مزايدة في حماية الشباب ضد أنفسهم؟
23/06/2023
تقدّمت النائبة عناية عزّ الدين باقتراح قانون في تاريخ 7 آذار 2023 يرمي إلى حماية القاصرين من تناول المشروبات الروحية ومشروبات الطاقة. وفيما أوحى عنوان الاقتراح بأنه يتناول القاصرين فقط، يذهب النص المقترح إلى حظر بيع المشروبات الروحية ومشروبات الطاقة وتقديمها ليس فقط للقاصرين بل أيضا للشباب الذين هم دون سن الواحد والعشرين عامًا، وذلك تحت طائلة فرض عقوبة على مقدّمي وبائعي المشروبات الروحية هي غرامة لا تزيد عن عشرة ملايين ليرة لبنانية. كما ينص المقترح على عقوبة فرعية أخرى تتمثل في إلغاء التراخيص بتقديم الكحول الصادرة للمحال التجارية والتي تخالف أحكام هذا القانون في حال تكرار المخالفة أكثر من مرتين. واللافت أن الاقتراح ينص على منع القاصرين والشباب المشمولين به من تناول المشروبات المذكورة وإن أبقى هذا الحظر مجردا عن أي عقوبة.
ويتبيّن من مراجعة الأسباب الموجبة للاقتراح أنّه يستند أوّلاً إلى المواثيق الدولية لا سيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يثبت الحق لكل فرد في الحياة وسلامة شخصه، كما على اتفاقية حقوق الطفل التي وقّع عليها لبنان سنة 1990. وتضيف الأسباب الموجبة أنه يوجد انتشار كثيف للكحول في الفئات العمرية القاصرة ما يعرّضهم لأخطار نفسية وجسدية واقتصادية واجتماعية قد تصل إلى حدّ الوفاة. وقد استشهد الاقتراح أيضا بدراسات من دون تحديدها بدقة التي "أثبتت أن تناول الكحول من قبل القاصرين من شأنه أن يضرّ أدمغتهم من خلال قتل خلايا الجزء الدماغي المعروف بالحصين وأن يؤدي إلى منع ولادة خلايا عصبية جديدة مع ما ينتج عن ذلك من حالات إغماء وفقدان للذاكرة وعدم قدرة على التعلم والتركيز".
وقد شملت النائبة عز الدين مشروبات الطاقة في اقتراحها، ناسبةً إليها أيضاً أضرارًا جسيمة على القاصرين. ومن الملفت أن الأسباب الموجبة تتحدث عن خطورة هذه المشروبات بسبب وجود كثيف لمادة "الكوكايين" فيها. والظاهر أن النص وقع في التباس إذ أن المقصود هو مادة "الكافيين"[1] التي تستخدم عادة في إنتاج هذا النوع من المشروبات.
وأشارت الأسباب الموجبة إلى أن العديد من البلدان وضعت ضوابط على استهلاك مشروبات الطاقة ومنعتها عن القصّر لما فيها من مخاطر، كي تخلص إلى أن القانون اللبناني لا يشتمل على تحديد واضح لسنّ قانونية لتناول وشراء الكحول والمشروبات الروحية ما يحتّم صدور تشريع خاص ينظم هذا الموضوع.
ويلحظ أن عز الدين (التي ترأس لجنة الطفل والمرأة النيابية) كانت تقدمت سنة 2019 باقتراح قانون مماثل يتعلق بمنع تناول القاصرين للكحول ومشروبات الطاقة تمّ إرجاء دراسته في لجنة الإدارة والعدل سنة 2020 من دون أي تطور بشأنه منذ ذاك الحين.
إن هذا الاقتراح يستدعي الملاحظات التالية:
اقتراح ينفي وجود قوانين نافذة ذات صلة
يتبيّن أوّلا وفي مراجعة سريعة للتشريع اللبناني أن زعم الاقتراح في أسبابه الموجبة خلو القوانين اللبنانية من مواد تجرّم تناول القصر للكحول يفتقر إلى الدقّة، إذ إن قانون العقوبات يعالج مسألة تقديم الكحول للقصّر إذ تنص المادة 625 منه على التالي: "من قدم لقاصر دون الثامنة عشرة من عمره أشربة روحية حتى أسكره عوقب بالغرامة من ستة آلاف إلى عشرين ألف ليرة" بينما تضيف المادة 626 التالي: "يعاقب بالتوقيف التكديري وبالغرامة من عشرة آلاف إلى عشرين ألف ليرة صاحب الحانة أو صاحب محل آخر مباح للجمهور وهكذا مستخدموه إذا قدموا إلى شخص أشربة روحية حتى أسكروه أو قدموها إلى شخص بحالة سكر ظاهر أو إلى قاصر دون الثامنة عشرة من عمره".
وهكذا يتبين أن قانون العقوبات ميز بين تقديم المشروبات الروحية التي يتم تقديمها إلى القاصر وبين صاحب المحل التجاري الذي يقدم هكذا مشروبات إلى القاصر حيث تصبح العقوبة أكثر تشددا علما أن المادة 628 نصت أيضا على إقفال المحل نهائيا في حال تكرار الجنحة المنصوص عليها في المادة 626.
فالاقتراح الحالي يجرم استهلاك وبيع الكحول لمن هم دون سن الواحد والعشرين عامًا بينما قانون العقوبات حدد سن التجريم لمن هم دون الثامنة عشرة، أي أن الاقتراح يناقض قانون العقوبات من دون أن يشير إلى استبدال أو إلغاء مواد هذا الأخير ما يخلق حالة من التضارب بين القوانين.
وما يفاقم من عدم جدية الاقتراح أنه ينص في أنه "في حال الاختلاف بين العقوبات المقررة بهذا القانون وبين تلك المقررة في قانون العقوبات أو أي قانون آخر تطبق العقوبة الأخف"، بمعنى أنه يعلن تطبيق العقوبات الواردة في المادة 626 التي هي أقل قسوة بالنسبة للعديد من الأفعال المشمولة به، مما يؤدي إلى إلغاء مفاعيل هامة للقانون.
تعريف ملتبس للقاصر أو الطفل
حدد الاقتراح سنّ منع تناول المشروبات الروحية ب21 سنة على غرار بعض البلدان لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية. ولم يبرّر لماذا تم اعتماد هذا السن تحديدا وليس 18 سنة كما هو منصوص عليه في قانون العقوبات. في حين أن عنوان الاقتراح أوحى أنه يقتصر على القاصرين وأن أسبابه الموجبة ارتكزت على اتفاقية حقوق الطفل، من اللافت أنه شمل إلى جانب الأطفال الشباب من الفئة العمرية 18-21 والذين لا يعدون لا قصّرا ولا أطفالا. ومن شأن ذلك أن يولد تناقضات بين التشريعات وأن يوسع الاتجاه لفرض وصاية ليشمل هذه الفئة الشبابية، التي ما برحت تنتظر الاعتراف بمواطنيتها وبحقها بالانتخاب.
حظر تناول المشروبات من دون معاقبته
كذلك، يتبيّن أن الاقتراح في المادة الثالثة منه يحظّر ليس فقط شراء الكحول بل أيضًا تناولها، أي أنّه يتخطّى الموانع المذكورة في قانون العقوبات، ويقع في معضلة تطبيق القانون في الأماكن الخاصة التي يتم فيها تناول الكحول، على القصّر والشباب (كل ذلك تحت غطاء حمايتهم من أنفسهم).
إلا أنه يكتفي هنا بحظر الفعل من دون معاقبته، مما يعكس تضاربا إضافيا في التشريع. ويخشى أن يشكل هذا النص الملتبس مدخلا للتوسع في تفسير مجال تطبيق القانون المقترح والعقوبات التي يضعها.
الخلط بين منع القصّر من ارتياد الحانات ومنع بيعهم وتناولهم الكحول
بالإضافة إلى ذلك، من المفيد التذكير بالتشريع الفرنسي[2] الذي يحظّر دخول من هم دون السادسة عشرة إلى الحانات الحائزة على رخصة بيع المشروبات الروحية دون مرافق راشد، وهذا ما لا ذكر له في الاقتراح علما أن المرسوم رقم 12222 الصادر بتاريخ 11 آذار 1963 ينص التالي: "يمنع على الأشخاص من الجنسين الذين لم يتموا الثامنة عشرة من عمرهم دخول الحانات والمرابع على أنواعها ليلًا نهارًا" ما يعني منع دخول القصر إلى المحال التي تبيع مشروبات روحية علما أن النص يكتنفه الغموض كون الحانات والمرابع لا تشمل المطاعم التي قد تبيع مواد كحولية. مع الإشارة إلى أن الأسباب الموجبة للاقتراح أحالت إلى المرسوم 12222 معتبرة أنه غير كافٍ لأنه لا ينصّ صراحة على منع الكحول للقاصرين علما أن الاستشهاد بهذا المرسوم هو في غير محله كونه ليس فقط لا يتعلق بمنع بيع الكحول بل هو كما ذكرنا يقتصر على الحانات والمرابع دون أن يشمل كل المحال التي تبيع المشروبات الروحية.
للاطلاع على اقتراح القانون يمكنكم الضغط هنا
[1] وهذا ما نستشفه من القرار المشترك الصادر عن وزيري الإقتصاد والصحة بتاريخ 22 حزيران 2012 والقاضي بمنع استيراد وتصنيع وتسويق وعرض مشروبات الطاقة الممزوجة بالكحول عندما يتخطى منسوب الكافيين فيها مقدارًا معيّنًا.
[2] Article L3342-3 du code de la santé publique
Il est interdit de recevoir dans les débits de boissons des mineurs de moins de seize ans qui ne sont pas accompagnés de leur père, mère, tuteur ou toute autre personne de plus de dix-huit ans en ayant la charge ou la surveillance (...).