وزارة العدل تخاصم النائب فراس حمدان: درس في الأدب … وتعطيل المؤسسات
05/04/2024
تسرّب الكتاب الموجه من وزير العدل هنري خوري إلى الأمانة العامة لمجلس النواب بإعلان مقاطعة وزارة العدل (ويفهم القضاة أيضا) المشاركة في اللجان النيابية، احتجاجا على ما اعتبره الوزير تعرّضا شخصيّا للنائب فراس حمدان لمعاونة مفوض الحكومة العسكري منى حنقير، وذلك إلى حين اعتذار هذا الأخير. وكان النائب فراس حمدان احتجّ بشكل خاص على كيفية التعامل مع قضايا المتظاهرين وضمنا قضية إصابته برصاصة كادت تودي بحياته، من قبل النيابة العامة العسكرية والتي تشكل القاضية حنقير أحد عناصرها. وقد تمّ ذلك في الجلسة التي عقدتها لجنة الإدارة والعدل في تاريخ 26 آذار 2024 لمتابعة البحث في اقتراح قانون تعديل قانون القضاء العسكري.
ويتحصل من الكتاب أنّ وزير العدل لم يكنفِ بالتنديد بالتعرّض للقاضية حنقير، إنما ندّد بانتقاد أدائها و"انتقاد عمل المحكمة العسكرية وأدائها"، معتبرا أنّ هذه الانتقادات أتت "خارج الموضوع" وشكّلت تعرضا لهيبة القضاء ومكانته. وعليه، برر خوري قرار مقاطعة أعمال اللجان (والذي صرّح أنه أخذه بعد التواصل مع رئيس مجلس القضاء الأعلى) بأن مبدأ الاحترام المتبادل بين السلطتين التشريعية والقضائية لا يقلّ شأنا عن مبدأ التعاون بين السلطات.
بمعزل عن تفاصيل التعرّض، يسجّل أن هذا الكتاب يخلّ إخلالا صريحا بمبدأ التعاون بين السلطات الذي يكتسي قيمة دستوريّة عليا (مقدمة الدستور فقرة ه)، حيث اعتقدت وزارة العدل أن بإمكانها أن تغلب حكمها القيمي الخاص لموجب أخلاقي (الاحترام) على موجبها الدستوري بالتعاون مع السلطة التشريعية. وما يزيد من قابلية هذا الأمر للانتقاد أنه يضيف على كل ممارسات تعطيل العمل العام والتخلي عن المسؤوليات العامة منزلقا جديدا بإمكان كلّ من يستشعر مسّا بكرامته (وهو مفهوم يقبل الانتفاخ) أن يسلكه وصولا إلى مزيد من التعطيل والتخلي؟
كما أن المبررات الواردة فيه تؤشر إلى تعرّض من قبلها لحرية التعبير وضمنًا توجيه انتقادات للقضاة والقائمين على خدمة عامة، وبخاصة أن ما نسبته إلى حمدان من انتقادات إنما ورد في إطار ورشة تشريعية تهدف إلى إصلاح شؤون القضاء العسكري ومعالجة الهنات فيه. فما هي قيمة الإصلاح القانوني لهذا القضاء إذا لم يترافق مع درس جوانب الخلل في أدائها؟ وكيف يمكن أن يتمّ درس هذه الجوانب من دون أن يكون للنواب حرية كافية لانتقاد المحكمة العسكرية، بما يتماشى مع حرية الكلام الممنوحة لهم بموجب المادة 40 من الدستور؟
أخيرا من الملفت أن تنتصر وزارة العدل لكرامة القاضية حنقير على هذا الوجه فيما تركت ساحة التنمّر والتحقير مفتوحة تماما إعلاميا ونيابيّا وسياسيا للتعرّض ضدّ قضاة على خلفية تمّسكهم بأداء وظائفهم في مواجهة نظام الإفلات من العقاب. لا ينسى مثلا كيف ماشى خوري حملات التنمّر والتحقير ضدّ المحقق العدلي طارق بيطار بالدعوة إلى تعيين قاضٍ رديف له وأنه رفض تحريك أيّ ساكن ضدّ العنف غير المسبوق الذي مارسه النائب العام التمييزي السابق غسان عويدات على بيطار، والذي ما تزال مفاعيله مستمرة. فأي مصالح وأي كرامة تقصد وزارة العدل في كتاب المقاطعة؟ مصلحة القضاء الفاعل والقادر والمستقلّ أم مصلحة محكمة غالبا ما كانت إحدى أهم أدوات نظام الإفلات من العقاب؟