مصير الوكالات التجارية الحصرية على ضوء المادة 5 من اقتراح قانون المنافسة

ألين طانليان فاضل

14/02/2022

انشر المقال

بعد طول انتظار، أدرج اقتراح قانون المنافسة على جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب المُزمع انعقادها في 20 و21 شباط 2022. وقد تمّت الإحالة بعد جدل في اللجان المشتركة لم ينتهِ بعد حول مآل الوكالات الحصريّة المحميّة بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 34 لعام 1967 ("م.ا. 34"). وكانت المفكّرة القانونية قد عرضتْ آخر صيغة للمادة الخامسة التي تمّ تقديمها من قبل الوزير سمير الجسر، والتي اتفق على مجمل بنودها ما عدا فقرتها الرابعة، فأحيل الاقتراح ومعه القرار بشأنها إلى الهيئة العامة.

وسنبدي في هذا المقال ملاحظاتنا على تلك الصيغة من المادة 5 المحالة إلى الهيئة العامة والتي تعكس تطورا جديا في مسار تجاوز الوكالات الحصرية، علماً أن المجلس قد يفاجئنا بإقرار صيغة مختلفة من نفس المادة:

  • تبدأ الفقرة الأولى من المادة 5 بإلغاء سريان حصرية التمثيل التجاري على الأشخاص الثالثين والذي يتمّ حالياً بمجرّد تسجيل العقد في السجل التجاري بموجب م.ا. 34. بعدها، توضّح الفقرة الأولى أن للأشخاص اللبنانيين فقط حق استيراد أي سلعة لها ممثل حصري في لبنان، وذلك للاستعمال الشخصي أو الإتجار بها. على أنه في حالة الإتجار بالسلعة، يقتضي على المستورد تأمين خدمات وضمانات وكفالات ما بعد البيع للمستهلك مماثلة لتلك التي تفرضها الشركة المصنّعة في عقد التمثيل التجاري مع الوكيل الحصري المسجّل في السجل التجاري ووزارة الاقتصاد. وقد كانت المادة 5 في صيغتها السابقة المقترحة من قبل وزير الاقتصاد في الحكومة السابقة، الوزير راوول نعمه، قد أوجدت هذا الشرط تأميناً لحماية المستهلك، كما سبق أن عرضناه في مقال نشرته المفكّرة القانونية.

وفي حال أقرّ هذا النص، سيكون من مصلحة الممثلين الحصريين الذين درجوا على تسجيل مقتطفات عن عقد تمثيلهم في السجل التجاري، أن يعمدوا إلى نشر كافة خدمات وضمانات وكفالات ما بعد البيع المفروضة من الشركة المصنّعة لإقصاء المنافسين الذين لا يؤمّنون هكذا خدمات وضمانات وكفالات.

  • أما الفقرة الثانية من المادة 5، فتكرّر إلغاء سريان حصرية التمثيل التجاري وذلك بالنسبة للمنتجات الغذائية (المستثناة أصلاً في م.ا. 34) والمنتجات الدوائية والمستلزمات الطبية.

والملاحظ أن هذه الفقرة المخصصة بالمنتجات التي تهمّ صحة المستهلك، لا تحصر إمكانية استيرادها من قبل الأشخاص الثالثين باللبنانيين، كما أنها لا تتطرق لخدمات وضمانات ما بعد البيع. فكان أفضل برأينا دمج هذه الفقرة مع الفقرة الأولى، مع مراعاة الأصول والشروط الخاصة التي تضعها وزارة الصحة بالنسبة لاستيراد الأدوية.

  • تكرّس الفقرة الثالثة من المادة 5 أحد مفاعيل عدم سريان حصرية التمثيل على الأشخاص الثالثين، إذ تسمح لممثل جديد أن يسجل عقده لدى السجل التجاري ووزارة الاقتصاد بالرغم من وجود إشارة دعوى مقامة من ممثل سابق على الشركة المورّدة، خلافاً لما ينص عليه م.ا. 34 حالياً.

وتبقى فائدة هذه الفقرة محصورة بالسلع التي يفرض مصنّعوها خدمات وضمانات ما بعد البيع، وهي الحالة الوحيدة التي تبرّر تسجيل عقد التمثيل الحصري لدى السجل التجاري من قبل الممثّل الحصري.

  • أمّا بالنسبة للفقرة الرابعة من المادة 5 موضوع الخلاف على مستوى اللجان المشتركة، فهي تسمح لممثل سابق استحصل على تعويض ضد الشركة المورّدة بموجب حكم مبرم، أن يدوّن إشارة الحكم على صحيفة تلك الشركة لدى وزارة الاقتصاد ويبلغ إدارة الجمارك بمضمون الحكم المبرم كي لا يتمّ تخليص أي بضاعة مستوردة من إنتاج الشركة المحكوم عليها، شحنت إلى لبنان بعد تاريخ إبلاغ الحكم من إدارة الجمارك، إلا بعد إبراز مستورد تلك البضاعة إفادة تثبت رفع إشارة الحكم المبرم عن صحيفة الشركة.

وقد لاحظ منتقدو هذه الفقرة أنّها تضع المستورد في الواجهة لناحية دفع التعويض في حين أنّه شخص ثالث في النزاع بين الممثل السابق والشركة المورّدة، مما قد يحدّ من حرية استيراد سلعة لها ممثل حصري في لبنان التي تسعى المادة 5 من قانون المنافسة إلى تكريسها.

برأينا، إن الخلاف حول هذه الفقرة الرابعة هو أشبه بزوبعة في فنجان، إذ يستطيع الممثل السابق في جميع الأحوال، وبصفته دائناً بمبلغ التعويض المحكوم له تجاه الشركة المورّدة، أن يحجز لدى المستورد في إطار الحجز لدى ثالث أي مبلغ متوجّب بذمة هذا الأخير لتلك الشركة المورّدة، كثمن السلعة المستوردة مثلاً. فالفقرة الرابعة تسهّل ربما تحديد هوية المستورد، غير أنّها في نهاية المطاف تساعد على تحصيل حقوق الممثّل تجاه الشركة الأجنبية المورّدة، وهي حقوق لا تزال محميّة بموجب المادة الرابعة من م.ا. 34 والعقد القائم بين الممثّل والشركة المورّدة.

  • وتأتي الفقرة الخامسة من المادة 5 لتلغي الأحكام السابقة من م.ا. 34 المتعلّقة بتدوين إشارة الدعوى أو الحكم على صحيفة الشركة الموكلة لدى وزارة الاقتصاد والتجارة (أي الفقرات 3 و4 و5 من المادة الرابعة من م.ا. 34) طالما استبدلت بالفقرتين 3 و4 من المادة 5، وذلك أسوة باقتراح قانون رقم 674 الذي كان قد تقدّم به النوّاب جهاد الصمد وياسين جابر وإبراهيم عازار وفادي علامه وبلال عبدالله في حزيران 2020 تحت عنوان: "إلغاء الاحتكار والتمثيل الحصري".
  • أمّا الفقرة السادسة والأخيرة من المادة 5، فتوضّح عدم تطبيق المادة 5 على الدعاوى المقامة قبل صدور قانون المنافسة.

يبقى أن ننتظر لنرى إن كان المجلس النيابي سيصوّت على قانون المنافسة ويقرّه، وأن نطّلع حينها على صيغة المادة 5 من القانون التي ستعتمد، بخاصة أن الصيغة السابقة من هذا النص كما عدّلته اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة المخصصة لدرس اقتراح قانون المنافسة كانت تتضمّن أحكاماً مختلفة تماماً عمّا عرضناه أعلاه: فتمنح مثلاً مهلة سنتين كي يتمكّن أصحاب الوكالات الحصرية القائمة من تصفية أعمالهم مع موكليهم من الشركات الأجنبية.