وزارة الاتصالات تخنق "أوجيرو" برفع التعرفة: هل يستجيب مجلس الوزراء؟
22/06/2023
أجّل مجلس الوزراء البتّ بقرار رفع تعرفة الإنترنت في أوجيرو، ما يُبقي خطر إقراره قائماً. من اقترح زيادة التعرفة 7 أضعاف، أي وزارة الاتصالات، يدرك جيداً أنه لن يساهم في تعزيز وضع أوجيرو بل العكس. هو قرار يؤدي إلى نزوح المشتركين نحو الشبكات غير الشرعية، ويعني بالتالي حرمان أوجيرو من أي دور في مستقبل القطاع. فهل هذا هو المطلوب؟
لم تكد تمرّ سنة على تطبيق الزيادة في الأسعار على الخدمات المقدمة من أوجيرو حتى قدمت وزارة الاتصالات اقتراحاً لزيادتها مجدداً. لكنها هذه المرة طلبت في مشروع المرسوم الذي قدمته إلى مجلس الوزراء زيادتها 7 أضعاف دفعة واحدة. لا أحد يعرف من أين أتى اقتراح هذه الزيادة الضخمة، ولا وفق أي دراسات، ولا إذا كانت بُحثت التداعيات الاجتماعية والاقتصادية التي يمكن أن تنتج عنه. لذلك فضّل المجلس تأجيل البحث في البند المقترح من وزارة الاتصالات "لمزيد من الدرس".
بعد الزيادة التي أُقرّت في أيار 2022 وطُبّقت مع بداية تموز وتنصّ على زيادة أسعار الخلوي 6 أضعاف وزيادة أسعار الإنترنت عبر أوجيرو ضعفين ونصف إلى ثلاثة، تكون الوزارة قد قررت زيادة الأسعار خلال عام واحد 10 أضعاف.
في الزيادة الأولى، يفترض أن تكون أوجيرو قد أعدّت الدراسة اللازمة وبنتها على حاجتها ومصاريفها وبنت على أساسها الزيادة التي كان وزير الاتصالات يؤكد أن القطاع سينهار من دونها. لكن لم يمر شهران حتى تكرّر التحذير نفسه. ولذلك، حصلت أوجيرو في أيلول 2022 على سلفة خزينة بقيمة 128 مليار ليرة لبنانية، لإعطاء العاملين في الهيئة الزيادة التي أقرّها المرسوم الرقم 9129 تاريخ 12/5/2022، إضافة إلى سلفة على حساب غلاء المعيشة لجميع العاملين في هيئة "أوجيرو". لكن لم يقتصر الأمر على ذلك، فالوزارة كما أوجيرو استمرتا في المطالبة بأموال إضافية، مستفيدتين من إضرابات متكررة للموظفين للمطالبة بتحسين رواتبهم التي خسرت قيمتها الشرائية، من دون أن تكلّف نفسها عناء تقديم خطة لزيادة الإيرادات وتحسين الانتاجية والاستفادة من القدرة البشرية التي تملكها الهيئة لتطوير خدماتها ومنتجاتها المقدمة إلى المشتركين.
ما حصل كان السعي إلى البحث عن عائدات وهمية لأوجيرو هي أقرب إلى الخوّات. ومن الاقتراحات التي قدمتها وزارة الاتصالات لتعزيز هذه العائدات، ما يأتي:
- تعاقد أوجيرو مع شركتي الخلوي لتقديم خدمات الصيانة لهما مقابل بدل مالي، بالرغم من أنهما قادرتان على إجراء هذه الأعمال داخلياً.
- تملّك أوجيرو شبكات الإنترنت غير الشرعية مقابل إعطاء خدمة الصيانة لأصحاب هذه الشركات، شرط اعتماد المقاصة لاستيفاء الرسوم لصالح الوزارة وخارج رقابة ديوان المحاسبة.
- السماح لأوجيرو بالتعاون مع مقدمي خدمة IPTV (خدمة بث محتوى رقمي باستخدام شبكة الانترنت بدلاً من الصحون اللاقطة) عبر شبكتها وفق آلية مشاركة العائدات، على أن تقوم أوجيرو بفوترة هذه الخدمة بالدولار، والتحاسب مع الشركات بعد إجراء مقاصة تحسم فيها عائداتها.
بالتوازي مع هذه المحاولات، تكثفت تحذيرات وزارة الاتصالات من انهيار القطاع إذا لم تزد الأسعار، في سعي إلى تمهيد الأرضية اللازمة لتقديم اقتراحها لزيادة الأسعار. لكن المفاجأة كانت في حجم الزيادة غير المبررة، فلا هي تتناسب مع ارتفاع أسعار المازوت خلال العام الماضي ولا تتناسب مع ارتفاع سعر الدولار في الفترة نفسها، والذي لم يزد أكثر من أربعة أضعاف في الحد الأقصى. وهذا يؤكد وجود سوء إدارة ينبغي محاسبة المسؤولين عنه، لا مكافأتهم على حساب المشتركين، الذين سيكونون مضطرين للتعامل مع نتائج هذا الخطأ، أي تحمّل زيادة الأسعار 7 أضعاف. فالتقديرات السابقة للوزارة واقتصار الزيادة على 2.5 أضعاف لم يساهم سوى في تعميق أزمة أوجيرو، خاصة أن التحجج بزيادة حوافز الموظفين لا ينطلي على أحد، إذ أن مرسوم زيادة الرواتب سبق مرسوم زيادة الأسعار، وبالتالي لا بد أن تكون قد أدرجت من ضمنها. وهذا الخطأ هو الذي تسعى الوزارة حالياً إلى تعويضه من خلال زيادة مفرطة في الأسعار، يمكن أن تساهم في القضاء على الهيئة وعلى مساعي تعزيز مجتمع المعرفة، وتجعل من خدمة الانترنت التي يفترض أن تكون حقاً للجميع امتيازاً لفئات دون أخرى، علماً أن الDSL لطالما كان الوسيلة الأوفر للحصول على الانترنت.
الزيادة المقترحة ستؤمن ما يُقدّر بـ12 ألف و500 مليار ليرة، بحسب حسبة الوزارة، التي تشير إلى أن إيراداتها الحالية لا تزيد عن 2500 مليار ليرة، فيما تبلغ نفقاتها ما يقارب 11 ألف مليار ليرة.
وبحسب جدول الأسعار المرفق باقتراح المرسوم، فإن رسم الاشتراك الشهري للخط الأرضي سيرتفع من 9 آلاف إلى 200 ألف ليرة (تتضمن 1000 دقيقة إلى خط أرضي آخر)، أما بشأن الإنترنت، فسيرتفع سعر الرزمة الدنيا للإنترنت من 60 ألف ليرة (80 جيغابايت على سرعة 4 ميغابيت في الثانية) إلى 420 ألف ليرة، بينما سترتفع فاتورة من يستهلك 2000 جيغابايت شهرياً على سرعة 300 ميغابيت في الثانية من 900 ألف ليرة إلى 6.3 مليون ليرة. واعتماداً على الحسبة نفسها، فإذا كان مبلغ ال12.5 ألف مليار ليرة، الذي يعادل 135 مليون دولار فريش، يشكل إجمالي الإيرادات المتوقعة لأوجيرو، فإن نصفها على الأقل يشكل عائدات مباشرة من مشتركي الإنترنت، ما يعني تحصيل 232 دولاراً سنوياً من كل مشترك (على أساس عدد مشتركين يبلغ 280 ألفاً) أو ما يوازي 20 دولاراً شهرياً أي نحو مليوني ليرة، وهو رقم ضخم في كل المعايير، ولا يستوي مع منطق عمل القطاع. إذ لا يعقل أن تكون العائدات المحصّلة من الفرد (ARPU) لقاء الحصول على الانترنت الثابت ضعف ما يتم تحصيله في الخلوي (أقل من 10 دولار). هذا باختصار يعني أمراً واحداً: زحف المشتركين من أوجيرو باتجاه الشبكات غير الشرعية، التي يفترض بالوزارة مكافحتها واستقطاب مشتركيها نحو أوجيرو لا تعزيز وضعها على حساب الهيئة نفسها، التي ربما تتحول إلى هيكل عظمي، إذا ما تم السير بالاقتراح.
وفيما لا يمكن تصوّر أن تكون الوزارة جاهلة للتداعيات الاقتصادية والاجتماعية للقرار، فهذا يعني أمراً من اثنين:
- إما أن الهدف هو فعلاً تصفية أوجيرو وحصر دورها بتمويل رواتب موظفيها من دون أن يكون لها أي دور في مستقبل قطاع الاتّصالات، خاصة في ظل تزايد نزوح المشتركين من أوجيرو إلى الشبكات غير الشرعية لما تُقدّمه من خدمة أفضل وأكثر جودة، وهو ما يتوقع أن يزداد بعد إقرار زيادة الأسعار. علماً أن أوجيرو لا تستحوذ حالياً إلا على 25 % من عدد المشتركين الإجمالي في الانترنت وهي نسبة في تراجع مستمر يمكن أن يتفاقم مع القرار الجديد.
- وإما جعلها جزيرة معزولة مالياً عن الدولة اللبنانية، وإعطاؤها هامشاً كبيراً أسوة بشركتيْ الخلوي، للتصرف بالأموال التي تحصّلها، على أن يقترن ذلك بإعادة فصل موازنة وزارة الاتصالات عن الموازنة العامة (ألغيت الموازنات الملحقة في قانون موازنة 2019)، علماً أن الموازنة الملحقة تسمح للوزارة بالاعتماد على إيراداتها الخاصة لتغطية نفقاتها، على أن تُحوّل الفائض إلى الخزينة، ما يسمح لها بإدارة أموالها الذاتية بحرية أكبر.
في الحالتين، ستكون النتيجة إنهاء أوجيرو وحرمانها من أن تكون رائدة لقطاع الاتصالات في البلد، فتُختصر وظيفتها باعتبارها قناة لتمرير السعات الدولية للإنترنت إلى الشركات الخاصة المرخصة وغير المرخصة، واستطراداً إنهاء أي أمل مستقبلي لإعطاء "ليبان تيليكوم" دوراً محروياً في إدارة القطاع، بحيث تتحول تلك الشركة إلى شركة ضعيفة يسهل شراؤها من المتربصين بالمؤسسات العامة لشرائها بثمن بخس.