ملاحظات أولية حول إقرار موازنة 2025 بمرسوم

فادي إبراهيم

07/03/2025

انشر المقال

أقرّ مجلس الوزراء في تاريخ 6/3/2025 مشروع موازنة 2025 بمرسوم. وللتذكير، فإنّ هذا المشروع أقرّته حكومة تصريف الأعمال السابقة برئاسة نجيب ميقاتي في اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على لبنان، أي في 23/9/2024، وأرسلته إلى المجلس النيابي. وإذ أرسلت حكومة ميقاتي هذا المشروع ضمن المهل المحدّدة لها دستوريّا من دون أن يلقى المشروع أيّ دراسة في المجلس النيابي، عمدت حكومة نواف سلام إلى تطبيق المادة 86 من الدستور التي تجيز للحكومة إقرار الموازنة بمرسوم ابتداء من الأوّل من شباط 2025 في حال عدم إقرارها ضمن المواعيد الدستورية من قبل مجلس النواب بعد التزام الحكومة بهذه المواعيد.

وإذ طرح إقرار الموازنة بهذه الصيغة تساؤلات عديدة، يهمّنا إبداء عدد من الملاحظات الأولية، على أن نستكملها بقراءات دستورية وقانونية مفصلة لاحقا.

 

لجنة المال والموازنة مسؤولة عن الوضع الشاذ

كان يُفترض بلجنة المال والموازنة والمجلس النيابي اتّخاذ موقف حيال المشروع عندما أحالتْه الحكومة السابقة في نهاية أيلول 2024، كالطلب من الحكومة تعديلها بما يتناسب مع الواقع جرّاء الحرب، أو الاجتماع وتعديلها في لجنة المال قبل رفعها إلى الهيئة العامة بحسب ما يردها من تحديثات من وزارة المالية وبالتعاون معها كما يحصل عند مناقشة أيّ مشروع. إلا أن لجنة المال لم تجتمع ولا مرّة منذ 11/9/2024.

وعليه، لم يُناقش مشروع الموازنة ولم تأخذ اللجنة وتاليا المجلس النيابي موقفا رسميا منها. بل على العكس، اكتفى رئيس اللجنة ابراهيم كنعان بالكلام الإعلامي حول الموازنة مطالبا باستردادها، مختصرا اللجنة بشخصه وممتنعًا عن الدعوة لعقد أي اجتماع حولها لتفادي الوضع الشاذ الذي وصلت إليه الأمور.

وقد أدّى ذلك إلى وضع الحكومة الجديدة أمام خياريْن: 1) إعادة العمل لإحالة مشروع قانون موازنة جديد تمهيدا لمناقشته في لجنة المال والموازنة وإقراره لاحقا في الهيئة العامة للمجلس النيابي، وهو الأمر الذي طالب به كنعان، إلّا أنّه قد يستغرق أمدا طويلا إلا في حال وضع مشروع قانون مؤقت على صورة السرعة بانتظار إنجاز مشروع قانون يعكس الرؤية الحكومية. 2) إقرار الموازنة بمرسوم مع ما قد يشوب ذلك من مخالفات، وهو ما ذهبت إليه الحكومة ونتناوله أدناه.

 

موازنة لا تراعي آمال الإصلاح وإعادة الإعمار 

منذ تاريخ إعداد الموازنة وإحالتها إلى مجلس النواب، حصلتْ تبدّلات عديدة أخرجت الموازنة المعدّة من أيّ سياق يحاكي واقع الحال الاقتصادي والسياسي. فهذه الموازنة التي أعدّت قبل وقوع العدوان الإسرائيلي لا تأخذ بعيْن الاعتبار تداعيات هذا العدوان، لا من جهة ارتقاب النفقات المتعلّقة بإعادة الإعمار والطبابة وكل تبعات العدوان ولا من جهة ارتقاب انخفاض الإيرادات المتوقّع بسبب انخفاض النشاط الاقتصادي من جرّاء العدوان وقانون تعليق المهل ومشروع إعفاء المتضررين من عدد من الضرائب. أكثر من ذلك، فإنّ هذه الموازنة أعدّت قبل انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الحكومة وتشكيلها، أي قبل وعود الإصلاح التي وردت في خطاب القسم والبيان الوزاري والتي كان يؤمل أن يكون وضع موازنة إصلاحية إحدى أبرز نتائجهما.

فالمُوازنة التي أقرّت، سبق وأن وصّفناها بأنها "موازنة تصريف أعمال" عند التعليق على المشروع الذي أرسلتْه وزارة المالية إلى الحكومة والذي لا يختلف كثيرا عن الصيغة التي أحيلت إلى مجلس النواب وعادت الحكومة الحالية لتتخذ قرارا بإقرارها بمرسوم أمس. فقد برز الاقتضاب في هذه الموازنة على عكس سابقاتها، علما أنّ قسما كبيرا منها موادّ متعلّقة بتقنيات الموازنة وإصدارها وإجازة الجباية والإنفاق وغيرها. وعليه، انعكس ذلك على مضمون الموازنة بحيث غابت عنه أيّة مقاربة واضحة لأيّ من الأزمات التي كانت حاضرة قبل الحرب فكيف هو الحال مع الأسئلة التي نتجتْ بعدها؟ فأضحت الموازنة أشبه بموازنة تشغيلية من دون أن تحمل معها أجوبة على العديد من المشكلات الراهنة، ولا تحمل رؤية الحكومة الجديدة بأي شكل من الأشكال. لا بل أكثر من ذلك، إنّ أي عمل يتعلّق بإعادة الإعمار أو معالجة تبعات الحرب سيتم من خارج الموازنة أي بعيدا عن الأطر الرقابية المفترضة، تماما كما حصل بعد عدوان تمّوز 2006.

 

إقرار الموازنة من دون قطع حساب من دون التعهد بإنجازه

في مطالعتها للبيان الوزاري، سجّلت المفكرة القانونية أنه خلا من أي ذكر للموازنة العامة كما من أي ذكر لوجوب وضع حدّ للوضع "الشاذ" (وفق تعبير المجلس الدستوري) المتمثل في إنجاز موازنات عامة من دون إرفاقها بقوانين قطع حساب للسنوات السابقة خلافا لما تفرضه المادة 87 من الدستور. وقد تساءلت المفكرة آنذاك هل ستعمد الحكومة إلى تصحيح هذه المخالفة المزمنة منذ 1994 بحيث تربط إقرار أي موازنة بوضع قطاع الحساب المرافق لها. وإذ جاء إقرار الموازنة بمرسوم وتاليا من دون قطع حساب ليزيد هذا التساؤل إلحاحا. وكذلك التصريح الذي أدلى به رئيس الحكومة نواف سلام بخصوص استعدادات الحكومة لإعداد موازنة العام 2026 "التي ستكون الموازنة الإصلاحية الإنمائية التي بامكانكم محاسبتنا عليها، وليس على موازنة العام 2025"، وإنما هنا أيضا من دون أي ذكر لمسألة قطع الحساب. 

ويجدر هنا التذكير بأنّ إقرار قطع حساب للمرّة الأولى منذ ما يزيد عن ثلاثين عامًا أو عدم إقراره سيكون أحد أبرز المؤشرات على نوايا الإصلاح لهذه الحكومة ومن أهمّ المعايير التي ستقيّم على أساسها، بخاصة لما له من دور في المحاسبة وإعادة الانتظام للمالية العامة.

ومن المهم بمكان التنبيه هنا أن من شأن عدم إقرار قطع حساب أن يفقد الموازنة العامة مزيدا من مصداقيتها وأن يشكل بابا للإبطال من هذه الزاوية. 

 

نقاش حول أحقية الحكومة فرض ضرائب ورسوم بمرسوم 

من البيّن أن مشروع الموازنة تضمن تعديلات ضريبية تمثلت في رفع قيمة رسوم أو إلغاء أخرى. وعليه يثور التساؤل إذا ما كان إقرار هذا المشروع بمرسوم جائزا على ضوء المادتين 82 و83 من الدستور، اللتين حصرَتا صلاحيّة فرض وتعديل وإلغاء الضرائب بالمشرع وحده. وهذا ربما ما حدا برئيس الحكومة إلى التصريح استباقا لأي جدل بشأن دستورية القرار، بأنّ الحكومة ستلجأ إلى مشاريع قوانين تحيلها إلى المجلس النيابي لتعديل الرسوم والضرائب الواردة في الموازنة.

 

الجهة المختصة للنظر بالطعن؟

أثار إقرار المرسوم نقاشا حول طرق الطعن فيه، وقد تمحور النقاش حول الجهة المختصة بالطعن أمامها وتحديدا إذا كان مجلس شورى الدولة أم المجلس الدستوريّ. 

الاتجاه الأول (أي اعتبار مجلس شورى الدولة مختصا) هو الأكثر رجحانا على ضوء المادة 19 من الدستور التي نصّت على أنّه "ينشأ مجلس دستوري لمراقبة دستورية القوانين…" طالما أن المجلس الدستوري يستمد صلاحيته من الدستور الذي حصر في مادته تلك هذه الصلاحية بالطعن بالقوانين من دون أن تشمل النظر في دستورية أيّ نصوص أخرى وإن كان لها قوة القانون. من هذه الزاوية، يظهر أن المرجع الصالح للنظر في بهذا المرسوم هو المرجع الصالح للنظر في شرعية القرارات الحكومية وهو حكما مجلس شورى الدولة. وهذا ما ذهب إليه مجلس شورى الدولة بقبول اختصاصه في النظر في المراسيم الاشتراعية (مثلا: القرار في القرار رقم 9/1970 حيث جاء أنّ المراسيم التي تصدرها الحكومة بموجب صلاحياتها الاستثنائية المنصوص عنها في المادة 58 من الدستور والمتعلّقة بالسير بالمشاريع المعجّلة في حال عدم إقرارها من المجلس النيابي، لا تدخل في نطاق الأعمال التشريعية، إذ أنّ هذا النطاق يشتمل فقط على الأعمال الصادرة عن مجلس النواب).   

أما الاتجاه الثاني (أي اعتبار المجلس الدستوري صالحا) والذي أثاره بعض النواب فيستند إلى ما نصت عليه المادة 18 من قانون إنشاء المجلس الدستوري، والذي جاء فيه أن المجلس الدستوري يتولى الرقابة على دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون. وهو ما يدفعنا إلى التساؤل إذا ما كان هذا المرسوم يعدّ ضمن النصوص التي لها قوة القانون، وأيضا فيما إذا كان لقانون إنشاء المجلس الدستوري أن يمنحه صلاحيات أوسع من الصلاحيات التي منحه إياها الدستور. 

ولا نستبعد أن نشهد طعونا تقدم أمام كلا المرجعين، مع احتمال حصول تنازع سلبي أو إيجابي على الاختصاص بينهما.