غازي زعيتر يقترح تعليق المهل مجدداً: متى ينتهي مسلسل حرمان الدولة من إيراداتها؟
25/07/2022
من أبرز البنود الواردة على جدول أعمال الجلسة التشريعية المزمع عقدها في 26 تموز 2022، اقتراح قانون معجّل مكرّر تقدّم به النائب غازي زعيتر يهدف إلى تمديد تعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية. وقد نصّ الاقتراح تحديدًا على الآتي:
- يُمدّد العمل بأحكام القانون 257/2022 وهي الأحكام التي علقت المهل المتصلة بتسديد الضرائب والرسوم بما فيها اشتراكات الضمان فضلا عن تعليق البنود التعاقدية المتعلقة بالتخلف عن تسديد القروض.
- يُمدد العمل بالمادة الثانية من القانون رقم 237/2021 لغاية 31/12/2022 وهي المادة التي كانت علّقت المهل القانونية والعقدية والقضائية حتى 23/3/2021.
وقد ورد في الأسباب الموجبة للاقتراح أنّ عدم تمديد تعليق المهل مجددا سيُرتّب أعباء على المواطنين "ومراجعات ودعاوى مرهقة"، بنتيجة الاعتكافات وعدم حضور موظفي القطاع العام إلى إداراتهم.
وقبل المضي في إبداء ملاحظاتنا على هذا الاقتراح، يجدر التذكر أنّ المجلس النيابي كان أقرّ آخر تعليق بعض المهل (أبرزها مهل تسديد القروض) بناء على اقتراح زعيتر نفسه في جلسة 29 آذار 2022 بعدما تمّ التأكيد حينها على إلغاء كلّ تعليق للمهل يُعيق قدرة المالية العامة على الاستفادة من مواردها من ضرائب ورسوم وغيرها (م. 4 من القانون 290)، وها هو زعيتر يعود اليوم لينقلب على ما أقرّه المجلس النيابي في هذا الصدد، مطالبا بإعادة تعليق المهل كافة، بما فيها القضائية والقانونية، حتى نهاية العام 2022.
ويهمنا هنا التنبيه إلى الأمور والمخاطر الآتية:
- إن تعليق المهل أدّى في الكثير من الحالات إلى تطويل أمد الاعتداء على الحقوق من خلال تمكين المعتدين من تأخير محاكمتهم أو اتّخاذ إجراءات ضدّهم، بفعل تعليق أعمال المحاكم. كما أدّى تبعا لذلك إلى تقويض ثقة المواطنين بإمكانية الوصول إلى العدالة ضمن آجال معقولة، مما دفعهم إلى قبول أي تسوية تعرض عليهم وإن ترافقت مع تنازلهم عن جزء كبير من حقوقهم. وهذا ما شهدناه بشكل خاص في قضايا صرف الأجراء والتي طالت عشرات الآلاف منهم، وبخاصة أن تعويضات الصرف تحتسب على أساس العملة الوطنية التي يرجّح أن تفقد قيمتها عند حصول أي تأخير في المحاكمات.
- إن تعليق المهل أدّى عمليا ليس فقط إلى منع الانتخابات في العديد من الهيئات وفي مقدمتها النقابات المهنية والعمالية والاتحادات والنوادي والجمعيات بحجة تعليق “مهل الترشح”، بل أيضا إلى تمديد مجالسها المنتخبة سابقا (غالبها قبل 17 تشرين الأول 2019). وبذلك، جمّد القانون عدّاد أصوات الصناديق (الشعبية) على نحو ضرب أسس الديمقراطية ومنع مساءلة أعضاء هذه الهيئات على اختلافها،
- إن المعتدين المخضرمين على الأملاك البحرية منذ ما قبل 1994 (أي منذ ما يتعدى عقدين ونصف بأقل تقدير) نجحوا في إقناع السلطات العامة بأنهم هم أيضا يستفيدون من قانون تعليق المهل وتاليا بأن المهلة المعطاة لهم (والتي كان يفترض أنها انتهت في آخر تشرين الأول 2019) لمعالجة التعديات المرتكبة منهم قد علّقتْ هي أيضا. وبنتيجة ذلك، تمكن هؤلاء من الاستفادة من مهلة إضافية ستصل في حال إقرار اقتراح زعيتر إلى ثلاث سنوات وشهرين، ليتجاوز مجموع المهل الممنوحة لهم منذ صدور قانون رقم 64/2017 بإلزامهم بالمعالجة خمس سنوات. وقد تم كل ذلك على نقيض الحدّ الأدنى من المنطق القانوني، بفعل عدم الوضوح في صياغة قانوني تعليق المهل وعدم استثناء التعديات على الأملاك البحرية منه صراحة. فعدا أن الهدف الأساسي من قانون تعليق المهل هو حفظ الحقوق (المحمية قانونا) وليس تأبيد الإعتداء، فإن إشغال الأملاك البحرية لا يرتّب أصلا أيّ حقّ مكتسب محمي قانونا بحيث يكون للدولة في أي حين استرداد أملاكها العامة لارتباطها بالمنفعة العامة سندا للقرار 144/1925 الصادر في فترة الانتداب.
- أن من شأنه تفويت الفرصة على الخزينة بتحصيل إيرادات ضريبية، على الرغم من انخفاضها الهائل كونها ما زالت تستوفى على سعر صرف 1500 ليرة لبنانية لكل دولار. وبذلك، نكون قد أصبحنا أمام تهرّب ضريبي مقونن، حيث سيصل تعليق المهل الضريبية إلى أكثر من ثلاث سنوات متتالية في حال إقرار الاقتراح. واللافت أن الذين لم يسددوا الضرائب خلال الفترة المنصرمة سيكونون في وضعية أفضل من الذين فعلوا ذلك بسبب التدهور المستمر في قيمة العملة الوطنية.
- إن تعليق المهل بتسديد الضرائب والرسوم يضرّ أيما إضرار بالخزينة العامة ويجعلها عاجزة أكثر فأكثر عن مواجهة المتطلبات المالية ومن أبرزها ضرورة رفع رواتب الموظفين العامين على اختلاف فئاتهم. وعليه، يولد هذا الاقتراح في حال إقراره ما يشبه الحلقة المفرغة، بحيث يؤدي إلى مزيد من إفقار الدولة وتاليا من الاعتكافات وتاليا من تعليق المهل. وكذلك الأمر بخصوص الضمان الاجتماعي.
- إن تعليق المهل على الوجه الذي تقدّم يؤدّي عمليّا إلى تعليق مهل تصاريح الموظفين العامين بموجب قانون الإثراء غير المشروع أيضا.
وانطلاقا من الاعتبارات المذكورة أعلاه، يتعيّن تسجيل الاعتبارات الآتية:
- وجوب إسقاط صفة العجلة بالنظر لما قد يترتب على قانون تعليق المهل الذي هو بمثابة تعليق لنفاذ القانون وتنويم للمحاكم والقضاء من مخاطر اجتماعية،
- وجوب إخضاع أي قانون لتعليق المهل، سواء لتحديد طول المدة أو طبيعة المهل التي يشملها، لمبدأي الضرورة والتناسب. فمن غير المقبول أو المبرّر أن ينص القانون على مهل طويلة جدا تتجاوز بكثير الفترات التي سادتها ظروف قاهرة أو ظروف يصعب تجاوزها. كما من غير المقبول أو المبرّر أن يؤدي قانون تعليق المهل إلى أضرار اجتماعية أكبر بكثير من المنافع المرجوة منه، قوامها تدمير الثقة بالقضاء وتأبيد الاعتداء والتعسف في استخدام السلطة وضمان الإفلات من العقاب فضلا عن منع الممارسة الديمقراطية. ومن هنا ضرورة أن ينص أي قانون لتعليق المهل على استثناء مجمل المهل التي يسبب تعليقها أضرارا أكبر من المنفعة المرجوة منها، وفي مقدمتها المهل المحددة لمعالجة الأملاك البحرية المعتدى عليها أو المهل الاجرائية في دعاوى العمل أو الجرائم الخطيرة أو مهل الترشح للاستحقاقات الانتخابية على اختلافها أو تصاريح المسؤولين والموظفين العامين على ضوء قانون الإثراء غير المشروع.
لتحميل وقراءة اقتراح القانون: إضغط هنا