة بشكل عام لملاحقة المخالفين لقانون العمل، فضلًا عن إغراق القضاء بهذه القضايا، كلّها عوامل يجدر معالجتها قبل الذهاب في اتجاه تشريع عقابي ومتشدّد تجاه عمل اللاجئين السوريين. من هذا المنطلق، يبدو هذا الاقتراح وكأنه يرفع شعارات شعبوية لا ترجمة فعلية لها على أرض الواقع لا سيما نظراً لتقاعس أجهزة الدولة عن تنظيم سوق العمل في لبنان.
للاطّلاع على اقتراح "لبنان القوي"، إضغطوا هنا