ملاحظات على اقتراح قانون بإلغاء نظام الأراضي الأميرية: من يدافع عن حقوق الدولة؟

المفكرة القانونية

25/10/2021

انشر المقال
 أعدّ المرصد البرلماني في المفكرة القانونية تقريراً كاملاً عن أعمال المجلس النيابي والمبادرات النيابية لفترة 2019-2020. وقد نشرت المفكرة أهم مواده تنبيهاً للرأي العام وبهدف إشراكه في صناعة القوانين أو التصدّي لما قد يشكّل إضراراً بالصالح العام. أعددنا هذه المقالة بالشراكة مع استديو أشغال عامّة وهي تتناول الاقتراح الذي تقدّم به النائبان غازي زعيتر وحسين الحاج حسن بهدف دمج الأراضي الأميرية بالأراضي الملك، أي عملياً إلغاء نظام الأراضي الأميرية أي التي تعود ملكيّتها للدولة وليس للأشخاص سوى حق تصرّف عليها. لدى هذا الاقتراح مفاعيل خطيرة جداً ويستوجب أوسع مناقشة اجتماعية (المحرّر).     اقتراح دمج الأراضي الأميرية بالأراضي الملك تقدّم كلّ من النائبين غازي زعيتر وحسين الحاج حسن (كتلة الوفاء للمقاومة) وكلاهما نائبان عن بعلبك الهرمل، باقتراح خطير في 15/7/2020 لدمج الأراضي الأميرية بالأراضي الملك وتوحيد نظام الملكية العقارية، وإلغاء حق الرقبة العائد للدولة في العقارات المعروفة سابقاً بالأميرية. وتصبح تلك العقارات، بموجبه، حكماً من نوع الملك ويتحوّل حق التصرّف الجاري عليها إلى حق ملكية. كما ينصّ على استبدال عبارة "تصرّف" بعبارة "ملك" أينما وردت في قيود السجلّ العقاري عند أوّل معاملة عقارية تجري على العقارات الأميرية بعد نفاذ هذا القانون. وتعتبر العقارات "الخالية المباحة" أو "الأراضي الموات" من أملاك الدولة الخاصّة وتخضع لأحكامها ما لم يكن قد جرى، قبل نفاذ هذا القانون، اكتساب حق أفضلية عليها، وفي هذه الحال تسجّل ملكاً لصاحب حق الأفضلية. وعادت الأسباب الموجبة على "نظام التمييز بين العقارات الملك التي يجري عليها حق الملكية والعقارات الأميرية التي يجري عليها حقّ التصرف، والذي ورثه لبنان عن الحكم العثماني وحافظ عليه في عهد الانتداب الذي وُضعت في ظلّه النصوص العقارية التي ما زالت سارية حتى اليوم" والتي "ميّزت بين شطري لبنان: شطر أبقى له شبه استقلال داخلي يتمتّع سكانه بامتياز ملكية كاملة على أراضيهم، وشطر يخضع للحكم العثماني المباشر لا يتمتعون إلّا بحقوق منقوصة على أراضيهم".   كما ذكّرت الأسباب الموجبة بعوامل عدّة: - أنّ ذلك يؤدّي إلى تفاوت الأسعار بين النوعين من العقارات. - أنّ مقدّمة الدستور تكرّس النظام الاقتصادي الحر الذي يكفل الملكية الخاصّة، والإنماء المتوازن، والحقوق المدنية من دون تفرقة. - أنّ مواد الدستور تجعل كلّ اللبنانيين سواء لدى القانون وتجعل الملكية في حمى القانون. -  ورث النظام العقاري الساري عن الحكم العثماني طابعاً شاذاً يكرّس التمييز والتفريق وعدم المساواة إذ اعتمد نظام ملكية عقارية كاملاً في جبل لبنان ونظاماً منقوصاً في باقي المناطق. - النظام الموروث غير عادل ويتعارض مع وحدة الأرض والمواطنة والمساواة بين المناطق ولا يجوز استمراره - التمييز بين المناطق   منذ سنوات، تصاعد خطاب عام مفاده أنّ منطقة بعلبك الهرمل تعيش حالة من الشلل الاقتصادي شبه التام بسبب توقّف عمليات البناء وأنّ إشكاليّات الملكية تُنتج شللاً في الحركة "الإنمائية" والاقتصادية على صعيد التطوير العقاري. فاقترح نوّاب المنطقة مؤخّراً قانوناً لتسوية مخالفات البناء وآخر للضمّ والفرز في المنطقة والاقتراح الحالي لتحويل الأراضي الأميرية (المتواجدة بشكل كبير في قضاء بعلبك)، وذلك لأنّه وبحسب النائب إيهاب حمادة "في الموضوع الاقتصادي الرّاهن، ارتأينا أنّ حلّ مشكلة الأرض يساهم بحلّ الأزمة الاقتصادية. يحرّك الاقتصاد".   للتذكير، قُدّم في كانون الثاني 2012، اقتراح قانون في الوجهة نفسها، يرمي إلى توحيد نظام الملكية العقارية ودمج الأراضي الأميرية بالأراضي الملك. لكنّ هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل ارتأت عدم قبول الاقتراح لأنّه يؤدّي إلى تنازل الدولة عن حقّ الرقبة الذي تملكه، ولأنّ أحكام مرور الزمن المكتسب لا تطبّق على الأملاك العائدة للدولة، ولأنّ اقتراح القانون يجيز التنازل عن ملكية عقارية من دون أي مقابل وهذا غير جائز في ملكية عائدة للدولة بل يجب أن يكون هذا التنازل لقاء بدل لا يقلّ عن ثلث قيمة الأرض[1]. اليوم يعود طرح هذا القانون بالغ الخطورة الذي يمهّد فعلياً إلى خصخصة أملاك الدولة تحت ذريعة إحقاق المساواة ما بين المناطق وعدم التمييز في ما بينها لناحية حقّ الملكية المكرّس دستورياً، كما تذكّر الأسباب الموجبة للقانون. ولفهم ما يعنيه النائبان اللذان اقتراحا القانون، لا بدّ من تقديم سياق تاريخي لأنواع الأرض منذ الحقبة العثمانية حتى اليوم.   في أيام السلطنة العثمانية، كان لمنطقة جبل لبنان، الممتدّة من بشرّي إلى جزّين، حقّ إدارة ذاتية. تركت السلطات العثمانية لأهالي هذه المنطقة، إدارة أحوالهم الشخصية المتعلّقة بالزواج والإرث وتقاليدهم وأعرافهم إلخ، كما تركت لهم ملكيّتهم لأموالهم المنقولة وغير المنقولة، حسب ما كانت تلك الملكية قائمة. أمّا بقيّة المناطق، فاعتبرها السلطان ملحقة بالسلطنة، واعتبرت أراضيها أراضٍ أميرية، أي تخصّ الحاكم[2]. هي من النوع الأميري، أي أنّ صاحبها، (ولا نقول مالكها) له عليها حقّاً خاصّاً يسمّى حقّ التصرّف يسقط إذا تخلّى صاحب الأرض الأميرية عن استعمالها مدّة خمس سنوات متتالية. ففي هذه الحالة، يسقط حقّه، وتعود الأرض، رقبة وتصرّفاً إلى الدولة، كملك خاص لها. وبصدور تشريعات متلاحقة، تطوّر حقّ التصرف على الأراضي الأميرية واتّسعت تدريجياً حقوق المتصرّف. فبعد أن كان حقّه شخصياً ومؤقّتاً لا يجيز له البناء والغرس والرهن، أصبح حقّاً عينياً يدوم مدى الحياة وينتقل إلى ورثته بالتساوي بين الذكور والإناث مع حق التمثيل، وأصبح يجوز له البناء والغرس والرهن وأنشئت "الدفتر خانة" وأصبح سند الطابو (أي قطعة الأرض) سنداً رسمياً.   * الرسم البياني مقتبس من رسم توضيحي أنجزته الباحثة بترا سماحة كجزء من أطروحتها وعرضته في مداخلة تحمل عنوان "الملك العام و"رقبة" الدولة المستباحة"، في آذار 2021 ضمن ندوة في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى     إذاً، تشكّل الأراضي الأميرية جزءاً من أملاك الدولة الخصوصية، وهي التي تملكها الدولة بصفتها شخصاً معنوياً ولا تكون مخصّصة للمنفعة العامّة، سواء كانت تحت تصرّف الدولة الفعلي أو كانت تحت تصرّف أشخاص آخرين، كالأراضي المتروكة المرفقة الموضوعة تحت تصرّف الجماعات. ونشير إلى أنّ مديرية الشؤون العقارية ولا سيما دائرة أملاك الدولة الخاصّة التابعة لها مكلّفة بإدارة هذه الأملاك والإشراف عليها (باستثناء الأحراج التي تدار من قبل وزارة الزراعة).   كيف تتوزّع الأراضي الأميرية على المناطق وما هي استخداماتها؟       هناك 31.849 عقاراً أميرياً في لبنان، حوالي 34% منها في قضاء بعلبك، 23% في قضاء البقاع الغربي، 17% في قضاء راشيا، و7% في قضاء عكار. من ناحية مساحة هذه العقارات، تبلغ مساحة 14.048 عقاراً (معروفة مساحاتها) حوالي 500 كلم مربّع. بالنظر إلى التوّزع الجغرافي، نجد أنّها مناطق زراعية بامتياز. وشكّل حقّ التصرّف على هذه الأراضي (لا حقّ ملكية) وسقوطه في حال عدم الاستخدام لمدة خمس سنوات، حافزاً لاستمرار استخدام هذه الأراضي زراعياً، وتمّت حمايتها من مضاربات السوق لأنّها من أملاك الدولة.   من هذا المنطلق، يشكّل اقتراح القانون هذا ضرباً للأراضي الزراعية وخصخصة لأملاك الدولة، وذلك في ظلّ الحديث عن الخصخصة كأحد السبل لإطفاء خسائر المصارف التي شكّلت الدائن الأكبر للدولة المفلسة.   * الرسم البياني مأخوذ من دراسة ألبير كوستانيان Albert Kostanian; Privatization of Lebanon’s public assets: No Miracle Solution for the Crisis; Issam Fares Institute, January 2021   في واقع الأمر، تملك الدولة اللبنانية جزءاً كبيراً من الأراضي يقدّر أنّها تتراوح بين 20-25% من إجمالي مساحة لبنان[3]. تشكّل هذه الأراضي المملوكة من القطاع العام - بخاصّة تلك غير المبنيّة - بيئتنا الطبيعية والزراعية. إنّها ثروة وطنية مرتبطة بشكل مباشر بأساليب حياتنا وسبل عيشنا المتنوّعة عبر المناطق اللبنانية. في البقاع الشمالي على سبيل المثال، تعتبر الأراضي محيطاً زراعياً بامتياز، وتستمدّ المنطقة أهميتها من كونها أغنى المناطق اللبنانية بالموارد الطبيعية وعوامل الإنتاج، ففيها مصادر المياه وتضمّ 62% من المساحة القابلة للزراعة في البقاع و25.7 % في لبنان. ويعتمد 70 إلى 75% من سكّانها على الزراعة في تكوين مدخولهم، إضافة إلى مساهمته بنسبة كبيرة من الإنتاج الزراعي الإجمالي في لبنان.   والبارز أيضاً في هذا القانون هو أنّ النائبين اللذين اقترحاه هما من محافظة بعلبك الهرمل، ممّا يذكّرنا بمطالبات نوّاب المنطقة لسنوات بضمّ وفرز الأراضي في محافظة بعلبك الهرمل تحت شعار "حماية الملكية الفردية وتحفيز الواقع الاقتصادي" عبر السماح بالمضاربة العقارية وازدهار قطاع البناء. لطالما اعتبر نوّاب المنطقة في خطابهم أنّ تحديد الملكيات وفرز الأراضي الحلّ لمشكلات التنمية التي تواجهها المنطقة. في واقع الأمر، يبدو الطابع الخطير لاقتراح القانون هذا، في تحويله، وبحجّة الاستجابة لحاجات الناس، التنمية إلى خدمة ظرفية يقدّمها هؤلاء النوّاب بدلاً من الاستجابة إلى الحق في التنمية المتكاملة.     [1] أنظر: الدولية للمعلومات، النشرة الشهرية، "الفوضى العقارية في لبنان: ملك في جبل لبنان وأميري في سائر المحافظات، 2 أيلول 2013 https://monthlymagazine.com/ar-article-desc_3102_ أنظر أيضاً: مقرّرات مجلس الوزراء لجلسة 2 آب 2012 "عدم الموافقة على اقتراح قانون يدمج الأراضي الأميرية بالأراضي الملك http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=1964 [2] هذه المعلومات مستقاة من مقابلة أجرتها أشغال عامة مع الباحثة بترا سماحة في تموز 2021. [3] Albert Kostanian; Privatization of Lebanon’s public assets: No Miracle Solution for the Crisis; Issam Fares Institute, January 2021