كامل نتائج الجلسة التشريعية 30 أيلول 2020: الإثراء غير المشروع في ظلال الحصانات وسرية "الثروة"، الحق بحضور محام في المخفر مقابل تشريع جناية الاحتجاز الطويل في الزنازين، والآبار غير الشرعية

المفكرة القانونية

05/10/2020

انشر المقال

عقدت الهيئة العامة للمجلس النيابي جلسة تشريعية بتاريخ 30 أيلول 2020. وقد ورد على جدول أعمال الجلسة 40 بنداً متعلّقاً باقتراحات أو مشاريع قوانين معروضة على الهيئة العامة لإقرارها، وأضيفت 3 مقترحات من خارج جدول الأعمال. وكان من الواضح في توقيت الجلسة - بعد أيام من اعتذار رئيس الحكومة المكلّف مصطفى أديب عن مهمّة تشكيل حكومة بعد تعثّر توصّل زعماء الطوائف إلى تسوية لتشكيل حكومة -، وفي ظروف عدم اكتمال النصاب في الجلسة المسائية، أن اقتراح قانون العفو العام كان هو البند المركزي على جدول الأعمال، وليس ضرورات التصدّي السريع للأزمات المتعدّدة وغير المسبوقة بخطورتها التي يواجهها لبنان، من نقدية ومالية وإقتصادية وإجتماعية. فمع اتضاخ استحالة التوصّل إلى تسوية بشأن قانون العفو، لم يتحقق نصاب الجلسة المسائية، بعدما كان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد عمد صباحاً إلى تأجيل البحث به إلى الجلسة المسائية، مما حمل الأخير إلى إعلان رفع الجلسة وتأجيلها إلى موعد لاحق. وللتذكير كان الإختلاف حول هذا البند قد أدى أيضاً إلى تطيير جلسة 28 أيار 2020 التشريعية، والتي كان جدول أعمال الجلسة الحاضرة قد استعاد 15 من بنود جدول أعمالها، أغلبها مرتبطة بمقترحات متعلّقة بمعالجة تداعيات الأزمات التي يواجهها لبنان.

وفيما شمل جدول أعمال 40 مقترحا، أضيف إليها 3 اقتراحات من خارج جدول الأعمال، لم يتسن لا للنواب الاطلاع عليها قبل توزيعها في الجلسة ولا للرأي العام أو مرصدنا مناقشتها قبل النظر فيها. ويلحظ هنا أن حوالي 70% من هذه البنود الواردة على جدول الأعمال أو من خارجه هي اقتراحات قوانين معجلة ومكررة قدمها نواب من دون أن يتم مناقشتها مسبقا في أي من اللجان النيابية (30 من أصل 43). إلى جانبها، نجد 5 مشاريع قوانين و8 اقتراحات قوانين أُقرّت في اللجان النيابية.

كما يلحظ أن 34 من أصل 38 اقتراحاً مقدّماً من النوّاب (حوالي 90%) تمّ تقديمها من نائب بمفرده (17) أو من كتلة واحدة (17)، علما أن 3 منها تم تقديمها من نواب منفردين ومستقلين عن أي كتلة. ويؤشر ذلك إلى أن نصف الاقتراحات لم تناقش حتى داخل الكتلة نفسها. بالمقابل، فإن اقتراحين فقط تم تقديمهما من كتلتين (اقتراح تعديل المادة 47/قانون أ.م.ج.، واقتراح تعديل قانون المياه) واقتراحين فقط تمّ تقديمهما من أكثر من كتلتين نيابيتين (اقتراح استحداث رتبة عميد في الضابطة الجمركية واقتراح تعديل قانون تسوية مخالفات البناء). ومن شأن هذا الأمر أن يؤشر إلى أنه ورغم الأزمات الكبيرة التي يواجهها لبنان والتي تستدعي مبادرة تشريعية رؤيوية وفعّالة، فإن غالبية الإقتراحات لم تشهد أي نقاش أو تعاون بين الكتل (باستثناء الاقتراحات ال4 المذكورة أعلاه).

نستعرض في ما يلي أبرز نتائج الجلسة المجهضة وحصادها الهزيل بنتيجة مناقشة 14 بنداً من أصل 43 بندا ورد على جدول أعمالها أو من خارجه:

  • فقد تم إقرار 10 مقترحات أبرزها تعديل قانون الإثراء غير المشروع الذي عالج العديد من ثغرات القانون القديم باستثناء إبقائه على سريّة التصاريح عن الذمة المالية والمصالح وربطه بهيئة مكافحة الفساد في ظل التأخر في تشكيلها والتشكيك بمدى امكانية ضمان استقلاليتها، وتعديل المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي ضمن للمشتبه به حق الإستعانة بمحامٍ في المخافر وإن تضمن مادة خطيرة على صعيد أمد المحاكمة، وتعديل قانون المياه الذي يمضي في تشريع أبواب خصخصة القطاع والآبار غير الشرعية، وقانون "الدولار الطلابي" الذي ألزم المصارف صرف مبلغ 10000 دولار أميركي وفق سعر الصرف الرسمي (1515 ل.ل.) للطلاب الذين يدرسون في الخارج قبل العام الدراسي 2020-2021 يدفع مرّة واحدة للعام الدراسي سابق الذكر، وقانون حماية المناطق المتضررة من انفجار 4 آب ودعم إعادة إعمارها الذي يجمّد حقوق الملكية على العقارات المتضررة لمدة قد تذهب إلى سنتين ويربط تحريرها بقرار لجنة إدارية مزمع إنشاءها بهدف مسح الأضرار والتعويض عنها؛
  • فيما تمّ بالمقابل إسقاط اقتراح واحد وهو اقتراح قانون الدعم المدارس الرسمية والخاصة بسبب وجود مشروع قانون آخر في هذا الصدد؛
  • وتمّ إسقاط صفة العجلة عن اقتراح واحد وهو اقتراح قانون لتجريد الدولة من الأسهم لحامله والتي كانت تملّكتْها؛
  • وتم إعادة اقتراح واحد إلى اللجان وهو اقتراح قانون اعتماد التدريب الرقمي عن بعد في التعليم الجامعي إلى اللجان؛
  • فضلا عن تأجيل البحث في اقتراح قانون العفو العام بعد اتضاح عدم نضوج التوافق حوله مرّة جديدة.

تأجيل البحث باقتراح "العفو العام"

أجّل البحث في اقتراح قانون العفو للمرّة الخامسة بعدما لم يكتمل النصاب لمناقشة اقتراح قانون العفو في جلسة 30 أيلول المسائيّة بصيغته الأخيرة التي أقرتها اللجان المشتركة  في أيّار 2020.

وفيما سجل المرصد البرلماني في "المفكّرة" عدول الإقتراح في صيغته الأخيرة عن الكثير من الإعفاءات الخطيرة (أهمها التهرب الضريبي والجرائم البيئية وجرائم التعذيب.. الخ…)، فإنها وضعت ملاحظات عدة على النسخة المطروحة على النقاش، أبرزها أن أساسه هو المحاصصة السياسية من خلال استمالة ثلاث فئات هي تجار المخدرات والعملاء الفارين إلى إسرائيل والإسلاميين الملاحقين في قضايا الإرهاب، كل ذلك بغياب أي ضرورة أو ريؤة عامة. كما أن العفو المطالب به يشمل جرائم المادة 737 عقوبات أي الاستيلاء على الأملاك العامة، وجرائم المادة  329 عقوبات التي تعاقب على منع اللبنانيين من ممارسة حقوقهم وحرياتهم، وجرائم المادة 649 عقوبات التي تعاقب على تهويل قوى الأمر الواقع للحصول على منافع وخوّات. كما أن شائبة خطيرة تعتريه حيث أنه يمنح العفو لجرائم ترتكب في الفترة الفاصلة بين إقراره ونشره في الجريدة الرسمية.

لم ينتقل التوتر هذه المرة إلى الجلسة على غرار ما جرى في جلسة 28 أيار 2020 حيث سُمعت النائبة بهية الحريري قبل بدء الجلسة تقول بأن التوافق على المادة 9 (أي مدى استفادة من تقل أعمارهم عن 65 سنة من العفو العام) منه يحدّد مصير الجلسة وهي مستعدّة للانسحاب منها. وتداركاً للتوتر الذي يرافق هذا الاقتراح، ومع بدء جلسة 30/9/2020 الصباحية ورغم أنه احتلّ البند الثاني على جدول الأعمال، طلب رئيس المجلس النيابي نبيه بري تشكيل لجنة يرأسها نائب رئيس المجلس إيلي الفرزلي وعضوية النواب علي حسن خليل، جميل السيد، بلال عبد الله، هادي حبيش، آلان عون وابراهيم الموسوي، تجتمع قبل انعقاد الجلسة المسائيّة لمحاولة التوصل إلى توافق. وذكّر بضرورة الوصول إلى نتيجة نظرا لتفشي جائحة كورونا في السجون وعدم إمكانية "التخلي عن السجناء".

مع حلول موعد الجلسة المسائية، حضر نوّاب كتلة الوفاء للمقاومة كما بعض نوّاب تيار المستقبل ونواب التيار الوطني الحر. إلا أن النصاب المعلق صباحا على بضعة نواب في ظل مقاطعة نواب القوات للجلسة، واستقالة 8 نواب، وغياب معظم نواب الحزب التقدمي الإشتراكي كما بعض نواب التيار الوطني الحر والحزب القومي السوري الإجتماعي وتيار المستقبل لم يكتمل في الجلسة المسائية. وبعد انقضاء أكثر من نصف ساعة على موعد بدء الجلسة المسائية، أعلن رئيس المجلس النيابي عدم تحقق النصاب (بوجود حوالي 53 نائبا) وأن المجلس لن يجتمع قبل 20 تشرين الأول على الأقل إلا أنه أبدى استعداده، في حال تم التوافق على اقتراح قانون العفو عقد جلسة استثنائية. كما أكد أن قانون العفو سيكون من أول الإقتراحات التي ستناقش عند افتتاح العقد العادي. وقد ختم الجلسة بابداء تأسفه للمنحى الذي يسير به جميع النوّاب (غير الإنساني) مؤكّدا أن هدفه من القانون "ليس إخراج أناس يخصّونه أو تجار المخدرات بل تخفيف العبء في ظل انتشار فيروس كورونا"، مبديا استعداده للسير بأي قانون. إلا أن إغراق امكانية حل مشاكل السجناء بتعقيدات المحاصصة في العفو أدى ويؤدي بشكل منتظم إلى عدم تقديم أي معالجة جدية لهؤلاء. فكأنما الهدف هو تحقيق المحاصصة في العفو وأن الكورونا ليست إلا ذريعة، فإذا انتفت امكانية إنجاح المحاصصة، نسي السجناء تماما.

المقترحات المتصلة بالمساءلة وخطاب مكافحة الفساد

وكان اقتراحان مرتبطتين بالمساءلة وبمكافحة الفساد قد طُرحا ضمن البنود ال14 التي جرى مناقشتها وتمّ تصديق أحدها (تعديل قانون الإثراء غير المشروع) وإسقاط صفة العجلة عن الآخر (تعديل أحكام قانون إلغاء الأسهم لحامله والأسهم لأمر).

  1. تعديل قانون الإثراء غير المشروع: معالجة لأبرز ثغرات القانون القديم في ظلال عتمات السرية

صدّق المجلس النيابي على تعديل قانون الإثراء غير المشروع بعد تعديل المادة 11 منه دون تغيير جوهرها لتصبح "يعد جرم الإثراء غير المشروع من الجرائم العادية ويخضع للقضاء العدلي" (وكانت تنص في صيغتها المدرجة على جدول الأعمال أن “جرم الإثراء غير المشروع خارج عن مفهوم الإخلال بالواجبات وخاضع لاختصاص القضاء العدلي”). وللتذكير، كان المجلس النيابي قد تأخّر قرابة 10 أشهر قبل إدراج هذا القانون - الذي هو من القوانين الرئيسية ضمن ترسانة تشريعات مكافحة الفساد والتي كانت من المطالب الرئيسية لانتفاضة 17 تشرين-، أخيراً على جدول أعمال هيئته العامة يوم 30 أيلول، والتصديق عليه.

يعالج القانون أبرز ثغرات القانون القديم. وكان المرصد البرلماني في "المفكّرة" قد علّق على القانون التعديلي في نسخه المتتالية (الصيغة المقرّة في لجنة الإدارة والعدل والصيغة الأخيرة الصادرة عن اللجان المشتركة ومقارنتها مع تلك التي سبقتها والصادرة عن فرعية اللجان). ومن أبرز ما جاء في هذا التعليق أنه يعمد إلى جعل الإثراء غير المشروع جرماً مستقلاً؛ ويوسّع مفهوم الموظف العمومي ليشمل الأشخاص الذي يؤدون عملاً لصالح الدولة؛ ويعتمد مراقبة مستمرة لتطوّر الثروة من خلال إقرار دورية التصريح عن عناصر الذمة المالية؛ ويوسع مضمون هذا التصريح ليشمل المصالح بما فيها الديون والالتزامات؛ ويعزز فعالية موجب الإمتثال إلى التصريح بربط صرف الحقوق المالية كافة بذلك؛ ويسهل الملاحقة من خلال توضيح أن جرم الإثراء لا يدخل ضمن مفهوم الإخلال بالوظيفة لاستبعاد الحصانة الوزارية بشأنه، كما يخفض الكفالة لتقديم شكوى من 25 إلى 3 ملايين ل.ل. ويلغي غرامة ال200 مليون ل.ل. المترتبة عن خسارة الدعوى، ويوسع سلطات الملاحقة، ويقر عدم مرور الزمن على جرم الإثراء كما على استعادة الأموال الناتجة عنه.

ولكن بقيت ثغرات أساسية فيه أبرزها عدم معالجة سرية التصاريح التي تبقى ضمن غلاف مغلق، وربط القانون بهيئة مكافحة الفساد غير المنشأة بعد والتي يفتح تكوينها وفق قانون إنشائها الباب واسعا أمام المحاصصة وتضارب المصالح، بالإضافة إلى تقويض فعاليته طالما لم تقرّ الضمانات لاستقلالية القضاء، وهو ما أثاره النائب اسامة سعد في مداخلته خلال الجلسة. وبالطبع، ما يعمق من هذه المشاكل هو رفض النواب في جلسة أيار الماضي إعطاء القضاة امكانية رفع السرية المصرفية عن المشتبه بهم بحجة أن لا ثقة بالقضاء. وكأنما المشرع يفتح بابا لمحاسبة الإثراء غير المشروع، إنما مع إبقاء الضمانات القانونية لإبقاء الثروة سرية.

خلال الجلسة التي افتتحت بنقاش مشروع القانون هذا، جرى التصويت عليه مادة مادة. ولم يشهد المشروع أي نقاش جدي حتى بلوغ المادة 11 منه، حيث صدّقت باقي المواد واحدة واحدة دون إشكال يذكر. وقد طالب النائب جميل السيد في المادة الأولى فقرة 2 إضافة موظفي إدارات السير من كافة الفئات والرتب إلى قائمة الملزمين بالتصريح عن ذمتهم المالية ومصالحهم. وقد احتلت المادة 11-أ أكبر حيز من النقاش في الجلسة حيث أنها وإن جاءت لإزالة أي إلتباس حول طبيعة جرم الإثراء غير المشروع مخرجة إياه من مفهوم الإخلال بالوظيفة لاستبعاد الحصانة الوزارية بشأنه، واخضاعه لاختصاص القضاء العدلي، في استعادة لقرار محكمة التمييز في هذا الشأن (2000) اعتبرت فيه بوضوح أن الإثراء غير المشروع والإحتيال والرشوة جرائم تخرج عن مفهوم "الإخلال بالواجبات" الذي يولي الحصانة، أثارت نقاشا حادا حول ما إذا كانت تتعارض مع الدستور.

استهل  النائب ابراهيم كنعان، مقرّر اللجنة الفرعيّة المنبثقة عن اللجان المشتركة لدراسة المشروع، النقاش بقوله أن هذه المادة أساسية وتأتي تطبيقا لاتفاقية الأمم المتحدة  لمكافحة الفساد التي وقعها لبنان عام 2008 وأن إلغاءها يجعل من هذا القانون لزوم ما لزوم له.

في المقابل أشار النائب إيلي الفرزلي أن اللجان المشتركة كانت قد أجمعت على أن هذه المادة تتعارض مع المادة 70 من الدستور وطالب بإلغائها متذرعا بأنه تقدّم باقتراح لتعديل الدستور لنزع كلّ الحصانات والأذونات التي تتعلقّ بملاحقة موظفين عامين وبأنه سيقدم اقتراحه عند فتح عقد عادي. وقد أيّده النائب سمير الجسر في ما يتعلّق بالحصانات واعتبر أن هذا القانون يفسر نصاً دستورياً وأن المفسّر يلحق عادة بالنص المفسّر وبالتالي ينبغي تفسير النص الدستوري بقوانين دستورية وليس بقانون. كما اعتبر أن نص المادة 71 المتعلق بمحاكمة الوزراء أمام المجلس الأعلى يفسّر بإطلاقه حيث يجب محاكمة هؤلاء أمام المجلس الأعلى. أخيرا تبنى رأي النائب ايلي الفرزلي برفع الحصانات عن الجميع عبر تعديل دستوري حسب الأصول. وقد تبنى رأيه النائب بلال عبد الله والنائب هادي حبيش اللذين أشارا إلى أن الإثراء غير المشروع هو من الجرائم التي تعتبر إخلالاً بالوظيفة حيث أن الأموال الناتجة عنه تأتي من الدولة كما أن قانون العقوبات قد حدد معنى الإخلال بالواجبات الوظيفيّة وبالتالي يتعارض النص المقترح مع الدستور. ويتعارض رأي النائب حبيش صراحة مع قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز المذكور أعلاه، الذي وضع تعريفاً حصرياً لمفهوم الأفعال التي تشكل إخلالاً بالواجبات المقصود بالمادة 70 من الدستور بأنّها تلك “المتّصلة بصورة مباشرة بممارسة الوزير لمهامه القانونيّة الوزاريّة” والتي تتعلق “بالطّبيعة السياسية لعمل الوزير وجوهر مهامه الوزاريّة كما هو مقرر في القوانين”، وتحديداً للأفعال الأخرى التي تقابلها، على أنّها “الأعمال الجرميّة المرتكبة من الوزير في “معرض” ممارسته لمهامه، أو في حياته الخاصّة، والأفعال المرتكبة منه ذات الصّفة الجرميّة الفاضحة والتي تؤلّف تحويراً للسلطة عن طريق إحلال المصلحة الخاصّة مكان المصلحة العامّة”.

على المقلب الآخر، توجه النائب جميل السيد إلى النائب إيلي الفرزلي ردا على مقترحه بتعديل الدستور، بقوله "إذا كبّرت حجرك ما بتصيب" معتبرا الإثراء غير المشروع من الجرائم العادية وخاضعاً للقوانين العادية. وقد أيّده بذلك النائب علي فياض الذي أشار إلى أن نزع هذه المادة يجوّف القانون من محتواه كما حصل بقانون السرية المصرفيّة وقانون تعيين الموظفين في الفئة الاولى، مؤكّدا انحيازه للتفسير الإجتهادي الذي يؤمن مكافحة الفساد. كما شدد على أن هذه المادة لا تفسر الدستور ولا تعدّله وأن الواجبات الوظيفية الإدارية محدّدة، منهيا حديثه بعبارة "ارحمونا أمام الرأي العام ونحن نتمسك بهذه المادة". وقد تبعه بالحديث النائب حسن فضل الله الذي أكد على كلام النائب علي فياض مؤكدا أن استخدام المادة 70 من الدستور لاستباحة الوزراء للدولة غير مقبول. فإذا اختلس وزير لا يمكن محاسبته؟ وطالب بإقرار القانون مع الحفاظ على المادة 11 مشيرا أن المجلس الدستوري هو من يحكم بالدستور. كما أيد اقتراح النائب إيلي الفرزلي بنزع الحصانات عن الجميع. من جهتها أيدت وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم الإبقاء على نص المادة وروحيته عملا بتفسير محكمة التمييز لأن الإثراء غير المشروع من الجرائم العادية ولا علاقة له بواجبات الوزير. كما اقترحت تعديل المادة لتصبح "خلافا لاي نص آخر يعد جرم الإثراء غير المشروع من الجرائم العادية الخاضعة لاختصاص القضاء العدلي". وقد أدخلت عبارة من "الجرائم العادية" إلى النص فيما لم يؤخذ باقتراحها زيادة عبارة "خلافا لاي نص آخر". أقرت المادة 11 ومن بعدها المواد الأخرى فصدّق مشروع القانون.

  • إسقاط صفة العجلة عن مقترح لتعديل أحكام قانون إلغاء الأسهم لحامله والأسهم لأمر

للتذكير، يعمد الاقتراح المقدّم من نوّاب من الكتلة الوسطية برئاسة رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي، إلى تعديل بعض أحكام قانون إلغاء الأسهم لحامله والأسهم لأمر (أي القانون رقم 75/2016)، الذي كان ولضمان فعّالية إلغاء الأسهم لحامله والأسهم لأمر المصدرة من بعض الشركات المساهمة اللبنانية قبل صدوره، قد فرض استبدال هذين النوعين من الأسهم بأسهم اسمية خلال مهلة سنتين من تاريخ نفاذه (أي قبل 3/11/2018)، مع وجوب قيام الشركة المصدرة لتلك الأسهم بإعلام مالكي هذه الأسهم بذلك عبر النشر في الجريدة الرسمية وثلاث صحف محلّية وموقعها الإلكتروني في حال وجوده، وإلّا تصبح الأسهم غير المستبدلة ملكاً للدولة اللبنانية. كما فرض القانون رقم 75/2016 غرامات على الشركات التي توزّع أرباحاً على مالكي الأسهم لحامله أو الأسهم لأمر غير المستبدلة بعد سنة من نفاذ القانون، وحظّر مالكي تلك الأسهم غير المستبدلة بعد سنة من نفاذ القانون من ممارسة كافة الحقوق المتعلّقة بتلك الأسهم ومن إمكانية تعيينهم أعضاء في مجلس إدارة الشركة تحت طائلة عدم قانونية القرارات المتخذة من قبل الجمعيات العمومية التي يحضرها أصحاب الأسهم غير المستبدلة أو التي تعيّنهم أعضاء لمجلس الإدارة.

ويعمد الاقتراح إلى تعديل مهلة السنتين لنقل الملكية إلى الدولة، ومهلة السنة لفرض الغرامات وحظر ممارسة الحقوق السابق ذكرها، لتصبح جميعها خمس سنوات، بحجّة عدم "السعي الدؤوب لتأكيد التبليغ" من مالكي الأسهم لحامله والأسهم لأمر وبصورة خاصة المغتربين و/أو غير المقيمين منهم، كما ورد في الأسباب الموجبة للاقتراح. والمستغرب هو توقيت هذا الاقتراح الوارد بعد سنة ونصف تقريباً من انقضاء مهلة السنتين على نفاذ القانون رقم 75/2016، أي من تاريخ 3/11/2018 حين يفترض أن تكون الأسهم غير المستبدلة قد انتقلت ملكيّتها الى الدولة اللبنانية، في ظروف اقتصادية شديدة الصعوبة من المفترض أن تعطي أهمية كبرى لكافة ممتلكات وأصول الدولة اللبنانية.

خلال الجلسة، وعلى رغم خطورة هذا الاقتراح لم يجد أي من النوّاب ضرورة للنقاش في مسألة تجريد الدولة من أصول تملكها من دون أي مقابل. فبعد عرض النائب نقولا نحّاس الاقتراح، اكتفت وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم بالإشارة إلى ضرورة توضيح نقطة انطلاق سريان مهلة ال5 سنوات المعدّلة، فهل من تاريخ نفاذ القانون (3/11/2016) بشكل تنتهي معه في 3/11/2021 أو من تاريخ إقرار القانون التعديلي إن مرّ أي انطلاقاً من 2020. وجاءها الجواب أن المهلة الجديدة الأطول تنطلق من 2016. وعندها طرح رئيس مجلس النوّاب التصويت على صفة العجلة فسقطت، وأحيل الاقتراح إلى اللجان النيابية لدراسته.

المقترحات المتصلة بالحريات أو الحقوق الأساسية وتعزيز المساواة وحماية البيئة

وكان اقتراحان متّصلين بالحريات أو الحقوق الأساسية وحماية البيئة قد طُرحا ضمن البنود ال14 التي جرى مناقشتها وتمّ تصديقهما وهما:

  1. تعديل المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية

صدّق اقتراح تعديل المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية بشكل جرى معه تكريس حقّ المشتبه به في حضور محامٍ في المخفر ولكن مع تراجع خطير على صعيد مدّة الاحتجاز.

وكان قد قدّم الاقتراح عدد من النواب وهم جورج عقيص وزياد حوّاط وعلي بزّي. وعدّلته لجنة الإدارة والعدل ليصبح "قانون تعزيز الضمانات الأساسية وتعزيز حقوق الدفاع" بناء على اقتراح وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم، ويشمل المواد 32، 41، 47 و49 من أصول المحاكمات الجزائية. ويعزّز هذا الإقتراح الضمانات الأساسية للموقوف وحق الدفاع حيث أنه أصبح  للموقوف حقّ حضور محام منذ لحظة التوقيف كما تم تكريس حق المتقاضي المتعسر بمحام مجانا، وحق المشتبه به في معرفة الشبهات القائمة ضدّه والأدلة والقرائن على ذلك، وفي معاينة طبيّة مجانية (نفسية وجسدية) وحقه في الترجمة فضلا عن تسجيل الإجراءات بالصوت والصورة.

في المقابل لم يعالج الاقتراح  الممارسة غير القانونية المتمثّلة في تفتيش محتوى الهواتف النقّالة من دون الحصول على إذن مسبق من أيّ مرجع قضائي بالإضافة إلى عدم احترام خصوصية هذه المعلومات. كما لم يتصدّى للممارسة المتمثّلة  في إبقاء أشخاص محتجزين في النظارات "لحساب النيابة العامة، رغم انقضاء الحدّ الأقصى للاحتجاز الذي تسمح به المادة 47، أثناء فترة التحقيق الأوّلي، وهي 4 أيام. وأدخل الاقتراح تعديلاً خطيراً ينطوي على نقل الموقوف إلى مركز احتجاز آخر لا يتبع القطعة نفسها بعد انقضاء هذه المهلة، مع ما يسمح ذلك بإطالة أمد الاحتجاز.

لم يشهد هذا الاقتراح نقاشا حادا. بل تسابق النواب جميعا على المديح به، بدءاً من النائب ابراهيم الموسوي الذي اعتبره أهم القوانين والذي يعزز احترام لبنان للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مروراً بالنائب هادي حبيش الذي لفت إلى ضرورة تجهيز المخافر تقنيا بسرعة، وصولاً إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وأبرز المداخلات كانت للنائب أسامة سعد الذي تساءل عن سبب إتاحة نقل الموقوف من مركز إلى آخر بعد انتهاء مدة التوقيف القصوى في الفقرة الرابعة من المادة الثالثة من الاقتراح، ووافقه رئيس المجلس النيابي نبيه بري الرأي. عندها ردّ النائب جميل السيد قائلا بأن نقل المتهم يتمّ في حال ثبت أمر عليه وليست كمحاولة لتمديد مهلة التوقيف القصوى. كما أثار النائب سعد مسألة تفتيش هواتف الموقوفين دون إشارة قضائية، وعدم ضمان خصوصية محتوياتها وضرورة أن يتم لحظ هذا الأمر في التعديل فعاد ووافقه الرأي رئيس المجلس. عندها تدخل النائب علي حسن خليل وأجاب بأنه لا يمكن إضافة هذه الملاحظة على أي مادة ويمكن أن تلحظ فيما بعد بتعديل آخر وانتهى النقاش حول هذه النقطة من دون إجراء أي تعديل.

  1. تعديل قانون المياه

صدّق اقتراح تعديل قانون المياه رقم 77/2018. وبعد بضعة أشهر على ذلك، قدّمت عدّة اقتراحات لتعديله، بُرّرت حينها بكون ضرورة الاستعجال بإصدار القانون كأحد الشروط التي وضعها المموّلون الخارجيون على لبنان لا سيما مؤتمر سيدر أدى إلى إشكاليات عديدة فيه لا سيما في التعريفات وبعض الصياغات.

وكان المرصد البرلماني في "المفكّرة" قد فنّد أبرز سلبيات قانون المياه عند صدوره عام 2018، كما وعلى اقتراح تعديله في الصيغة المقرّة من اللجنة الفرعية في 11/5/2020 و