محاولة لإحياء معرض رشيد كرامي: إما شراكة القطاع الخاص وإما الجرف

إيلي الفرزلي

19/02/2022

انشر المقال

بعد أكثر من أربع سنوات على تقديمه، وصل الاقتراح المقدم من النائب سمير الجسر بشأن إعادة تنظيم معرض رشيد كرامي الدولي إلى الهيئة العامة لمجلس النواب المزمع عقدها في 21 شباط 2022. بحسب المعطيات المتوفّرة، فإنه لن يكون هنالك أي عوائق أمام إقراره. إذ تبيّن، في اجتماع اللجان المشتركة، أن لا خلافا جدياً بشأنه بحيث أقُرّ من دون عوائق. مع ذلك، يبقى اللغز قائماً بشأن عدم عرضه على أي من اللجان المعنية، أي المالية والاقتصاد والإدارة والعدل، طيلة السنوات الماضية. وعلى ما يقول الجسر للمفكّرة القانونية، فهو منذ تقديمه الاقتراح في 11/4/2018، لم يألُ جهداً للسعي إلى بدء مناقشة الاقتراح من خلال التواصل مع رؤساء اللجان تلك، لكن من دون جدوى. 

وبالرغم من تزامن اللقاء الشهير بين الرئيس نبيه بري والرئيس نجيب ميقاتي (20/12/2021)، الذي خرج منه الأخير مؤكداً أنه ليس جزءاً من أي صفقة (تتعلق بتحقيقات المرفأ) ودعوة بري للجان المشتركة لمناقشة الاقتراح، إلا أنه تبيّن أن النقاش كان قد انطلق قبل وقت من ذلك التاريخ، كما أنجزت اللجنة الفرعية، برئاسة الجسر وعضوية النواب: وهبه قاطيشا، جورج عقيص، نقولا نحاس، فيصل الصايغ، جهاد الصمد وألان عون، التعديلات. وبحسب المعلومات، لم يُناقَش الاقتراح، إلا بعدما فاتح الجسر بري بالأمر. وقد وافق الأخير على تسريع العمل به وحوّله مباشرة إلى اللجان المشتركة، التي عيّنت لجنة فرعية لدرسه، وهو ما حصل. 

الاقتراح يُعتبر مطلباً تاريخياً للقيادات الطرابلسية وثمة توافق سياسي على أن قانون إنشاء المعرض، الذي وُضع موضع التنفيذ في العام 1960 بموجب المرسوم رقم 4027، وعُدّل أكثر من مرة، لم يعد يتماشى مع التطورات التي طرأت على مرّ السنين، إن كان في قطاع المعارض أو في الأطر القانونية التي تحكم إدارة المعرض. كما يشير المهندس المعماري الذي ينشط للحفاظ على المعرض وسيم ناغي للمفكرة القانونية أنه بات من الضروري تطويره لإعادة الحياة إلى منشآته التي تعاني من أضرار كبيرة نتيجة النقص في أعمال الصيانة والترميم والشحّ الكبير في الاعتمادات، والذي يُمكن أن يؤدي، إذا استمر الوضع على ما هو عليه، إلى أن يكون الجرف هو الحلّ الوحيد. 

العنوان العريض للاقتراح هو تعزيز دور القطاع الخاص في الاستثمار بالشراكة مع إدارة المعرض، وزيادة مساحة الاستقلالية لهذه الإدارة، بعد أن أثبتت التجربة أن وصاية وزارة الاقتصاد على المعرض، بما تحمله من بيروقراطية، تؤدّي إلى تأخير الأعمال. يقول الجسر أن الاقتراح الجديد يهدف إلى الحد من هذه الوصاية وربطها بمهل زمنية، بحيث يحق لمجلس الإدارة إنجاز المشروع الذي يقرره أو الموافقة على أي عرض من القطاع الخاص، في حال لم تبدِ الوزارة ملاحظاتها خلال المهلة المحددة (تقرر بمراسيم). 

تجدر الإشارة إلى أن المعرض، الذي تصل مساحته إلى مليون متر مربع، كان في مرسوم 1960 يتمتع باستقلالية نسبية، لكن في العام 1961 ألحق بوزارة الاقتصاد، وحمل إسم "مصلحة معرض لبنان الدولي الدائم في طرابلس". وفي العام 1980، عُدّل بالقانون رقم 30/80 تاريخ 25-9-1980 بحيث حذفت كلمة "مصلحة". وتقرّر إخضاع المعرض للمرسوم 4517/72 أي النظام العام للمؤسسات العامة، ولوصاية وزير الاقتصاد والتجارة بواسطة مفوض الحكومة الذي يعينه. وما يزال المعرض خاضعا لهذا النظام. 

أما التسمية فلطالما عُدّلت أيضاً. بعد تعديل العام 1961، صدر القانون رقم 76 تاريخ 16-8-1991، الذي يعدّل التسمية إلى "معرض الرئيس الشهيد رشيد كرامي الدولي في طرابلس". ثم بموجب القانون رقم 415 تاريخ 15-5-1995 صار اسمه "معرض رشيد كرامي الدولي طرابلس لبنان". كذلك ينصّ الاقتراح الجديد على تعديل الاسم بحيث يصبح "معرض رشيد كرامي الدولي ومدينة التكنولوجيا" (Rachid Karami International fair and Technology city). كما تشير المادة الرابعة منه إلى تمتّع المعرض بالشخصية المعنوية وبالاستقلال الإداري والمالي وبعدم خضوعه لنظام المؤسسات العامة.

لم يخرجْ الاقتراح من التوزيع الطائفي والسياسي لمجلس الإدارة. فالمجلس المؤلّف من ستة أعضاء ورئيس مجلس إدارة يفترض أن يُعيّن من مجلس الوزراء لمدة خمس سنوات بدلاً من ثلاث، لكن هذه المرة سيتمّ الدمج بين منصبيْ رئيس مجلس الإدارة والمدير العام (المادة العاشرة)، بما يعتبره معدّ الاقتراح خطوة على طريق تفعيل العمل. 

مع ذلك، يقول النائب ياسين جابر للمفكرة القانونية إنه سيقترح في الهيئة العامة اعتماد آلية التعيين التي سبق أن أقرت، بحيث تجري لجنة مؤلفة من رؤساء مجلس الخدمة المدنية وديوان المحاسبة وهيئة مكافحة الفساد مقابلات مع المتقدمين المراعين للشروط، على أن تحوّل هذه اللجنة أسماء المتأهلين إلى مجلس الوزراء ليختار من بينهم (وهي الآلية التي اعتمدت في قانون الشراء العام). علماً أن المجلس الحالي انتهت ولايته في العام 2016، ولم يبق من أعضائه حالياً إلا الرئيس وأحد الأعضاء. وهو ما يُفاقم من شلل المعرض، كون النصاب هو أربعة أعضاء. 

يؤكد النائب سمير الجسر أن الاقتراح يحرص على المحافظة على الطابع التراثي لمباني المعرض، والمرشّحة لتكون على لائحة الأونيسكو للتراث. فعند إنشاء المعرض، أوكلت مهمة وضع التصاميم الهندسية له للمهندس البرازيلي الأصل اوسكار نيماير، الذي صمم مدينة "نيو برازيليا"، كما لا تزال تعتبر تصاميمه من كنوز العمارة الحديثة، مثل قصر "الفارادو" (قصر رئاسة الجمهورية البرازيلية)، ومبنى الكونغرس الوطني ومبنى المحكمة العليا، ومبنى الكاتدرائية.

المشكلة الأساسية التي كان يمكن أن تُطيح بهذا التصنيف هي فندق "كواليتي ان" الذي أُنشئ بعد تعديل المبنى الذي كان مخصصاً للسكن الجماعي ولضيوف المعرض بشكل شرس، أضر بالطابع العام للمعرض. ولهذا كانت الأونيسكو اعتبرت أن الفندق الذي افتتح في العام 2000 (أقفلت أبوابه حالياً) أدى إلى فقدان المعرض لأصالته كمجموعة، قبل أن يتم اعتبار هذا الخرق بمثابة تأكيد على أصالة المباني الأخرى والتي تزيد عن 90% من إجمالي المنشآت. 

يتعامل القيّمون على المعرض معه بوصفه تحفة فنية يجب الحفاظ عليها. ولذلك ثمة تأكيد على أن مفتاح هذا الحرص هو إقرار القانون وتثبيت المعرض على لائحة التراث العالمي. فالخطوة الأولى تساهم في إزالة الغبار عن الأفكار والخطط التطويرية، والخطوة الثانية تفتح باب التمويل والهبات للمعرض، بما يمكنّه من تجاوز التمويل الرسمي غير المتوفر. 

الاقتراح يفتح الباب أمام القطاع الخاص لترميم وتدعيم أي مبنى يُصار إلى استثماره، لكن بشرط الاعتماد على المرجع التصميمي الموضوع سلفاً، والذي يضمن عدم الإضرار بالطابع العام للمعرض. يقول ناغي إن الاستثمار يجب أن يراعي مبدأ "الاستخدام الملائم" الذي يحافظ على هوية المبنى. 

ويوضّح أن طبيعة استخدام المباني تغيّرت، لذلك يفترض أن يكون للمعرض وظيفة جديدة. فعلى سبيل المثال، المنشآت التي تُسمّى "الغطاء الكبير" والتي تضمّ أجنحة المعارض لم تعد تُطابق الأبنية العصرية للمعارض، فالأبنية الحالية ارتفاعها لا يزيد عن 7 أمتار، فيما تعتمد في المعارض حالياً الارتفاعات التي تصل إلى 12 متراً. لذلك من الممكن استعمال "الغطاء الكبير" لغايات أخرى مثل إنشاء المطاعم أو الأجنحة التجارية أو المعارض الصغيرة، مقابل بناء صالات جديدة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص.

في المادة الثالثة من الاقتراح إشارة إلى استثمار منشآت المعرض وأراضيه لإقامة مشاريع تتعاطى أعمال التجارة وتقديم الخدمات على أنواعها، لاسيما في مجالات السياحة واقتصاد المعرفة وتكنولوجيا المعلومات. كما يتولى تنظيم واستضافة المؤتمرات والمعارض والندوات والاجتماعات والاحتفالات على أنواعها، لا سيما الاقتصادية والتجارية والثقافية والفنية والسياحية والرياضية. 

كما يسمح الاقتراح باتخاذ منشآته كمراكز أساسية أو كفروع أو مكاتب تمثيل لشركات أجنبية أو محلية تساهم أنشطتها في تحريك العجلة الاقتصادية وخلق فرص عمل. 

القلق الذي يبديه أكثر من نائب يتعلق بإمكان تحوّل المعرض عن الغاية منه، بحيث أن السماح بالتجارة يمكن أن يحوله إلى أسواق شعبية تنتهي معها فكرة إحياء المعرض كوجهة للتجارة في المنطقة. يؤكد الجسر أن ذلك لن يحصل لأن نظام المعرض يضع شروطاً واضحة للاستثمار، كما أن مجلس الإدارة يفترض أن يتولى مسؤولية الحرص على وجهة المعرض.