كامل نتائج جلسة 12 آذار 2021: لغط هائل حول "قرض البنك الدولي" قد يهدد نفاذه وقانون الدولار الطالبي مهدد بالـ"الخطأ المادي"
15/03/2021
عقد مجلس النواب جلسة تشريعيّة في 12/3/2021 على جدول أعمالها 3 بنود، أهمها مشروع قانون للإجازة للحكومة بمصادقة اتفاقية القرض مع البنك الدولي وهو القرض المخصص من حيث المبدأ لإسعاف العائلات الأكثر احتياجا. لإقرار هذا القرض، يسجل أن مجلس النواب ومعه بعض الوزراء الذين تولوا التفاوض في هذا الملف، أدى ما يجوز تسميته دور البهلوان للقفز فوق العقبات الدستورية والقانونية التي قد تعيق تصديق مشروع القانون. وهو قفز ربما أنتج مفعوله في إقرار القانون، لكنه قفز قد يؤدي عمليا إلى تعطيل نفاذ القانون، أو جعله مجرد خطوة تفاوضية مع البنك الدولي. يأتي هذا الأمر من أمرين أساسيين:
الأول، أن مشروع القانون ورد ليس بموجب مرسوم اتخذته حكومة تصريف الأعمال ولكن بموجب مرسوم موقّع من رئيسي الجمهورية والحكومة وعدد من الوزراء. وهذا ما أثاره عدد من النواب لينتهي إلى مزايدات مفادها أن الغاية التي هي الموافقة على القرض تبرر نقض الدستور،
والثاني، أن الإجازة المعطاة للحكومة بالتوقيع تتّصل ليس بنصّ الاتفاقية التي وردت إلى البرلمان بموجب "مرسوم" (مشكوك فيه أصلا) إنما على نص اتفاقية معدلة بموجب الملحق الذي أبرزته نائبة رئيس الحكومة زينة عكر ردا على تساؤلات النواب من دون المرور بالحكومة والأهم رغم إقرارها أن هذا الملحق لم يحصل على موافقة خطية من البنك الدولي لأن هكذا موافقة تحتاج إلى أشهر. ورغم الطابع الهجين للمصادقة على اتفاقية معدلة من دون الرجوع إلى البنك الدولي، فإن الوزير السابق علي حسن خليل ورئيس المجلس النيابي سهلا مهمة الوزيرة من خلال تصنيف التعديل على أنه ملحق للاتفاقية!
وفيما أن الإشكال الأول لا يعطل القانون طالما أن أحدا لن يثيره أمام المجلس الدستوري، فإن بإمكان الإشكال الثاني أن يعطله بشكل كامل وبخاصة إذا اعترض البنك الدولي على ما سمي الملحق رافضا الأخذ به.
كما تخلل الجلسة مداخلة غامضة لنائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي متعلّقة بقانون الدولار الطالبي، يفهم منها أن ثمة اتجاها لتعطيل هذا القانون أو على الأقل تعديله.
وهذا ما سنحاول تفصيله أدناه.
1- البرلمان يقر اتفاقية معدلة لتمويل "شبكة الأمان الاجتماعي"
أبرز القوانين التي صدّقت خلال الجلسة، مشروع القانون (الوارد بالمرسوم 7441) المُحال إلى البرلمان لطلب الموافقة على اتفاقية قرض بين لبنان والبنك الدولي للإنشاء والتعمير لتنفيذ مشروع الدعم تحت عنوان "شبكة الأمان الاجتماعي للاستجابة لجائحة كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية" والبالغ قيمته 246 مليون دولار. وقد تمّ إقرار صيغته النهائية في اللجان النيابية المشتركة في 23/2/2021 تحت ضغط المهلة المعطاة من البنك الدولي لإقراره، على الرغم من التحفظات الكثيرة للنواب، وبخاصة نواب كتلة الوفاء للمقاومة.
ويهدف هذا المشروع إلى ابرام قرض جديد مع البنك الدولي بقيمة 246 مليون دولار بهدف تمويل “برنامج دعم” لحوالي 147 ألف أسرة لمدة 12 شهرا من خلال البطاقات التمويلية، على أن تكون مدة المشروع النهائية 15 شهراً مع احتساب شهر للتحضير وشهرين للتقرير النهائي الختامي. وللتذكير، كانت حكومة تصريف الأعمال قد ربطت بين هذه الاتفاقية وتوجّهها لما أسمته "ترشيد الدعم" وتحويله من دعم مباشر لبعض السلع إلى دعم من خلال البطاقة التمويلية للأسر. وكان المرصد البرلماني في "المفكّرة القانونية" قد بيّن الإشكاليات العديدة التي تعتريه، أبرزها رضوخ البنك الدولي لوضع يد المصرف المركزي على الدولارات المخصصة وفق الاتفاق لدعم الأكثر فقراً واقتطاعه ما يمكن اعتباره خوة من الأموال العائدة لهم، وغياب معايير الإدارة الرشيدة للمشروع، والضبابية في معايير استفادة الأسر منه، وعدم كفايته لتغطية ثلث العائلات المستهدفة.
وخلال النقاش االبرلماني، برزت وزيرة الدفاع ونائبة رئيس حكومة تصريف الأعمال زينة عكر كالمدافعة الأساسية عن الاتفاقية والمتحدّثة باسم الحكومة في ما خصّها، حيث تكفّلت بالاجابة عن تساؤلات النوّاب واستيضاحاتهم. وأبرز ما نتبينه من النقاشات خلال الجلسة:
موقف ضعيف للبنان في المفاوضات في ظل غزل غير مسبوق للنوّاب بالحكومة
افتتح النقاش رئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان الذي أشاد كما معظم من نوهوا بالإقتراح بعمل الحكومة، فاعتبر أن ما تم التوصل إليه هو تحسّن كبير بالنسبة إلى الصيغة الأساسية ولو أنه ليس مثاليا. واعتبر أنه أقصى ما يمكن التفاوض عليه في الوقت الحالي وضمن الظروف التي يمرّ بها لبنان، وطالب أن يشدّد المجلس في المحضر على أهمية تنفيذ مشروع القانون لدى إقراره. وهو ما طالب به أيضا النائب سيمون أبي رميا آخذا مثال قانون الدولار الطالبي الذي لا يطبّق. وأشاد كذلك النائبان أمين شرّي وحسين الحاج حسن (عضوي كتلة الوفاء للمقاومة التي كانت قد تحفظت عن إقرار الاتفاقية في جلسة اللجان المشتركة) بتحسن مضمون وشروط الإتفاق بعد اعتبارهما أنه كان هناك غياب للندية في النقاش في البداية.
في المقابل، انتقدت بعض الأصوات الإتفاقية، واعتبرت أنها بصيغتها الحالية تبين عن ضعف في الموقف اللبناني، ومن بينها النائب وائل أبو فاعور الذي انتقد الدونية في التعاطي مع البنك الدولي خاصة أن الدولة تأخذ قرضا وليس هبة. كذلك شدّد النائب أسامة سعد على أن برنامج الغذاء العالمي أخذ أدواراً إضافية في ما يشبه وصاية على الدول وذلك مقابل قرض، مع إقصاء المؤسسات اللبنانية.
وردّت نائبة رئيس مجلس الوزراء زينة عكر بالقول أن شروط الإتفاقية قد تحسنت بشكل كبير بدءا من الفائدة التي عادة ما تكون بين 4 و6% وخفّضت إلى 0.5%. كذلك الأمر بما خصّ الكلفة التشغيلية لعمل برنامج الغذاء العالمي التي فصلت كلفتها من قيمة القرض، وأصبحت تدفع من هبة قدّمها البنك الدولي.
غموض حول القيمة القانونية لتعهد الحكومة وحول مصير الاتفاقية
اعتبر النائب علي حسن خليل أن الورقة الحكومية الملحقة بالإتفاقية والتي أجابت فيها الحكومة على أسئلة النواب هي جزء لا يتجزّأ منه وتعبّر عن التزام للحكومة، وهو ما أكّد عليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
ولا يمكن اعتبار هذا الرأي حاسماً بتاتاً، خصوصاً بعدما أثار هذه النقطة النائب حسين الحاج حسن الذي تساءل عن إمكانية إقرار هذه الملاحظات ضمن نصّ الاتفاقية، في حين أن الورقة الملحقة التي تضمّنت ملاحظات الحكومة لم تعدّل في نص الاتفاقية بل هي كتاب إلى البنك الدولي بحاجة إلى مصادقة. كما طالب الحاج حسن أن يضمّ التقرير ومضمونه في محضر الهيئة العامة. وعاد وسأل النائب محمد الحجار إذا ما كانت التعديلات تستوجب إعادة إقرارها من إدارة البنك الدولي في واشنطن. وطالب النائب أمين شري بتوقيع البنك الدولي على الورقة الملحقة، حيث أشار إلى أن التزام الحكومة أمام مجلس النواب لا يلزم البنك الدولي ولا يحمله أي مسؤولية في حال أخل بالعقد.
ولعلّ هنا تمكن الإشكالية الأساسية التي تعتري القانون: فما اتّجه إليه تصويت النوّاب وموضوع موافقتهم لا يتطابق مع نصّ الاتفاقية "المحالة" إلى البرلمان. بمعنى آخر، وافق النوّاب على ما يمكن اعتباره نسخة غير نهائية من الاتفاقية، وهو ما كان المرصد البرلماني قد حذّر منه، بحيث أقرن عدد كبير من النوّاب موافقته على القانون بالورقة الحكومية الإضافية التي ضمّنتها الأخيرة توضيحات والتزامات منها، في ظل التساؤل الذي ساد الجلسة عن قيمة الورقة الحكومية الملحقة وتعهّد الحكومة أمام المجلس النيابي الذي لا يلزم البنك الدولي.
أبعد من ذلك، وفي إجابتها على تساؤلات النوّاب، أقرّت نائبة رئيس حكومة تصريف الأعمال زينة عكر أن تضمين الإتفاقية هذه الملاحظات وتوقيعها من البنك الدولي بحاجة لأشهر، وأكّدت شفاهياً، دون أن يدعم تأكيدها هذا أي مستند رسمي، أن البنك الدولي قد “وافق على التعديلات الواردة” في ورقة الحكومة، وأن ما سيصدر عن المجلس النيابي ضمن ما اتفق عليه سيرسل عبر وزير المالية إلى البنك الدولي وسيتم التوقيع عليه.
ونكون إثر ذلك أمام احتمالين خطيرين:
- إما أن يرفض البنك الدولي شورط الحكومة اللبنانية التي فرضتها في مخاطبتها مع المجلس النيابي وخارج أي أوراق أو مفاوضات رسمية معه ويعرّض المشروع بأكمله إلى الزوال،
- وإما، في حال حصل فعلاً توقيع لاحق من البنك الدولي على التعديلات، نكون أمام توقيع غير دستوري، في ظل منع المادة 52 من الدستور إبرام الاتفاقيات الدولية التي تنطوي على شروط تتعلّق بمالية الدولة قبل الاستحصال على موافقة مجلس النواب، وعلى اعتبار أن الموافقة التي أعطاها المجلس النيابي في 12 آذار 2021 هى على نص الاتفاقية كما كان بتاريخه.