هل يبصر تعويض البطالة النور؟
27/01/2021
خلال سنة 2020، وتبعاً لبروز جائحة كورونا، سُجّلت 4 مبادرات تشريعية تم تبريرها بأنّها تهدف إلى مساعدة الذين فقدوا وظائفهم. ما يجمع بين هذه الاقتراحات هو أنّ أيّاً منها لم يتطرّق لحماية الأجراء من تعسّف المؤسّسات التي يعملون فيها، بل أنّ 3 منها (تمّ إقرار 2 من بينها) جمعت بين مساعدة هؤلاء ومساعدة المؤسّسات المتضرّرة.
قبل المضيّ في تفصيل هذه الاقتراحات، نستشفّ إيجاباً من 2 من بينها حصول تطوّر ولو بشكل لا يزال غير مرضٍ ويحتاج إلى تطوير في طرح فكرة صندوق البطالة الذي بات حاجة أكثر من أيّ وقت مضى، حاجة يؤمل منها بناء التضامن الاجتماعي على معايير موضوعية وإخراجه من منطق الصدقة والإحسان لإدراجه في إطار منطق الحق: "حق العمل".
كما يجدر التذكير بأنّ التشريع اللبناني يقرّ حالياً تعويض البطالة بموجب قانون حقوق الأشخاص المعوّقين (2000) ولفائدة هؤلاء الأشخاص حصراً. إلّا أنّ وزارة العمل لا تزال متقاعسة عن وضع الآليّات الضرورية لذلك، رغم صدور قرار من مجلس شورى الدولة بإلزام الدولة تسديد تعويض للشخص المستحق. ومن هذه الزاوية، يبقى لبنان متخلّفاً عن ضمان حقّ العمل خلافاً لالتزاماته الواردة في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي اكتسى قوّة دستورية بموجب مقدّمة الدستور.
اقتراحان بإنشاء صندوق بطالة
في هذا السياق، يسجّل ورود اقتراحين بإنشاء صندوق لتعويض الأشخاص الذين خسروا أعمالهم. إنّما يُلحظ أنّ كلا الاقتراحين حرصا على أن يكون الصندوق محدوداً في الزمن أو أن تكون الغاية منه محصورة بمعالجة تداعيات كورونا، بمعنى أنّ أيّاً منهما لم يطرح إنشاء الصندوق بصورة دائمة أو تعويض البطالة كحق يوجبه التزام الدولة في ضمان "حق العمل" كما سبق بيانه.
الاقتراح الأول وقد تمّ تقديمه بتاريخ 9/4/2020 من قبل نوّاب من كتلة "لبنان القوي" بالإضافة إلى النائب نقولا نحاس. وهو يرمي إلى إنشاء صندوق خاصّ لمواجهة تداعيات وباء كورونا على من فقدوا عملهم في القطاع الخاص. يعمد الاقتراح إلى اعتبار الصندوق "من أشخاص القانون العام"، ولكن ليس من المؤسّسات العامة. ويربط الاقتراح الصندوق بـ"لجنة وزارية تضمّ وزارات المالية والاقتصاد الوطني والعمل والشؤون الاجتماعية"، وهي تعتبر مجلس إدارته. أمّا بالنّسبة لمهام الصندوق فهي "تقديم مساعدات شهرية تعادل نسبة معيّنة من الأجر لا تقلّ عن الثلث أو عن الحدّ الأدنى للأجور ولا تزيد على مليوني ليرة لبنانية"، ومساعدة المؤسّسات الصغيرة التي يتراوح عدد العاملين فيها بين 3 و10 على استئناف العمل وإعادة العاملين فور انحسار الوباء أو إلغاء التعبئة، ومساعدة المؤسّسات الصغيرة التي ترغب في تغيير نشاطها الإنتاجي. وهذا الأمر يعني أنّ هذا الصندوق لا يهدف فقط إلى مساعدة الأشخاص الذين خسروا أعمالهم بل أيضاً المؤسّسات الصغيرة من دون وضع معايير أو ضوابط كافية.
فضلاً عن ذلك، يقترح النصّ تمويل الصندوق "من 1% من الإيرادات المحصّلة من ضريبة الدخل على الأرباح والضريبة على فوائد الودائع المصرفية، والهبات والتبرّعات والمساعدات (...)، والقروض وسندات الخزينة طويلة الأمد (...)"، بما يخالف مبدأ وحدة الموازنة.
الاقتراح الثاني والذي قدمه النائبان هادي أبو الحسن وبلال عبدالله بتاريخ 28/4/2020، جاء أكثر وضوحاً، بحيث تضمّن في عنوانه "إنشاء صندوق بطالة مؤقت".
وفي تفاصيله، ينُشَأ هذا الصندوق لدى وزارة العمل وتتمّ إدارته من قبل لجنة تتألّف من وزير العمل رئيساً وأربعة أعضاء (هم: مدير عام الصندوق الوطني للضمان، رئيس الهيئة العليا للإغاثة، مدير عام وزارة الشؤون الاجتماعية ومدير عام وزارة المالية). يهدف هذا الصندوق "إلى تأمين راتب شهري يعادل نصف الحد الأدنى الرسمي للأجور للّبنانيين الذين فقدوا مدخولهم بسبب الأوضاع الاقتصادية اعتباراً من تاريخ 1/11/2019" أو من تاريخ فقدانهم عملهم بعد هذا التاريخ. ويتمّ تمويل هذا الصندوق من "تحويل الأموال المرصدة في الموازنة العامة لهيئة الإغاثة، ومساهمات الدولة والتبرعات والهبات المحلية والخارجية". كما يحدّد الاقتراح المهلة الزمنية التي يعمل هذا الصندوق فيها وهي 18 شهراً اعتباراً من تاريخ 1/11/2019. استندت الأسباب الموجبة إلى الأوضاع الاقتصادية المتردّية ما بعد 17 تشرين إضافة إلى إعلان التعبئة العامّة بسبب جائحة كورونا التي حملت العديد من المؤسسات إلى صرف العديد من أجرائها، أو إلى الإقفال النهائي، ممّا أدى إلى فقدان العديد من اللبنانيين لعملهم ومورد رزقهم.
قانونان لتعليق أقساط الديون بسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية نتيجة جائحة كورونا
صدر القانون 177/2020 الذي اقترحه النائب آلان عون بتاريخ 9/4/2020 وهدف إلى تعليق أقساط الديون والاستحقاقات المالية للأشخاص والقطاعات الأكثر تضرّراً من أزمة كورونا لدى المصارف وكونتوار التسليف وترحيلها لمدة 6 أشهر (وانتهت في 1/10/2020). كما علّق القانون جميع الإجراءات القانونية أو القضائية أو التنفيذية وتقاضي المصارف أيّة فوائد تأخير تترتّب على تأجيل السّداد.
وقد حدّد القانون المعنيين "الأكثر تضرّراً من أزمة كورونا" والمشمولين فيه بـ"العملاء الذين لا يتجاوز دخلهم الشهريّ الحدّ الأدنى للأجور، الأجراء الذين تمّ تخفيض دخلهم إلى النصف وما دون أو توقيفهم عن العمل بشكل جزئي أو نهائي". وبالنسبة إلى القطاعات، فقد حدّدها بقطاعات النقل، وقطاع السياحة والمطاعم والمقاهي، وكلّ القطاعات الإنتاجية المتضرّرة مباشرة. وبرّرت الأسباب الموجبة تقديم الاقتراح بـ"القوّة القاهرة العالمية الناتجة عن أثر فيروس كورونا المستجدّ وما يشكّله من تحدّيات للاقتصاد الوطني".
وعلى رغم ما نصّ عليه القانون من ضرورة إصدار مراسيم تطبيقية له، بحيث يصعب تنفيذه بدونها، إذ لم يتضمّن أيّ بند يوضح مصير الاستحقاقات المؤجّلة عند انتهاء مهلة التأجيل، سواء تستحق دفعة واحدة أم يقتضي إعادة جدولتها، لم تصدر هذه المراسيم أبداً.
وللتذكير، وفي سياق مرتبط، جاء القانون 199/2020 (الصّادر في 29/12/2020) المتعلّق بتمديد بعض المهل القانونية (بناء على اقتراح النائبة رولا الطبش) ليعلّق جميع مفاعيل البنود التعاقدية المتعلّقة بالتخلّف عن تسديد القروض (وكان اقتراحاً مقدّماً من النائب علي فياض عمد اقتراح طبش إلى دمجه مع سائر الاقتراحات المتعلّقة بتمديد المهل) بكافة أنواعها (المدعومة وغير المدعومة، التجارية والسكنية والصناعية والزراعية والسياحية والبيئية والمتعلّقة بتكنولوجيا المعلومات) بحيث لا تفرض على المقترض أيّ جزاءات قانونية أو تعاقدية بما فيها زيادة الفوائد، من تاريخ 1/1/2021 (أي تاريخ انتهاء مهلة تعليق كافّة المهل العقدية والقضائية والقانونية) وحتى 6 أشهر من تاريخ نشره (تنتهي في 31/6/2021). وجاءت أسباب القانون الموجبة لتشير صراحة إلى مفاعيل الإغلاق العام في البلاد نتيجة جائحة كورونا، وتردّي الأوضاع الاقتصادية للمواطنين التي تسبّبت بها، بشكل يحدّ من قدرتهم على سداد موجباتهم المالية.