مبادرة تشريعية جديدة لتنظيم "حالة الطوارئ": الطوارئ البيئية بعد الصحية

نيقولا غصن

24/01/2024

انشر المقال

تقدم النائب فؤاد مخزومي بتاريخ الرابع من كانون الثاني 2024 باقتراح قانون يرمي إلى تنظيم إعلان حالة الطوارئ البيئية في لبنان. ومن اللافت أن هذا الاقتراح  مطابق إلى حدّ كبير، مع تعديل فقط في الموضوع، لاقتراح آخر تقدم به النائب بلال عبدالله وقد علّقت المفكرة عليه، يرمي إلى تنظيم إعلان حالة الطوارئ الصحية.

يتكوّن الاقتراح المتعلّق بإعلان حالة الطوارئ البيئية أيضًا من خمسة فصول تحمل في الأوّل منها مادة تعريفيّة عن "الإخلاء" و"حالة الطوارئ البيئية" و"الهيئات البيئية المختصّة" و"حظر التجول الشامل" و"حظر التجول الجزئي"، بالإضافة إلى تعريفات عن "الإخلاء الكلّي" و"الإخلاء الجزئي" وتحديد مفهوم "المنشأة" الذي يشمل أي "عقار مبني أو غير مبني" بغض النظر عن وجهة استعمالها..

ويوضح الاقتراح في المادة الثالثة أن الهدف من القانون هو "تنظيم إعلان حالة الطوارئ البيئية وتحديد الأحكام والإجراءات الاستثنائية المتعلقة بها" وذلك لأجل "حماية صحة وحياة الأشخاص وضمان سلامتهم من جراء الكوارث التي تحدُث نتيجة عوامل طبيعية أو تكنولوجية أو بفعل الإنسان أو نتيجة توفر أي من هذه العوامل" و"للحدّ من المخاطر والأضرار التي يمكن أن تنتج عنها" ولأجل "ضمان استمرارية المرافق العامة والخدمات الأساسية والحيويّة".

وينص الفصل الثاني على كيفيّة "إعلان ورفع حالة الطوارئ البيئية" إذ يتم ذلك بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء "بناءً لاقتراح وزير البيئة ووزير الداخلية والبلديات، يحدد النطاق الجغرافي لتطبيقها، والإجراءات الواجب اتخاذها ومدّة سريان حالة الطوارئ البيئية" على أن تحصر فترة الطوارئ بشهر قابل للتمديد أو التقليص.

أمّا في فصله الثالث، فينصّ الاقتراح على إمكانية "إقرار الإخلاء وحظر التجول الكلي أو الجزئي من خلال اتخاذ جملة من التدابير والإجراءات الاستثنائية"، نذكر منها "منع أو وضع قيود على حرية تنقل الأشخاص بما في ذلك المنع أو الحدّ من الدخول إلى البلاد أو مغادرتها" و"منع أو تنظيم أو تحديد حركة وسائل النقل البرية والبحرية والجوية" كما غيرها من التدابير الشبيهة بالتي شهدها لبنان في فترة التعبئة العامة والتي فرضت إثر انتشار وباء كورونا والتي أشار إليها اقتراح إعلان حالة طوارئ الصحية المذكور سابقًا وهي "إغلاق أو تحديد أوقات عمل المساحات والمحلات المفتوحة للعموم" و"منع أو وضع قيود على ممارسة أنشطة، كالأنشطة الإقتصادية و/أو البيئية و/أو التربوية و/أو الدينية و/أو الرياضية، الخ" كما "الإخلاء الكلي أو الجزئي لمنطقة أو منشأة". بالإضافة إلى تلك القيود التي تحدّ من الحريات الدستورية للمواطنين يولي القانون صلاحية استثنائية لمجلس الوزراء تمكنه من تعليق أو تمديد المهل القانونية والقضائية والعقدية.

ويخصص الاقتراح الفصل الرابع للعقوبات المفروضة في حال مخالفة أحكامه وهي "الحبس من شهر إلى سنة وبغرامة تتراوح بين الحد الادنى الرسمي للأجور وبين ثلاثة أضعافه أو بإحدى هاتين العقوبتين" في حال ارتكاب أفعال تتنافى وحالة الطوارئ البيئية، يعددها الاقتراح بسبع نقاط نذكر منها على سبيل المثال الامتناع عن الامتثال إلى حظر التجول الشامل والجزئي أو امتناع أصحاب المحلات والمساحات المفتوحة للعموم من الامتثال لقرارات الإغلاق الجزئي أو الكلي.

أمّا في ما يخصّ الأسباب الموجبة لهذا الاقتراح، فإنّه يفسّر أهمّية تحديد إطار لإعلان حالة الطوارئ البيئية بمشكلة التغيّر المناخي المتعاظمة، إذ تشير الأسباب الموجبة إلى أن توقّعات الخبراء تنبئ بحدوث عدد كبير من الكوارث الطبيعية بحلول العام 2030، وذلك بحسب برنامج الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث.

وتضيف الأسباب الموجبة أن لبنان يقع في منطقة تمرّ فيها فوالق زلزالية ما يحتّم على الحكومة الاستعداد للكوارث التي قد تنتج عن الزلازل.  لذلك يهدف الاقتراح إلى الإسراع "في تأطير العمل الذي تقوم به كل الأطراف من جرّاء الكوارث التي تحدث نتيجة عوامل طبيعية أو تكنولوجية أو بفعل الإنسان أو نتيجة توفر أي من هذه العوامل، وذلك من خلال تنظيم وضبط شروط إعلان حالة الطوارئ البيئية والتسريع في تنفيذ الإجراءات الاستثنائية المستعجلة لحماية البيئة وحياة الأشخاص وضمان سلامتهم". 

بعد الإطلاع على كافة مضامين هذا الاقتراح وخلفياته المبيّنة في أسبابه الموجبة، تبرز عدة نقاط من المهم التطرق إليها وهي التالية:

توسيع الصلاحيات الحكومية دون ضوابط وتسخير جائر للموارد والأملاك

إن الشوائب التي تعتري هذا الاقتراح هي تمامًا تلك التي نجدها في اقتراح إعلان حالة الطوارئ الصحية المذكور أعلاه. مع العلم أنّه، ونظرًا للتطابق الكبير في الأحكام بين الاقتراحين، كان بالإمكان دمجُهما في اقتراح واحد، لا سيما وأن الإجراءات الاستثنائية التي ينص عليها الاقتراح تهدف أيضا وفقا للمادة السادسة منه إلى "حماية صحة وحياة الأشخاص وضمان سلامتهم" كون الكوارث البيئية قد ينتج عنها مخاطر صحية أو وبائية. لذلك سنعيد تكرار تلك الملاحظات ولكن بشكل مختصر في النقاط التالية:

  • ينصّ الاقتراح في مادته الخامسة على أنه "يتمّ الإعلان عن حالة الطوارئ البيئية بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء" من دون أن يعطي مجلس النواب دورًا في الموافقة على هذا الإعلان. كما أن الاقتراح يولي مجلس الوزراء صلاحية تمديد أو تقليص فترة الطوارئ دون الرجوع إلى أي سلطة دستورية أخرى لاسيما مجلس الوزراء، ما يخرج إعلان حالة الطوارئ وتمديدها عن أي رقابة تشريعية. بالإضافة إلى ذلك، فإن المادة عينها من الاقتراح لا تحدد ما إذا كانت حالة الطوارئ البيئية تخضع في إعلانها من قبل مجلس الوزراء إلى نفس الشرط الدستوري المنصوص عنه في المادة 65 من الدستور وهو التصويت بأكثرية الثلثين من أعضاء المجلس، وهو ما يسري في حالة إعلان الطوارئ المحددة في المرسوم الاشتراعي رقم 52 الصادر سنة 1967 وفي قانون الدفاع الوطني الصادر سنة 1983.
  • في المادة الخامسة أيضًا ذكر للهيئات البيئية المختصة التي من شأنها رفع تقرير عن الحالة البيئية لوزارة البيئة ووزارة الداخلية والبلديات من دون تحديد هذه الجهات البيئية بشكل واضح (لا نجد تعريفًا واضحًا أيضًا في المادة الثانية من الاقتراح) ما قد يؤدّي إلى تضارب في الصلاحيات بين جهات عديدة قد تعتبر نفسها مخوّلة بهذه المهمة، بالإضافة إلى استنسابية السلطة السياسية التي تصبح حرة بتحديد هذه الجهات.
  • تنص المادة التاسعة من الاقتراح على إمكانية "تسخير الأشخاص والمؤسسات والوسائل الضرورية لضمان استمرارية سير المرفق العام والخدمات الأساسية والحيوية" وذلك بتجاهل تام لقانون المصادرة الصادر سنة 2003 مع ما يتضمنه من أحكام تتعلق بالتعويضات الواجبة لأصحاب الحقوق الذين تمت مصادرة أملاكهم. حيث أن التسخير المنصوص عنه في هذه المادة لا يشتمل على أيّة تعويضات ما يشكل خرقا خطيرا لحق الملكية المكرس دستوريا حتى لو كان هذا الحق يحتمل بعض الاستثناءات احيانا من اجل المصلحة العامة.
  • تنص المادتان العاشرة والحادية عشرة على صلاحيات واسعة للحكومة إن لجهة اتخاذ "إجراءات خاصة ذات طابع اقتصادي أو مالي أو اجتماعي أو صحي" أو إن لجهة "تعليق أو تمديد المهل القانونية والقضائية والعقدية وغيرها"، ما يشي بتفويض تشريعي مفتوح الأفق زمنيًّا، الأمر الذي يعدّ مخالفة دستورية إذ لا يجزر لمجلس النواب تفويض سلطته التشريعية إلّا بشكل محدود في الزمن والموضوع.
  • لا ينص الاقتراح في أيّ من مواده على وسيلة للطعن بمراسيم وقرارات مجلس الوزراء لتجاوز حدّ السلطة المتخذة في ظلّ حالة الطوارئ البيئية، علمًا أن الاجتهاد الثابت لمجلس شورى الدولة يفيد في هذا الشأن بأن حجب اختصاص المجلس عن النظر في الأعمال الإدارية يحتاج إلى وجود نصّ قانوني واضح وصريح بذلك.

الإبهام في مفهوم الطوارئ البيئية

إذا كان وجود إطار يرعى حالة الطوارئ الصحية هو من الأمور التي اعتمدتها بعض الدول لا سيما بعد جائحة كورونا، فإن وجود نظام قانوني خاص بحالة الطوارئ البيئية أمر غير مألوف ولم نتمكن من إيجاد تشريعات خاصة به في الدول الأخرى إذ إن مفهوم الكارثة البيئية مبهم كون تلك الكارثة قد تحدث نتيجة لفعل بشري كالحروب والنزاعات المسلحة أو فعل طبيعي كالزلازل والبراكين والفياضانات. فالمرسوم الاشتراعي اللبناني الصادر سنة 1967 حول حالة الطوارئ ينص في مادته الأولى على أن إعلان هذه الأخيرة يتم "عند تعرض البلاد لخطر مداهم ناتج عن حرب خارجية أو ثورة مسلحة أو أعمال أو إضطرابات تهدد النظام العام والأمن أو عند وقوع احداث تأخذ طابع الكارثة". ما يعني أن حالة الطوارئ العادية يمكن أن تشمل أيضا الكوارث الطبيعية والبيئية ما يؤدي إلى وجود تضارب بين الاقتراح والأحكام القانونية النافذة حول إعلان الطوارئ. لذلك كان من الأفضل أن يتضمن الاقتراح نصا من شأنه تعديل المادة الأولى من المرسوم الاشتراعي لسنة 1967 كي يتم حصرها في حالات الحرب والثورات والاضطرابات الأمنية من دون الكوارث التي تصبح خاضعة فقط لحالة الطوارئ البيئية. ويصبح هذا الأمر أكثر إلحاحا نظرًا لأن المادة الثالثة عشر من الاقتراح تنص على إلغاء جميع الأحكام المخالفة له باستثناء المرسوم الاشتراعي المتعلق بإعلان حالة الطوارئ وقانون الدفاع الوطني.

من ناحية أخرى، فإن اهمّ اختلاف بين التشريع النافذ المتعلق بحالة الطوارئ والاقتراح موضوع البحث (واقتراح حالة الطوارئ الصحية المذكور أعلاه) إنّما يكمن في أن حالة الطوارئ هي نظام عسكري يؤدّي إلى نقل مسؤولية الحفاظ على الأمن من السلطات المدنية إلى الجيش. وهذا ما نستشفه من المادة 3 من المرسوم الاشتراعي لسنة 1967 التي تنص على أنه فور إعلان حالة الطوارئ "تتولى السلطة العسكرية العليا صلاحية المحافظة على الأمن وتوضع تحت تصرفها جميع القوى المسلحة (...) وتقوم هذه القوى بواجباتها الاساسية وفقا لقوانينها الخاصة وتحت امرة القيادة العسكرية العليا". علاوة على ذلك تنص الفقرة الخامسة من المادة الرابعة من قانون الدفاع الوطني على اختصاص المحاكم العسكرية للنظر في المخالفات التي تحدث خلال إعلان حالة الطوارئ بينما الاقتراح الحالي لا يعطي المحكمة العسكرية أي صلاحيات عند اعلان حالة الطوارئ البيئية. 

إن الطبيعة المبهمة لحالة الطوارئ البيئية وتداخلها مع حالة الطوارئ العادية ينسحب أيضا على تحديد بعض المخالفات التي يعاقب عليها الاقتراح إذ تنص المادة الثانية عشرة على معاقبة من يقوم "بنشر الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة في لبنان وخارجه وزرع الرعب والفتنة باستعمال أية وسيلة من وسائل النشر، المرئية أو المكتوبة أو المسموعة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي" وهو نص فضفاض قد يؤدي إلى تهديد حرية التعبير بشكل خطير ولا بد من تحديد المخالفات التي توجب فرض تلك العقوبات القضائية بشكل أكثر وضوحا.

خلاصة القول، لا بدّ من التشديد على الطبيعة الاستثنائية لهذا الاقتراح وخطورته على حريات المواطنين وحقوقهم الدستورية إذ يأتي مع الاقتراح الآخر حول الطوارئ الصحية كي يعزز من ترسانة التشريعات الاستثنائية النافذة حاليا وكأن الحل الوحيد المتوفر هو ذلك الذي يقوم فقط على اتخاذ تدابير أمنية وقمعية تأتي بعد الحدث أو وقوع الكارثة، بينما الإجراءات والخطط الاحترازية التي يجب أن تستعد لها كافة مؤسسات الدولة مسبقا لتأمين سلامة المجتمع تظل غائبة عن الأولويات التشريعية للحكومة والبرلمان.

للاطّلاع على اقتراح القانون، إضغطوا هنا