مبادرة نيابية لإسقاط حصانات الوزراء: توجه إيجابي مبني على مفاهيم مغلوطة

وسام اللحام , نيقولا غصن

23/03/2023

تقدم بتاريخ 21 تشرين الأول 2022 النواب بولا يعقوبيان، سامي الجميل، الياس حنكش، سليم الصايغ، نديم الجميل، أشرف ريفي، ميشال معوض، فؤاد مخزومي، أديب عبد المسيح ونعمة افرام بطلب اقتراح تعديل المادة 70 من الدستور المتعلقة بأصول ملاحقة رئيس مجلس الوزراء والوزراء التي تسمح عملا بنصها الحالي لمجلس النواب اتهام أعضاء الحكومة بالخيانة العظمى أو الإخلال بواجباتهم، على أن يصدر قرار الاتهام بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس.

يأتي هذا الطلب بعد أشهر من عرقلة عمل المحقق العدلي طارق البيطار في إطار التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، إذ تمسّك الوزراء المدعى عليهم بما اعتبروه حصانات دستورية تحتّم محاكمتهم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء علما أن الملاحقة أمام هذا المجلس هو أمر صعب المنال إذ يتطلّب وفا المادة 70 من الدستور توفر غالبية ثلثي مجموع أعضاء مجلس النواب من أجل توجيه الاتهام إلى رئيس مجلس الوزراء والوزراء، وهي غالبيّة يتعذّر جمعها في ظلّ هيمنة أحزاب السلطة على المجلس النيابي.

لذلك يهدف الاقتراح إلى تجريد المدعى عليهم من حجة الحصانة الدستورية التي يتذرعون بها من أجل تبرير عدم امتثالهم لأوامر القضاء وذلك عبر تعديل المادة 70 من الدستور بحيث تنحصر صلاحية مجلس النواب باتّهام أعضاء الحكومة بجريمة الخيانة العظمى فقط وإحالتهم للمحاكمة أمام المجلس الأعلى بينما تصبح سائر الجرائم سواء المرتبطة بإخلالهم بواجباتهم أو جرائم الفساد أو الجرائم العادية تخضع للملاحقة أمام القضاء العدلي المختص وفق القوانين المرعية الإجراء.

وقد ورد في الأسباب الموجبة أن محاكمة الرؤساء والوزراء تخضع عملا بالنص الدستوري الحالي لمعايير سياسية لا قضائية ما أدى “عمليا إلى استحالة ملاحقة أي وزير أو رئيس واستشراء الفساد في الدولة اللبنانية”. وأضاف الاقتراح في أسبابه الموجبة أن السواد الأعظم من الارتكابات المالية تتمّ في الإدارات العامة “بمعرفة الوزراء حينا ومشاركتهم أحيانا” ما أدى إلى”جعل الرؤساء والوزراء طبقة فوق القانون وعصية على المساءلة والمحاسبة”. كما أردفت الأسباب الموجبة أن الحصانة الدستورية ترتبط بالفقرة “ي” من مقدمة الدستور التي تنص على أن “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك” والمادة 95 التي تنص على ضرورة تمثيل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الحكومة، من دون أي إضافة أو تفسير.

يستدعي هذا الاقتراح الملاحظات الآتية:

اقتراح يصعب أن يسلك طريقه في ظل مسارات التعطيل الحاضرة

من الناحية الشكلية، يحمل الاقتراح توقيع عشرة نواب هو العدد الذي تفرضه المادة 77 من الدستور من أجل التقدّم باقتراح تعديل للدستور. كما لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مبادرة تعديل الدستور عندما تنطلق من النواب لا يمكن أن تحصل إلا في العقود العادية لمجلس النواب كما تفرضه أيضا المادة 77. وقد تنبّه الاقتراح لهذا الأمر، إذ أشار إلى ذلك صراحة في أسبابه الموجبة التي ترجو من مجلس النواب إقرار هذا الاقتراح في “أقرب جلسة في العقد العادي” علما أن ذلك يتطلّب موافقة ثلثيْ مجموع أعضاء مجلس النواب أي 86 نائبا اليوم.

ولا بد هنا من التذكير أنّه في ظلّ استقالة حكومة نجيب ميقاتي بعد الانتخابات النيابية في أيار 2022 وعدم تشكيل حكومة جديدة، فإنّ المجلس النيابي يكون في دورة استثنائية حتى تشكيل حكومة جديدة كما تنص المادة 69 من الدستور في بندها الثالث ما يعني أن المجلس الذي اعتبر في الممارسة أنه يحق له التشريع خلال هذا العقد الاستثنائي لا يمكن له إقرار اقتراح تعديل الدستور إلا مع بداية العقد العادي الأول في 21 آذار 2023.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المادة 77 تنص على أن مجلس النواب في حال أقر التعديل يتوجب عليه إرسال طلب التعديل إلى الحكومة التي تتولّى في حال موافقتها إعداد مشروع التعديل، كما لها أن ترفض القيام بهذا المشروع فتعيد الاقتراح إلى المجلس النيابي لدراسته ثانية. غير أنّه في ظلّ وجود حكومة مستقيلة مصرّفة للأعمال، من الصعب اعتبارها صالحة للبت بمسألة بالغة الأهمية كتعديل الدستور، وهي مسألة تفترض أن تكون الحكومة مسؤولة سياسيّا عند البت به.

اقتراح يهدف إلى نزع الحجة الدستورية من دون اتخاذ مسافة نقدية منها

أما لجهة مضمون هذا الاقتراح، وانطلاقا من التجربة التي أثبتت أن المجلس الأعلى لم ينعقد يوما منذ بداية الحياة الدستورية في لبنان كون مجلس النواب لم يمارس حقه بالإتهام ما أدى في الواقع إلى تحول المجلس الأعلى إلى محكمة وهمية لا يتم استحضارها إلا لمنع ملاحقة السياسيين النافذين، يصبح جليا أن هذا الاقتراح يحاول نزع الحجة الدستورية التي باتت الوسيلة العادية التي تستخدمها مختلف أركان السلطة من أجل إفلاتهم من العقاب وحماية مصالحهم الشخصية على حساب الصالح العام.

لكن هذا التوجّه يعكس خللا لجهة أنه يسلم بهذه الحجة من دون أن يتخذ منها أي مسافة نقدية. ويتأتى ذلك عن أمرين:

الأول، تجاهله قرارات محكمة التمييز التي قلصت من تطبيق المادة 70 من خلال اعتمادها موقفا يتراوح بين اعتبار أن اختصاص القضاء العادي يبقـى قائما عند ملاحقة الوزراء عن الأفعال الجرمية حتى لو تم ذلك في معـرض ممارسـة وظيفتهم الوزارية مـا لم يعمد مجلس النواب إلى توجيه الاتهام لهم، وبين اعتبار أن القضاء العادي غير مختص بالجرائم “المتّصلة بصورة مباشرة بممارسة الوزير لمهامه القانونيّة الوزاريّة” والتي تتعلق “بالطّبيعة السياسية لعمل الوزير وجوهر مهامه الوزاريّة كما هو مقرر في القوانين” بينما يحتفظ القضاء بصلاحياته كاملة لملاحقة الجرائم الأخرى وهي “الأعمال الجرميّة المرتكبة من الوزير في معرض ممارسته لمهامه، أو في حياته الخاصّة، والأفعال المرتكبة منه ذات الصّفة الجرميّة الفاضحة والتي تؤلّف تحويلا للسلطة عن طريق إحلال المصلحة الخاصّة مكان المصلحة العامّة”[1]. وقد استند إلى قرارات محكمة التمييز قضاة عدة من بينهم المحقق العدلي طارق بيطار في قضية المرفأ لذلك يكون من المستغرب أن تتجاهل الأسباب الموجبة اجتهاد محكمة التمييز ولا تأتي على ذكره إطلاقا. 

الثاني، وهو الأخطر، فهي تتمثّل في تبنّي النواب عن دراية أو جهل موقفا خطيرا من طبيعة هذه الحصانات، وذلك بقولهم أن الحصانات الدستورية للرؤساء والوزراء “معطوفة على الفقرة “ي” من مقدمة الدستور والمادة 95 منه” أخضعت اتهام هؤلاء لمعايير سياسية لا قضائية. فكأنهم بذلك يقوون الحجة الدستورية ويعطونها أبعادا إضافية، من خلال الربط بين الحصانات الدستورية والتمثيل الطائفي. أو بكلام آخر كأنما الحصانات تنبع من التوزيع الطائفي للمناصب الرئاسية والوزارية وهو أمر خطير جدا كون الدستور لا يعترف بمثل تلك الحصانات الطائفية وهو أصلا لا يقرّ توزيع الرئاسات على الطوائف. وهكذا لا بدّ من الاستغراب كيف يتبنى النواب في الأسباب الموجبة الشرعية الطائفية للزعماء والسياسيين ويسلّمون بها بكل بساطة من دون أدنى تحفّظ ما يساهم في تكرار خطاب النظام وتعزيز سيطرته على مؤسسات الدولة.

ملاحظة شكلية ختامية:

يبقي الاقتراح على صلاحية مجلس النواب بإتهام الوزراء لكنه حصرها فقط في جريمة الخيانة العظمى. ويتابع الاقتراح فينص على أنه “لا يجوز أن يصدر قرار الاتهام إلا بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء مجلس النواب وفق قانون أصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى”. ولا شك أن صيغة هذا النص متناقضة إذ أن الإحالة إلى قانون أصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى لا حاجة لها كون المادة الدستورية نفسها تذكر أن الاتهام يحتاج إلى هذه الغالبية وبالتالي لا يمكن أن ينص أي قانون عادي على أي غالبية مخالفة.

كما لم يتنبه النواب الذين تقدموا بالاقتراح للمادة 71 الحالية من الدستور التي تنص على أن يحاكم أعضاء الحكومة أمام المجلس الأعلى. ففي حال تبني اقتراحهم يتوجب أيضا تعديل المادة 71 كي تنص على أن محاكمة الوزراء تتم أمام المجلس الأعلى فقط عند اتهامهم بالخيانة العظمى.

كذلك الأمر بالنسبة للمادة 72 الحالية من الدستور التي تنص على أن رئيس مجلس الوزراء أو الوزير المتهم يكف عن العمل فور صدور قرار الاتهام بحقه. ففي حال تم تبني الاقتراح يتوجب تعديل أيضا هذه المادة بحيث يتم تحديد هل يفقد رئيس مجلس الوزراء أو الوزير منصبه بمجرد صدور قرار اتهامي بحقه عن القضاء العادي أم أن ذلك يقتصر فقط على الاتهام الموجه من مجلس النواب بجريمة الخيانة العظمى. 

لقراءة اقتراح تعديل أصول ملاحقة رئيس مجلس الوزراء


[1] المفكرة القانونية، ع مرفأ العدالة، هالمرة مش متل كل مرة، 2021، ص. 48.