سنّ أقصى لتولّي المناصب العامة؟
19/06/2023
تقدم النائبان نجاة عون والياس جرادي باقتراح قانون معجل مكرر يرمي إلى تحديد السن الأقصى لمتولّين أو مرشّحين لتولّي الخدمة العامة بحيث نص في الفقرة الأولى منه على التالي: "يشترط في كل من يؤدي خدمة عامة سواء أكان معينا أو منتخبا، مدفوع الأجر أم غير مدفوع الأجر، في أي شخص من أشخاص القانون العام، على المستويين المركزي أو اللامركزي، أن لا يزيد عمره عن أربعة وسبعين عاما، وتعتبر ولايته أو خدماته منتهية حكما ببلوغه هذا السن ما لم تحدد النصوص النافذة سنا أدنى...". وقد نصت الفقرة الثانية على رفض طلب ترشيح أو تعيين كلّ من تجاوز السن المحدد في الفقرة الأولى بتاريخ الترشيح أو التعيين.
وقد جاء في الأسباب الموجبة أن تولي الخدمة العامة يحتاج إلى "حدّ أدنى من الرشاقة" والقدرة على مواكبة التطورات التي يفرضها العصر، وأن تحديد سن أقصى أسوة بسن التقاعد في الوظيفة العامة، يبقى "حقا من حقوق الإنسان على اعتبار أنه محطة للراحة بعد إفناء سنين العمر في خدمة المجتمع". وتضيف الأسباب الموجبة أن المنتخبين في المجالس البلدية والاختيارية باتوا "ينتمون إلى أكثر الفئات كهولة على حساب عنصر الشباب الذي بإمكانه الارتقاء بالخدمة العامة إلى مستوى التطلعات".
ومن اللافت أن الاقتراح أرفق بمذكرة تبرر صفة الاستعجال عملا بالمادة 110 من النظام الداخلي لمجلس النواب إذ تشير أن التمديد للمجالس البلدية والاختيارية يهدد بجعلها أكثر كهولة مما هي عليه الآن ويمنع تطوير عملاها لغياب العنصر الشاب "وهو ما يقتضي معالجته بأسرع وقت ممكن مما يحقق المصلحة العامة".
إن هذا القانون يستوجب إبداء الملاحظات التالية:
تشبيب الخدمة العامة لا يضمن التحديث والإصلاح
لا شك أن هذا الاقتراح يهدف إلى تعزيز مشاركة الشباب في السلطات العامة على اختلافها علما أن وجود سن أقصى لتولي مثل هذه المناصب لا يشكل ضمانة كافية إذ لا شيء يمنع من تعيين أو انتخاب شخص أيضا متقدم في العمر كي يحل مكان الذي ترك موقعه بسبب بلوغه السن القانوني.
وإذا وضعنا جانبا الفكرة الشائعة التي ينطلق منها الاقتراح ضمنيا ومفادها أن الشباب هم أكثر ميلا إلى الإصلاح والتحديث، وهذه مسلمة غير صحيحة كون الشاب المعين من قبل السلطة السياسية أو الممثل المنتخب في المجالس المحلية للأحزاب المهيمنة على المجتمع، دأب على اتخاذ قرارات تخدم أولا مصالح فريقه السياسي دون أي اعتبار جدي للمصلحة العامة.
المس بالحقوق السياسية للناخبين
يخالف الاقتراح الطبيعة الديمقراطية للانتخابات ويجانب الصواب عندما يقارن في أسبابه الموجبة بين الوظيفة العامة والمناصب الانتخابية. فعملا بمبدأ السيادة الشعبية المنصوص عليه في الفقرة "د" من مقدمة الدستور يحق للناخبين اختيار من يمثلهم حتى لو كان متقدما في السن كون الوكالة الشعبية تضفي على الشخص المنتخب شرعية لا يمكن إنكارها بغض النظر عن عمره. بينما تنطلق القوانين التي تنص على سنّ للتقاعد في القضاء أو الوظيفة العامة أو الأسلاك العسكرية والأمنية من حقيقة مفادها أن الموظف يتم تعيينه وفقا لشروط محددة وبالتالي لا يمكن المقايسة بين حكم الوظيفة العامة القائمة بالتعيين وحكم المنتخب ديمقراطيا كي يتولى تمثيل الشعب.
عدم جواز إنهاء ولاية المنتخب بقانون
ويتبين من الاقتراح أنه يشمل أيضا النواب، حتى لو لم يذكرهم صراحة، ما يعني أن النائب الذي يبلغ 74 عاما بعد انتخابه تنتهي ولايته حكما، ما يجعل من الضروري إجراء انتخابات نيابية فرعية لملء المقعد الشاغر. وإذا كان هذا الأمر يطرح علامات استفهام جدية حول دستورية إنهاء ولاية نواب محددين عبر قانون يمكن تعديله اعتباطيا والتلاعب به من أجل تحقيق مكاسب سياسية، فإن مخالفته للدستور تصبح أقوى كون الاقتراح لا ينص مثلا على بدء العمل به في الانتخابات المقبلة، ما يعني أنه سيطبق على نواب لم يكن من انتخبهم على علم بأن عند بلوغهم السن الذي يحدده القانون ستصبح ولايتهم منتهية.
لذلك، ومن أجل تفادي مخالفة الدستور، كان على الاقتراح أن ينص على إكمال المنتخب، سواء في المجلس النيابي أو المجالس المحلية، ولايته حتى لو بلغ السن القانوني احتراما للوكالة التي حاز عليها ديمقراطيا من الشعب.
وكانت هذه الفكرة قد طرحت في فرنسا سنة 2015 إذ نص تقرير وضعته هيئة تابعة لرئاسة الوزراء وتم تقديمه إلى وزارة الشباب والرياضة حول تعزيز دور الشباب في الحياة العامة على مجموعة من التوصيات من بينها وضع سن أقصى للترشح (70 سنة) لكن مع السماح للمنتخب الذي يتخطى هذا الحد أن يكمل ولايته ومع استثناء الشخص الذي يترشح لأول مرة[1] من هذا الشرط من أجل عدم حرمان المواطنين المتقدمين في السن بالكامل من حقوقهم السياسية، لا سيما وأن العديد منهم ينتظر إحالته على التقاعد كي يتمكن من الترشح، خصوصا الذين كانوا يتولون وظائف عامة تنطبق عليها شروط انتفاء الملاءمة (incompatibilité) بحيث لا يمكن الجمع بين الوظيف وأي وكالة انتخابية.
لا يقتصر الاقتراح على فرض سن أقصى على المنتخبين بل أيضا على المعينين في أي شخص من أشخاص القانون العام. وإذا ما وضعنا جانبا أعضاء المجلس الدستوري والهيئات الإدارية المستقلة الذين سيطبق عليهم هذا النص ما قد يهدد استقلاليتهم أو يؤدي إلى فقدان النصاب، يتوجب السؤال هنا هل يشمل هذا الشرط الوزراء أيضا؟ فالمادة 66 من الدستور تنص على أنه "لا يجوز تولي الوزارة إلا لمن يكون حائزا على الشروط التي تؤهله للنيابة"، ما يعني ليس فقط أن الشخص الذي يفقد حقه بالترشح للانتخابات النيابية سيمنع عليه تولي أي منصب وزاري، بل أيضا الوزير الذي يبلغ الرابعة والسبعين سيفقد منصبه لفقدانه شرطا من شروط النيابية. وبالتالي يكون هذا الاقتراح قد أوجد شرطا من خارج الدستور يحد من صلاحيات السلطة التنفيذية بتعيين الوزراء، لا بل هو ينهي أيضا ولاية الوزير من دون أن يكون ذلك عبر الطرق التي نص عليها الدستور (الاستقالة، الإقالة، سحب الثقة، الاتهام بالخيانة العظمى أو الإخلال بالواجبات المترتبة عليه) ما يستوجب تعديلا دستوريا.
وينسحب التحليل نفسه على رئيس الجمهورية كون المادة 49 من الدستور تنص أيضا على أنه "لا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزا على الشروط التي تؤهله للنيابة وغير المانعة لأهلية الترشيح". وبالتالي يصبح من غير الجائز انتخاب كل من بلغ السن القانوني لرئاسة الجمهورية، والمشكلة ذاتها تطرح بخصوص الرئيس الذي يبلغ هذا السن أثناء ولايته إذ لا يعقل أن تنتهي خدمته حكما كون ذلك يشكل مخالفة للدستور، ويخرق مبدأ عدم مسؤولية رئيس الدولة من خلال قدرة مجلس النواب على تعديل السن الأقصى عندما يشاء.
كما يظهر التناقض الكامن في هذا الاقتراح في حال جرى تطبيقه على رئيس الحكومة الذي ستنتهي خدمته عند بلوغه السن القانوني ما يجعل الحكومة بحكم المستقيلة نظرا لنهاية ولاية رئيسها، أي أن الاقتراح يضيف حالة إلى الحالات المنصوص عليها في المادة 69 من الدستور والمتعلقة بمتى تعتبر الحكومة مستقيلة، هذا فضلا عن التداعيات السياسية لمثل هكذا أمر.
خلاصة القول، يطرح هذا الاقتراح مشاكل دستورية عديدة كان يتوجب تداركها وتقديمه بشكل أكثر تفصيلا، بدل الاكتفاء باقتراح معجل مكرر مقتضب لا يفي إطلاقا بالمطلوب. ولربما كان من الأفضل أن يركز أصحاب الاقتراح على اشتراط أن تتضمن اللوائح الانتخابية نسبة من الشباب على أن يحظر على الفئات العمرية المتقدمة إشغال أي وظيفة عامة.
[1] “ « Afin de tempérer le caractère radical d’une telle mesure, le principe pourrait connaître une exception lorsqu’il s’agit d’une première candidature à un mandat électif national ou local » (France Stratégie, Reconnaître, valoriser, encourager l'engagement des jeunes, Juin 2015, p. 56).