كي لا يشكل الفراغ في المجالس البلدية سببًا لقبول المخالفة: نواب "التغيير" يدعون الدستوري إلى تطوير اجتهاده

نيقولا غصن

17/05/2024

انشر المقال

بعدما أصدر مجلس الوزراء وكالة عن رئيس الجمهورية بتاريخ 26 نيسان 2024 القانون رقم 325 القاضي بتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية القائمة حتى تاريخ أقصاه 31/5/2025 ونشره في الجريدة الرسمية، وبعدما تمّ تقديم طعنين بهذا القانون، قدّم النواب بولا يعقوبيان وياسين ياسين ونجاة عون صليبا ونبيل بدر وإبراهيم منيمنه وملحم خلف وأسامة سعد وفراس حمدان وميشال الدويهي وشربل مسعد طعنا ثالثا بتاريخ 14 أيار 2024 أمام المجلس الدستوري طلبوا فيه تعليق مفعول القانون إلى حين بتّ المجلس بالمراجعة ومن ثم إبطاله ورسم حدود البطلان زمنيًّا. وكان نواب القوات اللبنانية (كتلة الجمهورية القوية) تقدموا بطعن أول على هذا القانون، كما كان نواب الكتائب و"تجدد" و"تحالف التغيير" قدموا طعنا ثانيا عليه. وفيما اشتركت الطعون الثلاثة بإثارة انتهاك هذا القانون لحقوق أساسية ذات قوة دستورية، فإن الطعن موضوع هذه المقال تميز بأنه وضع المجلس الدستوري أمام امتحان تطوير اجتهاده للتحرر من الابتزاز السياسي، والذي طالما دفعه إلى الامتناع عن قانون مخالف للدستور بداهة تجنبا للفراغ في المجالس البلدية. وقد فعل مقدمو الطعن ذلك بعدما حملوا المجلس الدستوري جزءا من المسؤولية في انهيار مؤسسات الدولة. ومن هذه الوجهة، جاء الطعن متوافقا مع ما كانت المفكرة القانونية دعتْ إليه في في تعليقها على قرار المجلس الدستوري برد الطعن على قانون التمديد للبلديات في سنة 2023 وأيضا في تعليقها على الطعن الأول المقدم من نواب القوات اللبنانية حيث جاء حرفيا: "ربما آن الأوان ليفكر أعضاؤه (أي أعضاء المجلس الدستوري) بتطوير اجتهاده لتحسين تعامله مع هذا الواقع كأن يعلن إبطال القانون مع تعليق نفاذ الإبطال لمدة ثلاثة أشهر تكون كافية لإجراء الانتخابات". . كما أخذ الطعن منحى مماثلا للطعن الذي كانت قدّمته حليمة القعقور ورفاقها على قانون الموازنة العامة 2024 وأعدّته المفكرة القانونية لجهة دعوة المجلس الدستوري إلى تطوير اجتهاده لوضع حدّ للحالة الشاذة المتمثلة في إصدار موازنات عامة من دون قطوع حساب.      

 

استعراض المخالفات الدستورية

كما جاء في الطعنين الآخرين، استعاد طعن النواب التغييريّين عددا من الحجج الدستورية لإثبات مخالفة القانون المطعون فيه للدستور.

من أهم هذه المخالفات، الآتية:

الأولى، المس بحقوق أساسية (حق الاقتراع ومبدأ دورية الانتخابات) من خلال تأجيل الانتخابات من دون أن تشكل الظروف التي انبنى عليها القانون ظروفا استثنائية تبرره، وذلك نظرًا لأن العدوان الإسرائيلي الذي تتعرض له الأراضي اللبنانية محصور في بعض المناطق، أي أن الانتخابات قابلة الإجراء في المناطق الأخرى الآمنة، وقد استعاد الطعن أيضا سابقة قرار المجلس الدستوري الصادر سنة 1997 حول الانتخابات البلدية التي حصلت في ظلّ الاحتلال الاسرائيلي للجنوب، حيث تم تأجيل الانتخابات في المناطق المحتلة إلى حين تحريرها.

الثانية، مخالفة مبدأ فصل السلطات من خلال إعطاء الحكومة صلاحية تحديد موعد الانتخابات، ما يفتح المجال أمام اعتباطية الحكومة في تحديد موعد الانتخابات.

الثالثة، عدم توفر النصاب خلال الجلسة التي تمّ فيها التصويت على القانون المطعون فيه. فقد اعتبر مقدّمو الطعن أن بحسب المادتين 55 و 56 من النظام الداخلي فإن "التثبت من عدد النواب الحاضرين ومن توافر نصاب الجلسة يجب أن يتم بادئ الأمر قبيل افتتاحها من خلال إحصاء عدد النواب المتواجدين فعليًا داخل القاعة العامة لاجتماع مجلس النواب لا خارجها بحيث لا يجوز احتساب النائب الموجود في أي مكان آخر من مبنى مجلس النواب أو ردهاته أو مكتبه". وبالتالي، يعتبر مقدّمو الطعن أن الجلسة كانت فاقدة للنصاب "إذ جرى احتساب نواب كانوا مقاطعين لها ومتواجدين خارج القاعة العامة للمجلس من ضمن الحاضرين فيها وتم افتتاحها على هذا الأساس، كما جرى التصويت على القانون المطعون فيه في ظلّ فقدان الجلسة للنصاب الدستوري".

أخيرا، طرح الطعن أيضًا مسألة التصويت إذ ذكّر بأن الدستور في مادته الثالثة والثلاثين قد نصت على أن الآراء حول القوانين تعطى بالمناداة بالأسماء. وتضيف الجهة الطاعنة بأن التصويت على قانون التمديد للبلديات قد تم برفع الأيدي ما يجعله مخالفا للدستور ويقضي ابطاله برمته.

 

طرح صلاحية المجلس الدستوري بتكييف قراراته مع الزمن

الأمر المميز في الطعن كما سبق بيانه، هو دعوة المجلس الدستوري للاجتهاد بهدف التحرر من الابتزاز السياسي الذي يقوم على إرغامه على الامتناع عن إبطال القانون تجنبا للفراغ في المجالس البلدية.

فقد تطرّق الطعن إلى مسألة بالغة الأهمية كانت المفكرة القانونية قد طرحتها في مقال لها حول قرار المجلس الدستوري بردّ الطعن بقانون التمديد للبلديّات في سنة 2023. فقد طرح الطعن مسألة تكييف مفاعيل الإبطال من حيث الزمان (la modulation des effets de l'annulation dans le temps) عملًا باجتهاد المجلس الدستوري الفرنسي. وقد اعتبرت الجهة الطاعنة أن المجلس الدستوري اللبناني قد امتنع عن إبطال قانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية سنة 2023 "منعًا لتفاقم الفراغات وعملًا بمبدأ استمرارية المرفق العام"، بينما كان يمكن له أن يتبنى خيارات أخرى "بأن يكيّف مفاعيل إبطال نص القانون المطعون فيه بحيث يتلافى الأضرار التي يصعب أو يستحيل تداركها (...) عبر إعطاء المشرع وقتًا لاستدراك المخالفات التي أصابت التشريع المطعون فيه وبالتالي القيام بتشريع بديل يتجنّب المخالفات التي اعترت القانون المطعون فيه، عن طريق إعمال قراره بالإبطال بتاريخ لاحق أي تأجيل نفاذه"، لا سيما أن المادة 22 من قانون إنشاء المجلس الدستوري تنص على حق المجلس بأن "يرسم حدود البطلان" وتضيف المادة "إن النص الذي يقرر بطلانه يعتبر، في حدود قرار المجلس، كأنه لم يصدر ولا يجوز لأي كان التذرع به". لذلك، طلبت الجهة الطاعنة من المجلس الدستوري "تكييف مفاعيل إبطال القانون المطعون في دستوريته من حيث الزمان، بحيث يحدد مجلسكم الموقر عند الاقتضاء التاريخ الذي يمسي فيه قرار الإبطال نافذًا ومنتجًا لمفاعيله".  

ويلحظ أن مقدّمي الطعن عمدوا إلى تقوية وقع دعوتهم للمجلس الدستوري للخروج عن تحفظه ورتابة قراراته، من خلال تحميله جزءا من المسؤولية في انهيار مؤسسات الدولة، كما جاء في توطئة الطعن والتي تميزت بحدّة نبرتها. في هذه التوطئة، انتقد النواب الطاعنون المجلس على خلفية تجاهل القواعد الدستورية بسماحه للمجلس النيابي التشريع في غياب رئيس الجمهورية، مع تحميله تبعات هذا القرار أي التشجيع على مخالفة "مبدأ استمرارية الدولة" والتشجيع على "تعطيل الدولة بكل سلطاتها" كما التشجيع على "ضرب قواعد ومبادئ الديمقراطية". وقد اعتبروا أن استمرار المجلس الدستوري في هذا الموقف إنما يشكل إنكارا "للمشاكل السياسية والدستورية والإجتماعية والحياتية الجمّة، وأن الاستمرار بعدم التصدي لها (...) يصل إلى حدّ عدم إحقاق الحق".

 

خلاصة

في الخلاصة، يتبيّن أن الجهة الطاعنة تدعو المجلس الدستوري إلى الاجتهاد من أجل توسيع صلاحياته دفاعًا عن المبادئ الدستورية. وهكذا يتبيّن أن المجلس الدستوري اليوم أمام امتحان جديد لإبراز نيّته في وضع حدّ لمخالفة الدستور والقواعد الديمقراطية من قبل الحكومة بالتواطؤ مع المجلس النيابي من خلال إبطال قانون التمديد. إذ إن المجلس الدستوري قد عبّر في قراراته السابقة حول الطعون بقوانين التمديد عن رفضه لهذه المخالفة لكن من دون أن يعطي لرفضه النتيجة الطبيعية أي الإبطال، وذلك بذريعة عدم إحداث فراغ في المجالس البلدية والاختيارية في ظلّ الإنهيار الكامل الحاصل في مؤسسات الدولة كافة. أمّا اليوم ومع طرح مسألة تكييف قرار الإبطال على بساط البحث بجدّية، فعلى المجلس الإقدام على توسيع اجتهاده والاستفادة من كامل صلاحياته الممنوحة له في القانون لمجابهة الشذوذ الدستوري المتجسّد في قانون التمديد للبلديات. 

 

للاطّلاع على الطعن الثالث