ملاحظات حول قانون دعم الشفافية في قطاع البترول

ميريم مهنّا

16/05/2019

انشر المقال

"

في عددها رقم 59 الصادر في نيسان 2019 المخصص لعرض مجمل الأعمال والمستجدات القانونية والحقوقية خلال سنة 2018، نشرنا تعليقات على أبرز القوانين الصادرة خلال هذه السنة. ومن بين القوانين التي تناولناها في هذا السياق قانون دعم الشفافية في قطاع البترول (المحرر).

هذا التعليق هو حصيلة مقابلات أجرتها "المفكرة القانونية" مع كل من السيدة لوري هايتايان، مديرة الشرق الأوسط في معهد حوكمة الموارد الطبيعية (NRGI) والسيدة ديانا قيسي، المديرة التنفيذية – المبادرة اللبنانية للنفط والغاز (LOGI).

المسار التشريعي للقانون

قدّم اقتراح قانون دعم الشفافية في قطاع البترول النائب جوزف معلوف في أواخر 2016. وكان الإقتراح يحمل اسم "مكافحة الفساد في عقود النفط والغاز". وعمدت هيئة إدارة قطاع البترول إلى التعاون مع النائب معلوف خلال العام 2017 لإعادة صياغة المقترح وتوسيع مروحة مواده بعد الإستفادة من "دليل المشرّعين لمبادرة الشفافية في مجال الصناعات الإستخراجية" (EITI) التي كانت الهيئة قد قررت بذل الجهود لتطبيق معاييره في القطاع النفطي. وارتُئي سريعاً تغيير عنوان المقترح ليغدو إيجابياً أكثر، ولا يُفهم منه أنه ينطلق من فرضية إلزامية وجود الفساد في القطاع. وتمّت ترجمة معايير EITI وتطبيقها على كافة مراحل سلسلة الإمداد، بعدما كانت المسودة الأساسية ترتكز على حظر تضارب المصالح، أي منع أشخاص محددين بحسب توليهم وظائف معيّنة من الإستثمار في الأنشطة البترولية.

وجرت مناقشة النص في كل من لجنتي الطاقة ولجنة الإدارة والعدل، قبل أن يتمّ إقراره في جلسة 24/9/2018 تحت الرقم 84.

الإطار العام للقانون

انطلق المقترح من فكرة أهمية إدخال مبادئ الشفافية ووسائل مكافحة الفساد في قطاع النفط والغاز بغية جذب وتشجيع المستثمرين.

وإن لم يكن من الممكن ربط وضع القانون بمقتضيات مؤتمر CÈDRE، فإن الإسراع في إقراره تمّ ولغاية منح التطمينات للمجتمع الدولي لجهة اتخاذ خطوات جدية لمكافحة الفساد. وقد جاء إقرار هذا القانون بالتزامن مع إقرار اقتراح قانون آخر يتعلق بحماية كاشفي الفساد. ويتشارك القانونان المشكلة عينها – وهذا ما ذكره رئيس الحكومة سعد الحريري نفسه – وهي عدم إقرار قانون تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.

أبرز النقاشات النيابية التي أثارها القانون

شارك في النقاش حول القانون 12 نائباً وثلاثة وزراء.

وأبرز النقاشات تمحورت من جهة أولى حول المادة 2، حيث اعتبرت النائبة بولا يعقوبيان أن النشر في الجريدة الرسمية غير كاف، بحيث أنها أصبحت غير متاحة إلا باشتراك مالي. وقد بدا هذا الرأي بمثابة موقف نقدي لجعل الوصول إلى الجريدة لقاء بدل. ورغم هذه الملاحظة، تمّ الإبقاء في تعريف النشر على صيغة "الإعلان للعموم وفقاً لإرادة الناشر بواسطة الجريدة الرسمية و/أو أي وسيلة أخرى متاحة".

من جهة ثانية، أفضى اقتراح النائب جميل السيد والمناقشة التي تلته إلى توسيع قاعدة منع بعض الأشخاص بسبب توليهم منصباً عاماً الاستثمار أو تولي المراكز الإدارية في الشركات صاحبة الحقوق البترولية لمدّة 3 سنوات تلي تركهم منصبهم، ليشمل "المنع المذكور زوج وأصول وفروع أولئك الأشخاص حتى الدرجة الأولى، وأي شريك أو وكيل لأي من هؤلاء". واللافت أنه في معرض النقاش، اعتبرت النائبة رولا طبش أننا بذلك “نوقف البلد ثلاث سنوات وهذا كثير. هنا يوجد تعسف ونكون بذلك قد أوقفنا الحركة الاقتصادية"، في اعتراف شبه صريح بأن من يشغلون مراكز السلطة العامة هم أنفسهم المستثمرون الكبار في البلد.

كما أفضى اقتراح وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل والمناقشة التي تلته، إلى توسيع تعريف الفساد وحالات فرض عقوبة الإعتقال المؤقت حتى 4 سنوات مصحوبة بغرامة. فالمادة 7 كانت تعرّف الجرم حصراً بأنه "تقديم أو قبول أي عرض أو عمولة (...) أو هدايا أو وعود أو غير ذلك من المنافع في سبيل التسهيل لشركات النفط والغاز الحصول على التأهيل المُسبق، أو (...) الحصول على رخصة بترولية أو غيرها من الامتيازات في لبنان". فأضيف إلى هذه الحالات الفساد في مراحل التأهيل والتلزيم من خلال إضافة حالات "تغطية مخالفات في التنفيذ".

ومن أبرز الإقتراحات كان اقتراح النائبة يعقوبيان بتوسيع تطبيق مفهوم ملكية الإنتفاع beneficial ownership ليشمل الشركات الحاصلة على عقود الخدمات/المتعاقدة الثانوية أي الsubcontractors (والذي نعود إليه أدناه).

وأخيراً كان من اللافت تعليق بعض النواب على اشتراط أن تضم الهيئة الإدارية للجمعيات الرقابية ثلاثة أعضاء على الأقل متخصصين ومجازين في مجال البترول (المادة 17). فقد اعتبر النائب حكمت ديب أن من شأن ذلك أن يحدّ "من حرية إنشاء الجمعيات"، كما صرحت النائبة يعقوبيان أن "هذا اختصاص يدخل حديثا إلى جامعاتنا ومن الصعب جداً إيجاد هذا العدد". ولذلك اقترحت تقليص العدد إلى أخصائي واحد. إلا أن النقاش أفضى إلى الإبقاء على المادة على حالها.

الملاحظات الأساسية حول النص: ما مدى ملاءمته دستوريا أو اجتماعيا؟

أرسى القانون مبادئ الشفافية على كافة مراحل سلسلة الإمداد، من مراحل التشغيل الأولى حتى التطوير (التأهيل المُسبق للشركات- منح الحقوق البترولية- أنشطة الاستكشاف والإنتاج) وصولاً إلى مرحلة الوقف الدائم للتشغيل وإدارة الموارد البترولية والتوظيف والاستخدام. وقد حدّد القانون المعلومات التي يجب على كل من مجلس الوزراء ووزارة الطاقة والمياه ووزارة المالية وهيئة إدارة قطاع البترول والشركات الإفصاح عنها و/أو نشرها، والمتعلقة بالأنشطة البترولية، في كل من هذه المراحل1.

كما وضع القانون على عاتق كل من وزير الطاقة والمياه وهيئة إدارة قطاع البترول وضع تقارير دورية ترسل "كل أربعة أشهر مباشرةً إلى مجلس النواب ومجلس الوزراء حول سير أعمال قطاع البترول، على أن تشمل هذه التقارير النفقات الإجتماعية التي صرفتها الشركات والجهات المنتفعة منها" (المادة 16). كما وضع على عاتق الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وضع تقرير سنوي يتناول خصوصاً صعوبة الوصول إلى المعلومات وتقارير خاصة (المادة 19).

ومن أهم مبادئ الشفافية التي أدخلها القانون، الآتية:

  • منع تضارب المصالح بين الأشخاص النافذين سياسياً والمستثمرين في القطاع،
  • خلق إطار عام للإفصاح عن المعلومات ولكن يحتاج تفعيل هذا الإطار إلى مراسيم تطبيقية،
  • أهمية إقرار "ملكية المنفعة" beneficial ownership، وقد أفصحت السيدة لوري هايتايان أن جهوداً بُذلت وأفضت من خلال النائبة بولا يعقوبيان إلى تطبيق مفهوم ملكية الإنتفاع beneficial ownership أي الإفصاح عن هوية المالكين الحقيقيين للشركات ليس فقط على الشركات حاملة التراخيص (كما تنص عليه المادة 9 من القانون) بل أيضاً على الشركات الحاصلة على عقود الخدمات/المتعاقدة الثانوية أي الـsubcontractors (المادة 10 الفقرة 7)
  • وضع موجب على جميع الجهات المعنية بالإفصاح عن هوية المستخدَمين في قطاع البترول وعن نسبة العمالة الوطنية ونسبة عمالة الأجانب المقيمين ونشرها. إذ أنه وبحسب القوانين المرعية يقتضي ألا تتخطى نسبة العمالة الأجنبية في القطاع 20%. كما على الشركات اتباع اجراءات شفافة في التوظيف تضمن تكافؤ الفرص والتنوع. ويمكن اعتبار أن التنوع هذا يُقصد به التنوع الجندري وليس فقط الطائفي أو الاجتماعي (المادة 13). واللافت أنه تم بالفعل مؤخراً التجاوب مع ما يوجبه القانون لجهة الإعلان عن مراكز العمل المطلوب ملؤها لدى أصحاب الحقوق على المواقع الإلكترونية ومنها الموقع الإلكتروني لهيئة إدارة قطاع البترول.
  • وقد أرسى النص مبدأ الشفافية في ما يخص "النفقات الاجتماعية" التي يعرّفها كـ" الأموال التي تنفقها الشركات (...) من خلال ما يعرف بالمسؤولية الاجتماعية للشركات Corporate Social Responsibility، على سبيل المثال لا الحصر لتحسين وضع البيئة والمجتمعات المحلية ولتشجيع نمو المجتمع وتطوره ولتفادي الممارسات التي تضر بالصالح العام ولتفعيل التنمية المستدامة". فأوجبت المادة 14 من القانون ألا تُحصر قيمة هذه النفقات بجهة واحدة منتفعة. ولا شكّ في أن في ذلك إجراء يسهم في مكافحة الزبائنية في القطاع، فلا يتحوّل الأمر إلى نفقات سياسية، أي يقوم السياسيون باستغلال الشركات لتمويل هذه البلدية أو تلك.
  • ومن أبرز ما حقّقه القانون أيضاً، منح حق الإدعاء لجمعيات دعم الشفافية في قطاع البترول أمام المراجع القضائية المختصة. وهي من المرات النادرة التي يكرّس فيها قانون لبناني هذا المبدأ.

ولعلّ بعض الشروط التي فرضها النص على الجمعيات (المادة 17) اعتبرت تعجيزية (حتى من قبل بعض النواب في المناقشات النيابية كما ذكرنا) كـ"أن تضم الهيئة الإدارية للجمعية ثلاثة أعضاء على الأقل متخصصين ومجازين في مجال البترول" مما يضع بعض القيود على الجمعيّات الحالية المتخصصة في هذا المجال. إلا أن LOGI أكدّت لـ"المفكرة" أنها في طور تصحيح وضعها تماشياً مع مقتضيات القانون للتمتّع بحق الإدعاء. وبحسب السيدة هايتايان، من المؤسف أن حق الإدعاء أعطي حصراً في ما خصّ "جرائم الرشوة والفساد واستغلال النفوذ"، دون الأخذ بعين الإعتبار أن جرائم أخرى خطيرة قد تُرتكب في القطاع أبرزها الجرائم البيئية..

على الرغم من التطوّر الكبير على صعيد الشفافية الذي يؤسّس له القانون، إلا أن إشكاليات أساسية تعتري النص، أبرزها:

  • أناط القانون مهامّ رئيسية بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، أبرزها السهر على حُسن تطبيق أحكامه ومراقبة ملاءمة وصدقية ونوعية المعلومات، وإصدار التقارير، ودوراً استشارياً ودوراً تثقيفياً للمواطنين، والتأكد من إلتزام الجهات المعنية بموجب نشر المعلومات و/أو الافصاح عنها.

ومن المعلوم أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لم تنشأ بعد وأن القانون الخاص بها لم يصدر بعد. فيشترك مصير قانون تعزيز الشفافية في قطاع البترول مع القوانين الأخرى المرتبطة بالهيئة، أبرزها قانون حماية كاشفي الفساد وحق الوصول إلى المعلومات، ويبقى إذاً تفعيله رهناً على إنشاء الهيئة. وقد أناط القانون، إلى حين تشكيلها، بالنيابة العامة التمييزية مهمة "مراقبة مصداقية ونوعية وملاءمة المعلومات المقدمة من الجهات المعنية" (المادة 20).

وإذ تمّ إقرار اقتراح قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في لجنة الإدارة والعدل بتاريخ 19/12/2018، يبقى من الضروري الإطلاع عليه لتحديد ما إذا تمّت مواءمة الإقتراح مع قانون تعزيز الشفافية في قطاع البترول.

وتُطرح إلى جانب غياب الهيئة إشكاليتا كيفية تشكيلها وتخصّصها. فمن الضروري اعتماد معايير موضوعية في تشكيلها، كما أن تبني الهيئة تخصصها، وألا تكتفي بالاستعانة بالخبراء، كي تستطيع القيام بدورها على أكمل وجه. فهي مسؤولة عن التدقيق بصحة وملاءمة ونوعية المعلومات. فيتّضح إذاً أنه بغياب هيئة فاعلة ومتخصصة، يصبح الوصول إلى المعلومات موجباً فارغاً من أي مضمون.

  • من جهة ثانية، وعلى صعيد المساءلة، تبدو منظومة العقوبات والحثّ على تطبيق أحكام القانون هشة بعض الشيء، فتغيب العقوبات والضوابط الواضحة. فمثلاً، تحظّر المادة 6 قيام أحد الأشخاص المحددين بحسب وظيفتهم بالاستثمار أو تولي بعض المناصب في الشركات المؤهلة والشركات صاحبة الحقوق النفطية والمقاولين الثانويين والمتعاقدين الثانويين مع هذه الشركات. وتفرض المادة نفسها عليهم التصريح عن هذه الاستثمارات وعن الأسهم التي يملكونها فيها، والإختيار بين متابعة الاستثمار أو البقاء في المنصب الإداري في الشركة وبين إشغاله أحد المناصب العامة. ولكن لا يوضح النص ما هي عقوبة عدم امتثالهم لهذه الموجبات.

كما وباستثناء العقوبة التي تفرضها المادة 15 على الشركات صاحبة الحقوق البترولية والشركات المشغّلة في حال ارتكاب مخالفات متكررة وجسيمة لأحكام هذا القانون وهي إلغاء الحق البترولي (بموجب تطبيق المادة 71 من القانون رقم 132/2010 – قانون الموارد البترولية في المياه البحرية)، وتطبيق قانون العقوبات (المواد 461 و462 عقوبات) على كل من يقدم للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد معلومات كاذبة، لا يتضمّن القانون أية عقوبات واضحة في حال مخالفة الجهات المعنية الأخرى، أي كل من مجلس الوزراء والوزارات المعنية وهيئة إدارة قطاع البترول، لموجب نشر و/أو الإفصاح عن المعلومات، أو وضع التقارير الدورية.

  • كما وضع النص قيوداً كبيرة على حق الإدعاء، فربطه بإيداع قيمة التأمين المحدد بخمسة عشر ضعف الحد الأدنى للأجور (أي ما يعادل حاليا 6750 د.أ)، كما فرض غرامة على المدّعي في حال تبيّن للمحكمة عدم توفر الأدلة التي تثبت وقوع جرائم الفساد، لا تقل عن عشرة ملايين ليرة لبنانية ومصادرة مبلغ التأمين (المادة 18). ومن هذه الجهة، بدا النص وكأنه يستعيد إحدى أهم العقبات أمام تفعيل قانون الإثراء غير المشروع.
  • وأخيراً، تجمع السيدتان هايتايان وقيسي على الحاجة لإصدار مراسيم تطبيقية فوراً توضح كيفية نشر المعلومات والإفصاح عنها، وجعلها بمتناول يد المواطنين. وتظهر أهمية هذه المراسيم تحديداً في توضيح كيفية تحديد ملكية الإنتفاع، وما الخطوات والمعلومات المسموح الإطلاع عليها والجهات المسؤولة في هذا المجال.
  • نشر هذا المقال في العدد | 59 |  نيسان 2019، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

 لمن القانون في لبنان؟

1 ومن أهم هذه المعلومات، فرضت المادة 10 الفقرة 5 على الشركات صاحبة الحقوق البترولية والشركات صاحبة الحقوق البترولية المشغلة الافصاح عن "كميات الاتاوة وقيمتها وحصة الدولة من بترول الربح، وكميات البترول المباعة وقيمتها حسب نوع المواد الهيدروكربونية المنتجة ووجهة تصديرها"، وهي إحدى معايير الـEITI للشفافية.

"