كي لا يكون مكتب مجلس النواب سيّدًا عليه: عن انتخابات اللجان وأمناء السر المُرجأة
26/11/2024
دعا رئيس مجلس النواب إلى جلسة تشريعية في 28 تشرين الثاني المقبل من أجل إقرار مجموعة محددة من اقتراحات القوانين جرى التوافق عليها مسبقا لعل أبرزها التمديد لقائد الجيش الحالي وفقا لصيغة قد تشمل ليس فقط التمديد أيضا لقادة الأجهزة الأمنية بل حتى لمختلف الرتب في الأسلاك العسكرية والأمنية.
لكن اللافت أن جدول أعمال هذه الجلسة اقتصر على بنود تشريعية بينما كان من الواجب أن يتضمن أيضا استكمال انتخاب أعضاء مكتب المجلس (أميني السر وثلاثة مفوضين) واللجان النيابية، الأمر الذي كان من المفترض أن يحصل عند افتتاح العقد العادي الثاني أي في جلسة 22 تشرين الأول التي لم تعقد بسبب عدم توفر النصاب. وقد كان مكتب المجلس قد أصدر بيانا في 22 تشرين الأول اعتبر بموجبه "أعضاء هيئة المكتب واللجان النيابية الحالية قائمة بجميع أعضائها الحاليين" بناء على "سوابق اعتمدها المجلس النيابي" وعملا بقاعدة "استمرارية المؤسسات حتى يتم انتخابها". وهكذا يتبين أن التمديد تمّ استثنائيّا آنذاك بسبب عدم تمكّن المجلس من الاجتماع، ما يعني أن زوال الوضع الاستثنائي الذي فرض اتّخاذ تدبير مماثل يوجب قيام مجلس النواب بواجبه الديمقراطي الذي يقضي بضرورة انتخاب أعضاء مكتب المجلس واللجان النيابية في أول جلسة يتمكن مجلس النواب من عقدها، أي في جلسة 28 تشرين الثاني كون المعلومات المتوفرة تشير إلى أرجحية توفر النصاب.
ولا شك أن ضرورة انتخاب أعضاء مكتب المجلس، لا سيما أميني السر، ترتدي أهمية مضاعفة مما يحتم فصلها عن مسألة انتخاب اللجان النيابية، وهذا أمر يمكن فهمه بشكل أفضل من خلال العودة إلى السابقة التي استشهد بها بيان التمديد من دون شرحها والتي حصلت في 16 آذار 1976. ففي ظل المادة 18 من النظام الداخلي القديم الذي أقر سنة 1953 كان انتخاب اللجان النيابية يتمّ سنويا عند افتتاح العقد العادي الأول أي العقد الذي يبدأ في آذار بينما اليوم بعد التعديلات التي أدخلت على النظام الداخلي سنة 1991 بات انتخاب اللجان يتم عند افتتاح العقد العادي الثاني أي عقد تشرين الأول أي أن انتخاب اللجان بات يتزامن مع انتخاب أعضاء مكتب المجلس كون المادة 44 من الدستور تفرض انتخاب أمناء السر سنويا عند افتتاح عقد تشرين. إذ أن مكتب المجلس عندما لم يتمكّن مجلس النواب من الانعقاد نتيجة ظروف الحرب التي كانت سائدة سنة 1976 لم يتخذ قرارا بالتمديد لأميني السر بل اقتصر قراراه على التمديد للجان النيابية. وقد تنبه مكتب المجلس حينها للفرق الشاسع بين انتخاب أعضاء مكتب المجلس الذي يخضع للمادة 44 من الدستور وانتخاب اللجان النيابية الذي لا سند دستوري له ويخضع بالكامل لأحكام النظام الداخلي. وقد ورد في قرار التمديد الذي أصدره مكتب المجلس برئاسة الرئيس كامل الأسعد بتاريخ 16 آذار 1976 والغير منشور سابقا ما حرفيته:
"بعد الاطلاع على المادة 32 من الدستور اللبناني التي تحدد موعد عقد الدورة العادية الأولى (...) وبعد الاطلاع على المادة 18 من النظام الداخلي التي تحدد جدول أعمال أول جلسة في هذه الدورة تقرر ما يأتي:
أولا: تعتبر اللجان النيابية الحالية قائمة بجميع أعضائها الحاليين، وذلك بناء على القاعدة المعروفة في القانون الدستوري والقانون الإداري والقاضية باستمرارية المؤسسات والهيئات الإدارية حتى يتم تبديلها.
ثانيا: "بما أن جدول أعمال الجلسة الأولى في الدورة هو بموجب نصّ في النظام الداخلي وليس في الدستور، لذلك فإن المجلس النيابي يمكنه عند الاقتضاء البحث في أي موضوع آخر للجلسة الأولى شرط أن توافق أكثرية المجلس على ذلك".
وهكذا يصبح جليا أن التمديد للجان النيابية متاح كون الأحكام التي ترعى انتخاب هذه الأخيرة هي وليدة النظام الداخلي بالكامل، لا بل أن مجلس النواب يمكن له تعديل هذا النظام ساعة يشاء ويمكن له حتى عدم الالتزام به وتعديل جدول أعمال المجلس الأولى من العقد شرط أن توافق الهيئة العامة للمجلس على ذلك.
يعتبر قرار التمديد الذي اتخذ سنة 1976 تطبيقا سليمًا لمفهوم "المجلس سيد نفسه". إذ أن القرار الذي اتخذه مكتب المجلس احترم أولا المبادئ الدستورية حين أعلن أن سيادة المجلس تقتصر على النظام الداخلي ولا يمكن لها إطلاقا التعرض لمواد دستورية، وهو ثانيا احترم سيادة المجلس ولم يصادرها كونه أعلن صراحة أن تعديل النظام الداخلي أو عدم الالتزام بجدول أعمال الجلسة الأولى يحتاج إلى موافقة أكثرية المجلس.
جراء ما تقدم، وانطلاقا من الفهم الصحيح لسيادة المجلس، لا بدّ من عرض التمديد الذي حصل للجان النيابية على الهيئة العامة في أول جلسة للمجلس من أجل تصديق هذا التمديد أو الشروع بإجراء انتخابات جديدة. كذلك، وهذا الأهم، لا بد من استكمال انتخاب أعضاء مكتب المجلس إذ لا يمكن الاستمرار بالتمديد لهم بأي شكل من الأشكال عند زوال الحالة الاستثنائية التي حالت دون تمكن المجلس من إتمام الانتخاب في جلسة 22 تشرين الأول. إذ أنّ الموجب الذي يقع على عاتق المجلس الدستوري بانتخاب أمناء السر هو موجب تفرضه المادة 44 من الدستور ولا يحق لمكتب المجلس ولا حتى للمجلس نفسه بتعليق هذا الموجب.
وتعكس المادة الرابعة من النظام الداخلي المنطق نفسه عندما تنص على التالي: "إذا شغر مقعد في هيئة مكتب المجلس، عمد المجلس إلى انتخاب خلف له في أول جلسة يعقدها وفقاً للإجراءات المقررة لملء هذا المقعد بموجب المادة الثالثة أعلاه"[1]. فإذا كان الشغور بسبب الاستقالة أو الوفاة مثلا تفرض انتخاب عضو جديد في أول جلسة يعقدها المجلس فكم بالحري من تمديد فرضه ظرف استثنائي لم يعد قائما أصلا.
في الخلاصة، على مجلس النواب في الجلسة المقبلة أن يحترم الدستور أولا عبر انتخاب أعضاء مكتب المجلس وعليه ثانيا أن يدافع عن سيادته عبر اتخاذ القرار المناسب بخصوص اللجان إما تمديدا أو إعادة انتخابها من جديد. وكل تجاهل لهذه المبادئ يعني مصادرة مكتب المجلس لصلاحيات مجلس النواب الذي سيفقد فعليا سيادته على نفسه كي يصبح مكتب المجلس سيدا عليه. فهل سيدافع النواب عن الدستور وعن سيادتهم في الجلسة التشريعية المقبلة أم سيكتفون بلعب الدور المرسوم لهم مسبقا؟
[1] تعليقا على خطورة الشغور في مكتب المجلس أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري في جلسة 5 حزيران 1995 التالي: "دستوريا، وفي علم الدستور والاجتهاد الدستوري، المجلس النيابي لا يعتبر معقودا حكما كمجلس اذا كان تكوينه كمكتب مجلس ناقصا". وبغض النظر عن مدى صوابية هذا الموقف من الناحية الدستورية، يظهر من هذا الموقف أن استكمال انتخاب أعضاء المكتب هو من أهم واجبات المجلس النيابي لا الاستمرار بتمديد زالت الظروف الاستثنائية التي كانت تبرره.