لجنة الأشغال النيابية تشكل لجنة فرعية بشأن بسري: إحياء السد، إقامة محمية أم منتزه عام؟

سعدى علوه

07/06/2024

انشر المقال

شهدت لجنة الأشغال النيابية أمس الخميس 6 حزيران 2023 نقاشًا حادًا على خلفية طرح ملفّ مشروع سدّ بسري على جدول أعمالها بين مؤيد ومعارض. وبرغم انتهاء اجتماع اللجنة بتأليف لجنة فرعية خاصة بالملف برئاسة النائب أنطوان حبشي (تكتل الجمهورية القوية)، فقد علمت "المفكرة القانونية" أنّ نقاش مشروع سد بسري في اللجنة قد خرج، في بعض مراحله، عن آداب التخاطب، وخصوصًا النيابي منه. فقد ذهب بعض نواب تكتل لبنان القوي (التابع للتيار الوطني الحرّ) إلى حدّ نعت بعض النواب المعارضين لاستئناف مشروع سد بسري والاستمرار به، بـ "قلّة الفهم"، بدل أن يعمدوا، أي ممثلو نواب التيار، ومعهم وزارة الطاقة، إلى المقارعة العلمية. كما نقل بعض النواب أن وزير الطاقة وليد فياض كان يناقش بعصبية فائقة. 

وأكد رئيس لجنة الأشغال النيابية النائب سجيع عطية لـ "المفكرة" أنّ اللجنة أدرجت ملفّ مرج بسري على جدول أعمالها لأن "المشروع موجود وهو متوقف حاليًا"، ولم يؤكد وجود مطلب حكومي وصل إليه شفهيًا أو خطيا، وكذلك رغبة بعض النواب في طرحه "ولكي يكون للّجنة موقف واضح من المشروع برمّته"، كما قال. وأشار عطيّة إلى وجود هاجس أيضًا لدى اللّجنة بشأن الاستملاكات في مرج بسري والتي كلّفت الدولة ما بين 150 إلى 200 مليون دولار. "وهذه رتّبت ديونًا على لبنان للبنك الدولي، وإذا مرت السنوات القانونية عليها يمكن للمالكين استرداد أراضيهم". هذا الهاجس واجهه بعض النواب، ومن بينهم النائب محمد خواجه، بضرورة التقدم باقتراح قانون يمنع استعادة الاستملاكات من قبل قدامى المالكين الذين قبضوا ثمن أراضيهم قبل انهيار الليرة اللبنانية، وقد يعمدون اليوم إلى رد المال بالعملة نفسها، أي العملة اللبنانية التي فقدت قيمتها، ما يرتّب خسائر كبيرة على الخزينة التي استدانت بالدولار الأميركي.

وكان البنك الدولي، وهو من المموّلين الرئيسيين لمشروع سدّ بسري، قد اتخذ قرارًا في 14 نيسان 2020، يجمّد صرف تمويل مشروع السد، في إثر جهود كبيرة بذلها أهالي منطقة حوض مرج بسري بالتعاضد مع ناشطين بيئيين ومنظمات من المجتمع المدني وثوار انتفاضة 17 تشرين 2019 تبيّن مخاطر المشروع الزلزالية وعدم ملاءمة تكوين المرج الجيولوجي لتنفيذه في ظل نوعية التربة وصخور المنطقة الكارستية، وعدم جدواه لناحية عدم توفر كميات المياه بالأساس والمزمع جرّها إلى بيروت وضواحيها. وكذلك سوء نوعية هذه المياه خصوصًا مع استجرار 50 مليون متر مكعب من مياه بحيرة القرعون الملوّثة بالسيانوباكتيريا المسرطنة إلى محطة الوردانية الخاصة بتنقية مياه بحيرة السد.

وعرضت النائبة حليمة القعقور مخاطر السدّ الزلزالية مع وجود فالقيّ روم وبسري الزلزالييّن في المنطقة المنوي إنشاء حائط بحيرة السد وجسمها فيها، وعدم ملاءمة الطبيعة الجيولوجية للمرج لتنفيذه، وكذلك عدم توفر كميات المياه والنوعية الجيدة لتزويد بيروت والضواحي بها. كما عرضت بدائل لتزويد بيروت بالمياه ومنها وقف الهدر الذي يلامس 30% من مياه جعيتا، المزود الرئيسي للعاصمة بمياه الشفة. وذكّرت بضرورة العودة إلى دراسة  المعهد الفيدرالي الألماني لعلوم الأرض والموارد الطبيعيّة (BGR) التي نُفذّت في إطار برنامج التعاون التقني الألماني – اللبناني الذي استمرّ من سنة 2009 حتى سنة 2014، وفيه مقترحات لبدائل علمية واضحة ومجدية لمياه بيروت. واقترحت القعقور خلال اجتماع اللّجنة أن يتمّ إدارة مرج بسري بعد إلغاء السدّ، تجنبًا لتدمير المنطقة وهدر المال العام، عبر الاستثمار الزراعي والسياحة البيئية المستدامين مع منح أهالي المنطقة الأولوية في الاستثمار غير المضرّ بالبيئة وطبيعة المرج، ومن دون ضياع المال العام الذي دفعته خزينة الدولة على الاستملاكات. بالمقابل، لم تناقش أثناء الجلسة اقتراحات القوانين الأخرى المقدمة بخصوص مرج بسري، ومنها أن يتم إعلانه محمية طبيعية.   

يؤكد عضو اللجنة النائب حسين الحاج حسن (كتلة الوفاء للمقاومة) لـ "المفكرة" أنّ التكتل النيابي الذي يمثّله يؤيّد المضيّ بمشروع تنفيذ سدّ بسري. إلّا أنّه دعا في اجتماع لجنة الأشغال وبناء على النقاش الدائر بين معارضي السدّ ومؤيدّيه، إلى ضرورة دعوة الخبراء الذين أجروا دراسات علمية، ومن بينهم الذين أعدوا دراسة الأثر البيئي للمشروع، وكذلك من الذين تحدثوا عن مخاطر السد، كي "تستمع اللجنة إلى آرائهم، وتردّ الجهات الرسمية على كل المعطيات، وبعدها تتبنّى لجنة الأشغال موقفها من المشروع".

من جهته، يشير النائب إبراهيم منيمنة، عضو لجنة الأشغال النيابية، في حديث مع المفكرة إلى أنّ ملف سد بسري المتعثّر تنفيذه، والذي سقط تمويله إثر الانتفاضة الشعبية، لم يُطرح على طاولة لجنة الأشغال بسبب محاولات الحصول على تمويل جديد، وإنّما يعتبر بعض الفرقاء السياسيين المتمسكين بالسد بأنّ البنك الدولي على استعداد للتمويل، في حين يشكك آخرون في إمكانية الاستحصال على أي تمويل جديد للسد. ويسجّل منيمنة تمسّك نوّاب تكتل لبنان القوي بالمشروع في حين لُمس انفتاح ملحوظ لدى فريق حزب الله لسماع الخيارات البديلة للمشروع، في مقابل اعتراض كل من القوّات والاشتراكي التقدّمي ونوّاب التغيير على المضي بمشروع السد.

ويؤكّد منيمنة أنّ النقاش التقني حول جدوى السد والبدائل والمخاطر التي تحيط به يجب أن يتم في لجنة فرعية للوقوف عند المقارعة العلمية والدراسات والبراهين العلمية ورأي أهل الخبرة، وهذا ما خلص إليه اجتماع اللجنة المشحون بالمواقف السياسية والتي تعدّ انعكاسًا طبيعيًا للاصطفافات السياسية المعروفة حول مشروع السد.

ويوصي منيمنة أن يستكمل النقاش التقني حول البدائل واستخدام الأراضي المستملكة وآليات حمايتها في اللجنة الفرعية لاحقًا.

أما مجلس الإنماء والإعمار الذي كان قد انطلق بمسار تنفيذ مشروع السد رغم الدراسات التي تؤكد عدم جدواه، فقد سجل ممثله اعتراضًا على إلغاء مشروع السد بالقول: " لو بدكم تعترضوا، كان لازم تعترضوا قبل ما تندفع كلّ هالأموال!". وهو ما دفع منيمنة إلى الرد عليه بـ "إنّ وضع حد للخطأ والخروج بأقل أضرار ممكنة هو الحل الأجدى، عوض التمادي في الأخطاء والأضرار"، مضيفًا (أي منيمنة): "اليوم في تغيير وفي مجلس جديد منتخب وفي آراء جديدة دخلت المجلس النيابي وهي تمثل الشعب ويجب سماع مواقفها..".

أما لجهة العودة عن السد في ظلّ تذرّع البعض بأنّ المشروع مقونن وأنّه رغم سقوط التمويل، لا زال قائمًا قانونًا، علّق منيمنة (خلال الجلسة) على هذه الحجّة بإمكانية اللجوء إلى مبدأ موازاة الصيغ، والمقصود أنّ العودة عن مشروع السد تبقى ممكنة، من خلال سن المجلس النيابي قانونًا يعود فيه عن مشروع السد الذي أثبتت الدراسات العلمية عدم جدواه وفداحة مخاطره.

وفي معرض احتدام النقاش خلال اجتماع اللجنة، أكد مؤيّدو السد أنّ المضيّ بالمشروع سبق وحصد موافقة كل القوى السياسية، فلماذا غيّر البعض رأيهم اليوم؟ وذلك غمزًا من قناة تغيير كتلة اللقاء الديمقراطي (الحزب التقدمي الإشتراكي) والقوات اللبنانية (تكتل الجمهورية القوية) موقفهما من مشروع السدّ والانتقال إلى جبهة معارضته. وجاءهم الجواب من النائبين أنطوان حبشي (قوات) وفيصل الصايغ (تقدمي اشتراكي) أنّ تغيّر الموقف يرتبط بالنقاش العلمي الذي فنّد مخاطر السدّ وعدم جدواه بموازاة هدره المال العام وتدمير منطقة المرج، وكل ما يتعلق بكميات المياه ونوعيتها والبدائل.      

في ظل هذا النقاش والحديث عن مساعي حكومة تصريف الأعمال عن محاولة إيجاد تمويل لاستكمال مشروع سد بسري، تعيد المفكرة القانونية التذكير بملفها الخاص بالمرج "مرج بسري في قلب الإنتفاضة" والمتوفّر على موقعها.