عريضة النوّاب بشأن "النزوح" السوري: ردّة فعل صاخبة من دون أفق
16/08/2023
في[1] 13/07/2023، تقدّم 14 نائبًا من كتل مختلفة[1] بعريضة تطالب رئيس مجلس النوّاب بالدعوة إلى عقد جلسة نيابية في أسرع وقت ممكن لمناقشة القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي في 13/07/2023 بشأن لبنان على خلفية دعوته، وفق ما جاء فيها، "إلى إبقاء النازحين السوريين في لبنان وعدم إعادتهم إلى سوريا"، وللتصويت على "قانون سيادي أو قرار" يكلّف الحكومة بـ "تنفيذ خطّة فوريّة للإعادة الطوعيّة للنازحين". أمّا بالنسبة إلى "النازحين غير الراغبين بالعودة الطوعيّة"، فطالبت العريضة بتكليف الحكومة بتطبيق الاتفاقية الموقّعة بين الدولة اللبنانية ومفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العام 2003، و"إلزام هذه المفوّضية بتوطينهم في بلاد أخرى... ضمن فترة زمنية لا تتجاوز السنة تحت طائلة إعادتهم قسرًا إلى بلادهم".
وقبل المضي في إبداء بعض الملاحظات حول مضمون هذه العريضة، نشير بداية إلى أنّها تشكّل أوّل مبادرة صادرة عن نوّاب الأمّة من أجل مناقشة أزمة اللجوء من سوريا، إذ لم يعقد مجلس النوّاب أي جلسة لمناقشة هذه الأزمة أو كيفية معالجتها أو مساءلة الحكومة بشأنها منذ العام 2011. ولم تأتِ هذه العريضة إلّا بعد صدور القرار المذكور عن البرلمان الأوروبي الذي وصفته العريضة بأنّه "يمسّ السيادة الوطنية ويشكّل تعديًا على الشعب اللبناني"، فضلًا عن وصفها مفوّضية الأمم المتحدّة بـ "دولة ضمن الدولة"، وذلك رغم تنازل النوّاب عن ممارسة أي دور فعّال بشأن هذا الموضوع "السيادي" منذ أكثر من 12 عامًا. بالإضافة إلى ذلك، استخدمت العريضة عبارة "نازحين" بدلًا من "لاجئين"، وهي عبارة تخطئ من زاويتين: (1) أنّها تخالف التوصيف القانوني، إذ أنّ النازح هو من أُرغم على الانتقال من مكان إلى آخر داخل الدولة الواحدة ومن دون عبور حدود دولية، وكأنّ العريضة تعتبر لبنان محافظة من المحافظات السورية، و(2) أنّها تضع جميع السوريين المتواجدين على الأراضي اللبنانية في خانة واحدة من دون التمييز لجهة وضعيّتهم ومدى توفّر شروط اللجوء ومخاطر العودة في سوريا لديهم.
وعليه، تستوجب هذه العريضة الملاحظات الآتية:
1. يتبيّن من نصّ العريضة النيابية أنّ الموقّعين عليها لم يطّلعوا فعليًا على قرار البرلمان الأوروبي، إنّما تبنّوا من دون تدقيق، الانتقادات التي ساقها عدد من السياسيين ضدّ القرار، علمًا أنّ بعض هذه الانتقادات تجاهلت في العموم سائر بنود هذا البيان التي تطرّقت إلى استشراء الفساد ونظام الإفلات من العقاب وغيرها من الأمور التي تدين أحزاب السلطة بشكل واضح. وهنا من المهمّ التنبيه إلى أنّه خلافًا لما ورد في العريضة، فإنّ القرار الأوروبي لم يدعُ صراحة إلى بقاء اللاجئين في لبنان، بل اكتفى في البند 13 منه بتكرار الموقف الدولي لجهة الشروط المطلوبة لعودة اللاجئين إلى سوريا. فبعد أن اعتبر أنّ "وجود أكثر من مليون ونصف مليون سوري في لبنان"، بالإضافة إلى حوالي 15800 لاجئ من دول أخرى، ونحو 207700 لاجئ من فلسطين، "له أثر على الاقتصاد اللبناني وساهم في أزماته المتعددة الأبعاد"، وبعد أن سجّل القرار توثيق حالات من الترحيل القسري حيث تمّ تسليم لاجئين سوريين إلى السلطات السورية (وذلك بشكل مخالف للقانون)، شدّد القرار على أنّ عودة اللاجئين إلى سوريا يجب أن تكون طوعية وآمنة وكريمة وفقًا للمعايير الدولية، وأنّ هذه الشروط غير متوفّرة في "المناطق المعرّضة للنزاع في سوريا". كما دعا لبنان إلى الامتناع عن الترحيل القسري للاجئين منهم (أي الأشخاص الذين قد يتعرّضون للخطر في حال عودتهم إلى سوريا) وعن التحريض على الكراهية ضدّهم، وهي جميعها أفعال يحظّرها القانون اللبناني والتزامات لبنان الدولية. كما دعا القرار المفوضية الأوروبية إلى العمل على تحسين الأوضاع الإنسانية في سوريا لمعالجة الأسباب الجذرية لأزمة اللجوء، وإلى تشكيل مجموعة عمل يشارك فيها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والسلطات اللبنانية لمعالجة مسألة اللجوء، وإلى استمرار وصول المساعدات الإنسانية للمواطنين واللاجئين في لبنان.
2. ميّزت العريضة بين "النازحين" الراغبين في العودة الطوعية من جهة والذين لا يرغبون بذلك من جهة أخرى، مطالبة الحكومة باتخاذ إجراءات مختلفة لكلّ من هاتين الفئتين، وهو ما يتلاءم مع المعايير الدولية التي تفرض تقييم وضع اللاجئين وفقاً لكلّ حالة ومنح الحماية من الترحيل القسري لمن قد يتعرّض للخطر في حال عودته إلى بلاده.
إلّا أنّ الإجراءات المقترحة من قبل الموقّعين على العريضة تُظهر عدم إلمامهم بشكل كافٍ بقضايا اللجوء. فبالنسبة للسوريين الراغبين في العودة إلى سوريا، تجاهلت العريضة وجود آليّة لتسهيل عودتهم ينفّذها الأمن العام منذ العام 2017 بالتعاون مع السلطات السورية. وقد استفاد منها وفق الأمن العامّ أكثر من نصف مليون سوري عادوا إلى بلادهم. أما بالنسبة للسوريين غير الراغبين (أو غير القادرين) في العودة إلى سوريا، فقد تجاهلت العريضة أنّ اتفاقية العام 2003 التي تطالب العريضة بتطبيقها لا تشكّل أداة فعّالة لمعالجة أزمة اللاجئين السوريين لأسباب عدّة، أبرزها:
أوّلًا: أنّ اتفاقية العام 2003 وُضعت من أجل معالجة حالات اللجوء الفردية إذ لم يكن عدد اللاجئين المسجّلين لدى المفوّضية في لبنان في وقت التوقيع عليها يتجاوز 3000 شخص، فواجهت الدولة اللبنانية (الأمن العام) والمفوّضية صعوبة كبيرة في تطبيقها في ما يتعلّق بأزمة اللجوء من العراق بعد العام 2003 ومن سوريا بعد العام 2011. وهي تاليًا لا تتضمّن آليات عمل تتناسب مع حالات اللجوء الجماعية أو واسعة النطاق، كما هي حال اللجوء من سوريا، والتي لا تشكّل برامج إعادة التوطين حلًّا كافيًا لمعالجتها.
ثانيًا: أنّ المفوّضية لا تملك قرار إعادة توطين اللاجئين، بل هي تكتفي بإحالة طلبات إعادة التوطين إلى الدول التي لديها برامج لهذا الهدف (أبرزها كندا والولايات المتحدة الأميركية وأستراليا)، حيث يبقى القرار خاضعًا لاستنسابية هذه الدول. ففي العام 2022، لم يتمكّن سوى حوالي 50% من اللاجئين في مختلف دول العالم من أصل الذين طلبت المفوّضية إعادة توطينهم من مغادرة بلد اللجوء الأوّل إلى بلد ثالث (حوالي 58 ألف من أصل 116 ألف طلب)، علمًا أنّ دول الاتحاد الأوروبي لم تستقبل في إطار برامج إعادة التوطين سوى 21 ألف لاجئ، من ضمنهم 13 ألفًا من سوريا. وتقدر المفوّضية أنّ حوالي 245 ألف سوري في لبنان سيكونون بحاجة لإعادة التوطين في العام 2024. وعليه، إن مطالبة العريضة بـ "الزام" المفوّضية بإعادة توطين اللاجئين هو أمر عبثي وفي غير مكانه القانوني الصحيح طالما أنّها ليست صاحبة القرار.
ثالثًا: أنّ مهلة السنة التي تنصّ عليها الاتفاقية من أجل إيجاد بلد ثالث لتوطين اللاجئين هي مهلة غير واقعية ونادرًا ما تمّ تطبيقها في الماضي، إذ غالبًا ما يستغرق مسار إعادة التوطين سنوات بسبب الإجراءات القاسية التي تفرضها هذه الدول. وفي مطلق الأحوال، وإن كان لبنان غير مُلزم بدمج اللاجئين أو تجنيسهم أو توطينهم، يبقى أنه مُلزم وفقًا للقوانين اللبنانية والدولية (لا سيّما العرف الدولي بعدم الإعادة القسرية والمادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب والمادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تتمتع بصفة دستورية) بعدم ترحيل أي لاجئ قسرًا إلى بلاد قد يتعرّض فيها للخطر حتّى لو انقضت مهلة السنة من دون إيجاد دولة ثالثة لإعادة توطينه فيها.
انطلاقًا من هذه الملاحظات، قد يكون من الأجدى أن يقوم لبنان بالعمل من أجل تعزيز التضامن الدولي معه من خلال المطالبة بزيادة نسبة اللاجئين الذين يتم إعادة توطينهم من لبنان، كما من خلال البحث عن حلول أخرى بديلة عن برامج إعادة التوطين، كأن يعقد اتفاقيات ثنائية مع بعض الدول المعنية، ومنها الدول غير الأوروبية، لتسهيل استقبالها للاجئين السوريين في لبنان غير القادرين على العودة إلى سوريا في الوقت الراهن.
يبقى أن نشير إلى أنّ الشروط التي يفرضها الأمن العام حاليًا على المواطنين السوريين للحصول على إقامة نظامية، والتي أبطلها مجلس شورى الدولة في العام 2018 لاعتبارها مخالفة للقانون، تحرم العديد من السوريين من حيازة وضع قانوني، وهو ما يعيق إمكانية مغادرتهم لبنان إلى دول أخرى بوسائلهم الخاصّة (كالهجرة بهدف التعليم أو العمل)، مما يفرض ضرورة إعادة النظر فيها.
يمكنكم/نّ هنا الاطلاع على العريضة النيابية
[1] النوّاب الياس جرادة، سليم عون، جميل السيد، عبدو ناصر، نقولا صحناوي، سجيع عطية، جيمي جبور، شربل مسعد، ندى البستاني، شربل مارون، سامر التوم، غسان عطالله، أسعد درغام، وطوني فرنجية