طريق عكار على خطى طريق البقاع: أولويات تنموية في عهدة القطاع الخاص
30/03/2024
لولا الانهيارات العديدة للتربة في منطقة ضهر البيدر والتي شكّلت تهديداً لحياة الآلاف من المارّين يومياً على الطريق الدولي، لما تذكّرت الحكومة القانون رقم 174/2020. لكن لمّا كانت الانهيارات قد حصلت في شهر كانون الثاني، فقد تحرّكت الحكومة في شباط لتنفيذ قانون مرّ على إقراره 4 سنوات. وهو ينصّ على الإجازة للحكومة، خلال مهلة سنة، وضع مشروع متكامل لإنشاء نفق لطريق بيروت- البقاع ومراسيمه التطبيقية وفق نظام “BOT” (تمويل، تشغيل، تحويل إلى الدولة بعد انتهاء مدة التشغيل).
وبالفعل، أقرّ مجلس الوزراء في 28/2/224 الموافقة على طلب وزارة الأشغال تكليف مجلس الإنماء والإعمار إعداد دراسة جدوى فنيّة اقتصادية عالمية موسعة (تقدر كلفتها ب1.5 مليون دولار) بهدف إنشاء نفق لطريق بيروت البقاع تمهيداً للمباشرة بإعداد دفتر الشروط لتلزيم الدراسة بطريقة BOT.
هكذا قد يحتاج الطريق إلى نحو سنتين جديدتين ريثما تنجز الدراسة ويتم التلزيم… إذا وجد مستثمر مستعد لتمويل المشروع وبنائه ومن ثم تحصيل أمواله عبر وضع تعرفة على مرور السيارات في النفق المذكور. لكن مع ذلك، إذا تحقق ذلك فيكون قد أقفل ملفّ لا يزال مفتوحاً منذ أكثر من 50 سنة. إذ تعود فكرة إنشاء الطريق إلى العام 1968. فبعد حرب ال67، صدرتْ توصيّة عن اللجنة الدائمة للمواصلات التابعة للأمانة العامة للجامعة العربية تقضي بربط الساحل الشرقي للبحر المتوسط بالبلاد العربية، أي من الشرق إلى الخليج العربي، ومن تركيا في الشمال إلى مصر وإفريقيا. ونتيجة لهذا التوجّه، بدأ الحديث في لبنان عن محوريْن رئيسييْن يجب العمل على إنشائهما، هما الخطّ الساحلي والخطّ الداخلي (من الحدث وحتى الحدود السورية) الذي عرف تارة بأوتوستراد الشرق وتارة بالأوتوستراد العربي.
حينها كان طول الأوتوستراد الذي وضعت دراسته الأولية بين الأعوام 1969 و1973 واستكملت بشكلها النهائي في العام 1986، يبلغ حوالي 60.8 كلم، انطلاقاً من نقطة الحدث حتى الحدود السورية. ونظراً لإدراك الجميع أهمية هذا المشروع أصدر مجلس الوزراء في العام 1994 قراراً أجاز بموجبه إلى مجلس تنفيذ المشاريع الإنشائية البدء بتنفيذ الأوتوستراد العربي وفق طريقة “BOT”.
المشروع مؤلف من عدد من الوصلات التي أنجز بعضها أو لا يزال قيد الإنجاز من دون أن يظهر أي تأثير إيجابي على الوصلات التي أنجزت، باستثناء جسر المديرج، الذي اختصر الطريق التي كانت تمرّ سابقاً في وسط صوفر. وها هو النفق إذا تحوّل إلى حقيقة، سيساهم في اختصار الطريق إلى البقاع، ومنع التأثر بالعوامل الطبيعية في حال سقوط الثلوج.
يمتد النفق المقترح على طول 25 كلم. ويمر بمنطقة قناطر زبيدة في المتن الجنوبي، وادي نهر بيروت، وادي نهر الجعماني، رأس المتن، بيت مري، صاليما، جسر الخشب بين بزبدين والمتين في المتن الشمالي، وصولاً إلى البقاع.
مع إقرار الحكومة للدراسة، تنبّه عددٌ من نواب عكّار إلى إمكانية الاستفادة من آلية التلزيم نفسها لإنشاء طريق في عكار، التي يقول النائب سجيع عطية إنها المحافظة الوحيدة في لبنان التي لا تضم أوتوستراداً. فقدموا، في 21/3/2024، اقتراح قانون موقّع من عطية ووليد البعريني وأحمد الخير وأحمد رستم، يطابق في خطوطه العريضة القانون رقم 174، فيحرّر الدولة المفلسة من صرف الأموال على مشاريع تنموية حيوية، مقابل إعطاء الفرصة للقطاع الخاص، للاستفادة من الاستثمار في مشاريع الطرقات. إذ أنّ الاقتراح يُجيز في مادته الأولى للحكومة “إنشاء أوتوستراد يربط بين محافظتي الشمال وعكار، على طريقة الـ BOT أو بالشراكة مع القطاع الخاصّ، وتقديم مشروع متكامل عن خطة المشروع وتكاليفه ومراحل تنفيذه، وذلك خلال مهلة سنة من تاريخ نفاذ القانون. وقد أوضح عطية لـ”المفكرة القانونية” أن الأوتوستراد المُقترح إنشاؤه في عكار يمتدّ بين البداوي والحدود السورية في منطقة العبودية، مروراً بالمنية، بطول 25 كلم، ويخدم نحو مليون مواطن. واعتبر أنه لم يعد بالإمكان الاستمرار في الوضع الراهن، فالطريق الحالية لا تزال هي نفسها منذ عهد الانتداب. وذكّر أن فكرة المشروع ليست جديدة، فقد كانت مطروحة على طاولة البحث سابقاً على أن تموّل بقرض من بنك الاستثمار العربي، أضِف إلى أن خارطة الاستملاكات كانت اكتملتْ قبل أن تؤدي الأحداث المتسارعة منذ العام 2019 إلى تجميد المشروع، ونشوء بعض التعدّيات على الاستملاكات المقررة.
كما جاء في الأسباب الموجبة للمشروع أن محافظة عكار تعاني من غياب لشبكة الطرق الدولية التي تربطها بالشمال وبباقي محافظات لبنان، على الرغم من امتدادها على مساحة 788 كلم2 واحتوائها على مناطق سياحية وأثرية. كما أن إنعاش القطاع الزراعي وتشجيع السياحة يتطلّب إنشاء شبكة طرق تربطها بمدينة طرابلس وباقي المدن اللبنانية. كما يعتبر أن الطريق الحالي يفتقر إلى أبسط المواصفات الواجب توفرها وبالتالي يشكل عائقاً أمام تنقّل المواطنين وأمام حركة التجارة بين عكار وباقي المناطق، لا سيما في ما يتعلق بتصريف المنتجات الزراعية. أضِف إلى أنّ إعادة تشغيل مطار رينيه معوض في القليعات الذي يعدّ حاجة ضرورية للبنان والشمال خصوصاً، يحتاج بشكل أساسي إلى شبكة طرق تربطه بعاصمة الشمال وباقي المناطق.
وإذ أسف عطية لعدم مطالبة نواب المنطقة في العام 2020 بشمول القانون 174 أوتوستراد عكار أيضاً، فقد أمل أن لا يوضع الملف في الجوارير كما حصل مع ملف الأوتوستراد العربي، ويُنفّذ المشروعان في أسرع وقت ممكن، لما فيهما من فائدة تتعدى حدود المنطقتين لتشمل الاقتصاد اللبناني بشكل عامّ.