مجلس النواب يقر شبه موازنة الإثنين: مقايضة بين التشريع و"شرعية" الحكومة؟

إيلي الفرزلي

17/06/2023

انشر المقال

يعود مجلس النواب إلى الانعقاد يوم الإثنين في جلسة تشريعية هي الثانية في فترة الشغور الرئاسي. في المرة الأولى كان تأجيل الانتخابات البلدية مبرراً للانعقاد في ظل رفض كتل عديدة التشريع في غياب رئيس الجمهورية. وفي الجلسة الثانية سيتضمن الجدول بندين يتعلقان بفتح اعتمادات في موازنة 2023، التي لم تقرّ بالرغم من مرور 6 أشهر على الموعد الدستوري لإصدارها. تلك الموازنة التي عُندما تُسأل رئاسة الحكومة عنها تكتفي بالإشارة إلى أن وزارة المالية تعمل عليها. أي بمعنى آخر، لا يوجد حتى اليوم حتى مشروع موازنة ولا أرقام للواردات لا أمام مجلس النواب ولا حتى أمام مجلس الوزراء. فقط ثمة أخبار غير موثقة عن أن الجباية ارتفعت بشكل ملحوظ بعد زيادة الرسوم الجمركية. كما لا يوجد أرقام حول الإنفاق على القاعدة الاثني عشرية الذي لا يكفي حاجات الدولة، بعد تفاقم انهيار سعر الصرف.

أمام هذا الواقع، لم يستنفر أحد للإسراع في إنجاز الموازنة تمهيداً لاستقرار المالية العامة، ولم يضغط مجلس النواب لإقرارها، بالرغم من أنها تشكل أحد شروط صندوق النقد الدوليّ، أسوة بقانونيْ هيكلة المصارف والتعافي المالي، اللذيْن لا يزالان عالقين في اللجان النيابية منذ أشهر.

الأسهل كان بالنسبة للجميع هو فتح اعتمادات تضمن استمرارية المرافق العامة بالحد الأدنى، من خلال تعزيز رواتب موظفي القطاع العام لتعويض بعض من قدرتها الشرائية المتهالكة. ولذلك، ينص الاقتراح الأول على فتح اعتماد بقيمة 265 مليار ليرة وتتعلق بتغطية نفقات إعطاء حوافز مالية وبدل نقل لأساتذة الجامعة اللبنانية لتمكينها من استكمال العام الجامعي، والثاني ينص على فتح اعتماد بقيمة 37 ألف مليار ليرة لإعطاء تعويض مؤقت لجميع العاملين في القطاع العام والمتقاعدين الذين يستفيدون من معاش تقاعد، وزيادة تعويض النقل لجميع العاملين في القطاع العام (هي قرارات سبق أن اتخذتها الحكومة لكنها ظلت معلقة بانتظار تأمين الاعتمادات).

الاقتراحان اللذان يقارب مجموعهما 40 ألف مليار ليرة، أي ما يساوي موازنة العام 2022 كاملة، هما نتاج تسوية جديدة قضت بحصر التشريع بهما، لضمان تأمين نصاب الجلسة، بسبب استمرار كتل أساسية برفض حضور أي جلسة تشريعية في ظل الفراغ الرئاسي (تكتل الجمهورية القوية وعدد من المستقلين)، وبسبب اشتراط كتل أخرى (تكتل لبنان القوي) لحضور أي جلسة تشريعية أن يكون جدول أعمالها محصوراً بأمور ضرورية. وهي الحجة التي سبق أن سمحت للتيار الوطني الحرّ بالمشاركة في جلسة إقرار قانون تأجيل الانتخابات البلديّة وقانون تعديل قانون الشراء العام، ويتوقّع أن تجعله يشارك في جلسة الاثنين، وبالتالي تأمين نصاب انعقادها.

بذلك، يتبين أن الموقف المعارض للتشريع في ظل الفراغ الرئاسي، لم يتغير مع صدور قرار المجلس الدستوري، الذي كان واضحاً في تأكيده على دستورية عقد الجلسات التشريعية في ظل الفراغ الرئاسي. وهو ما يدلّ على أن الاعتراض سياسيّ بحت ولا علاقة له بأي مقاربة للدستور. والأمر نفسه ينطبق على مقاطعة البعض لجلسات مجلس الوزراء، إذ لم يكتفِ قرار الدستوري بتأكيد دستورية انعقاد الجلسات الحكومية، بل عالج مسألة إصدار القوانين من قبل مجلس الوزراء في حال خلو سدّة رئاسة الجمهورية، مشيراً إلى أنه يتوجب على مجلس الوزراء الانعقاد، بوكالته عن رئيس الجمهورية، وأخذ القرار بشأن إصدار القانون وفقاً للآليات الدستورية المعتمدة لعقد جلساته واتخاذ القرارات" أي بالغالبية ومن دون الحاجة إلى توقيع جميع الوزراء.

لكن مع ذلك، أصر نواب على رفض مناقشة أي مشروع يأتي من الحكومة، حتى لو كان مشروع قانون ينص على اعتمادات إضافية. ولأن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كان حذّر من أن الحكومة لن تتمكن في آخر حزيران من دفع الرواتب إذا لم يُصَر إلى إقرار الاعتمادات الإضافية في مجلس النواب، رغم أن السيولة متوافرة في حسابات الخزينة"، فقد شكّل ذلك ضغطاً على النواب، تمّ التعامل معه على مرحلتين: استمرار رفض التعامل مع أي مشروع قانون آت من الحكومة شكلاً، ثم تقديم  اقتراحيْ قانون بالمضمون نفسه، وقّعهما عدد من النواب، وأقرّتهما اللجان المشتركة من دون تعديلات تذكر.

وبذلك، يكون المعارضون للتشريع في ظل الفراغ الرئاسي قد نجحوا في تكريس عدم شرعية المشاريع المرسلة من مجلس الوزراء لكنهم فشلوا في تكريس عدم انعقاد المجلس النيابي في فترة الفراغ، لما سيرتبه عدم إعطاء الموظفين حقوقهم من نتائج سياسة سلبية عليهم.

وفي المقابل، يكون المصرّون على التشريع قد نجحوا في تثبيت إمكانية انعقاد المجلس النيابي في ظل الفراغ، لكن مع الموافقة على جدول أعمال محصور، لا يضمّ حتى اقتراحات قوانين يمكن تصنيفها بالضروريّة مثل إعطاء الحق لمصرف لبنان لطباعة أوراق نقدية من فئات جديدة أو ما يتعلق بالقوانين المالية ولا اقتراحات القوانين المعجلة المكررة وأهمها اقتراح قانون تعديل المادة 751 التي تسمح لأي مدعى عليه بتعطيل الملاحقة ضده، بفعل تعطيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز. 

لكن بحسب مصادر مؤيدة لانعقاد الجلسة، فإن الهدف الأول كان تكريس انعقاد المجلس النيابي بغض النظر عن القوانين المطروحة. وهو ما تمّ التأسيس له أولاً من خلال تحذير ميقاتي من عدم القدرة على دفع الرواتب، وثانياً من خلال حصر الحلّ بإقرار قانوني الاعتمادات الإضافية. علماً أن المدير العام للمالية العامة بالإنابة جورج معراوي أكد في الجلسة أن الاعتمادات الملحوظة في الاقتراحيْن تكفي لتغطية الرواتب حتى نهاية العام 2023، والمداخيل ستكون من خزينة الدولة (العائدات الجمركية والضريبة على القيمة المضافة، إضافة إلى إيرادات الموانئ والمرافئ) من دون اللجوء إلى الاكتتاب بموجب سندات خزينة.