ملاحظات حول اقتراحات قوانين لمواجهة أزمات لبنان: من تُسعف الدّولة في ظلّ ندرة الموارد؟

المفكرة القانونية

20/12/2020

انشر المقال

أعلن مكتب المجلس النيابي عن انعقاد جلسة تشريعية يوم 21/12/2020 بجدول أعمال يضمّ 70 بنداً. وتأتي الجلسة بعد أيام من الضجيج الحاصل رفضاً لاستدعاء رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب وثلاثة وزراء سابقين (اثنان منهم نائبان حاليّان) للاستماع إليهم كمدّعى عليهم في ملفّ مجزرة المرفأ. كما تأتي بعد أسبوعين من إعلان شركة ألفاريز& مارسال فسخ العقد مع الدولة اللبنانية والمتصل بإجراء تدقيق جنائي في مصرف لبنان، بعد رفض هذا الأخير تزويدها بالعديد من المعلومات الضرورية للتحقيق بذريعة مخالفة هذا العقد لقانونَي النقد والتسليف والسرّية المصرفية. وبالطبع، تجري الجلسة من دون أيّ جديد في مشهد تخبّط لبنان في أزماته غير المسبوقة بخطورتها النقدية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والتي أتت جائحة كورونا وانفجار 4 آب لتزيد من تداعياتها الجسيمة على المجتمع. فيبدو المشرّع ماضياً في تجاهل المخاطر المحدقة، حيث تغيب مرّة جديدة أيّ رؤية واضحة لديه لمعالجة الأزمات.

وفي إطار رصده لأعمال البرلمان، يقدّم هنا المرصد البرلماني – لبنان في "المفكرة القانونية"  أبرز تعليقاته حول القوانين المقترحة والمفترض مناقشتها خلال جلساته، مرفقة بنسخة عنها لتمكين الرأي العام من الاطّلاع والتّعليق عليها. ونستعرض هنا اقتراح تعديل قانون معاقبة التعذيب (المحرّر).

 

1 - مقترحات مرتبطة بالأزمة الاقتصادية والمالية

يمكن التمييز على هذا الصعيد، وبحسب أهداف التشريع، بين مقترحات ترمي إلى حماية بعض القطاعات ودعمها، وتلك الهادفة إلى حماية الأفراد من تداعيات الأزمة. ونسارع إلى القول أن هذه المقترحات المجزأة والتي تغيب عنها أي رؤية شاملة، تنتهي في غالب الأحيان إلى تكبيد الدولة مزيداً من الخسائر في موارد هي أحوج ما تكون إليها، من دون تأديتها الهدف المنشود. فأبرز ما يعيب العديد من هذه المقتراحات أنها شاملة ولا تحاول الموازنة بين ضرورة تحصيل بعض الضرائب والرسوم- بهدف أداء الدولة لدورها الخدماتي والحمائي في ظل الانهيار- وضرورة الإعفاء من بعض منها بسبب الأزمة الإقتصادية. فهي تبيّن انعدام وجود سياسة ضريبية متكاملة، كما امتناع المشرّع عن استخدام الضرائب كوسيلة لإعادة توزيع الثروات. بالمقابل ننهي هذا الجزء بمقترحين يتيمين يرتبطان بتأمين موارد جديدة للدولة أو حماية هذه الموراد تصدّياً للأزمة.

أ - مقترحات لدعم المؤسسات وبعض القطاعات

نجد على هذا الصعيد مقترحات مختلفة تهدف إلى دعم بعض القطاعات من قطاع صناعي أو زراعي أو سياحي، وقطاع المقاولات العقارية، وقطاع تعليمي، وقطاع صحي إلخ...من خلال تحفيزات ضريبية في أغلب الأحيان أو تخفيض للرسوم. ومن الواضح، في غالب الأحيان، أن هذه التحفيزات التي هي من جيب الدولة وتكبّدها خسائر من مواردها النادرة، يصعب تبريرها من الناحية الاقتصادية، بل هي تظهر بمثابة شراء للوقت لمصالح مجزّأة لفئات محدّدة من التجّار وأصحاب العمل من دون أي رؤية واضحة، وعلى حساب المصلحة العامة. وهذا ما يظهره بشكل خاص مقترح تخفيض رسوم استثمار المياه العمومية وتخفيض رسوم التفرغ والانتقال فضلا عن المقترح شديد الخطورة الذي يسمح لأصحاب العمل بالالتفاف حول القوانين الحمائية للأجراء عند الصرف الجماعي لأسباب اقتصادية.

- مقترحات لدعم القطاعات الإنتاجية والمؤسسات

نجد هنا اقتراحين جديدين معجّلين مكرّرين لإقرار إعفاءات ضريبية تهدف لتشجيع نمو قطاعي الصناعة والزراعة في ظلّ الأزمة الإقتصاديّة وجائحة كورونا.

- من جهة أولى، نجد اقتراح قانون معجّل مكرّر تقدّم به النائب سيمون أبي رميا يرمي إلى إعفاء الآلات والمعدّات والمستلزمات الزراعية من الضريبة على القيمة المضافة وكافة الرسوم الجمركيّة لمدّة محدودة وذلك من الفترة الممتدّة ما بين 1/3/2021 و31/12/ مع 2025 مع الإبقاء على حق الحكومة في التشريع في الشأن الجمركي. وقد عرّف المستلزمات الزراعية على أنّها الأدوية والسماد والبذور والشتول والأعلاف المرخّصة في وزارة الزراعة. ويهدف هذا الاقتراح إلى إنعاش الإنتاج الزراعي.

- كذلك نجد اقتراح قانون معجّل مكرّر تقدّم به النائبان جورج عقيص وماجد أدي أبي اللّمع في 10/11/202 يرمي إلى تعديل المادة 17 من قانون الضريبة على القيمة المضافة. فيضيف إلى قائمة الأشياء المعفاة من الضريبة على القيمة المضافة الواردة في المادة 17 من قانون الضريبة على القيمة المضافة[1] الآلات الصناعيّة كما المواد الأولية التي تدخل في تصنيع المنتجات غير الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة في حال استيرادها، والتي يثبت المصنع استعمالها في تصنيع المنتجات المعفاة أصلا. كما المواد الأوليّة التي لا تنتج محليّا وتدخل في الصناعات الغذائيّة، ويثبت المصنع استعمالها في تصنيع المنتجات الصناعيّة. وأخيرا مواد تعبئة وتغليف وتعليب المحاصيل الزراعيّة والمنتجات الحيوانيّة ومنتجات الصناعات الزراعيّة.

يأتي هذان الإقتراحان ليدعما الصناعة والزراعة في محاولة للدفع باتحاه اقتصاد أكثر انتاجية، في بلد يعاني من أزمة اقتصاديّة عميقة وفي عجز في الميزان التجاري بين الصادرات والواردات بما يمنع استمرار نهجه الحالي في الإستيراد المفرط، وتغليب اقتصاد ريعي.

- تخفيض جديد مع مفعول رجعي لرسوم إشغال الأملاك العمومية (الترخيص لاستثمار المياه) وتسوية للمتخلّفين عن دفع الرسوم

نجد هنا مقترحاً يرمي إلى تخفيض رسوم إشغال الأملاك العمومية (تعديل القانون 166/2020). وللتذكير كان البرلمان قد خفّض هذه الرسوم مرّة أولى في القانون رقم 160 الذي صدّق في جلسة نيسان 2020، ليأتي الاقتراح المقدّم من النائبين على فيّاض وأمين شرّي بصيغة العجلة ويخفّض هذه الرسوم مرّة جديدة.

وتفصيلاً، كان القانون [2]160/2020 قد عدّل المادة 35 من قانون 66/2017 (موازنة) مخفّضاً رسوم إشغال الأملاك العمومية، تحديداً رسم الطابع المالي على التراخيص لاستثمار مياه عومية (لأغراض صناعية أو تعبئة المياه وبيعها من الغير) ورخص تعبئة المياه وبيعها من الغير. فاستحدث القانون عندها تصنيفاً للمؤسسات التي تستثمر الأملاك العمومية ضمن 5 فئات بحسب عدد أجرائها المسجلين في صندوق الضمان وقيمة الضريبة على القيمة المضافة التي تدفعها، تمهيدا لتخفيض الرسم المتوجب حاليا بالنسبة إلى أربع فئات بدرجات مختلفة، مع إبقائه على حاله بالنسبة إلى الفئة الممتازة. ورغم تأثير هذا القانون على موارد الدولة في وقت هي أحوج ما تكون لها، فإنه لم يلقَ أيّ نقاش عندها.

ويرمي الاقتراح الوارد على جدول الأعمال إلى تخفيض هذه الرسوم مرّة جديدة حيث اعتبرت الأسباب الموجبة أن رسم الطابع المالي على الترخيص بإشغال الأملاك العمومية ببدلات رمزية والبالغ 10 مليون ل.ل. "أصبح كبيراً جداً خاصة أن هذه التراخيص تمنح غالباً للبلديات والمؤسسات العامة". فيعمد الاقتراح هنا إلى جعل هذا الرسم بمعدّل 1% من قيمة البدل السنوي لرخصة إشغال الأملاك العمومية على ألا تقل قيمة الرسم عن مليون وخمسمائة ألف ل.ل ولا تزيد عن 50 مليون ل.ل. ويخفّض الاقتراح قيمة الرسم إلى النصف إذا كانت الرخصة تتناول مرور خطوط جر مياه الشرب والري أو خطوط تصريف المياه المبتذلة في الأملاك العمومية التي تمرّ فيها خطوط سكك الحديد (شرط ألا يقل الرسم عن الحدّ الأدنى المذكور أعلاه).

من جهة أخرى، يعمد الاقتراح إلى تخفيض رسوم رخص استثمار أو تعبئة المياه. فيلغي من جهة أولى التصنيف المستحدث في نيسان بين 5 فئات من المؤسسات بسبب "تبيّن وجود مشاكل عملية في تصنيف المؤسسات على أساس عدد المستخدمين والضريبة على القيمة المضافة". وهل يكون في ذلك إشارة إلى امتناع العديد من الشركات عن تسجيل موظفيها في الصندوق وتهربها الضريبي؟ كما يلغي الاقتراح من جهة أخرى التصنيف الذي كان قد اعتمده قانون الموازنة عام 2017 بين رخص استثمار مياه عمومية لأغراض صناعية، ورخص استثمار مياه عمومية لأغراض تعبئة المياه وبيعها، ورخص تعبئة المياه وبيعها (دون استثمار المياه العمومية). ويستحدث الاقتراح تصنيفاً جديداً بين 3 رخص لاستثمار المياه العمومية يصبح الرسم مقطوعاً بشأنها. كما يخفض الاقتراح رسم رخصة تعبئة المياه وبيعها (دون استثمار) بالنسبة إلى قانون موازنة 2017 رغم انهيار قيمة العملة الوطنية منذ ذلك التاريخ.

وعدا عن أن الاقتراح يعطي مفعولاً رجعياً لجميع هذه النسب الجديدة بحيث تطبّق من تاريخ صدور قانون الموازنة عام 2017 (القانون 66)، فإنه يتضمّن مادة لتسوية أوضاع المتخلّفين عن دفع هذه الرسوم منذ 2017، بحيث ينص على أنه "لا يتمّ فرض غرامات على الأشخاص الذين يقومون بتسديد الرسوم المتوجبة عليهم عن سنوات 2017 وما بعد" خلال مهلة معيّنة من تاريخ نشر القانون (6 لرسوم التراخيص السنوية و3 لرخص استثمار المياه العمومية).

ولا تتورع الأسباب الموجبة عن تبيان أن هدف القانون الحالي هو "أن يكون العبء الضريبي متناسباً مع إمكانيات المؤسسات". فمرّة جديدة، يوضح المشرّع مقاربته في ما خص ثروة وطنية كالمياه، تغيب عنها أي نظرة للمصلحة العامة، وتنطلق حصراً من المصالح الخاصة لمستثمري المياه العمومية.

تجدّد "المفكرة" انتقادها الشديد لهذا التوجّه التشريعي في اتجاه تخفيض مداخيل الدولة تحديداً في ظل ظروف تجعلها أحوج ما يكون إلى تأمين الموارد لها، كما تسهيل استخدام موارد الدولة المائية العامة، بدل من أن تقوم الدولة بواجبها في تأمين المياه. ومن غير المفهوم إطلاقا إعطاء مفعول رجعي لتخفيض الرسم، وتسوية أوضاع المخالفين منذ عام 2017، بما يسبب خسارة للخزينة العامة لصالح الشركات المستثمرة للمياه العمومية، كل ذلك من دون أي دراسة لأثرها المالي، في إشارة واضحة إلى قوة لوبيات هذه الشركات.

- مقترح لدعم القطاع التعليمي الخاص

نجد هنا مقترحاً لرفع قيمة مساهمة الحكومة عن كلّ تلميذ مسجّل في المدارس الخاصة المجانيّة تقدّم به نوّاب كتلة الجمهوريّة القويّة زياد حوّاط، جورج عقيص، أنطوان حبشي، فادي سعد، جوزيف إسحاق، وماجد إيدي أبي اللمع. يرفع الاقتراح قيمة مساهمة الحكومة عن كلّ التلميذ مسجّل في المدارس الخاصّة المجانيّة في العام الدراسي 2019-2020 من 150% من الحدّ الأدنى للأجور[3] إلى ضعفي الحدّ الأدنى للأجور.

يرمي الإقتراح، حسب ما جاء في الأسباب الموجبة، إلى مساعدة المدارس الخاصّة المجّانيّة التي تساهم في تأمين الحقّ في التعليم في ظلّ "الثغرات الموجودة في التعليم الرسمي منذ الخمسينات"، والخوف من إغلاق أبواب العديد منها إنّ لم يتم زيادة مساهمة الدولة في ظلّ الأزمة الإقتصاديّة وعدم قدرة المدارس الرسميّة على إستيعاب هكذا عدد من التلاميذ ما سيتعارض مع حقّهم بالحصول على حدّ أدنى من التعليم.

ومن اللافت تكريس المشرّع للمسار الذي ساد خصوصاً ما بعد حرب 1975-1990 اندثر معه كلّياً الخطاب حول تعزيز التعليم في المدرسة الرسمية (وحدها القادرة على تأسيس أجيال من المواطنين المتساوين) وحلّ خطاب مكانه خطاب قوامه تمكين أوسع شريحة من المواطنين من ولوج المدرسة الخاصة (وهي مدرسة مرتبطة في أغلب الأحيان بالطوائف).

- مقترح يوسّع الالتفاف على الحماية القانونية من الصرف لأسباب اقتصادية

نجد اقتراح قانون معجّل-مكرّر تقدّم به نوّاب من كتلة القوّات اللبنانيّة[4] في 15/10/2020 يرمي إلى تعديل المادة 27 من القانون رقم 6/2020 (قانون الموازنة).

ونحيل القارئ إلى تعليقنا على المقترح على الرابط التالي:

سياسة النعامة في مواجهة فقدان الوظائف: اقتراح بتصوير الصرف الجماعي للأجراء على أنه ترك طوعي

أما بالنسبة للاقتراحات التي كانت واردة على جدول أعمال جلسة 30 أيلول 2020، فنحيل القارئ بالنسبة إليها إلى التعليقات التي سبق ونشرناها عليها على الروابط أدناه:

إلغاء الرسم السنوي المقطوع المنصوص عليه في المادة 29 من القانون 173/2000 (المكلّفين بضريبة الدخل)

اقتراح تخفيض رسوم الفراغ والانتقال:

 وهو اقتراح يؤدي إلى تحفيز السوق العقارية ومصالح المقاولين والشركات العقارية من خلال تخفيض الكلفة الضريبية لعمليات البيع والشراء، مما يؤدي إلى إطفاء الخسائر المصرفية من خلال اقتناء عقارات بما يخدم مصالح المصارف والمقاولين العقاريين، وذلك مع تكبيد الدولة الخسائر في مداخيلها.

مقترحات لتشجيع سياحة القمار في لبنان

مقترح لمنح تحفيزات للشركات الأجنبية التي تنقل فرعها الإقليمي إلى لبنان

مقترح يرمي إلى الإعفاء الكامل من الفوائد منذ نيسان 2020 حتى آذار 2023 على القروض والتسهيلات المصرفية أو على حساب جار مدين المعطاة لخدمة الصناعة أو الزراعة أو السياحة.

مقترح لتعليق تصدير المعادن التي تصلح كمواد أولية للصناعة اللبنانية

مقترح لدعم القطاع الصحي :