هيئة القضايا تتدخل ولجنة الإعلام تتابع "الجريمة": "الديوان" يستمر بمواجهة "وزراء تاتش"

إيلي الفرزلي

03/05/2023

انشر المقال

تفاعل التقرير الصادر عن ديوان المحاسبة بشأن الهدر الناتج عن صفقتيْ استئجار وشراء مبنييْ قصابيان والباشورة. وكانت أولى تداعياته اجتماع لجنة الاتصالات النيابية، التي أجمع أعضاؤها على الإشادة بالتقرير، مع تأكيد رئيسها النائب ابراهيم الموسوي أنّ ما فعله الديوان لم يسبقْ أن قامت به أيّ جهة إداريّة أو قضائيّة في الدولة اللبنانية. واعتبر الموسوي أن الملف المقدم ينطوي على "جريمة فادحة وفاضحة يمكن أن تصل، كما عبّر بعض الزملاء، إلى الجريمة الموصوفة". 

وذكّر بما تضمنه التقرير من أنّ المبنييْن "دُفع عليهما عشرات ملايين الدولارات من دون وجود أدنى ضمانة، والخطر ما زال قائما حتى الآن (صاحبا المبنيين رفعا دعوى ضد "ميك 2" للمطالبة بالتعويض وبإخلاء مبنى الباشورة").

ولذلك، طلبت اللجنة إحالة هذا التقرير إلى النيابة العامة التمييزية، كما طلبت ملاحقة الموضوع من قبل هيئة القضايا. وجزم الموسوي أن "اللجنة ستستمر فيه حتى النهاية، ولن يطوى كما طويت ملفات أخرى". 

وكان لافتاً أنه بالرغم من الخطر الداهم الذي يطال المال العام حتى اليوم، وبالرغم من أن مالك مبنى الباشورة رفع دعوى ضد شركة "تاتش" مطالباً باسترداد المبنى في آذار 2022، إلا أن الوزارة لم تُعلم هيئة القضايا في وزارة العدل بالدعوى. وكذلك، بدلاً من أن تطلب من الهيئة الانضمام إلى الدعوى الجزائية المرفوعة من قبل المساهم وسيم منصور، والتي يُشكك فيها بوجود شبهات عمليات تبييض أموال لإخفاء منافع غير مشروعة تم تحصيلها من صفقتي الإيجار والبيع، أدت إلى اختلاس مال عام، فقد فضّلت المنازعة في ملكية السهم، في مسعى لإفقاد منصور صفته، تمهيداً لإقفال الملف، بدلاً من التوسّع به (اتخذ قاضي التحقيق الأول في لبيروت شربل أبو سمرا قراراً بردّ الشكوى لانتفاء صفة مقدمها، متغاضياً عن خطورة الأدلة المبرزة، إلا أن منصور عاد وطعن بالقرار أمام الهيئة الاتهامية، التي فسخت قرار أبي سمرا). 

وزيران موضع المساءلة في الجلسة

الجلسة، كانت شارك فيها اثنان من الوزراء الذين حملهم الديوان مسؤوليات، وهما الوزير الحالي جوني القرم والوزير الأسبق، النائب الحالي، نقولا صحناوي. 

وفيما بدا القرم هادئاً في الجلسة، خلافاً للحملة التي أثارها بعيد إصدار التقرير، فقد أعلن أنه أودع الأقساط الثلاثة المتوجّبة لصالح مالكي المبنى لدى الكاتب بالعدل في شهر كانون الأول الماضي، إلا إنه لم يوضح مصير الغرامات المتوجبة على الدولة من جراء تأخير كل الدفعات (15 ألف دولار عن كل يوم يلي 15 كانون الثاني 2020، و30 ألف دولار عن كل يوم يلي 15 كانون الثاني 2021، و45 ألف دولار عن كل يوم يلي 15 كانون الثاني 2022). كما أوضح أنه لم يتمكّن من وضع إشارة على العقار بسبب إغلاق الدوائر العقارية (لا يزال العقار غير مفرز ومرهون لصالح فرنسبنك)، وهو ما نفاه رئيس الغرفة التي أعدّت التقرير عبد الرضى ناصر، مشيراً إلى أنه يملك 12 إفادة عقارية موقّعة من أكثر من 10 موظفين وبتواريخ مختلفة، آخرها الأسبوع الماضي. 

وفي حين اكتفى صحناوي بالإشارة إلى أنه سيقدّم دفاعه إلى الديوان، تولّى النائب جيمي جبور الدفاع عنه بشكل غير مباشر، من خلال اتهام الديوان بالاجتزاء في تقريره. وهو ما تصدّى له القاضي عبد الرضى ناصر، رافضاً اتهام الديوان، ومؤكداً "أننا لا نعمل عند أحد ولا نغطي أحداً، ومن يثبت تورطه سيحاكم ومن تثبت براءته سنرفع له القبعة". 

في الجلسة، وبناء على ما تضمّنه تقرير الديوان من معلومات، أعلنت رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل هيلانة اسكندر أنها ستطلب من النيابة العامة المالية التوسّع في التحقيق في قضية مبنى قصابيان، والذي أُقفل في 9/62022. 

وكانت النيابة العامة المالية قد ادعت، في 24/5/2020، بجرميْ هدر المال العام وسوء الإدارة، على كل من عضوي مجلس إدارة "ميك 2" وائل أيوب وشربل قرداحي (موقعيّ العقد) وعلى المدير العام الأسبق للشركة كلود باسيل سنداً للمواد 359 و360 و363 من قانون العقوبات. لكن في 3/3/2022، أصدر قاضي التحقيق في بيروت أسعد بيرم قراراً منع فيه المحاكمة عن أيوب وقرداحي وباسيل على اعتبار أن قرار الاستئجار أو عدمه يعود لوزارة الاتصالات، محيلاً نسخة عن الملف إلى المجلس النيابي لاتخاذ القرار بشأن ملاحقة الوزيرين صحناوي وبطرس حرب. وبالرغم من أن المحامية العامة المالية القاضية فاتن عيسى استأنفت قرار قاضي التحقيق في اليوم نفسه، وبالرغم من أن الدولة اللبنانية استأنفت القرار أيضاً، إلا أن الهيئة الاتهامية عادت وصدقت القرار في 9/6/2022.

"الديوان": قرارات قضائية قريباً 

وإلى ذلك الحين، سيكون ديوان المحاسبة قد قام بدوره أيضاً، حيث أعلن رئيسه القاضي محمد بدران أن إصدار قرارات قضائية بحق الوزراء المعنيين لن يتأخر، حيث يفترض أن يصدر القرار على دفعتين، أولاً قرار مؤقت يتضمن التهم المنسوبة إلى الوزراء المعنيين، بحيث يحق لهم تقديم دفاعهم، وثانياً قرار نهائي يتضمن العقوبات بحق المتورطين (القرار قابل للتمييز أمام مجلس شورى الدولة). 

وأمام الوقائع التي عرضت في الجلسة ربطاً بتقرير الديوان، فقد علمت "المفكرة القانونية" أن هيئة القضايا ستطلب انضمامها إلى قضية مبنى "تاتش"، لما تتضمنه من شبهة اعتداء على حقوق الدولة. هذا مع العلم أن الهيئة كانت أيّدت في 2020  مطلبا قدمه منصور إلى قاضية الأمور المستعجلة في بيروت كارلا شوّاح، بعدم جواز إبراء ذمة أعضاء مجلس إدارة الشركة والشركة المشغلة ("زين") من جدول أعمال مجلس إدارة الشركة، إلى حين البتّ بالدعوى الجزائية المذكورة. واعتبرت الهيئة حينها أن إبراء الذمة يخفي مصالحة لا يمكن حصولها من دون موافقة هيئة القضايا سندا للمادة 20 من قانون تنظيم وزارة العدل. وبناء عليه، اتخذت القاضية قرارا بإلزام الشركة سحب البند المتعلق بإبراء ذمة رئيس مجلس الإدارة وأعضاء المجلس والشركة المُشغّلة من جدول أعمال الجمعية وعدم إدراج مثل هذا البند في أي جدول أعمال لاحق قبل البت بالشكوى الجزائية المقدمة من المستدعي وسيم منصور، وتالياً التأكد من وجود هدر في القطاع الخليوي وفي أموال الشركة التي هي أموال عامة بالنتيجة وبمبالغ طائلة. وهو الأمر الذي حمى مصالح الشركة والدولة في مطالبة الشركة المشغلة (زين) وأعضاء مجلس الإدارة بتعويضات عن المخالفات التي قد يثبت ارتكابها منهم. كما أكدت أن "هيئة القضايا هي من يمثل الصالح العام وتقوم بجميع الأعمال التي يتطلبها الدفاع عنه وليس وزير الاتصالات". 

صحناوي: لست مسؤولاً عن الهدر

بعد الجلسة، استعرض صحناوي قراءته لتقرير الديوان، مشيراً إلى أنه لا يتحدّث عن اختلاس أو تبييض أموال، بل عن هدر للمال العام، مؤكداً أنه "ليس عليّ أي مسؤولية عن هدر المال العام بل على العكس في قضية قصابيان دافعت بشراسة عن المال العام". أضاف: "لو سُمح لتاتش بمواصلة أعمالها والانتقال إلى المبنى لم نكن لنتحدثْ اليوم عن هدر، خاصة أن إدارة "زين" سبق أن أعلنت أكثر من مرة عن حاجتها الملحّة للانتقال إلى مبنى جديد، كما أعلنت أن الإيجار أقل من إيجار المبنى القديم. وأشارت إلى أن فسخ العقد سيؤدي إلى هدر المال العام".

وفيما يوحي كلام صحناوي أنه يتهم الوزير بطرس حرب بالهدر بسبب فسخه للعقد، فقد تغاضى عن مجموعة من الحقائق المُثبتة في تقرير الديوان، والتي سبق الحديث عنها في مقالنا السابق في هذا الشأن.