كارتيل النفط: أرباح هائلة من الدعم ومن جدول تركيب الأسعار

إيلي الفرزلي

26/02/2024

انشر المقال

المادة 94 من قانون موازنة 2024 التي نشرت في الجريدة الرسمية في 15/2/2024، جاءت مقتضبة وتنصّ على إخضاع "المؤسّسات والشركات التي استفادتْ من الدعم الذي أمّنه مصرف لبنان لتغذية فروقات سعر صرف الدولار لضريبة استثنائية إضافية مقدارها 10% على المبلغ الذي يفوق العشرة آلاف دولار، وتحدد دقائق تطبيقها بقرار يصدر عن وزير المالية". تلك المادة التي طالب بها النائب وائل أبو فاعور في اليوم الأول من مناقشة الموازنة ثم أعاد النائب حسن فضل الله المطالبة بها، شهدتْ الكثير من الخلافات، والكثير من اقتراحات الصياغة، إلى درجة إقرارها من دون أن يتبيّن أيّ من النواب صيغتها النهائية.

لكن لأن الاقتراح المقدم خطياً من النائب أبو فاعور تضمّن عبارة "تخضع الإيرادات التي حققتها الشركات والمؤسسات التجارية التي استفادتْ من الدعم…"، فقد قامت الدنيا ولم تقعد، لاحتمال أن يضع النص النهائي الضريبة على رقم الأعمال وليس على الأرباح. تبعا لذلك، أصدر تجمُّع الشركات المستوردة للنفط بياناً أعلن فيه التوقّف عن تسليم المحروقات إلى المحطّات. كما أعلن قراره "التوقف لاحقاً عن الاستيراد عند نفاذ المخزون، في حال عدم إيجاد حلول".

التهديد سرعان ما وصل إلى المعنيين، ولاسيما منهم رئيسي البرلمان والحكومة. وبحسب رئيس التجمع نقولا شمّاس، فقد تفهم المعنيون أن هذا الإجراء يمكن أن يؤدّي إلى إفلاس الشركات، واعدين بالمعالجة. ذلك الوعد ساهم عملياً في منع تفاقم الأزمة وعودة الشركات إلى توزيع المحروقات، بعد أن شهدت الساعات الأولى من يوم الأربعاء في 31 كانون الماضي عودة مظاهر الازدحام أمام المحطات. وعلى ما تبين لاحقاً، قضى الاتفاق بتقديم اقتراح قانون معجّل يرمي إلى التوضيح أن الضريبة لا تطال مجمل رقم الأعمال بل الأرباح فقط. وبالفعل قدّم النائب بلال عبد الله اقتراحاً في 6 شباط أوضح في مادته الأولى أنّ "الضريبة تستوفى على الأرباح التي حققتها الشركات والمؤسسات التجارية بشكل مباشر وحصريّ نتيجة استيراد وبيع سلع ومواد كانت مدعومة خلال 2020، 2021، 2022".

بعد هذه الخطوة، ألغتْ الشركات قرارها التصعيدي. وهنا يوضّح شمّاس أن الإلغاء لا يعني الموافقة على دفع ضريبة استثنائية على الأرباح، لكن "نحن ننتظر أيضاً نتيجة الطعن المقدم من القوات اللبنانية أمام المجلس الدستوري والذي يشمل المادة 94 المتعلقة بتكليف المستفيدين من الدعم بالضريبة". في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن المجلس أوقف، بالفعل، العمل بالمادة المذكورة إلى حين البتّ بالطعن.

تسوية تُعفي المستفيدين من الدعم من المحاسبة

بعد إقرار الموازنة، واعتبار أن النص النهائي لم يزِلْ الغموض، أبقى عبد الله على اقتراحه، مع إسقاط صفة العجلة عنه (حوّله رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى اللجان المشتركة لدرسه في الجلسة التي عقدت في 20/2/2024، إلا أن الجلسة رُفعت قبل البدء بمناقشته لفقدان النصاب). وفيما لم يكن ممكناً أن يُقدّم عبد الله اقتراحًا لتعديل المادة 94 من الموازنة لأنها لم تكنْ قد نُشرت بعد، لم يستبعِدْ، ردّاً على سؤال، أن يُصار إلى استبدال الاقتراح بتعديل للمادة في اللجان المشتركة (في حال لم يلغِها المجلس الدستوري). وهو اعتبر أن الأولوية تبقى لإزالة الذرائع التي يمكن أن تعيق تطبيق هذه الضريبة، التي كانت منذ اقتراح اللقاء الديموقراطي واضحة في الإشارة إلى أنها تطال الأرباح لا الإيرادات.

بقدر ما تبدو هذه الضريبة مُستحقّة على من حقق أرباحاً هائلة من جراء التلاعب أو إخفاء المواد المدعومة إما لتهريبها أو لبيعها لاحقاً خارج الدعم، كان لافتاً تجنّب الإشارة إلى إجراء أي تحقيق للتأكد من مخالفة القانون، واحتجاز مواد الدعم. وهو ما يستغربه المدير التنفيذي للمفكرة القانونية نزار صاغية الذي يؤكّد أن هذا ما يحصل في أغلب دول العالم، إذ عندما تشك الدولة بحصول تلاعب أو تزوير أو مخالفة للقانون، تقوم بإجراء تحقيقات للتأكد من وجود المخالفة تمهيداً لمحاسبة المخالف أو فرض غرامات رادعة ومتناسبة مع حجم المخالفة. وهذا أصلا ما أقره المجلس النيابي في قانون أصدره في 2021 وأخضع جميع الشركات التي استفادت من الدعم للتدقيق الجنائي من دون أن يلقى هذا القانون أي تطبيق حتى اللحظة. 

أما القول بإخضاع كل الشركات المُستفيدة لضريبةٍ مقطوعة تبلغ 10%، فلا يستوي مع عدالة التكليف، على افتراض أن بعض الشركات قد لا تكون استولتْ على الدعم بل أوصلته للناس، فيما يمكن أن تكون أخرى قد استولت على كامل الدعم وحققت أرباحاً هائلة وغير قانونية، ما يجعل ضريبة الـ10% هزيلة أمام حجم المخالفة، التي تستدعي محاكمة جزائية قوامها الإثراء غير المشروع قبل البحث بحجم التعويض.  وإذ يخشى صاغية أن تكون هذه الضريبة أشبه بتسوية تقفل الملف بأقلّ الخسائر على الشركات وداعميها، فهو يرى أن الحلّ الأفضل من وجهة النظر القانونية يكون في تخيير الشركات بين الخضوع للتدقيق الجنائي وإبرام صلح جزائي تسدد بموجبه نسبة من الدعم قد تصل إلى 30% أو أكثر.

فإن ما يقوله مصدر نيابي فضّل عدم الكشف عن اسمه، يؤكد أن هذه الشركات لن تعارض فعلياً هذه الضريبة. وهو يقول إنه بعد توضيح مسألة فرض الضريبة على الأرباح لا على الإيرادات، ستُوافق عليها في النهاية، على اعتبار أن دفع مبلغ من الأرباح هو أهون الشرور وأفضل من الدخول في عملية تدقيق في حساباتها قد تكشف المستور وتبيّن فعلاً حجم التلاعب والأرباح المحققة.

تجدر الإشارة هنا إلى أن النائب وائل أبو فاعور كان اقترح أن "تعمد الدوائر الضريبية المختصة إلى تدقيق أعمال المؤسسات والشركات التي استفادت من الدعم وإصدار التكاليف الضريبية خلال مهلة أقصاها ثلاثة أشهر. وفي حال تبيّن أن السلع المدعومة لم يتمّ بيعها بأسعار مدعومة في لبنان توجب عليها إحالة المؤسسات والشركات المعنية إلى النيابة العامة المالية…". لم يتبنّ أحد الاقتراح، كما يبدو أن كتلة اللقاء الديموقراطي نفسها تراجعتْ عنه، إذ لم يردْ في اقتراح القانون المقدّم من عبدالله أيّ إشارة إليه.

هذا التدقيق كان يفترض أن يشمل كل الشركات التي تعاطتْ بالمواد المدعومة، أي المحروقات والدواء والمواد الغذائية والقمح. علماً أن نظرة سريعة لواقع السوق قد تعطي فكرة تصلح لتكون قرينة على تربّح كل الشركات المعنية في فترة كان فيها الاقتصاد شبه منهار. فالكثير من محلات التجزئة فتحت فروعاً جديدة، وتوسّعت أخرى بشكل كبير، في حين تحكّمت شركات الدواء بالسوق بشكل كامل في ظل عجز وزارة الصحة عن ردعها. وهذا يشمل أيضاً تجار المواشي والمخابز وشركات المحروقات، التي فتح عدد منها محطات جديدة في وقت الأزمة، عدا عن توسعها في "الدعم الاجتماعي"، كتسديد أقساط مدارس وتقديم سيارات للدفاع المدني، إضافة إلى نشر إعلاناتها على محطات التلفزة وتمويل نشاطات مختلفة…

كارتيل النفط: أرباحنا محدودة

مظاهر الثراء لم تأتِ من فراغ، لكلّ طرف وجهة نظره عن مصدرها، فإذا كان شماس يعتبر أن شركات المحروقات هي الوحيدة التي لا يمكنها تحقيق أرباح غير منظورة، على اعتبار أن سعر المحروقات مُحدّد، ونسبة الربح مُحدّدة من قبل وزارة الطاقة ب 5%، كما أن الجمارك تقيس مستوى الخزّانات يومياً وتُرسل البيانات إلى وزارة الطاقة وإلى مصرف لبنان الذي يدفع بحسب الكمّيات الموزّعة في السوق، فإن ما تقوله الأرقام والوقائع يؤكد العكس. أرباح الشركات فاقتْ كل التوقعات، ومهما كرّر أصحابها أنّ أرباحهم محدّدة من قبل الدولة، فهذا يقود إلى تحميل المعنيين مسؤولية التواطؤ مع كارتيل المحروقات لتحقيق أرباح كبيرة وغير مستحقة، في ظلّ أزمة كبرى تواجه الناس، وتجعل كلفة النقل واحدة من أكبر الأعباء التي تواجه الأسر. يذكر هنا أن 13 شركة تتقاسم السّوق اللبنانية وتعمل في الاستيراد والتخزين والتوزيع. إذ تدير الشركات المستوردة المذكورة ما يزيد عن 1300 محطّة وقود تنتشر على الأراضي اللبنانية كافة، بما يُشكّل أكثر من 55% من عدد المحطات الإجمالي البالغ نحو 2400 محطة، كما تملك 68% من أسطول النقل أي الصهاريج (850 صهريجاً من أصل نحو 1250 صهريجاً عاملاً في السوق اللبنانية). ولزيادة أرباحها وتخفيض أكلافها، عمدتْ هذه الشركات إلى الانضواء في تحالفات تستورد المحروقات بشكل مشترك، أما أبرز هذه التحالفات، فهي:

  • Medco / Apec
  • TOTAL/ IPT/ Uniterminals
  • Coral/ Liquigas
  • Hypco/ United Petroleum
  • Wardieh تستورد وحيدةً
  • Hif تستورد وحيدةً

أرباح كورال ترتفع 274 ضعفاً خلال سنتين

الأرباح الضخمة التي تعبّر عنها مظاهر الثراء، تظهر على سبيل المثال في البيانات المالية الخاصة بشركة كورال (استحوذت متحالفة مع شركة Liquigas على حوالي 80% من الكمّيات المستوردة في ذروة الدعم، حيث كانت تعمد إلى التوزيع على الشركات الأخرى)، والتي تمكّنت المفكرة القانونية من الاطلاع عليها، لكون الشركة مسجلة في بورصة لندن (استحوذت عليها عائلة ألفرد يمّين، التي كانت تملك ليكويغاز، في العام 2016)، وهي تظهر بوضوح تضخم أرباحها خلال سنوات الدعم. إذ أنّ أرباح الشركة ارتفعتْ في العام 2022 إلى 384 مليون دولار بعدما كانت في العام 2019 لا تزيد عن 1.4 مليون دولار. أضف إلى أنّ قيمة أصولها ارتفعت من 113 مليون دولار في العام 2019 إلى 700 مليون دولار في العام 2022. فهل من الطبيعي أن تحقق شركة، مهما كان شأنها، هذه القفزة الخيالية في بياناتها المالية خلال 3 سنوات كانت الأصعب على لبنان وعلى الاقتصاد اللبناني بمختلف قطاعاته؟ وهل هي صدفة أن تتحقق هذه الأرقام في الفترة التي شهدت دعم المحروقات؟

أرقام الاستيراد تتضخم أثناء الدعم

أرقام الاستيراد تُبيّن بوضوح أن استيراد المحروقات ارتفع بشكل غير مسبوق في فترة الدعم، قبل أن يعود إلى الانخفاض بعد ذلك. وكان مسؤول الملف الاقتصادي في الحزب الاشتراكي محمد بصبوص قد نشر جداول تُظهر أنه ما بين العام 2020، الذي شهد ذروة عمليات الدعم (بالرغم من أن هذا العام شهد إغلاقاً شاملاً ومنعاً للتجول من جراء كورونا)، والعام 2023، انخفضت كمية المازوت المستوردة بنسبة 68% (من 5.5 مليون طن إلى 1.7 مليون طن فقط)، وانخفضت كمية البنزين المستوردة بنسبة 45% (من 1.8 مليون طناً إلى مليون طن فقط)، في العام 2023.

تجدر الإشارة إلى أن وزير الطاقة السابق ريمون غجر اعترف في 14/7/2020 أنّ "كميات كبيرة من المازوت يتبخّر بالتخزين والتهريب إلى سوريا"، من دون أن يُحرّك أحدٌ ساكناً، علماً أن ذلك تبيّنه أرقام الاستيراد التي ارتفعت من 1100 طن مازوت في العام 2011 إلى 2500 طن في العام 2019، قبل أن يُسجّل العام 2020 القفزة الهائلة.

في ذلك العام، وصلت كلفة الدّعم إلى 8.2 مليار دولار، نحو 36% منها ذهب لدعم المحروقات، و20% لدعم الأدوية. وبحسب وزير المالية السابق غازي وزني، فقد استفادتْ شركات النفط من 2890 مليون دولار ما بين 1/1/2020 و30/6/2021، فهل ذهب هذا الدعم إلى المواطنين فعلاً؟ وهذا موثّق في بيانات المديرية العامة للنفط، حيث حصل تحالف Coral/Liquigas على 860 مليون دولار منها، ومثلها تقريباً حصل عليه تحالف TOTAL/IPT/Uniterminals في الفترة نفسها.

للتذكير، فإن مصرف لبنان بقي يدعم المحروقات على سعر 1500 ليرة حتى شهر حزيران 2021، حيث رفعها حينها إلى 3900 ليرة، قبل أن يرفعها إلى 8000 في آب، ثم يرفع الدعم نهائياً في تشرين الأول.

لم يكتفِ كارتيل النفط بالاستفادة من الدعم لجني ملايين الدولارات، بل تربّح أيضاً بمئات ملايين الليرات يومياً من خلال الاحتيال الضريبي في ما تستوفيه وزارة المالية والجمارك اللبنانية. إذ كانت هذه الشركات تدفع جميع الضرائب والرسوم التي تحققها (TVA ورسوم جمركية وغيرها) بموجب شيك أو تحويل مصرفي بالليرة اللبنانية، وكانت تستحوذ على الشيكات بالليرة اللبنانية بمبالغ زهيدة جدّاً، بحيث توفّر مبالغ طائلة ضاعت على الخزينة العامّة نتيجة هذه التجارة.

للتحقيق في بيانات الشحن

مصدر في منشآت النفط يصرّ على أن الشركات لم تستفد من الدعم بل التجّار. ويقول إن "الشركات تسير مع العملية الاقتصادية وتُحافظ على رأسمالها، فعلى افتراض أن الشركة اشترت بمليون دولار ثم حصّلتها بالليرة في ظلّ التحرّك السريع لأسعار الصرف، ستنخفض قيمة أموالها بشكل ملحوظ، إذا لم تعمدْ إلى حماية رأسمالها. كما أن الشركات لا يمكنها أن تُخزّن المحروقات، إلا إذا حصل ذلك خارج الأطر القانونية. علماً أن التخزين مشروع في قانون المحطات، حيث لكل محطة الحق في أن تخزّن 75 ألف ليتر مازوت و50 ألف ليتر بنزين. وهذه يتم التصريح عنها في رخصة الإنشاء. في المقابل، يعتبر المصدر أن الخزانات المطمورة خارج الرخص الممنوحة من وزارة الطاقة تقدر سعتها ب50 مليون ليتر، وهي المشكلة الفعلية. أما الاستفادة الشرعية، فكانت من خلال الدفع بالشيكات أو تحميل الحمولة بفواتير مختلفة أو التلاعب بتاريخ الوصول. فعلى سبيل المثال في العام 2020، وصل سعر برميل النفط إلى 20 دولاراً، كما عاد ليرتفع بشكل متسارع. في هذه الحالة إذا كان السعر عند التحميل 20 دولاراً وعند التفريغ 30 دولاراً، فهذا يعني تحقيق ربح بقيمة 50%. ولهذا، المطلوب أولاً مراجعة كل الفواتير وكيفية الدفع، وبعدها يمكن المحاسبة.

ويؤكد المصدر أن "كورال" كانت فعلاً تشتري أكثر من أي شركة أخرى. لكن ذلك يعود إلى أنها كانت تخاطر بشراء البواخر ثم تنتظر لشهرين أو أكثر لتحصل على ثمنها من مصرف لبنان.

جدول تركيب الأسعار… الغشّ الأكبر

كل ذلك النقاش، على أهميته وعلى أهميّة ما يظهره من إمكانية لتحقيق أرباح هائلة من الدعم عبر التخزين في المحطات أو الخزانات غير الشرعية، يضاف إلى أرباح هائلة كانت الدولة تهديها إلى كارتيل النفط ولا تزال. إذ أنّ دراسة سريعة لجدول تركيب الأسعار الذي تُصدره وزارة الطاقة تبيّن بوضوح أن النسبة المعلنة لأرباح الشركات، والمقدرة بـ 5% هي نسبة غير واقعية، حيث الأرباح الفعلية قد تصل إلى 20% وقد تصل إلى 30% إذا احتسبنا الأرباح غير المنظورة التي تحصل عليها الشركات من خلال تحديد متوسط سعر للنفط المستورد أعلى من السعر الواقعي. ويوضح الباحث في القطاع النفطي مارك أيوب أنه إذا كان السعر العالمي للنفط 50 دولاراً للبرميل فهو يصل إلى المستهلك اللبناني بما لا يقلّ عن 90 دولاراً.

فعمليات التلاعب بجدول تركيب الأسعار لتعظيم هذا الربح مقابل تكبيد المستهلكين أعباءً غير عادلة لا تتوقف، وهي تعتمد بشكل أساسي على:

  • عدم احتساب نسبة الـ 5% على أساس متوسط سعر الاستيراد، بل بعد إضافة كل العلاوات والأكلاف والتحوّطات، بما فيها كلفة التأمين والتبخر والمختبر…
  • إضافة وزارة الاقتصاد بندين على جدول الأسعار هما "إجازة الاستيراد" و"معاملات جمركية".
  • عدم احتساب الرسوم والأرباح على سعر الطن (1141 ليتر بنزين تقريباً) بل على سعر الكيلو ليتر (ألف ليتر) ما يؤدي إلى فارق كبير في الوزن يستفيد منه المستورد الذي يستورد حمولته بالطن ويدفع رسومها بالكيلو ليتر.
  • كلفة نقل كل صفيحة إلى المحطّات 31 ألفاً و400 ليرة، تضاف إليها رسوم غير محددة بقيمة 20 ألف و440 ليرة، بما يجعل الزيادة المرتبطة بالتوزيع 51.840 ليرة عن كل صفيحة
  • يمنح جدول تركيب الأسعار 89 ألف و700 ليرة لأصحاب المحطات تحت اسم "جعالة صاحب المحطّة"، أي العمولة أو الأجرة أو الربح المُعلن للمحطّة. ولكن بنداً آخر بدأ يُضاف منذ فترة بقيمة 12 ألف و200 ليرة تحت مسمّى "عمولة مصرفية لصاحب المحطّة"، أي أن 101 ألف و900 ليرة من سعر صفيحة البنزين هو عمولة للمحطّة.

بالنتيجة، يتّضح أنّ جدول تركيب أسعار صفيحة البنزين 95 أوكتان يعطي في الواقع 10% من السعر النهائي للصفيحة للدولة، في حين تتوزّع حصّة الربح بين 12% للمستورد و3.4% للتوزيع و6.68% للمحطات، ومع هوامش الربح المخفي يصل الفارق بين سعر الاستيراد وسعر البيع للمستهلك إلى 32% وهو رقم ضخم بكل المقاييس. وهذه النسبة، التي لم تتغيّر أثناء الدعم وبعده، تتطلب ليس فقط إجراء تحقيق في كيفية هدر أموال الدعم، بل في المسؤولية عن تحقيق الشركات أرباحاً ضخمة من خلال آلية تسعير مشبوهة. فهل يتحرّك القضاء، أم تكون النتيجة تسوية بـ10% يُقفل من بعدها الملف؟ الخشية الأكبر في أن يذهب المجلس الدستوري أبعد من ذلك، وصولاً إلى إعفاء كارتيل النفط من أي غرامة يمكن أن تطاله.