حماية الإهراءات الشاهد الصامت والذاكرة الحيّة

فادي إبراهيم

13/05/2025

انشر المقال

من أبرز البنود الواردة على جدول أعمال جلسة مجلس النوّاب المقرّرة في 15 أيّار 2025، اقتراح قانون معجّل مكرر ويهدف إلى حماية إهراءات القمح في مرفأ بيروت من الهدم، مقدّم من سبعة من نوّاب “قوى التغيير” وهم بولا يعقوبيان، ياسين ياسين، ميشال الدويهي، فراس حمدان، مارك ضو، ملحم خلف ونجاة عون، بالإضافة إلى النائب المبطلة نيابته رامي فنج.

خلفية الاقتراح

جاء الاقتراح ردًّا على قرار مجلس الوزراء في 14 نيسان 2022 بتكليف مجلس الإنماء والإعمار بالإشراف على هدم الإهراءات، الذي صدر بذريعة حماية السلامة العامّة من احتمال سقوطها. وقد أصدرتْ الحكومة هذا القرار في تجاهلٍ تامّ لاعتراضات العديد من الجهات المدنية، كذوي ضحايا تفجير المرفأ وسكّان الأحياء المحيطة به ونقابة المهندسين في بيروت وأيضًا الدراسات العلميّة التي أجمعتْ على استقرار الجزء الجنوبي من الإهراءات. كما لم تولِ الحكومة السابقة في معرض قرارها أيّ اهتمام للبحث في الخيارات البديلة عن هدمها، وبخاصّة إمكانية تدعيمها. وقد تمّ تبرير صفة العجلة بوجود “محاولات حثيثة وجديّة لهدم الإهراءات” والتماس “خطر داهم هدفه الحقيقي طَمْس هذه الفاجعة وأيّة معالم تُخلِّدها، مما يَفْرض حماية هذا المبنى والمحافظة عليه بأقصى سرعة مُمكنة”. 

وكانت جهات عدة، وتحديدًا مجموعة من 23 من ذوي ضحايا تفجير المرفأ والمفكّرة القانونية ومكتب الادّعاء في نقابة المحامين في بيروت، تصدّت لقرار الحكومة من خلال تقديم ثلاث دعاوى قضائية أمام مجلس شورى الدولة في 15 حزيران 2022 طالبةً إبطال قرار الحكومة بهدم الإهراءات ووقف تنفيذه. ويُشار إلى أنّ مجلس شورى الدولة لم يبتّ لغاية اليوم بطلبات وقف التنفيذ رغم انقضاء المهلة القانونية لإصدار قراره.

كما أطلقت جهات مدنية عدّة في 4 تموز 2022 الحملة التضامنية لحماية الإهراءات بهدف الوقوف في وجه أي قرارٍ يهدف إلى هدم مبنى الإهراءات والتعديل في هوية الموقع المكتسبة بعد الجريمة، وطالبت بالاعتراف بالإهراءات كجزء من التراث الثقافي لبيروت ولبنان، والعمل على حمايتها والمحافظة عليها تكريمًا لكافة الضحايا والمتضرّرين وكـ “شاهد صامت” على التّاريخ ومستقبل لبنان.

مضمون الاقتراح

يلتقي الاقتراح مع مطالب الحملة التضامنية لحماية الإهراءات، وتحديدًا على ثلاث نقاط أساسية:

1.    وجوب حماية إهراءات القمح لتخليد ذكرى تفجير 4 آب:

نصّ الاقتراح على تصنيف المبنى “مَعْلَمًا للتُّراث الوطني الإنساني وشاهدًا حيًا وخالدًا” على تفجير مرفأ بيروت. وقد اكتفى اقتراح قوى التغيير بالنصّ على هذا التصنيف من دون توضيح آليّته التنفيذيّة، وهو يستوجب التطوير من هذه الناحية.

2.    وجوب منع هدم الإهراءات:

ينصّ الاقتراح صراحة على منع هدم الإهراءات، مما يؤدّي عمليًا إلى إلغاء قرار الحكومة السابقة بالهدم.

3.    وجوب منع انهيار الإهراءات وتدعيمها:

ينصّ الاقتراح على وجوب “تدعيم” مبنى الإهراءات والمحافظة عليه، وهو ما يلتقي مع مطالب الحملة التضامنيّة التي أعابتْ على الحكومة عدم إجرائها أيّ دراسة للبحث في تدعيم الإهراءات. وفي هذا الإطار، اعتمد الاقتراح صياغة عامّة ومبهمة من دون آليات تطبيقية واضحة حيث نصّ أنّه “يقتضي العمل… على تدعيم هذا المبنى والمحافظة عليه بالشَّكل الذي بقي فيه بعد الانفجار ومَنْع هَدْمه أو انهياره”. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاقتراح أضاف صراحة وجوب العمل لمنع إنهيار الإهراءات. 

تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى وجود اقتراح آخر، غير مطروح على جدول الأعمال وسبق أن أسقطت صفة العجلة عنه في جلسة سابقة من دون أن يناقش في اللجان لاحقًا، مقدّم من كتلة الكتائب، جاء أكثر وضوحاً وقابلية للتطبيق. فقد ميّز اقتراح الكتائب بين ضرورة اتّخاذ إجراءات عاجلة لحماية المبنى على المدى القصير من جهة وضرورة تحديد كيفية ضمان استدامته على المدى البعيد. فتضمّن الاقتراح تكليفًا للإدارات العامّة (من دون تحديدها) “بإجراء الأشغال الطارئة اللازمة لتدعيم المبنى” خلال مهلة شهر إلى حين “انتهاء الدراسات المختصة بصيانة المبنى وتنفيذها وضمان استدامتها”.

كما ذهب اقتراح الكتائب إلى إلزام الحكومة بوضع المراسيم التطبيقية خلال مهلة ستة أشهر، مما يمنح حماية أوسع للإهراءات.

ويلحظ أنّه في تاريخ 8 نيسان 2025 تقدّمت الحملة التضامنية لحماية إهراءات مرفأ بيروت من وزارة الثقافة – المديرية العامة للآثار- بطلب المحافظة على إهراءات القمح المتضررة في مرفأ بيروت ووضعها على لائحة الجرد العام للأبنية التراثية مرفقًا بتقرير تقني يفصل أهمية الإهراءات والأسباب الموجبة لإنقاذها وحمايتها عبر وضعها على لائحة الجرد بغية تحويلها إلى نصب تذكاريّ وتراث وطنيّ، والسعي في نهاية المطاف إلى الاعتراف بها كموقع للتراث العالمي الدولي. وفيما من الممكن أن يحلّ وضع الإهراءات على لائحة الجرد هذه الإشكالية بحيث يوفّر لها الحماية المطلوبة، إلّا أنّ الحماية تبقى إذاك مرتبطة بشخص الوزير وفي مطلق الأمر دون مستوى ما باتت تمثله الإهراءات في الوجدان الوطني والذاكرة الجماعية.