كرونولوجيا الفراغ الرئاسي: عام من الانهيار الدستوري
31/10/2023
عام مرّ على خلو سدّة رئاسة الجمهورية بتاريخ 31 تشرين الأول 2022 في ظلّ الفشل المستمرّ لمجلس النواب بانتخاب رئيس جمهورية جديد. وقد شهدتْ هذه الفترة تطورات دستورية مهمة لا بدّ من التذكير بها من أجل تكوين فهم أفضل لكيفية تعامل السلطة السياسية مع هذا الاستحقاق الدستوري.
جراء ما تقدم، يمكن تحديد الوقائع التالية بوصفها أبرز المحطات الدستورية منذ نهاية ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال عون:
- تحول حكومة الرئيس نجيب ميقاتي إلى حكومة تصريف أعمال عقب الانتخابات النيابية وبدء ولاية مجلس النواب الجديد بتاريخ 21 أيار 2022.
- تكليف الرئيس نجيب ميقاتي مجددا بتشكيل الحكومة بتاريخ 23 حزيران 2022 وفشله في ذلك كونه لم يتمكن من الاتفاق مع رئيس الجمهورية على صيغة حكومية.
- إصدار رئيس الحكومة المستقيل بتاريخ 21 أيار 2005 تعميما يعيد مجددا العمل بآلية الموافقات الاستثنائية في ظل تصريف الأعمال كون مجلس الوزراء لا يتمكن من الانعقاد بسبب الخلاف السياسي بين الجهات الحزبية المسيطرة عليه حتى لو تم التذرع بحجج دستورية غير صحيحة.
- إصدار رئيس الجمهورية ميشال عون بتاريخ 30 تشرين الأول 2022 في خطوة غير مسبوقة بتاريخ الحياة الدستورية في لبنان المرسوم رقم 10942 بقبول استقالة حكومة الرئيس ميقاتي التي تقوم بتصريف الأعمال علما أن هذا المرسوم لم يتم نشره حتى اليوم.
- استلام حكومة تصريف الأعمال لصلاحيات رئيس الجمهورية بسبب الفشل في تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة قبل انتهاء الولاية الرئاسية.
- تعطل آلية الموافقات الاستثنائية بسبب غياب رئيس الجمهورية الذي كان يصدر بالاتفاق مع رئيس الحكومة تلك الموافقات كي تحل محلّ انعقاد مجلس الوزراء، الأمر الذي حتّم انعقاد هذا الأخير أكثر من مرة بغية إقرار المراسيم الضرورية لتأمين الحدّ الأدنى من استمرارية مؤسسات الدولة في ظلّ مقاطعة قوى سياسية للجلسات بذريعة الميثاقية.
- نهاية ظاهرة الميثاقية بتعميم أصدره الرئيس نجيب ميقاتي بتاريخ 5/12/2022 قضى بأن المراسيم التي يقرّها مجلس الوزراء خلال ممارسته لصلاحيات رئيس الجمهورية لا يحتاج إصدارها إلا لتوقيع رئيس الحكومة والوزير المختص ما يخالف الممارسة التي تم اعتمادها من قبل حكومة الرئيس تمام سلام في ظل الشغور الرئاسي بين 2014 و 2016 والتي كانت تعتبر أن هذه المراسيم تحتاج إلى توقيع جميع الوزراء. هذا مع الإشارة إلى أن بعض الكتل النيابية تصرّ على رفض التباحث في مشاريع القوانين التي تحيلها الحكومة بحجة احترام الميثاقية التي تفرض توقيع مراسيم الإحالة من قبل جميع الوزراء.
- حسم المجلس الدستوري مسألة جواز التشريع في ظلّ خلو رئاسة الجمهورية إذ اعتبر في قراره رقم 6 تاريخ 30 أيار 2023 أن ذلك لا يشكل مخالفة للدستور على الرغم من استمرار الجدل حول هذا الموضوع لأسباب سياسية.
- الاعتباطية الفاقعة في إدارة جلسات انتخاب رئيس الجمهورية التي باتت تتسم بالسلطوية والهزل في ظلّ إصرار رئيس المجلس على رفع جلسة الانتخاب بعد فقدان النصاب وإعادة الدورة الأولى في الجلسة اللاحقة بدل الانتقال مباشرة إلى الدورة الثانية، وإصراره أيضا على أن نصاب الجلسة في كل الدورات يتألف من ثلثي مجموع أعضاء مجلس النواب، هذا فضلا عن كيفية فرز أوراق الاقتراع وعدم التمييز جيدا بين الأوراق الملغاة والبيضاء.
تعكس هذه التطورات الدستورية هيمنة الاعتبارات السياسية على عمل المؤسسات في لبنان التي فشلت في الدفاع عن المجتمع والحفاظ على مصالح اللبنانيين المشروعة بعد سنوات من الانهيار الاقتصادي وتراجع حقوقهم الاجتماعية في ظلّ هجمة ممنهجة تهدف إلى الاستمرار في عرقلة عمل القضاء والانقضاض على حرية التعبير وطبيعة الدولة اللبنانية.
ولا شك أن التطبيع مع تعطّل المؤسسات الدستورية وتحلّل أجهزة الدولة يصبّ في صالح القوى السياسية التي تهدف فقط إلى الحفاظ على مصالحها عبر تعزيز شبكتها الزبائنية وإحكام سيطرتها على اللبنانيين. وإذ يتجلّى تراجع دور الدولة المتفاقم في الاعتداءات الاسرائيلية التي يشهدها جنوب لبنان وخطر الحرب الداهم الذي يقلق الجميع، لا بدّ من تسجيل مفارقة استمرار السلطة السياسية في مواقعها المعهودة التي لم تتأثّر بكل ما عرفه لبنان من تطورات خطيرة خلال السنوات المنصرمة ما يثبت أن الفراغ الرئاسي وما نتج عنه من تعطيل هو مجرد نتيجة طبيعية لآليات اشتغال سلطة نظام الزعماء في لبنان.