كرونولوجيا تسليع لبنان
16/04/2024
طرحتْ حلول اقتصاديّة عدّة للتعافي من الانهيار المالي والاقتصادي الحاصل في 2019. لكن خطّة حكومة حسّان دياب المقدّمة في آذار 2020 في مستهلّ التفاوض مع صندوق النقد الدولي شكّلت المحاولة الوحيدة الجدّية لإعادة إنعاش الاقتصاد اللبناني. وتبعًا لاصطدام هذه الخطة بلوبي المصارف، تدنّى سقف الطموح في معالجة الأزمة لينحصر الحديث في معالجة مسألة الودائع أو إعادة التوازن المالي بمعزل عن أي إصلاحات كبرى أو أعمال محاسبة. آخر تجلّيات هذا الطموح قتل في مهده بخرق قضائي سارع لوبي المصارف إلى استغلاله في حملة ترويجية غير مسبوقة. وقد حملت هذه الحملة العنوان نفسه الذي وسم حملة المصارف ضدّ خطة دياب: الودائع وبالأخصّ ودائع المصارف لدى مصرف لبنان مقدّسة، وعلى الدولة بيع أصولها لإيفائها.
إسقاط المحاسبة والإصلاح (2020-2021)
في أواخر آذار، وضعت حكومة دياب مسوّدة لخطة اقتصادية بالاستعانة بالشركة الاستشاريّة الماليّة “لازار”، تضمّنت لومًا لسياسات حاكم مصرف لبنان السابق بخاصّة لجهة الهندسات المالية “غير الموفّقة” والنقص في الشفافية. أهمّ المعارضين لهذه الخطة كان رئيس مجلس النوّاب نبيه بري الذي دعا لقراءة الفاتحة والترحّم على “الهيركات” و”الكابيتال كونترول”، بحجّة أنّ الودائع مقدّسة. وقد ذهبتْ لجنة تقصّي الحقائق المنبثقة عن لجنة المال والموازنة في الاتجاه نفسه بعدما حسمت أنّ خطة الحكومة اعتمدت على تقديرات خاطئة لحجم الخسائر. وفيما تراجعت الحكومة عن خطّتها أمام الضغوط التي مورست عليها، أبرز لوبي المصارف خطّتين مضادتين لإنشاء “صناديق“: الأولى لجمعية المصارف والثانية رعاها وزير البيئة الأسبق محمد المشنوق، كلتاهما اعتمدت على مبدأ تصفية أملاك الدولة متبنّية فرضيّة مسؤوليّة الدولة وحدها عن الانهيار المالي في موازاة تبرئة المصارف.
إسقاط الانتظام المالي (2022-2023)
بدورها، أقرّت حكومة نجيب ميقاتي خطّة للتعافي الاقتصادي (20 أيّار 2022) في إطار التفاوض مع صندوق النقد الدولي بعدما خفّضت سقف طموح المحاسبة والإصلاح في ظلّ ضعف القوى الداعمة لهما. وقد قامت هذه الخطة في الأساس على إلغاء “جزء كبير” من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف، وضمان تسديد 100 ألف دولار لكلّ مودع مناصفة بين مصرف لبنان/الدولة والمصارف. وقد تجسّدت الخطة في اقتراح قدّمه نائبان مقرّبان من ميقاتي هما جورج بوشكيان وأحمد رستم (16/12/2022) تحت عنوان: “التوازن المالي”. وقد تعرّض هذا الاقتراح لانتقادات طرفين متعارضين: الأوّل لوبي المصارف بحجّة عدم جواز “المسّ بالودائع”، والثاني اقتصاديون وحقوقيّون تآلفوا في ائتلاف لوضع حدّ لإفلات الجرائم المالية من العقاب، على خلفية أنّ الاقتراح ساوى بين الودائع بمعزل عن مدى مشروعيّتها أو جدارتها بالحماية وأنّ الحلّ ليس في بيع أصول الدولة ولكن في إعمال أصول المحاسبة وردّ الأموال المنهوبة كما يستشفّ من بدء ملاحقة رياض سلامة وعدد من المصارف جزائيًا في لبنان والخارج. وقد أعدّت لجنة حماية المودعين مسوّدة اقتراح قانون يجسّد رؤاها في هذا المجال، تبنّاه النائب فراس حمدان. وفي موازاة ذلك، قدّمت كتلتا الجمهورية القويّة وكتلة التنمية والتحرير تباعًا اقتراحين هدفا إلى تسخير أصول الدولة من عقارات ومرافق حيوية من أجل إيفاء الودائع. ويلحظ أنّ اقتراح التنمية والتحرير أعدّه رئيس شورى الدولة القاضي فادي إلياس.
إسقاط الدولة (2024)
آخر محاولات معالجة الأزمة، تمثلت في مسوّدة مشروع قانون يعتقد أنّه تمّ إعدادها من حاكم مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف ونائب رئيس الحكومة سعادة الشامي بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي. وقد هدف الاقتراح هنا أيضًا إلى حصر ضمان المودعين باستعادة ودائعهم بمبلغ يصل إلى 100 ألف دولار ويسدّد خلال سنوات. واللافت أنّ مجلس شورى الدولة أصدر في اليوم نفسه لتسريب مسوّدة المشروع قراره في قضية أقامتها جمعية المصارف ضدّ الدولة لإبطال بند “شطب ديون مصرف لبنان تجاه المصارف” من خطّة التعافي التي أعدّتها في 2022 بحجّة أنّ الودائع تتمتّع بحماية دستورية وأنّ الدولة تتحمّل مسؤولية تغطية خسائر مصرف لبنان كاملة. وما أن نشر القرار حتى أطلقتْ جمعية المصارف على أساسه حملة ترويجية واسعة النطاق انتهت إلى قتل مسوّدة المشروع قبل أن يتسنّى للحكومة مناقشتها حتى. تمّ ذلك بعدما أعلن وزراء في الحكومة رفضهم المبدئي لها في موازاة تبرّؤ حاكم مصرف لبنان ورئيس الحكومة منها. في موازاة ذلك، استغلّت لجنة الإدارة والعدل الحملة الإعلامية الناجحة للوبي المصارف لتكلّف لجنة فرعية بدراسة اقتراحيْ القانون المقدّمين من الجمهورية القوية ولجنة التنمية والتحرير بتسخير أملاك الدولة لإيفاء ودائع المصارف. وقد سارعت كتلة لبنان القوي إلى تقديم اقتراح ثالث خطا خطوة أكبر في اتجاه استباحة أملاك الدولة وتشريع الأبواب لبيعها.
نشرت هذه الكرونولوجيا في العدد 72 من مجلة المفكرة القانونية – لبنان