ظاهرة حظر "المعجّل المكرّر" بإرادة فوقية
26/02/2024
يخضع التشريع عادة إلى أصول تنصّ عليها الدساتير والنظم الداخلية للمجالس التمثيلية نظرا لأهمية الموضوع وارتباط شرعية الديمقراطية التمثيلية بوجود آليات قانونية واضحة تسمح للنواب بالتعبير عن رأيهم بحرية، وتتيح للرأي العام الاطلاع على عمل هؤلاء بشفافية. وإلى جانب الأحكام العادية التي ترعى إقرار القوانين، يلحظ عادة الدستور أو النظام الداخلي آلية تشريعية استثنائية تسمح بالتصويت على القوانين بشكل سريع من أجل مواجهة ظروف طارئة أو مواكبة تطوّرات سياسية تتطلّب اختصار المهل العادية التي يجب أن تمرّ بها مشاريع القوانين في المبدأ قبل وصولها إلى الهيئة العامة.
هذا وينص النظام الداخلي الحالي لمجلس النواب في الفصل الثاني من بابه الثاني على آليات تتعلق بالتشريع المعجل علما أن هذه الأحكام تجد مصدرها التاريخي الأول في النظام الداخلي الذي تبناه مجلس النواب سنة 1930. وقد عالجت الورقة البحثية التي أصدرتها المفكرة القانونية حول النظام الداخلي للمجلس النيابي في لبنان الإشكاليات القانونية التي تدور حول الاستعجال، لكن المراقب لعمل البرلمان سيلاحظ أن تطوّرا قد طرأ مؤخّرا قضى برفض تسجيل الاقتراحات المعجلة المكررة المقدمة من النواب، وهو تطوّر جدير بالتحليل كونه يسمح بتكوين فهم أفضل للكيفيّة الفعليّة التي يعمل بها مجلس النواب كجهاز إداري تتحكّم به السلطة السياسية أيضا.
أولا: الاستعجال المكرّر في النظام الداخليّ
الاستعجال المكرر هو آلية تشريعية استثنائيّة لا وجود لها في الدستور بل هي بالكامل وليدة النظام الداخلي لمجلس النواب. والمستغرب أن موادّ هذا الأخير المتعلقة بالاستعجال المكرر تتسم بالغموض نظرا لصياغتها المتسرعة إذ يتم ذكر الاستعجال المكرر لأول مرة من دون تعريفه في المادة 109 التي تنص على التالي: "للرئيس طرح الاقتراح أو المشروع المعجل المكرر على المجلس في أول جلسة يعقدها بعد تقديمه حتى ولو لم يدرج في جدول الأعمال" ما يفهم منه وجود مشاريع معجلة مكرّرة تتقدّم بها الحكومة واقتراحات معجّلة مكرّرة يتقدم بها النواب. وهكذا يتمّ تكريس هذا المفهوم القانوني الخطير بشكل عرضي وكأنه أمر بديهي لا يحتاج إلى مزيد من الشرح والتفصيل.
ولا شك أن هذه الصياغة المتسرّعة تظهر مجدّدا في المادة 110 من النظام الداخلي التي تنص على التالي: "للحكومة ولأيّ من النواب مع تقدّم مشروع أو اقتراح قانون أن يطلب بمذكّرة معلّلة مناقشته بصورة الاستعجال المكرّر شرط أن يكون مؤلفاً من مادة وحيدة". وعلى الرغم من أن مفهوم الاستعجال المكرر يظهر مجددا بشكل عرضي، لكن هذه المادة هي أقرب شيء يقدّمه النظام الداخلي لتعريف الاستعجال المكرّر كمفهوم قانونيّ إذ يتحقّق ذلك عند توفّر شرطيْن: الأول وجود مذكرة تعلل طلب مناقشة المشروع أو الاقتراح بصفة الاستعجال المكرر، والثاني أن يتألف المشروع والاقتراح من مادة وحيدة.
لكن هذه الشروط التكوينية للاستعجال المكرر لا تشرح لنا وظيفته ولا الغاية منه، إذ يمكن لقارئ النظام الداخلي أن يستنتج ذلك من خلال العودة إلى المادة 109 ومن ثم الذهاب إلى المادة 112 التي تضيف شرطا جديدا كي تكتمل العناصر المعرفة للاستعجال المكرر مفاده موافقة الهيئة العامة لمجلس النواب على صفة الاستعجال المكرر ما يسمح بمناقشته مباشرة. وتضيف المادة 113 أنه في حال سقطت صفة الاستعجال المكرر تتم إحالة "المشروع" إلى اللجنة المختصة لدراسته وفقا للأصول العاديّة. ولا شكّ أن كلمة "مشروع" يجب تفسيرها بأنّها تشمل المشاريع والاقتراحات المعجّلة المكرّرة ما يؤكد مجددا غموض هذه الأحكام ورداءة صياغتها القانونية. وهذا ما يظهر مجددا مع المادة 111 التي تمنح الحكومة وحدها "حقّ طلب إرجاء البحث بالموضوع المعجّل إلى الجلسة القادمة". فهل هذا النص يعني أن الحكومة لا يحقّ لها طلب إرجاء البحث في المواضيع المعجّلة المكرّرة؟ ولماذا يتم إقحام "المواضيع المعجلة" بين مواد تعالج الاستعجال المكرر؟ أو هل يتوجب تفسير المواضيع المعجلة بأنها تشمل المشاريع المعجلة والاستعجال المكرر؟ أسئلة تشير ليس فقط إلى ضرورة الإجابة عليها بل أيضا إلى وجوب تعديل النظام الداخلي بسبب طبيعته المبهمة وصياغته الرديئة.
ثانيا: ظاهرة الاستعجال المكرر
يسمح الاستعجال المكرر بطرح القانون مباشرة على الهيئة العامة من دون المرور في اللجان. لكن أهميته وخطورته لا تكمن في هذا الجانب فقط كون المادة 109 تمنح رئيس المجلس صلاحية اختيارية تتيح له طرح الاقتراح المعجل المكرر في أول جلسة يعقدها البرلمان ولو من خارج جدول الأعمال ما يعني أن رئيس المجلس ليس ملزما بذلك. ولا يمكن فهم تلك الصلاحية إلا إذا تذكّرنا أن وضع جدول أعمال الجلسات هو صلاحية جماعية أناطتْها المادة الثامنة من النظام الداخلي بمكتب مجلس النواب، ما يعني في المبدأ أن رئيس المجلس ملزم بما يقرره مكتب المجلس وعليه طرح فقط الاقتراحات والمشاريع الواردة في جدول الأعمال. فالاستعجال المكرر هو في الحقيقة صلاحية لا تتعلق باختصار المهل وعدم المرور في اللجان فقط، ولا في متى يتم طرح الموضوع على الهيئة العامة، بل هو استثناء يطاول مكتب المجلس بوضع جدول الأعمال إذ يمكن لرئيس المجلس طرح المشاريع والاقتراحات المعجلة المكررة من خارج هذا الجدول.
وما يفاقم من الطابع الاستثنائي والاستنسابي للاستعجال المكرر هو الشرط الشكلي الذي يفرضه النظام الداخلي بضرورة احتواء القانون على مادة واحدة فقط، وهو شرط لا يشكّل رادعا لإساءة استخدام هذه الإمكانية كون النائب يمكن له تقسيم المادة الوحيدة إلى عشرات البنود ما يعني أن الاقتراح يكون متشعبا ويستحيل دراسته بشكل معمّق مباشرة في الهيئة العامة. وهذا ما حصل ويحصل بالفعل إذ يتقدم النواب باقتراحات معجلة مكررة تتألف من صفحات عديدة ولا يوجد واقعيا من مبرر لذلك. والأغرب من ذلك أن صيغة الاستعجال المكرر لا تضمن عرض الموضوع على أول جلسة تشريعية كون ذلك متوقفا على استنسابية رئيس المجلس الذي يمكن له بكل بساطة رفض هذا الأمر. وإذا ما أضفنا إلى ذلك أن الجلسات التشريعية التي بات مجلس النواب يعقدها في ظلّ الشغور في رئاسة الجمهورية أصبحت قليلة ومتباعدة زمنيا ما يفقد واقعا الاستعجال المكرر غايته إذ حتى لو أراد رئيس المجلس طرح الموضوع في أول جلسة فإن ذلك يكون مرهونا بتوفر التوافق السياسي بين الكتل النيابية المسيطرة على مجلس النواب من أجل توفير نصاب الجلسة. فبين تسجيل الاقتراح المعجل المكرر وطرحه على الهيئة العامة، قد تنقضي فترة زمنية طويلة جدا، ما يعني أن آلية الاستعجال، حتى لو كان الموضوع بالفعل يتسم بالضرورة القصوى، قد تفشل في تحقيق الغاية من وجودها.
وتظهر الطبيعة العشوائية للاستعجال المكرر في جدول أعمال الجلسات التشريعية إذ لا يوجد أي نسق يسمح بفهم المعيار الذي يشرح كيفية تحضير هذا الأخير. ففي الدور التشريعي الممتد بين 2018 و2022 عجّت بعض الجلسات بالاقتراحات المعجلة المكررة كجلسة 12 تشرين الثاني 2018 (21 اقتراح معجل مكرر من أصل 30 بند) وجلسة 17 نيسان 2019 (11 من أصل 18) وجلسة 21 نيسان 2020 (45 من أصل 76) وجلسة 28 أيار 2020 (28 من أصل 37) وجلسة 21 كانون الأول 2020 (61 من أصل 71) وجلسة 30 حزيران 2021 (55 من أصل 76)، بينما اقتصرت بعض الجلسات على مناقشة اقتراحات قليلة جميعها بصيغة المعجل المكرر كجلسة 13 آب 2020 (3 اقتراحات معجلة مكررة) وجلسة 27 تشرين الثاني 2020 (اقتراح واحد معجل مكرر).
وتكرر هذه العشوائية في الدور التشريعي الحالي منذ أيار 2022 إذ تم إدراج 30 اقتراح معجل مكرر في جدول أعمال جلسة 26 تموز 2022 المؤلف من 40 بندا بينما انخفض عدد بنود جدول الأعمال بشكل كبير في الجلسات التشريعية اللاحقة بما فيها الاقتراحات المعجلة المكررة.
ولا شك أن فهم هذه الظاهرة يرتبط بعمل النظام السياسي الحاكم. فالجلسات التشريعية التي تشهد على عدد كبير من البنود ومن بينها الاقتراحات المعجلة المكررة تنعقد في ظلّ وجود رئيس للجمهورية ومشاركة جميع الكتل الكبرى علما أن ورود الاقتراحات المعجلة المكررة على جدول الأعمال لا يعني إطلاقا إقرارها أو حتى مناقشتها كون غالبيتها إما يرفض المجلس الموافقة على منحها صفة العجلة أو بكل بساطة تنتهي الجلسة من دون حتى تلاوتها في الهيئة العامة. وهكذا يتم حشو جدول الأعمال وفقا لترتيب مدروس بحيث يتمّ إقرار الاقتراحات والمشاريع المتفق عليها مسبقا في أول الأمر وتظل سائر الاقتراحات المعجلة المكررة التي تشكل مبادرة فردية لنائب معين في آخر جدول الأعمال ما يؤدي إلى تأجيل النظر بها عند رفع الجلسة.
وللاستعجال المكرّر حضور بارز في الجلسات التشريعية التي تعقد خلال الأزمات والكوارث التي دائما ما يقتصر جدول أعمالها على بنود قليلة جدا غالبيتها اقتراحات معجلة مكررة كجلسة 13 آب 2020 بعد جريمة انفجار مرفأ بيروت التي أقرّت قوانين استثنائية لتعليق المهل وإعفاء ورثة الشهداء من رسوم الانتقال والابنية المتضررة من الضريبة على الأملاك المبنية. كذلك بالنسبة لجلسة 27 تشرين الثاني 2020 والتي أقرت بندا وحيدا بصيغة المعجل المكرر من أجل إعفاء تعويضات ومعاشات لذوي الضحايا في تفجير مرفأ بيروت وتمكين الذين أصيبوا بإعاقة منهم من الاستفادة من التقديمات الصحية للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي.
لكن الطبيعة الاستثنائية للاقتراحات المعجلة المكررة تظهر بكل مدلولاتها السياسية عندما يتعلق الأمر بمواضيع تهمّ السلطة وتتعلق بالتوازن بين أركان النظام الحاكم. إذ من الملاحظ أن مجلس النواب يعقد أحيانا جلسات تشريعية بهدف إقرار قوانين حسّاسة سيّاسيا بصيغة المعجّل المكرّر كجلسة 18 نيسان 2023 التي أقرّت قانون تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية، وجلسة 14 كانون الأول 2023 التي صدّقت على ما بات يعرف بقانون التمديد لقائد الجيش. فالتوافق السياسي مع نواب التيار الوطني الحر سمح بعقد الجلسة الأولى بينما التوافق السياسي مع كتلة القوات اللبنانية سمح بعقد الجلسة الثانية على الرغم من موقف هؤلاء المعلن بمعارضة التشريع في ظل الشغور الرئاسي.
وهكذا يتبيّن أن الاستعجال المكرّر يؤدّي إلى نتيجة إمّا عند وجود أزمات وكوارث (كورونا وانفجار المرفأ)، وهو أمر ينسجم مع الغاية من وجود آلية الاستعجال المكرر، وإما عند وجود توافق سياسي بين أركان السلطة خدمة لمصالحهم، ما يعني أنّ الاستعجال غير متحقق من الناحية الموضوعية، بل هو استعجال سياسي بالدرجة الأولى، أي أن الضرورة لا تنجم عن حاجات الدولة أو المجتمع بل عن حاجات القوى السياسية المهيمنة.
ثالثا: تطور جديد في الاستعجال المكرر
إن حماسة النواب في تقديم الاقتراحات المعجلة المكررة لاستعراض بطولاتهم التشريعية تظهر في أعدادها المسجلة في قلم مجلس النواب. ففي ولاية مجلس النواب السابق (2018-2022) تظهر الأرقام أن 231 اقتراحا معجلا مكررا تم إدراجه على جدول الأعمال الهيئة العامة من أصل 438 بندا تشريعيا، أي ما نسبته 53% من مجموع البنود التشريعية خلال أربع سنوات[1]. وأيضا في عام 2023 جرى تسجيل 61 اقتراحا بصيغة المعجل المكرر من أصل 132 اقتراح قانون تقدم بها النواب أي ما يقارب نصف الاقتراحات. وإذا كانت هذه الحماسة كما رأينا من دون طائل في حال لم يكن الاقتراح يستند إلى توافق سياسي، لكن ذلك لا ينفي حق النائب بتقديم الاقتراحات المعجلة المكررة عملا بأحكام النظام الداخلي النافذ.
لكن المراقب لعمل مجلس النواب سرعان ما سيتمكن من الملاحظة أنه اعتبارا من مطلع السنة الحالية لم يتمّ تسجيل إلا اقتراحين بصيغة الاستعجال المكرر فقط، بينما كان النائب بلال عبدالله قد تقدم باقتراح ثالث بهذه الصيغة أيضا بتاريخ 6 شباط 2024 لكنه قام في 20 من الشهر ذاته بتحويله إلى اقتراح عادي عبر سحب صفة الاستعجال المكرر من خلال شطبها.
والظاهر أن غياب الاقتراحات المعجلة المكررة لا ينبع من استنكاف للنواب وانحسار حماستهم التشريعية بل هو في الحقيقة نتيجة قرار متعمّد اتّخذته إدارة مجلس النواب برفض تسجيل أي اقتراح يتخذ صفة الاستعجال المكرر.
وفي حال صحة هذه الفرضية فإن ذلك يعني وجود تعليمات صدرت عن الأمانة العامة لمجلس النواب بمنع تسجيل الاقتراحات المعجلة المكررة ما يشكل مخالفة مباشرة للنظام الداخلي وهي مخالفة فادحة ليس لمضمون المخالفة لكن لشكلها. فمجلس النواب عمد أحيانا إلى مخالفة نظامه الداخلي لكن تلك المخالفة كانت تتم بقرار من النواب أنفسهم الذين كانوا يتذرعون بمقولة "المجلس سيد نفسه" لتبرير تلك المخالفات. وعلى الرغم من أن تلك المخالفة لا تجوز حتى لو وافق عليها النواب لكنها تظلّ أخف من تعليق العمل بمواد من النظام الداخلي عملا بقرار إداري، ما يعني مصادرة صلاحيات النواب من دون موافقتهم وهو اعتداء خطير على الطبيعة الديمقراطية للمجالس النيابية.
وإذا كان لا يعقل أن تقدم الأمانة العامة للمجلس على هكذا خطوة من دون قرار سياسي صادر عن رئيس المجلس نبيه بري، فإن ذلك لا يغير شيئا في الموضوع كون موقف رئيس المجلس في هذه الحالة هو قرار إداري اتخذه بشكل منفرد من دون وجود أيّ نص يمنحه تلك الصلاحية الخطيرة التي ترهن إرادة النائب بموافقة رئيس المجلس أو من ينوب عنه من الموظفين الكبار. والأغرب أن تعليق تقديم الاقتراحات المعجّلة المكررة لا يفهم إلا إذا كان رئيس المجلس يعتقد أن ذلك يلزمه بعرضها على أول جلسة تشريعية، وهو الأمر المنطقي عندما يكون الموضوع ملحّا. لكن المادة 109 من النظام الداخلي كما رأينا أعلاه لا تمنح رئيس المجلس صلاحيّة مقيّدة بل استنسابيّة بعرض الاقتراح المعجّل المكرّر في أول جلسة، ما يعني أن الإزعاج الذي يعبّر عنه تعليق تسجيل تلك الاقتراحات لا مبرر له.
إن الاضطراب الذي يدخله الاستعجال المكرّر على العمل التشريعي يظهر في ممارسة أفصح عنها رئيس مجلس النواب في جلسة 8 تشرين الأول 2008 عندما أعلن التالي: "بناء على طلب من الهيئة العامة سابقاً طلب مني ان لا يحصل توزيع اقتراحات معجلة مكررة نهار الجلسة أو قبل يوم واتفقنا أنه قبل ثلاثة أيام نقفل هذا الباب". فالاقتراحات العادية، على رغم من أن النظام الداخلي يوجب أيضا توزيعها قبل 24 ساعة فقط من انعقاد الجلسة، لكنها تكون قد مرت باللجان ما يعني أنها خضعت لمقدار مقبول من الدرس. لكن الاقتراحات المعجلة المكررة قد تطرح مباشرة في الهيئة العامة من دون أن يتمكن النواب من الاطلاع عليها مسبقا[2] ما يؤدي إلى إغراق الجلسة ببنود مفاجئة ويفاقم من إمكانية إقرار قوانين بشكل متسرع ومن دون التأكد من تداعياتها التشريعية[3].
خلاصة القول، بات الاستعجال المكرر وسيلة من أجل إظهار حماسة النواب التشريعية حتى لو لم يكن الاقتراح معجلا بالفعل أو وسيلة لإقرار القوانين التي يتوافق عليها أركان السلطة. ولا شكّ أن الطبيعة المبهمة لأحكام النظام الداخلي بخصوص الاستعجال المكرر وصياغته السيئة من الناحية القانونية تعيد التأكيد على ضرورة إدخال تعديلات مهمّة عليه. إلا أنّ إغراق مجلس النواب باقتراحات معجلة مكررة تتألف من عشرات البنود أو لا تستوفي فعليا شرط الضرورة لا يبرر مخالفة النظام الداخلي عبر توجيه تعليمات برفض تسجيل تلك الاقتراحات. إذ أن معالجة هذه الظاهرة يجب أن يتم من خلال تبنّي نظام داخلي جديد يضع حدا نهائيا لعشوائية الاستعجال المكرر.
[1] المفكرة القانونية-المرصد البرلماني، نشاط المجلس النيابي لولاية 2018-2022، مجلس الأزمات الكبرى، ص. 13.
[2] أن الاستعجال المكرر لا يعني بالضرورة عدم مرور الاقتراح مسبقا باللجان. ففي جلسة 19 آب 1986 على سبيل المثال أقر مجلس النواب اقتراحا معجلا مكررا (وضع حد أقصى لقيمة القرض الواحد لترميم أو إعادة بناء الوحدات السكنية المتضررة) كانت اللجان المشتركة قد درسته ووضعت تقريرا بشأنه. فالاستعجال المكرر صفة تقررها الهيئة العامة لمجلس النواب لمناقشة الموضوع مباشرة من دون المرور باللجان، فإذا كان الاقتراح قد سبق وتمت دراسته في اللجان، فإن تقديمه بصيغة المعجل المكرر يفقد معناه ويتحول فقط إلى وسيلة من أجل السماح لرئيس المجلس بعرضه على الهيئة العامة من خارج جدول الأعمال.
[3] لا بد من الإشارة أن المادة 47 من النظام الداخلي القديم لعام 1953 كانت تنص على التالي: "يجب أن توزع الاقتراحات والمشاريع وتقارير اللجان على النواب ثلاثة أيام على الأقل قبل موعد الجلسة المعينة للنظر فيها، أما في حالات الاستعجال المكرر فيكفي أن توزع الأوراق أربع وعشرين ساعة قبل موعد الجلسة" ما يعني أنه لم يكن من الممكن في المبدأ طرح الاقتراحات والمشاريع المعجلة المكررة مباشرة في الجلسة بشكل مفاجئ.