ملاحظات حول مشروع قانون الفجوة المالية: الانتظام المالي المستحيل بغياب "دولة القانون"

توفيق شمبور

19/12/2025

انشر المقال

لبنان وإيسلندا يتشابهان في أمور كثيرة فيما خصّ أزمتيهما المالية. ففي كلا البلدين، الخسارة طالت ودائع  مصرفية تفوق مقدارها الـ 100 مليار دولار  تضخمت  أضعاف الناتج المحلي الإجمالي بمفاخرة من المسؤولين   لكن الفرق كان جدّ شاسع بينهما في معالجة الأمور.

ففي إيسلندا، ذكر رئيسها غريمسون أن الخيار كان منذ البداية تطبيق القانون لإعادة  تظهير بلاده  دولة قانون وقد نجح  هذا الخيار بشكل فائق. فقد أعلن الكابيتال كونترول منذ الأيام الأولى لاندلاع الأزمة وألغيت السرية المصرفية  كليا وتمّ تعيين مديرين مؤقتين  في كل من المصارف الثلاثة التي تحوز على غالبية الودائع: الأول لضبط عدم الاستنسابيّة في السحوبات والتحاويل، والثاني لمواكبة سعي وخطط إدارات هذه المصارف في عودتها إلى التعافي. وتم تعيين عشرين ألف محقق للتحقيق فيما جرى، في مقدّمتهم السيدة إيفا جولي نائبة رئيس اللجنة المختصة في البرلمان الأوروبي بتبييض الأموال والتهرّب الضريبي ومكافحة الفساد. أمر وصفته إحدى المجلات الفرنسية بضرب من ضروب الخيال لا يمكن تخيّل حصوله في عالم الحقيقة. وخلصت التحقيقات إلى إصدار تقرير  عنوانه "الحقيقة" وردت فيه بالتفصيل المملّ دقائق جميع الانحرافات التي حصلت وتسبّبت بالأزمة. وكانت النتيجة زجّ العشرات من المسؤولين المصرفيين والسياسيّين في السجن ومصادرة أموال البعض وممتلكاتهم في داخل البلاد وخارجها وذلك على النحو الذي أوصت به الرئيسة الحالية للمصرف المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، في  ندوة نظمها الاحتياطي الفيديرالي في عام 2015، عن الأزمات المصرفية، وكانت حينها المدير العام لصندوق النقد الدولي. فقد ذكرت في الندوة المذكورة بأنه "من الضروري تحميل المصرفيين المسؤولية "المدنية والجنائية" عن أفعالهم من أجل ثنيهم عن تبنّي سلوك مخالف للقانون وعن تحمل مخاطر مالية متهورة" "فالرأسمالية لا يمكن أن تعمل جيدا إلا بمعاقبة القرارات السيّئة والمتهورة". وكان أهم ما تحقق من مجمل الإجراءات  التي اتخذتها إيسلندا عودتها إلى الأسواق المالية على أنّها دولة قانون، كما رغب ووعد رئيسها، ما سمح بتحقيقها بعد ثماني سنوات من الأزمة أعلى درجة نمو في الناتج المحليّ الإجمالي على الصعيد العالمي بلغت 7.2%.

في لبنان حصل عكس ما حصل في إيسلندا. فالكابيتال كونترول الذي اعتمد لم يكن بنصّ قانوني بل بداية بقرار من جمعية  المصارف ثم بتعاميم إدارية أصدرها حاكم مصرف لبنان على نحو سمحت للنافذين بمن فيهم المصرفيين بتهريب مليارات الدولارات إلى الخارج من دون حسيب أو رقيب. وكان تعليق الحاكم سلامه آنذاك وعدد من المسؤولين "بأن الأمر قانوني لكنه غير أخلاقي". وتدخّل صندوق النقد الدولي لاحقًا ليحول دون اعتماد تعديلات للسرية المصرفية طرحت لتعرقل الوصول إلى المرتكبين وتموّه انحرافاتهم. وانحصر تدخّل الهيئة المصرفية العليا بتعيين مدير مؤقّت في حالتين أو ثلاث ما غذّى حالات الاستنسابية في تعامل المصارف مع المودعين وتهريب الموجودات وفاقم الخسائر. ولم يحصل أيّ تحقيق عامّ وجدّي فيما جرى كما فعلت إيسلندا سواء من قبل الحكومة او من قبل المجلس النيابي، وكما دعا إلى ذلك صندوق النقد الدولي، سوى تدقيق جنائي  مقيد بعمليات مصرف لبنان حيث قاومه الحاكم السابق سلامه بضراوة متحجّجا بالسرية المصرفية فأتى التقريرمجتزأ ومبتورا. وها هي الأزمة تدخل عامّها الثامن والسلطات ما زالت تتخبّط  في وضع خطط الخروج منها بدون طائل. آخر حلقات التخبّط تسريب مسودة مشروع "قانون للانتظام المالي واسترداد الودائع" أو "قانون الفجوة المالية" تتضمن هرطقات قانونية تظهر بشكل جليّ أن غاية معدّي المشروع هي المزيد من القضم لحقوق المودعين وتبديدها بنقل موجب الالتزام بإيفاء هذه الحقوق من المصارف إلى صندوق ينشا بدون شخصية معنوية لدى مصرف لبنان تحت حجة أن الاخير ومن ورائه الدولة هما المسؤولان عن الانهيار.  ومعلوم أن (الأول) أيّ مصرف لبنان متعثر بردّ إيداعات المصارف الدولارية لديه، ويأتي مشروع القانون مع ذلك لينقل إليه الالتزام بردّ حقوق المودعين مما يريح المصارف من التزاماتها إزاء مودعيها، (والثانية)، أي  الدولة، مقيّدة بعدم إجراء أية زيادة في التزاماتها التي في مقدّمها ديون اليوروبوندز بطلب من صندوق النقد  كشرط  أساسي للحصول على التمويل منه. وعليه، واضح أن الغاية الأساسية من المشروع هي تنظيف ميزانية المصارف بأقل التكاليف لتسهيل إعادة قياسها لخسائرها على نحو يسمح ببقاء رأس المال، بدلًا من خفضه إلى الصفر وفقًا لما يدعو إليه صندوق النقد الدولي، والذي يشترط الاعتراف بالخسائر بالكامل قبل أيّ إعادة هيكلة للمصارف أي الغاء حقوق الملكية منذ البداية. وهو أمر يعترض عليه مصرف لبنان بحجة ان الوضع الحقيقي لحقوق الملكية لكل مصرف  يجب ان يسبقه إعادة تقييم الميزانية العمومية لمصرف لبنان بصفته المدين الأساسي للمصارف  .

التوجهات الآنفة الذكر لمشروع القانون يمكن تفصيلها والتعليق عليها كالتالي:

  • العمليات غير النظامية

يعدّد مشروع القانون عددًا من العمليات التي يعتبرها غير نظاميّة ويحدّد آليات التعامل مع كل منها. وقد حدّدها كالتالي:

  1. الحسابات المشبوهة وهي التي تشتبه لجنة الرقابة على المصارف بتضمنھا أموالا غیر مشروعة فتحيلها إلى ھیئة التحقیق الخاصّة لیصار إلى تجمیدھا ونقلها بالتالي إلى حساب مؤقّت یُفتح خارج میزانیة كل مصرف على أن يصار إلى تكوین مؤونات خاصّة بھذه الحسابات. والأمر الذي تم التغاضي عنه في الترتيب السابق وكان يجب أن يكون واضحًا هو أن الأموال غير المشروعة لا تشطب من التزامات المصارف بل  تبقى قائمة لتصادرها الخزينة.

  • الحسابات ذات الفوائد المفرطة وهي حسابات تفوق قيمتها 100 ألف دولار نالت فوائد تفوق 2% سنوياً منذ العام 2015. ويتمّ التعامل معها عبر إعادة الفوارق بين الفوائد «المقبوضة» ومعدّل 2% بإجراء قيد محاسبي عكسي لصالح المصرف.  وحجة "الفوائد المفرطة"  المبرّرة للشطب ينقضها:

  • تقرير صدر عن مصرف لبنان ردا على وثيقة أعدّها الدكتور توفيق كسبار في آب 2017 ونشرتها "مؤسسة كونراد  أديناور" و"بيت المستقبل". فقد ذكر تقرير مصرف لبنان: إن معدلات الفوائد المطبقة في أيّ بلد تعكس تصنيفه الائتماني السيادي. من هنا لا  يمكن التداول في الأسواق المالية في لبنان وفقا للمعدلات المطبقة في بلدان مصنفةA مثل ألمانيا والولايات المتحدة  بل وفقا للبلدان المصنفة B-  حيث  كان ينتمي لبنان إلي هذه البلدان حسب ستاندرد أند بورز. وفي مشاورات المادة الرابعة  للعام  2016  أشار صندوق النقد الدولي في الصفحة الرابعة من تقريره رقم 19/17 كانون الثاني 2017  إلى أنّ "تثبيت سعر الصرف هي الركيزة الأساسية المناسبة وأنه يتوجب أن يبقى مصرف لبنان مستعدا لرفع معدلات الفوائد عند الضرورة".

  • ما ينص عليه الدستور في مقدمته بضمان «الملكية الخاصة» كما المادة 15 منه التي تقضي بعدم جواز نزع ملكية أحد إلا لأسباب المنفعة العامة وفي الأحوال المنصوص عليها في القانون وبعد تعويضه تعويضاً عادلاً. وتشير قرارات محكمة التمييز والمجلس الدستوري الفرنسيين والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ إلى أن الديون كالأسهم والودائع المصرفية (وبالطبع ملحقاتها كالفوائد)  التي تدخل في الذمّة المالية  تستحق الحماية باسم احترام حقوق الملكية وقد ردّد الجميع الفقرة التالية في قراراتهم tout intérêt patrimonial serait l’objet d’un droit de propriété . والفوائد موضوع النقاش دخلت أصولًا في الذمة المالية كما تمّ اصولًا دفع الضرائب المتوجبة عليها.

والحقيقة ان الفوائد المفرطة التي يقتضي اعادتها هي تلك المتعلقة بالهندسات المالية التي اطلقها مصرف لبنان  واستفادت منها المصارف ونخبة من عملائها  شاركوا من خلالها بهذه الهندسات. وقد ارتفعت معدّلات الفوائد التي دفعها مصرف لبنان بمقتضى هذه الهندسات إلى ما فوق الـ  30%  وفقًا  لإقرار صريح بالصوت والصورة  للدكتور تنال الصباح عضو مجلس إدارة جمعية المصارف ذكر فيه أن الحاكم السابق سلامه قال لأعضاء الجمعية  "يللي بجيبلي 100 مليون دولار بعطيه 35 مليون دولار وبسجله على الحساب كامل المبلغ  مع فايدة 5 او6%  طوال مدة التجميد وهي خمس سنوات". في إثر هذا الاجتماع، انطلق المصرفيون للبحث عن المودعين المليئين وإغرائهم بمعدلات فوائد تأرجحت حسب قيمة المبلغ المنوي إيداعه في المصرف ومدة التجميد بين ما فوق الـ10%  وفوق الـ 20%  والباقي احتفظت به المصارف. وتكشف  دراسة  أُنجزت لمصلحة  مؤسسة كونراد اديناور أن مبلغ قدره 38 مليار دولار يرجّح أنه تشكل من أرباح المصارف من الهندسات المالية جرى تحويلها إلى الخارج لصالح أفراد.

أخيرًا وحيث أن المطروح  هو العودة إلى الماضي  لاسترداد مبالغ متأتية عن عمليات حصلت سابقا، فإن الأمر يتطلب بالتوازي  فتح ملف إعادة مبالغ الهيركات القاسية التي فرضت على السحوبات بالليرة على أسعار صرف جد متدنية من الحسابات الدولارية وراوحت نسبتها بين الـ 85% والـ 65% من قيمة هذه السحوبات بهدف تذويب خسارات المصارف ومصرف لبنان معا

  • التحویلات المصرفیة إلى الخارج التي تجاوزت قیمتھا المائة ألف د.أ. والحاصلة بعد تاريخ 17/4/2019 بالنسبة لكبار المساھمین في المصارف وأعضاء مجالس إدارتھا والمدراء العامین ونواب  المدراء العامین ومساعدیھم التنفیذیین والمدراء التنفیذیین وأزواجھم وأولادھم ووكلائھم وممثلیھم، أو أیة ھیئة معنویة یُسیطر علیھا الأشخاص المذكورون أعلاه مباشرة أم غیر مباشرة.. أو الحاصلة  بعد تاریخ 17/10/2019 من دون مبرّر اقتصادي أو مالي تحددهما لجنة الرقابة على المصارف.

وهذه التحویلات تُفرض عليها ضریبة نسبتھا 20% من قيمتها. وتقوم المصارف باقتطاع ھذه الضریبة من أیّة أموال جدیدة مودعة لدى المصرف المعنيّ في حال وجودھا.  وإلا قامت وزارة المالیة بإصدار أوامر قبض بقیمتها  یتمّ تحصیلھا وفقًا لأصول تحصیل الضرائب والرسوم المحدّدة. ولا یحول تسدید الضریبة المنصوص علیھا في ھذه الفقرة دون إمكانیة الحكم بإعادة المبالغ موضوع تلك التحاویل، كلّیاً أم جزئیاً، بموجب قرار یصدر عن القضاء المختصّ.

وكان من المفروض أن يتضمّن مشروع القانون، الأمر الأخير، أي إعادة جميع مبالغ التحويل آنفة الذكر، أو على الأقلّ ما تجاوز المائة ألف دولار منها،  للتماثل مع العمليّات غير النظامية الأخرى  وعملا بمبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور. والمبرّر أن المودع المحظي الذي قام بتحويل أمواله إلى الخارج، مع علمه بوضعيّة الشحّ في السيولة الواقع فيها مصرفه وبوجود قيود نظامية على السحوبات والتحويلات يعتبر ما حصل عليه من السيولة المتوافرة لدى مصرفه، بما يفوق المقرّر له بمقتضى تقييدات السحب والتحويل المفروضة على جميع المودعين، من قبيل الإثراء غير المشروع. وقد تمّ تبييض الأموال المتأتيّة من هذا الإثراء من خلال تحويلها للخارج وفقا لمندرجات أحكام القانون 44. أيضا كان من المفروض أن يلحظ مشروع القانون إعادة التحويلات التي تمت ابتداءً من عام 2017 كما قضى بذلك  التعميم 154 والحجة في عدم قانونية هذه التحاويل أنها جرت استنادًا إلى معلومات داخليّة مميّزة  Délits d'initiés.

  • عملیات شراء العملات الأجنبیة باللیرة اللبنانیة الحاصلة بعد تاریخ 17/10/2019  وقد نصّ مشروع القانون على إلغاء ما يزيد منها عن مبلغ المائة ألف دولار وإجراء قید عكسيّ بقيمتھا في قیود المصارف. والحقيقة أن هذه العمليات غير سليمة من الأساس ويسأل عنها من سمح بإجرائها من المعنيين في المصارف وغضّ النظر عنها أو دعمها من المسؤولين في مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف أيا كان السبب. إذ كيف تفرض القيود والضوابط الاستثنائية على السحوبات من الودائع الدولارية لدى المصارف  بحجّة عدم كفاية  الدولار لديها  لكن الأخيرة تقوم بذات الوقت  ببيع الدولار (الذي هو بالحقيقة لولار) إلى آخرين؟ والمنطق والإنصاف يتطلبان ترتيبات خاصة يتمّ بمقتضاها التعويض على الذين وثقوا آنذاك بتصريحات الحاكم  سلامه ووزير المالية علي الخليل ورئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان بأن الليرة بخير.   

  • عمليات غير نظامية أغفلها مشروع القانون

يتغافل مشروع القانون عن  عمليّات غير نظاميّة لا بل غير قانونيّة من شأن فتح  ملفّاتها أن ترفد المصارف بأكثر من خمس وعشرين مليار دولار ما يرفع بالتالي من إمكانية ردّ الأخيرة مبالغ أكبر بكثير مما هو مقرر للمودعين في مشروع القانون. ويتعلّق الأمر بضرورة مطالبة الذين سدّدوا قروضهم الدولاريّة بالليرة أو بموجب شيكات مصرفية على أسعار صرف  للدولار أدنى من أسعار الصرف الواقعيّة  بدفع الفروقات المتأتيّة فيما لو حصل السداد وكما يجب بالأسعار الأخيرة ولو بالتقسيط. ويسري ذلك حتى على من قام بالسداد بمقتضى التعميم الوسيط 568 تاريخ 26 آب 2020 لأقساط أو دفعات مستحقّة بالعملات الأجنبية ناجمة عن قروض سكنية وقروض التجزئة على أساس 1507.50 ل ل للدولار الواحد. فالتعميم المذكور صدر عن مصرف لبنان تجاوزًا ويخرج كليًّا عن صلاحياته. بالمقابل لا يجوز للمصرف قبول أي إيفاء لقرض بالعملة الأجنبية بأقلّ من قيمته الحقيقية لتعلّق الأمر بحقوق المودعين عملًا بأحكام المادة 156 من قانون النقد والتسليف التي تطالبه "بصيانة حقوق مودعيه".

أهمية ردّ الودائع الدولارية بالدولار أو بأسعار الأخير الواقعية كانت من الأمور التي تعرضت لها العميدة نوري بونتية في كتابها  القيّم الذي عنونته " النظام القانوني للعملة الأجنبية" Le Statut Juridique de La Monnaie Etrangère  وقد ذكرت في الصفحة 123 منه أن إصدار المصرف المركزي لأوراق نقدية مسندة إلى ما يحوزه من ذهب وعملات أجنبية، من دون أن يكون من حق المواطن مطالبة المصرف بتسليمه ذهباً أو عملة أجنبية مسندة الى الذهب مقابل ما يعرضه عليه من أوراق نقدية مصدرة من المصرف،  لا يعني، ولا يجب أن يعني، منع الأفراد والأشخاص من إبرام عقود يلتزم فيها المدين بردّ دينه إلى الدائن بالذهب او بعملة أجنبية في حال الاتفاق على ذلك بينهما. وأردفت في الصفحة 127 من كتابها أن منح القوة الإبرائية لعملة وطنيّة لا يفسر ولا يجب أن يفسر استبعاد القوة الإبرائية لأية عملة أجنبية في حال وجود اتفاق على ذلك.

ما يعني أنه في حال الاتّفاق على أن يكون تنفيذ الالتزام بعملة أجنبيّة، فإنّ هذا الشرط يبقى نافذًا ويقتضي التقيّد به كما يشير إلى ذلك كلّ من الأستاذين سافاتييه وماليزي فقد ذكرا التالي:

On ne voit pas en quoi cela (le cours légal) empêcherait les monnaies étrangères d’être en France, des marchandises librement négociées, et dont, par conséquent, la livraison peut être librement stipulée ?( سافتييه)

« Ce n’est pas le cours légal qui peut interdire de faire de la monnaie étrangère une monnaie de paiement. Sans doute est-il de principe que tout paiement fait en France doit être effectué en monnaie française, ce qui généralement résorbe la clause libellée en monnaie étrangère en monnaie de compte, mais pendant longtemps ce ne fut pas un principe gênant car la monnaie étrangère pouvait être, comme toute marchandise, l’objet d’un contrat et non plus seulement instrument de compte ».

( ماليزي)

  • تسديد الودائع   

يقسم مشروع القانون  الودائع المتكونة في حسابات المصارف قبل تاریخ  2019إلى أربعة أقسام: صغيرة وتقلّ قيمتها عن مائة ألف دولار ومتوسطة ما بين المائة ألف والمليون دولار، وكبيرة تزيد عن المليون لغاية خمسة ملايين دولار، وكبيرة جدًّا لما فوق  الخمسة ملايين دولار. تسدّد جميعها بحدود المائة ألف دولار نقدا على أربع دفعات سنوية متساوية والباقي سندات (شهادات مالية) قابلة للتداول منتجة لفائدة غير مركّبة بمعدل 2% سنويا وتتدرج آجال استحقاقها بين 10 سنوات للودائع المتوسطة و15 سنة للودائع الكبيرة و20 سنة للودائع الكبيرة جدا. تصدر السّندات عن صندوق ينشئه مصرف لبنان ويسمّى "صندوق تسديد الودائع". ويعتبر ذمّة مالية منفصلة  ومستقلّة ولا يتمتّع بالشخصية المعنوية وتكون السندات المصدرة عنه معزّزة بإیرادات أصول یملكھا مصرف لبنان (سلع ومعادن ثمینة مثل الذهب) وعقارات وحصص في عدد من الشركات وإيرادات ديون سياديّة وخاصّة  وأرصدة نقديّة واحتياطات متاحة وغيره أو بتخصيص ما لا یقلّ عن نسبة 75% من عائدات تصفیة الأصول السابقة. ولغرض تطبیق الأحكام السابقة، یعتبر بمثابة ودیعة واحدة مجموع الحسابات الشخصیة للمودع كما وحصته من الحسابات المشتركة لدى جمیع المصارف. ويتمّ استرداد الجزء النقدي للودائع من خلال المؤسسة الوطنية لضمان الودائع مناصفة بين مصرف لبنان والمصارف التجارية من دون أيّ توضيح. 

الترتيبات السابقة تعتريها شوائب متنوعة هي التالية:

  • لم تذكر الأسباب الموجبة لمشروع القانون العناصر والوقائع التي تمّ الاستناد إليها لتحديد مبلغ المائة ألف دولار، خصوصًا أنه لم يجرِ تدقيق مسبق في وضع المالي لمصرف لبنان ولكل مصرف على النحو الذي طالب به صندوق النقد الدولي منذ بداية الاتصال به من قبل حكومة الرئيس دياب لكي يتمّ تحديد المبلغ النقديّ الذي يصلح للانطلاق منه في وضع ترتيب قانونيّ لاسترداد الودائع.

  • ينقل مشروع القانون عبء الالتزام الواقع على المصارف بردّ الودائع إلى أصحابها والمنصوص عليه في المادة 307 تجارة إلى مصرف لبنان بحدود نصف قسم المبلغ النقدي البالغ ماية الف دولار وإلى "صندوق تسديد الودائع" كامل القسم المتبقي من الالتزام، على أساس أن مصرف لبنان شريك في مسؤولية الانهيار الحاصل. لقد عرضت إشكالية تشابك أخطاء ومسؤولية الدولة معأاخطاء ومسؤولية المصرف التجاري في قضية نظر بها مجلس الدولة الفرنسي فقرر في حيثيات قراره رقم 219562 تاريخ 21 تشرين الثاني 2001 بأن مسؤولية المصارف تجاه مودعيها لا يمكن أن تحلّ مكانها أو أن تكون مرتبطة بمسؤولية الدولة، ما يعني ضمنا أن مسؤولية المصارف هي قائمة تجاه مودعيها بصورة أساسية ومستقلّة بغضّ النظر عن أية إشكالية بين المصارف والدولة أو سلطاتها المصرفية وفقا للقرار الفرنسي:

Considérant que la responsabilité de l'Etat pour les fautes commises par la

Commission bancaire ……ne se substitue pas à celle de ces établissements

vis-à-vis, notamment, de leurs déposants .

ومعروف أنّ انتقال دين المديون يتطلب وفقا للمادة 287 من قانون الموجبات والعقود اتّفاقًا بين الدائن ومن يأخذ دين  المدين على عاتقه أو إجازة من الأول. من هنا يفضل الاستفتاء الشعبي على الترتيبات التي تنص على نقل التزامات من المصارف إلى مصرف لبنان كما حصل في اليونان وإيسلندا وعدم الاكتفاء بما يقرره مجلس النواب لاستثنائية الوضع،

  • يناقض مشروع القانون، باعتباره بمثابة ودیعة واحدة مجموع الحسابات الشخصیة للمودع كما وحصته من الحسابات المشتركة لدى جمیع المصارف، المعايير العالمية التي يدّعي مراعاتها في أسبابه الموجبة.

ففي الولايات المتحدة  تُقدّم المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع مبلغا حده الأقصى 250,000 دولار أمريكي لكلّ مودع  في كلّ مصرف ولكلّ فئة أصول. ذات الشيء في فرنسا، الحدّ الأقصى الذي يدفع يبلغ 100 ألف يورو وهو لكلّ مودع في كلّ مصرف وفي كلّ حساب مشترك

  •   إشكالية تصفية الذهب

ينصّ مشروع القانون على ردّ دائع المودعين بسندات (شهادات) تتدرج آجال استحقاقها ما بين عشر وخمس عشرة وعشرين سنة يصدرها  "صندوق استرداد الودائع" الذي ينشأ لدى مصرف لبنان  كذمّة مالية منفصلة عن الأخير ومجردة من الشخصية المعنوية لا يمكن ملاحقتها قضائيا ولا التنفيذ عليها، ما يُفرغ الالتزام  بالرد من مضمونه التنفيذي ويجعله مرتبطا بالإمكانات. وبيانات مصرف لبنان تظهر كم هي شحيحة الإيرادات التي تعزّز السّندات المنوي إصدارها وتوزيعها على المودعين مقارنة بالمليارات المستحقة للأخيرين، ما قد يعزّز فرضية الاضطرار في وقت ما، ولتجنب التخلف عن دفع مستحقّات السّندات المصدرة، إلى تصفية الاصول المملوكة من مصرف لبنان بما فيه المناسب من الذهب والتي تعزز هذه السندات. وهو أمر لحظته المادة 12 من مشروع القانون حيث جاء نصّها عامًا بشكل يفهم منه شموله لامكانية تصفية الذهب لردّ أموال المودعين. علمًا أن التصرف بالذهب "يمنعه منعا مطلقا" القانون 42/86  إلا بنصّ خاصّ يقرّه مجلس النواب. ومن المؤكد أن موضوع  الذهب سيكون محور نقاش عند عرض مشروع القانون على طاولة مجلس الوزراء وفي اجتماعات المجلس النيابي ولجنتي المال والموازنة والإدارة والعدل. وستكون هناك بالتاكيد أصوات مناهضة للتصرف بالذهب تحت حجج عدة منها أن الذهب ملك جميع اللبنانيين ولا يجوز التصرّف به لصالح  المودعين ولو أن الفئة الراجحة منهم  من اللبنانيين، ومنها أن الأمر سيلقى معارضة الصناديق الاستثمارية من حاملي سندات اليوروبوندز وسيدفعها إلى استباق الأمور وإقامة الدعاوى القضائية للحجز على الذهب استيفاء لحقوقها أو ضمان هذا الاستيفاء. والأخذ بالآراء السابقة يهدّد بفقدان التوازن المالي الذي يرمي إليه مشروع القانون بين حقوق المودعين والموارد المتاحة لإعادة أموالهم إليهم. ما يعني استحالة تحقيق هدف القانون وعنوانه الذي هو استرداد أموال المودعين ما يهدد بإبطال القانون من قبل المجلس الدستوريّ.في حال إقراره والطعن فيه أمام الأخير.