حين يُعيد البرلمان فتح أبوابه: إجراء روتيني أم عودة لتحمل المسؤولية؟

وسام اللحام

18/10/2024

انشر المقال

بعد إغلاق البرلمان منذ بدء العدوان الإسرائيلي في 23 أيلول الفائت، وجه الرئيس دعوة إلى مجلس النواب لعقد جلسة في 22 تشرين الأول المقبل مخصصة فقط لانتخاب أميني سر وثلاثة مفوضين إضافة إلى انتخاب اللجان النيابية الدائمة. ولا بد من التذكير أن هذه الجلسة حكمية كون الدستور نفسه يفرض انعقاد البرلمان عند افتتاح العقد العادي الثاني في أول ثلاثاء يلي الخامس عشر من تشرين الأول أي في 22 تشرين الأول من هذا العام.

لكن الطابع الحكمي لهذه الجلسة لا ينزع عنها أهميتها وفرادتها ليس فقط لأنها تثبت عدم وجود أي قوة قاهرة تحول دون انعقاد المجلس، بل لأنها تحصل في ظل العدوان الإسرائيلي على لبنان ومطالبة العديد من النواب بتفعيل عمل البرلمان، رغم المطالبات الحثيثة لعدد واسع من النواب سابقا بوجوب عقد جلسة للهيئة العامة لإجراء مناقشة سياسة عامة أو أيضا لمراقبة الإجراءات الحكومية أو لاستكمال انتخاب رئيس الجمهورية. وعليه، ينتظر أن تشهد الجلسة المذكورة أسئلة كثيرة في هذا الخصوص من دون أن يكون من الواضح حتى الآن التوجه الذي سيذهب إليه رئيس المجلس ومكتبه وكيفية تجاوب النواب لهذا التوجه أو ممانعتهم له.  

أمر آخر ينتظر أن يؤثر على الجلسة ويخرجها عن طابعها التقني وذلك بنتيجة التطور السياسي الذي طرأ تبعًا لانسحاب أحد أمناء السر (آلان عون) وعدد من النواب (منهم رئيسيْ لجنتين نيابيتيْن هما لجنة المال والموازنة والشباب والرياضة وهما إبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا) من كتلة لبنان القوي. فلئن خضع انتخاب أمناء السر والمفوضين وتحديد رؤساء اللجان النيابية لمنطق التوازن السياسي بين الكتل البرلمانية الأساسية التي يتألف منها المجلس والتي حرصت دائما على التوافق مسبقا من أجل تفادي الانتخابات وضمان حصولها على كل المواقع المهمة لها، فكيف سينعكس التطور السياسي الحاصل في كتلة لبنان القوي على إمكانية حصول هذا التوافق؟ ولا يستبعد أيضا احتمال بروز توجه لإقصاء عدد من القوى السياسية من اللجان أو احتمال بروز توجه لتعزيز تمثيلية قوى أخرى فيها؟ وكلها أسئلة قد تنتهي إلى جعل التوافق أمرا مستعصيا وتاليا فرض الانتخاب.  

ولا بدّ من التنبيه أن مجلس النواب لا ينتخب رؤساء اللجان بل يكتفي بانتخاب أعضاء اللجنة التي عليها أن تجتمع خلال ثلاثة أيام من أجل انتخاب رئيسها عملا بالمادة 23 من النظام الداخلي. لكن التوافق المسبق على عضوية اللجان يؤدّي إلى حسم موقع رئيس اللجنة عبر منحه إلى كتلة برلمانية معينة من ضمن اتفاق سياسي يشمل جميع رؤساء اللجان. فهل ستشهد جلسة 22 تشرين توافقات مع كتلة لبنان القوي بحيث يتم إقصاء النواب الذي تركوا هذه الكتلة عن مواقعهم الحالية أم أن هؤلاء سيصرون على ترشّحهم ما يفرض إجراء انتخابات ويعطل الفوز بالتزكية التي هيمنت على الحياة البرلمانية لعقود طويلة؟

وكانت الورقة البحثية التي أعدتها المفكرة القانونية حول النظام الداخلي لمجلس النواب قد شرحت الملابسات التي تحيط بانتخاب مكتب المجلس واللجان النيابية وبينت بإسهاب كيف تم إقصاء منطق الانتخابات الذي استبدل بالتوافق إذ يعمد رئيس المجلس في مستهل الجلسة بإعلان أسماء المرشحين لكل فئة من المناصب (أمناء السر ومن ثم المفوضين وأخيرا اللجان النيابية) الذين جرى التوافق عليهم قبل الجلسة كي يعلن فوزهم بالتزكية في حال لم يقدم أي نائب وبشكل مفاجئ على ترشيح نفسه من خارج الأسماء المتوافق عليها. وكانت الورقة أشارت أيضا إلى تغييب دور المعارضة عن صنع القرار في مجلس النواب لا سيما وأن النظام الداخلي لا يحتوي على أحكام تضمن تمثيل قوى المعارضة في مختلف أجهزة البرلمان لا سيما مكتب المجلس ورئاسة اللجان. فغياب هكذا أحكام يسمح لأحزاب السلطة بإقصاء نواب المعارضة ويحرمهم من التأثير على العمل النيابي ما يضعف من الطبيعة الديمقراطية لمجلس النواب ويحوله إلى موقع نفوذ للقوى السياسية التقليدية.