خطة نواب حاكم مصرف لبنان بلا مظلة سياسية:حفلة غسل أيادٍ

إيلي الفرزلي

21/07/2023

انشر المقال

الاجتماع الثاني الذي عقدتْه لجنة الإدارة والعدل مع النواب الأربعة لحاكم مصرف لبنان لم يقدّم الأجوبة المنتظرة بشأن مرحلة ما بعد رياض سلامة. فالخطّة الموقّعة من: وسيم منصوري وبشير يقظان وسليم شاهين وألكسندر موراديان، والتي وزعت على أعضاء اللجنة بدتْ أقرب إلى تبرير مسبق لعدم القدرة، أو الرغبة، في تحمّل مسؤولية إحداث أيّ تغييرات في السياسة النقدية التي بناها رياض سلامة. فالخطّة المعدّة باللغة الانكليزيّة بدتْ في معظمها تكراراً للخطّة التي أعدّها نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي بالتنسيق مع صندوق النقد. إذ طالبتْ السلطتين التنفيذية والتشريعية بسلسلة من الإجراءات، أبرزها إقرار قوانين الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة المصارف والتوازن المالي. وهي قوانين جمّدها المجلس النيابي، وجمّد معها أي تعاون مع صندوق النقد، مفضلاً ترك الناس تتحمل مسؤولية الخسائر المتراكمة من خلال تضخم غير مسبوق. وبالتالي، لن تغير مطالبة نواب الحكام بها مصيرها.

هذا الأمر يعرفه هؤلاء جيداً ويعرفون أن مطلبهم سيصطدم بممانعة السلطة لأيّ إصلاح يحمّل مسؤولية الخسائر للمصارف ولكبار المساهمين والمودعين. لكن رغم ذلك، بدتْ المطالبة بها أقرب إلى "أللهم إني بلّغت" أو عملية غسل الأيدي، من دون أن تتضح الخطوة التي ستعقب هذا الإبلاغ. وما زاد من الغموض كان تصريح النائب الأول للحاكم وسيم منصوري بعد الجلسة، إذ أشار إلى أنه "لم يتمّ التوصل إلى أيّ نتيجة من الاجتماع وسننتظر في اليومين المقبليْن الاتصالات التي سيجريها النواب وفي بداية الأسبوع المقبل سنعرض لنتيجة هذه الاتصالات وللموقف الذي سنتّخذه على هذا الأساس". ماذا يعني ذلك؟ هل تفاجأ منصوري حقاً بعدم التوصل إلى نتيجة؟ وفي الأساس، ما هي النتيجة المتوخّاة من اجتماع لجنة لا تملك في جعبتها ما يمكن أن تقدّمه، وهي حُكماً لا يمكنها تبنّي الخطّة أو رفضها، أو حتى إعطاء ضمانات لنواب الحاكم بتغطيّتهم بعد تولي منصوري الحاكمية؟ لكن رغم ذلك، ترك رئيس اللجنة جورج عدوان، بعد الجلسة التي استمرت أكثر من 3 ساعات، الباب مفتوحاً أمام استمرار النقاش، عبر إشارته إلى أنه "سيُصار إلى استكمال درس الموضوع المالي، وسأعقد موتمراً صحافياً في الأيام المقبلة أوضّح فيه كلّ شيء". علماً أنه كان طلب التنسيق بين الحكومة والنواب الأربعة، بعدما استشفّ عدم وجود تنسيق بين الطرفيْن. 

الخطّة التي قدّمها نوّاب الحاكم تتخطّى دور المصرف المركزي، ولا تكتفي  بدعوة الحكومة والمجلس النيابي إلى الالتزام بإقرار القوانين الثلاثة، بل تطلب منهما القيام بواجباتهما الدستورية التي يفترض أن تكون بديهية، لكن السلطة تجاوزتها من دون أيّ مبرّر. أضف إلى أن الخطة أرفقت بتحديد مهل لإقرار القوانين المطلوبة: 

  • الكابيتال كونترول قبل نهاية آب المقبل.
  • التوزان المالي وهيكلة المصارف قبل نهاية أيلول.
  • موازنة 2023 قبل نهاية آب المقبل.
  • موازنة 2024 قبل نهاية تشرين الأول بالنسبة للحكومة، وقبل نهاية تشرين الثاني بالنسبة للمجلس النيابي. 

أغلب من شارك في الجلسة يُدرك أن الخطّة غير قابلة للتنفيذ، ونوّاب الحاكم أنفسهم يدركون ذلك. وهي في الجزء الأول منها تتشابه مع الخطة التي قدّمها نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي نتيجة التفاوض مع صندوق النقد الدولي والمجمّدة من قبل السلطة نفسها، فيما الجديد هو الشق الأخير منها والمتعلّق بإصرار نواب الحاكم، بعد نهاية تموز، على التوقف عن استعمال الاحتياطي الإلزامي وحفظه إلى حين وجود خطة واضحة تحدد مصير الودائع المصرفية. وفي هذه المرحلة، أكّدت الخطة أنّ أيّ استعمال للاحتياطي يجب أن يتم عبر خطة مشتركة بين المجلس النيابي والحكومة والمصرف المركزي. إذ ينبغي على المجلس النيابي إقرار قانون يسمح للمصرف بإقراض الحكومة ما يصل إلى 200 مليون دولار شهرياً لمدة 6 أشهر، بما مجموعه 1.2 مليار دولار، لتغطية احتياجاتها المتنوعة ولا سيما تلك المتعلقة بالقطاع العام. وبالتوازي، تشير الخطة إلى سعي المصرف المركزي لاستقرار سعر الصرف وضمان انتقال سلس ومضبوط نحو منصّة بديلة لصيرفة تعتمد على تعويم سعر الصرف، خلال مدة شهر. 

أسئلة عديدة تكرّرت عن الدور الذي يمكن أن تلعبه لجنة الإدارة والعدل في هذا السياق. وخير من عبّر عن أجواء الجلسة كان النائب هادي أبو الحسن إذ أشار إلى أن العرض كان نظرياً وغير واقعي ولا يصلح لآخر عشرة أيام من ولاية الحاكم، إنما يصلح ليكون في صيف 2022. وبالتالي جميعنا يعلم أن هذه الإصلاحات ضرورية ونطالب بها منذ ما قبل الانتخابات ولم نستطِع أن نقوم بأيّ أمر نتيجة تعطل المؤسسات والعملية التشريعية، والدولة في شلل تام وفي حال فراغ، والقيام بتلك الإصلاحات يستلزم انتظام المؤسسات الدستورية بدءًا من انتخاب رئيس للجمهورية. 

كما حذر من فوضى اجتماعية قد تنتج عن إلغاء منصة منصة صيرفة، ليشير إلى أن الحلّ الوحيد يتمثل بانتخاب حاكم جديد للمصرف المركزي قبل نهاية تموز. وهذا المطلب كرّره أيضاً نواب حركة أمل، الذين كان لافتاً حضورهم بكثافة في الجلسة، مؤكّدين بدورهم على وجوب تعيين حاكم جديد، بالتوازي مع تأييدهم لاستقالة نواب الحاكم إذا لم يحصلوا على ضمانات تمكنهم من العمل في الفترة المقبلة. 

وفيما بدا جلياً صعوبة تسويق تعيين خلف لسلامة، وعدم طرح أي كتلة أخرى للأمر، وفي ظل صعوبة تجاوب السلطة مع أي من مطالب النواب الأربعة، بما فيها إقرار قانون يسمح باستدانة الحكومة من الاحتياطي الإلزامي، فقد حصرت الاحتمالات باثنين: إعادة فتح الطريق أمام طرح التمديد لسلامة، على اعتبار أن خطّة نواب الحاكم يمكن أن تؤدّي إلى خضّات اجتماعية تنتج عن التخلي عن صيرفة وتعويم سعر الصرف. وهذا طرح لا يزال عدد من الكتل يسعى إليه، وقد أعاد رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب، في برنامج تلفزيوني أمس، التأكيد على أن هذا الخيار هو الأنسب في الظروف الحالية. وإما تولّي منصوري منصب الحاكم، والسير بالإجراءات التي سبق أن أعلن عنها، أي التخلّي تدريجياً عن منصة صيرفة في ظلّ الإصرار على عدم المسّ بالاحتياطي الإلزامي، وتحميل مختلف الكتل مسؤولية تبعات هذه الخطوة، بسبب عدم تعاونهم مع إدارة المصرف وعدم تبنّيهم أيّ من الاقتراحات التي تتضمّنها الخطّة أي بشكل آخر غسل يدي منصوري تحديداً، ومن خلفه حركة أمل، من أيّ تداعيات ممكنة لتغيير السياسة المعتمدة من قبل مصرف لبنان. علماً أن المناقشات الحالية لا تستبعد احتمال سير  منصوري بالإجراءات المتبعة من سلامة حاليا على اعتبار أنه لم يحظَ بالغطاء السياسي المطلوب للسير بالإصلاحات النقدية. يشار إلى أن المادة 33 من قانون النقد والتسليف تنص على صلاحية المصرف في وضع السياسة النقدية، ولا تتطرق لوجوب الحصول على التغطية السياسية.