ملاحظات أولية حول الاقتراح التعديلي لقانون الأجانب: كيف نحفظ السيادة اللبنانية من دون التخلي عن القيم؟

المفكرة القانونية

28/11/2018

انشر المقال

"

قدّم وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل بصفته نائبا اقتراح قانون سجل لدى المجلس النيابي بتاريخ 21 تشرين الثاني 2018. وقد هدف هذا الاقتراح وفق أسبابه الموجبة إلى "معالجة تداعيات الأزمة المتفاقمة جرّاء موجات الدخول غير الشرعي وتداعياتها الخطيرة على أمن البلاد واقتصادها."

ومن أبرز الأفكار التي انبنت عليها هذه المعالجة، الآتية:

  1. يؤدي الاقتراح إلى توسيع الحالات التي يسمح فيها للمدير العام للأمن العام إخراج أشخاص من لبنان وفق المادة 17 من قانون الأجانب (1962). فبعدما كانت هذه الصلاحية محصورة في الحالات التي يشكل فيها وجود الأجنبي ضررا على الأمن والسلامة العامين، تم توسيعها لتشمل فضلا عن ذلك حالات الأجانب الذين قد شكلوا أو يشكلون في طريقة دخولهم غير الشرعية ضررا من هذا النوع. وتكون الطريقة غير شرعية في الحالات التي يحصل فيها الدخول إلى لبنان "من دون المرور بأحد مراكز الأمن العام الحدودية ومن دون أن يكون مزودا بالوثائق والسمات اللازمة". والتعديل المقترح إنما يغيّر من طبيعة تدخل المدير العام للأمن العام ويوسّع من هامشه على حساب الصلاحيات القضائية.

ففيما أن صلاحية هذا الأخير بالإخراج تفترض وفق القانون الحالي وجود خطر "مثبت" مرتبط بشخص أجنبي بعينه، فإن النص المقترح يؤدي في حال إقراره إلى تمكينه من إخراج الأشخاص وفق طريقة دخولهم إلى لبنان، حتى ولو لم يكن يشكل وجود أي منهم في لبنان خطراً بحدّ ذاته. واللافت أن المقترح تضمّن امكانية ممارسة هذه الصلاحية ليس فقط في الحالات التي شكلت فيها طريقة الدخول إلى لبنان ضررا بتاريخ الدخول، إنما أيضا في حال نشأ الضرر في تاريخ لاحق. وهذا ما نستدله من العبارة المضافة "قد شكل أو يشكل ضررا على الأمن والسلامة العامة". ومن البيّن أن إيراد هذه العبارة الغامضة إنما يستهدف امكانية ممارستها، حتى ولو كان تم اقتبال الأشخاص سابقا.

وبالتدقيق في طرق الأمن العام، يظهر أن النتيجة العملية لهذه المادة هي تمكين الأمن العام من معالجة اشكاليات دخول الأجانب خلسة، من دون إحالة هؤلاء إلى القضاء لمحاكمتهم أو تمكينهم من اللجوء إليه دفاعا عن أنفسهم وتحديدا لتبيان فيما إذا كان دخولهم إلى لبنان بهذه الطريقة مبررا بحقهم باللجوء إلى بلد آمن أو فيما كان من شأن ترحيلهم إلى بلد معيّن أن يعرضهم لخطر فيه.

وما يزيد من خطورة هذه المادة هو أنها تجيز للأمن العام، ليس فقط ترحيل هؤلاء بل أنها تشكل مدخلا لتخويله احتجازهم في مراكز إيواء بانتظار إنجاز معاملات ترحيلهم (انظر أدناه). ويُخشى تاليا أن تستخدم هذه الصلاحية لتجويز احتجاز الأجانب إداريا حتى في الحالات التي يكون فيها الترحيل غير ممكن، عملا بعرف عدم جواز ترحيل اللاجئين أو أيضا المادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب التي تمنع ترحيل أي كان إلى بلد قد تكون فيها حياته أو حريته معرضة للخطر، وفق اجتهاد قضائي راسخ. وعليه، يصبح اللاجئ أمام الخيار الصعب: إما الاحتجاز لأمد غير معلوم، وإما التوقيع على الموافقة على العودة "الطوعية". وهي لا تكون في هذه الحالة طوعية إلا في شكلها طبعا. وما يزيد من قابلية هذا الأمر للنقد هو أن غالبية اللاجئين السوريين في لبنان هم حاليا في هذه الوضعية.

  1. ينص الاقتراح على إنشاء مراكز إيواء للأجانب المقرر ترحيلهم، إلى حين إنجاز معاملة الترحيل، وهو يعلن وفق ما جاء في أسبابه الموجبة أنه ينبثق عن رغبة واضعه في "مراعاة مبادئ حقوق الإنسان"، من خلال استبدال التوقيف ب "الوضع في مركز إيواء". إلا أن التدقيق في المادة المقترحة يظهر أنه تعديل شكلي محض، قد يقتصر على استبدال عبارة بأخرى: "وضع في مراكز إيواء" بدل "توقيف" من دون تضمين النص أي ضمانات إضافية، سواء لجهة تحديد شروط الإيواء أو ضمان الرقابة القضائية على قرارات "الوضع" منعا للتعسف... الخ.

ولا يكفي في هذا الصدد، اشتراط موافقة النيابة العامة الاستئنافية على قرار "الوضع في مركز الإيواء"، طالما أن هذه الموافقة تعطى مرة واحدة (عند قرار الوضع) ولا تضمن رقابة قضائية دائمة أو مستمرة. فضلا عن أن هذه الموافقة تعطى عرفا بشكل آلي (وفق الممارسة المعتمدة) ومن دون تمكين الشخص المعني إبداء دفاعه أو تعيين ممثل عنه. كما تجدر الإشارة إلى أن كلمة "وضع" غير موفقة طالما أنها تؤدي إلى تشييئ الأشخاص المقرر وضعهم في مراكز الإيواء بما يتعارض مع صراحة المادة المذكورة.

  1. أن المقترح يرفع الغرامة المعاقب بها في حال تشغيل الأجانب "خارج المجالات المباحة قانونا". وهذا المقترح يستوجب ملاحظتين: الأولى أنه لا يعاقب على تشغيل أجنبي من دون ترخيص، بل على تشغيله خارج المجالات المباحة قانونا، أي في المجالات المحصورة باللبنانيين. الثانية، أنه مع التسليم بأحقية الدولة بضمان حق العمل لمواطنيها، فإن أي تشدد في هذا المجال يقتضي أن يحصل تبعا لسياسات عامة توضح بشكل عقلاني المجالات التي يسمح بها لعمل الأجانب وتأخذ بعين الاعتبار وضعيات المقيمين في لبنان بصورة دائمة، كما هي حال اللاجئين الفلسطينيين.

  1. أن الاقتراح يعاقب من يقدم على تهريب أو تسهيل عبور أجنبي إلى لبنان بطريقة غير مشروعة لمدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 7 سنوات. ويبيّن الاقتراح أسبابه الموجبة في هذا المجال من خلال التصريح ب "أن الحدود اللبنانية السورية شهدت في الآونة الأخيرة أحداثا أليمة أودت بحياة نساء وأطفال لدى محاولتهم الدخول خلسة إلى لبنان للالتحاق بأسرهم التي سبقتهم إليه"، بما يؤشر إلى مسعى لمكافحة العصابات التي باتت ناشطة على الحدود في هذا المجال. وإذ يدخل هذا المقترح تماما في إطار سيادة الدولة في حماية أراضيها، فإن إقراره يتطلب بالمقابل أن يوائم لبنان قوانينه لدخوله بطريقة شرعية مع التزاماته الدولية، وتحديدا فيما يتصل بأصول دخول السوريين إلى لبنان، بعدما أبطل مجالس شورى الدولة تعليمات الأمن العام بهذا الشأن بموجب القرار الصادر عنه بتاريخ 8/2/2018. فتطبيق القانون يصبح أمرا أسهل بقدر ما يكون عادلا ومنطقيا.

  1. أن الاقتراح يعاقب من يأوي أجنبيا دخل خلسة إلى لبنان مع معرفته بذلك، لقاء أجر أو من دون أجر، أو أمّن له عملا أو مساعدة مالية أو عينية، بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ثلاث سنوات وبغرامة مالية لا تقل عن ثلاثة ملايين ولا تزيد عن خمسة ملايين ليرة لبنانية. وهذا الاقتراح يؤدي عمليا إلى معاقبة التعامل والتعاطف والتضامن مع الأجانب الذين لا يكون وضعهم نظاميا، بما فيهم هؤلاء الذين قدموا إلى لبنان هربا من خطر على حياتهم وبحثا عن بلد آمن. وبذلك، يظهر الاقتراح توجها واضحا نحو إشراك الجميع عمليا في نبذ المواقف الانسانية تجاه اللاجئين إلى لبنان، وتاليا في مكافحة ظاهرة اللجوء إليه. وهذا أمر لا بدّ أن يسيل الكثير من الحبر.

ختاما، تدعو المفكرة الوزير والنائب جبران باسيل إلى مراجعة هذا الاقتراح على ضوء ما تقدم من ملاحظات، وبما يستجيب مع شروط السيادة والعدالة في آن. كما تدعو قراءها إلى إرسال ملاحظاتهم حوله ضمانا لأوسع نقاش اجتماعي في هذا الشأن الذي بات للأسف يعني مئات آلاف الناس.

"