اقتراح جديد لمناهضة العنف ضدّ المرأة: حين تطغى صورة "المرأة الضحية"

لين أيوب

07/03/2025

انشر المقال

في تاريخ 28/3/2024، قدّم النواب بوليت يعقوبيان وسينتيا زرازير ونجاة عون وحليمة القعقور ومارك ضو وفراس حمدان وميشال الدويهي، بالتعاون مع منظمة كفى، اقتراح قانون يرمي إلى مناهضة العنف ضدّ المرأة وتعديل بعض مواد قانون العقوبات. ويجمع الاقتراح عمليّا بين مواضيع عدّة تتصل بالنساء، أبرزها مناهضة العنف ضدّ المرأة وتجريم التحرّش الجنسي وتعديل أحكام متصلة بجرائم جنسية فضلا عن مسألة تزويج القاصرات.

وتفصيليًا، من أهم ما تضمنه الاقتراح، الأمور الآتية:

  • إرساء تدابير وآليات جديدة لحماية المرأة من العنف، وهي آليات تضاف إلى الآليات السابقة التي أوجدها قانون مكافحة العنف الأسري، منها: فتح المجال أمام إمكانية المنظمات الحقوقية تمثيل المرأة المعنّفة، وإنشاء مراكز لحماية ودعم النساء ضحايا العنف وتوفير مساكن آمنة، وإنشاء مراكز لتأهيل المرتكبين؛
  • إلزام جميع الأشخاص، بمن فيهم الخاضعين للسر المهني، بواجب إخبار الجهات المختصة حال علمهم أو مشاهدتهم حالة عنف أو معاينة آثارها؛
  • تعديل تعريف جرم التحرش الجنسي المنصوص عليه في القانون رقم 205 والصادر في 30/12/2020 في اتجاه توسيعه وعلى نحو أفقده دقّته؛
  • تعديل عقوبات الجرائم الجنسية، كالاغتصاب والخطف في اتجاه تشديد العقوبات،
  • تشديد عقوبة مسهّلي الدعارة والمستفيدين منها ومعاقبة الزبون متلقي الخدمة الجنسية في موازاة إلغاء تجريم المرأة التي تمارس الدعارة بعد اعتبارها ضحية للاستغلال،
  • تجريم إخضاع المرأة لفحص العذرية دون إرادتها،
  • تجريم عقد زواج قاصر أو إجبار بالغة على الزواج بالإكراه أو الخداع.

 

وبحسب ما ورد في الأسباب الموجبة، برّر مقدمو الاقتراح ضرورة وضع قانون شامل للعنف ضد المرأة، نظرا لأوضاع المرأة وما تعانيه من مختلف أنماط العنف المتزايد والمتنوع، وقصور التشريعات عن تلبية الحاجة المطلوبة وقايةً وملاحقةً وحمايةً وتجريماً وتوفيراً للخدمات اللازمة والتعويض عن الضرر اللاحق بالضحايا. وقد خلص الاقتراح انطلاقا من تشخيص واضعِيه للواقع والتشريعات الوطنية المعمول بها إلى وجوب وضع قانون جديد خاص بمناهضة لعنف ضدّ المرأة مع إدخال تعديلات على قوانين سابقة انطلاقا من المبادئ الآتية: اعتبار العنف ضد المرأة شكلا من أشكال التمييز وانتهاكا لحقوق الإنسان وجرماً يعاقب عليه القانون؛ عدم اعتبار الثقافة أو العادات أو التقاليد أو "الشرف" أو الدين مبرراً لارتكاب أفعال العنف؛ واحترام إرادة المرأة في اتّخاذ القرار المناسب لها؛ واحترام وضمان الأمن الشخصي وخصوصية المرأة.

ولفهم الاقتراح، يجدر التذكير بالسياق القانوني في هذا المجال. إذا كان مجلس النواب أقرّ القانون رقم 293 "حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري" في 07/05/2014، وتمّ تعديل العديد من أحكامه بموجب القانون رقم 204 الصادر في تاريخ 30/12/2020. كما أقرّ مجلس النواب علاوة على ذلك في 30/12/2020 القانون رقم 205 الرامي إلى تجريم التحرّش الجنسيّ وتأهيل ضحاياه. وقد أبدت "المفكرة القانونية" ملاحظاتها حول تعديل قانون العنف الأسري عام 2020 مع الإشارة إلى القصور فيه، إضافة إلى إبدائها ملاحظات تفصيليّة حول مقترح تجريم التحرّش في لبنان. إلّا أن الاقتراح الحاليّ لم يعالج أيا من هذه الملاحظات، بل تأسّس بشكل خاصّ على فكرتيْن أساسيتيْن أخذتا إلى حدّ كبير طابعا إيديولوجيا: الأولى تقوم على وجوب منح المرأة حماية خاصة بالنسبة إلى سائر أفراد الأسرة، مما يوجب وفق الاقتراح إقرار قانون جديد خاصّ بحماية المرأة يُضاف إلى القانون السابق الذي يرمي إلى حماية أفراد الأسرة إزاء العنف الأسري. والثانية، أنّ حماية المرأة تستوجب بالضرورة اعتماد منطق عقابيّ شبه شموليّ مع تشديد للعقوبات المطبّقة على أيّ اعتداء على المرأة لكونها امرأة. ويعكس هذا الموقف بالواقع توجّها إيديولوجيًا لدى شريحة من الحراكات النسوية بات يصطلح على تسميته Carceral Feminism. وهذا ما سنحاول الإضاءة عليه.

وعليه، يستدعي الاقتراح الملاحظات الآتية، نعرضها تدريجيّا في سياق الاقتراح:

 

أولًا: هل نحن فعلا بحاجة إلى قانون خاصّ لحماية المرأة من العنف؟ 

أوّل الأسئلة التي يطرحها اقتراح القانون يتصلّ بإصرار الاقتراح (الذي أعدّتْه منظمة كفى) على تخصيص النساء بقانون خاصّ لحمايتهن من العنف، رغم وجود قانون ما يزال معمولاً به وعنوانه حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري. بمعنى أنّ الاقتراح يرمي ليس فقط إلى تحسين آليّات حماية النساء من العنف الأسريّ والتي وردت في هذا القانون، بل في الآن نفسه إلى تمييزهن عن سائر أفراد الأسرة في هذا الخصوص. وهو بذلك يختلف عن الاقتراح الذي كانت أعدّته المنظمة في 26/11/2018 وتم إقراره معدلا في 30/12/2020 وانتهى عمليّا حينذاك إلى تعديل تعريف العنف الأسري وإدخال تعديلات جوهرية أكثر حماية للنساء وأفراد الأسرة كافة إزاء هذا النوع من العنف. والواقع أنّ الذهاب في هذا المنحى إنما يعكس محاولة من قبل منظمة كفى لإعادة النقاش في هذا الشأن إلى 2014 حين رست إرادة المشرّع على وضع قانون لحماية جميع أفراد الأسرة وليس فقط المرأة من العنف الأسري خلافا لما كانت تطلبه آنذاك.

وفيما خلتْ الأسباب الموجبة من أيّ تبرير لهذا الإصرار على تمييز النساء سوى أنهم معرّضات أكثر للعنف، فإنّه يخشى أن يؤدي في حال إقراره إلى تداخل في النصوص وتناقض فيما بينها وتعقيد في توزيع المهام على الجهات المسؤولة عن تطبيقه وصلاحياتها وعدم توفر الموارد البشرية اللازمة فضلا عما قد يتيحه كل ذلك من هدر للطاقات الوطنية. وليس أدلّ على ذلك من أنّ الاقتراح يهدف إلى إنشاء حساب (صندوق) خاص في وزارة الشؤون يتولى مساعدة النساء والفتيات ضحايا العنف وتأمين الرعاية لهنّ، يضاف إلى الصندوق المنشأ بموجب القانون رقم 293 في الحماية من العنف الأسري علما أنه يخشى أن يبقى الحساب كما الصندوق المذكور فارغين، وفقا لما عكسته التجارب السابقة في إنشاء الصناديق التي تبقى فارغة أبرزها صندوق ضحايا الاتجار بالبشر وصندوق مساعدة المستأجرين القدامى وصندوق مساعدة ضحايا التحرش. الأمر نفسه نسجله في خصوص إصرار الاقتراح على التعميم في تخصيص قضاة وعناصر قوى أمن لحماية النساء بعدما كان القانون رقم 293 قد انتهى إلى الأمر نفسه. وقد بدا توجه الاقتراح من هذه الوجهة ذات منطلقات إيديولوجية تكاد تكون منفصلة عن احتياجات الواقع والموارد المتوفرة.

 

ثانيًا: هل يحسن الاقتراح حماية النساء إزاء العنف الأسريّ؟

بمعزل عن مسألة تخصيص النساء بقانون خاص، سنحاول هنا إجراء تقييم لأحكام الاقتراح، وفيما إذا كانت تسهم في تحسين آليات حماية النساء إزاء العنف الأسريّ.

 

مدى ملاءمة تعديل تعريف العنف الأسري

فمن جهة أولى، يعود الاقتراح ليطلب تعديلا على تعريف العنف الأسري وبخاصة من زاوية اشتراط أن يعكس سوء استعمال للسلطة داخل الأسرة بالقوة الجسدية أو غيرها. وهذا التوسّع المقترح يقبل النّقد على خلفية إضافة شرط جديد مبني على مفهومين مبهميْن وهما "السلطة" و"سوء استعمالها". وتطرح هذه الإضافة إشكاليّة حول طبيعة السلطة، بالأخصّ إن كانت مستمدة من قوانين الأحوال الشخصية التي تعلن الرجل ربّ العائلة أو سلطة واقعيّة يعود للقاضي تقديرها بناء على خصوصيّة كلّ عائلة. فمن شأن ذلك أن يكرّس مفهوم السلطة التقليدية داخل الأسرة، سواء الأبوية أو الزوجية في نصّ مدنيّ، تماماً كما فعل قانون حماية أفراد الأسرة من العنف الأسري الصادر عام 2014 حين كرّس مفهوم "الحق بالجماع". وقد حذّرت "المفكرة القانونية" من هذا الشرط خلال النقاشات الحاصلة عند تعديل القانون عام 2020، والذي من شأنه في حال إقراره أن يفتح الباب أمام جدل حول مدى توفّر سوء استعمال السلطة واستحضار مجمل النصوص الطائفية التي تنفيها أو توطّدها. وفيما يرجّح أن يكون واضعو الاقتراح رموا من خلال ذلك إلى إعادة تسليط الضوء على الغاية الأصليّة لهذا القانون وهي (حماية المرأة الخاضعة لسلطة الرجل التقليدية)، يُخشى أن يؤدي عملياً إلى تبرير حالات عدّة من العنف بمقتضيات السّلطة وأن ينتهي التّعريف بالنتيجة إلى إعادة تضييق شروط الحماية بدل توسيعها. وقد يكون تالياً من الأنسب إعادة التدقيق في التعريف.

من جهة ثانية، يلحظ أن الاقتراح أبقى على تعريف الأسرة المبنيّة على الروابط القانونية للزواج والبنوّة، من دون أن يعيد النظر في مفهوم الأسرة في اتجاه لتشمل الأسر الناشئة عن المساكنة أو العلاقات الحميمة المستقرة، وهي حالات متزايدة في المجتمع اللبناني بحاجة أيضا إلى الحماية. ويجدر التذكير هنا أنّ أحد قضاة الأمور المستعجلة في المتن (أنطوان طعمة) قضى عام 2018 بتوسيع مفهوم العائلة ليشمل عاملة منزلية أجنبية على اعتبار أنّها "تترك بلادها لكي تمكث في منزل مخدومها لتقديم الخدمة له لقاء أجر معين، ومبارحتها المنزل المذكور واهتمامها بحاجات أفراد الأسرة ولا سيما الأطفال منهم، ومعايشة تلك الأسرة ليلاً نهاراً"، فإنّ الاقتراح عاد وتجاهل هذه الفئة. و بمعزل عن الحجج التي قد تبرّر دمج هذه الفئة ضمن تعريف الأسرة أو إبقاءها خارجه، يبقى أنّ النتيجة هي جعل العاملة مستثناة من الحماية العائلية بعدما كان تمّ استثناؤها من حماية قانون العمل بحجة أنّها تعمل ضمن عائلة، وتالياً جعلها مستثناة من أيّ حماية.

 

آليات حماية النساء من العنف: محاذير من تنميط المرأة الضحية

يتضمن الاقتراح تحت عنوان تدابير وآليات حماية المرأة من العنف، أحكاما إيجابية منها: فتح الاقتراح المجال أمام إمكانية المنظمات الحقوقية تمثيل المرأة المعنّفة والدفاع عن حقوقها وإنشاء مراكز لحماية ودعم النساء ضحايا العنف (ضمن وزارة الشؤون الاجتماعية أو بموجب تعاقدات) وتوفير مساكن آمنة، إلى جانب إنشاء مراكز لتأهيل المرتكبين بهدف الوقاية وإعادة التأهيل. إلا أنه ورغم أهمية هذه الأحكام، فإن منح المنظمات الحقوقية صفة التمثيل تكاد تكون الآلية الأكثر عملانية، فيما أن تفعيل الأحكام الأخرى تتطلب توفير موارد مادية وبشرية قد لا تتمكن الدولة في وضعها الراهن من توفيرها. 

بالمقابل، يذهب الاقتراح إلى إلزام جميع الأشخاص، بمن فيهم الخاضعين للسر المهني، بواجب إخبار الجهات المختصة حال علمهم أو مشاهدتهم حالة عنف أو معاينة آثارها باستثناء العنف الجنسي الذي يحتاج الإخبار فيه إلى موافقة الضحية في حال لم يكن الجرم مشهودًا، مع حماية المبلّغين من الملاحقة القضائية وعدم إفشاء هويتهم إلا برضاهم. وفي هذا المجال، يسجّل أن العديد من المراجع[1] الأكاديمية الخبيرة في شؤون حماية المرأة من العنف، تشير إلى أن التبليغ الإلزامي عن حالات العنف ضد المرأة، دون موافقتها، قد يؤدي إلى نتائج عكسيّة عن تلك المرجوّة وقد يتعارض مع مصلحة الناجيات أنفسهنّ. وهذا ما عكسه عدد منها حينما أكّدت على أن التبليغ الإلزامي يتعارض مع حق النساء في تقرير مصيرهنّ، ويجبرهنّ على الانخراط في إجراءات قانونية قد لا يرغبن بها، مما يقوّض استقلاليتهنّ وحريتهنّ الشخصيّة. وتعبر الدراسات عن خشية من أن تؤدي هذه الأحكام إلى تنميط المرأة كضحية عاجزة أو منقوصة غير قادرة على التصرف بنفسها، يحاول القانون السيطرة عليها وعلى قراراتها بدلا من تمكّينها من اتخاذ قرار التبليغ بنفسها وتسهيل الإجراءات المرتبطة بذلك. وتعتبر الكاتبة إليزابيث شنايدر في كتابها "Battered Women & Feminist Lawmaking[2]" "أنّ سياسات الحماية المفرطة، التي لا تأخذ في عين الاعتبار رغبة النساء، يمكن أن تعيد إنتاج أنماط من الهيمنة الأبوية تحت غطاء الحماية القانونية". هذا وتشير الكاتبة لأي غودمارك في كتابها "[3]Decriminalizing Domestic Violence"، إلى أن بعض النساء، وهو الأمر الذي ينطبق على الواقع اللبناني نظرا لقوانين الأحوال الشخصيّة، يخشين فقدان أطفالهنّ أو التعرض لعواقب قانونية غير متوقعة إذا تمّ التبليغ عن العنف من دون إرادتهنّ. وأبعد من ذلك، قد يؤدي التبليغ الإلزامي إلى ثني النساء اللواتي يتعرّضن للعنف عن اللجوء إلى الجهات المختصّة كالجمعيات أو طلب الدعم النفسي أو العلاج الطبي، في حال عرفن أنّ هؤلاء المهنيين ملزمون بالإبلاغ عنّ تعرّضهن للعنف.

وعليه، من المستحسن أن ينحصر موجب التبليغ بالحالات التي تشتمل على عنف ذات درجة عالية من الخطورة وفق الأحكام القانونية المعمول بها. ونذكّر في هذا المجال مثلا أنّ المراكز الصحيّة ملزمة بإبلاغ الجهات المختصّة عند معاينتها لحالات عنف بحسب المادة 400 من قانون العقوبات التي تنص على معاقبة "من قام حال مزاولته إحدى المهن الصحية بإسعاف شخص يبدو أنه وقعت عليه جناية أو جنحة تجوز ملاحقتها دون شكوى ولم ينبىء السلطة بها". وإن كان موضوع التبليغ عن العنف أمرا مندوبًا، فإنه من المستحسن أن يتمّ بموافقة المرأة نفسها تجنبا لأي عواقب عكسيّة ممكنة. وعليه، كان يفضل أن يفكّر الاقتراح التفكير في سياسات تدعيم المرأة وتمكينها من مواجهة العنف بدلا من الاستمرار في مقاربتها ككائن يفتقد إلى القدرة الذاتية ويحتاج على الدوام إلى الحماية.

فضلا عن ذلك، عمد الاقتراح إلى تشديد العقوبات المنصوص عليها في قانون العنف الأسري بعدما كان تمّ تشديد هذه العقوبات أصلا في قانون 204/2020. وهنا، يعبّر معدّو الاقتراح عن حماسة مضاعفة في تشديد الجانب العقابي من القانون الذي بلغ أوجه مع تحويل معظم الجرائم إلى جنايات. ويعكس هذا السعي إلى تشديد العقوبات غلبة المنطق العقابي في مقاربة قضايا النساء والذي انبنى عليه الاقتراح، وهو المنطق الذي بات يلقى انتقادات واسعة في أوساط أكاديمية[4] مختصّة في دراسة الحركات النسوية تحت مسمى  Carceral Feminism كما سبق بيانه. وقوام هذا النهج هو تبني سياسات وحلول قانونية عقابية تستند إلى فكرة أن المرأة لا تستطيع حماية نفسها، وضرورة وضع أطر قانونية تعتمد على الحماية المتطفلة والعقوبات الصارمة غير المتناسبة ضدّ المخالفين، دون إيلاء اهتمام إلى تمكّين المرأة التصدّي للعنف والتفكير في حلول جذريّة للحدّ منه.

وهذا ما نقرأه في كتابات البروفيسورة في العلوم الإجتماعية إليزابيث بيرنستين التي تنتقد تفضيل النظام العقابي والاعتماد المفرط على الإجراءات الجنائية والعقوبات على تبني سياسات تمكّينية للمرأة، فضلا عن تحوّل آليات حماية المرأة إلى نظام رقابي عليها يقيّد حريتها ويسهم في إنتاج ما يُسمّى "العنف الهيكلي". وقد يفضي هذا النهج في بعض الأحيان إلى تهميش النساء وتعزيز صورتهنّ كضحايا دائمات، وهو تهميش لا  يخدم أبدا في معالجة أساس المشكلة والحدّ من العنف. وتدعو بيرنستين إلى ضرورة إعادة النظر في السياسات العقابية، مقترحةً اعتماد مقاربة شاملة تجمع بين الإجراءات الوقائية والتدخلات التمكينية والدعم، بحيث تعزز قدرة النساء على حماية أنفسهن بطرق لا تعتمد فقط على الإجراءات القضائية والعقابية.

فضلا عن ذلك، يُخشى أن يدفع هذا التوجّه القضاة إلى تضييق حالات العنف تجنّباً لمفاعيلها الجزائية وعمليّاً للوصول إلى نتيجة معاكسة لما يريده واضعو الاقتراح، أي حرمان النساء من الإجراءات الحمائية.

 

ثالثًا: التوسع في تعريف التحرّش الجنسي يفقده معناه

يتناول الاقتراح أيضًا جرائم التحرّش الجنسي. وهنا، عمل الاقتراح على توسيع تعريف هذا الفعل بصورة أفقدته وضوحه. ومن أهم التعديلات المقترحة، إلغاء شرط التكرار في جميع الحالات، بحيث باتت عناصر جرم التحرش متوفرة بفعل أي كلام أو تلميح أو إيحاء أو كتابة أو أي وسيلة من وسائل الاتصال أي كان نوعها باستخدام كل ما يحمل دلالات جنسية من شأنها انتهاك الحرمة الجسدية وكرامة الإنسان أو تنشئ تجاهه أوضاعا عدائية أو مهينة. كما تعدّ عناصر جرم التحرّش متوفّرة في حال "ممارسة كافة أنواع الضغوط ومنها التهديد أو الابتزاز، بهدف إقامة علاقة جنسية سواء مع الفاعل أو مع الغير" أو "لجوء أي شخص بالكلام أو بالكتابة أو بالتلميح أو بممارسة الضغوط أو بالتهويل أو بأية وسيلة اتصال مهما كان نوعها بما فيها وسائل الاتصال الرقمي أو بإصدار الأوامر، بهدف الاستحصال على خدمات ذات طبيعة جنسية، سواء لمنفعته أو لمنفعة الغير".

ويلحظ الاختلاف الكبير بين تعريف جرم التحرش في الاقتراح عن تعريفه في القانون رقم 205 والصادر في 30/12/2020 حيث جاء أنه "أي سلوك سيء متكرر خارج عن المألوف، غير مرغوب فيه من الضحية، ذي مدلول جنسي يشكّل انتهاكاً للجسد أو للخصوصية أو للمشاعر يقع على الضحية في أي مكان وجدت، عبر أقوال أو أفعال أو إشارات أو تلميحات جنسية أو اباحية وبأي وسيلة تمّ التحرّش بما في ذلك الوسائل الإلكترونية. يعتبر أيضا تحرشا جنسيا كل فعل أو مسعى ولو كان غير متكرّر يستخدم أي نوع من الضغط النفسي أو المعنوي أو المادي أو العنصري يهدف فعليا للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية يستفيد منها الفاعل أو الغير".  ويعتبر هذا التعريف وافيّا وإن سجلّت المفكرة بعض الانتقادات عليه.

ولعلّ أولّ ملاحظة تسجلّ على التعديل المقترح، وبالمقارنة مع القانون الحالي، هو تخليه عن عنصر التكرار في صلب تعريفه للتحرّش، وذلك حتى في الحالات التي لا تشتمل على ضغط على الضحيّة. فبحسب الاقتراح يعتبر جرم التحرّش متحققا طالما تمّ القيام بأي عمل أو ايحاء أو غيرها من الوسائل، وإنّ لمرّة واحدة فقط، طالما الفعل يحمل أيّ "دلالات جنسية"، ويعاقب بالحبس حتى السنة. وعنصر التكرار يستخدم في معظم القوانين، مثل القانون الفرنسي (المادة 222-33 من قانون العقوبات الفرنسي)، كمعيار لتمييز جرم التحرّش عن السلوكيات الفردية المعزولة والإزعاج العارض أو التصرفات غير المقصودة. فعنصر التكرار يسمح بإثبات النيّة والقصد الجرمي، ويسمح بالأخصّ بالتأكّد من عدم رغبة الضحية واعتراضها، مقابل نيّة الفاعل الواضحة بالاستمرار في إيذائها.

أما الملاحظة الثانية فهي أنّ معدّي الاقتراح تخلّوا عن عنصر آخر مهمّ يدخل في توصيف القانون الحالي لجرم التحرش الجنسي وهو "كونه غير مرغوب به من الضحية". وهذا الأمر يؤدّي إلى إقحام القضاة ومعهم الضحايا في صعوبة إثبات نيّة الفاعل، ودهاليز الأخلاقيات الفردية والاجتماعية المتغايرة والمعقّدة والمبهمة إلى حدّ ما، مع ما قد يتفرّع عن هذا الأمر من صعوبات في تطبيق النصّ، نظراً لضبابية المصطلحات (كـ"التلميح" و"الإيحاء") التي تترك مجالا لتأويل واسع. من جهة ثانيّة، فإنّ ضبابية التعريف تؤدّي إلى مخاوف من تقييد حريّة التعبير أو النقاش، تصل إلى حدّ تجريم التفاعلات الإنسانيّة اليوميّة. وتتفاقم هذه الإشكالية فيما يخصّ المواقع والمنصات الإلكترونيّة للتعارف (Dating Applications and Platforms)، التي تسمح للمستخدم بإعلان رغباته على صفحته الخاصّة من الشريك الذي يرغب في إيجاده. وعليه، في حال إقرار الاقتراح، يصبح مجرد كتابة المستخدم جملة يعلن فيها رغبته بإقامة "علاقات عابرة" مثلا، فعلًا مجرّمًا تصل عقوبته إلى سنة حبس.

وفي هذا المجال، تنتقد البروفيسورة في جامعة هارفرد جانيت هايلي[5] ، وهي خبيرة في النظرية القانونية النسوية، والقانون والعلوم الإنسانية، والدراسات القانونية النقدية، التوجهات القانونية النسوية التي تعتمد بشكل مفرط على العقوبات والإجراءات الجنائية فيما يخصّ جرائم العنف والتحرّش، وتؤدي بالنتيجة إلى تجريم التفاعلات الإنسانيّة البديهية. وتتجه هذه الحركات إلى تحويل بعض السلوكيات الاجتماعية غير المؤذية إلى جرائم، وتقضي إلى مناخ رقابي متشدد بين الناس. ففي كتابها Split Decisions: How and Why to Take a Break from Feminism, 2006، تُحذّر هايلي من توسيع السياسات العقابية التي قد تؤدّي إلى تحويل العلاقات الشخصية إلى ميدان للتدخل القضائي المُفرط، وتقييد حرية التعبير والتفاعل الاجتماعي، وهو ما يُعد محور نقدها لـ "carceral feminism".

"Feminist legal strategies, when taken to extremes, may transform the sphere of personal relationships into arenas of punitive state control."[6]

إضافة إلى كلّ ما سبق، يعتبر استغناء التعريف عن عنصر "عدم رغبة الضحية" في توصيف الجرم، عاملا يعكس تقليل الوكالة الذاتية للمرأة، ويُسهم في تصويرها كضحية دائمة، لا قدرة لها على اتخاذ القرارات بنفسها ومواجهة التحديات. ويعزّز هذا الاتجاه فكرة حاجة المرأة الدائمة إلى التدخل الخارجي القضائي، مما يُقلل من دورها كفاعل مستقل في المجتمع. فمن الطبيعي أن تتعرض المرأة في سياق حياتها اليوميّة إلى محاولات تودد أو مغازلة أو إعلان نوايا، لها الحقّ في قبولها أو رفضها، فلا تشكل تحرّشا مجرّما إلا حينما تتكرر بعد إبداء المرأة إنزعاجها ورفضها.

 

رابعًا: الجرائم الجنسية

في الباب الرابع من الاقتراح، يتمّ التطرق إلى الجرائم الجنسية التي تطال المرأة. ويشمل ذلك جرائم الإغتصاب والخطف بقصد الزواج وفحص العذرية وتشويه رحم المرأة والدعارة، بالإضافة إلى الإكراه على الإجهاض والتزويج المبكر. كما يُخصص الباب فصلًا أخيرا للتعامل مع جرائم العنف أثناء النزاعات المسلحة، مع تحديد عقوبات شديدة لهذه الجرائم باعتبارها جرائم ضد الإنسانية. أمّا الباب الخامس الذي يحتوي على الأحكام الختامية، فينص على تشديد العقوبات في الحالات التي تكون فيها الضحية قاصرةً أو تعاني من إعاقة، وإقرار قبول كافة وسائل الإثبات في الجرائم المتعلّقة بالعنف ضدّ المرأة، مع إلغاء النصوص القانونية المتعارضة.

من المهم في سياق نقدنا للاقتراح أن نشير إلى التعديلات الإيجابية الأساسية التي قدّمها في العديد من النقاط.

فأولا، يُعيد الاقتراح صياغة نصّ المادة 252 من قانون العقوبات، ليستثني من أقدم على قتل أو جرح أو ضرب أو إيذاء زوجته أو مطلقته أو أخته أو ابنته أو والدته أو أية امرأة يعدّ قانوناً أو واقعياً مسؤولاً عنها أو ولياً لأمرها أو وصياً عليها، من الاستفادة من العذر المخفّف المنصوص عليه في المادة والذي ينطبق على "فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بثورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجنى عليه". وينسجم هذا الاقتراح مع ما كانت ذهبت إليه محكمة التمييز في قضية منال عاصي في سياق تفسيرها للنصوص تبعا لإلغاء العذر المخفف في حالات الشرف.

وثانيا، يلغي الاقتراح تجريم المرأة التي تمارس الدعارة. إلا أن إلغاء التجريم يأتي من منطلق معاملة المرأة في هذه الحالة معاملة الضحية للاستغلال بغض النظر عن مدى إرادتها في ممارسة الدعارة. وليس أدل على ذلك من أن يترافق إلغاء تجريم المرأة مع اعتماد تجريم الزبون وفق ما سنعود إليه أدناه في سياق السلبيّات.   

ثالثًا، يجرّم الاقتراح إخضاع المرأة لفحص العذرية من دون إرادتها مع تحديد عقوبات تصل إلى ثلاث سنوات حبس. وتهدف هذه المعاقبة إلى مكافحة الممارسات التي تخضع أمرة المرأة على جسدها للرقابة الاجتماعية، رقابة تصل في هذه الحالات إلى فحص أعضائها الأكثر حميمية. 

أخيرا، يجرّم الاقتراح عقد زواج قاصر أو إجبار بالغة على الزواج بالإكراه أو الخداع. ويذهب الاقتراح هنا عمليّا وبجرّة قلم إلى تعديل قواعد الأحوال الشخصيّة الطائفيّة التي ما تزال تسمح بزواج قاصرات.  

بالمقابل، نسجّل عددًا من المقترحات القابلة للانتقاد:

فمن جهة، ذهبت العديد من المقترحات التعديليّة إلى تأنيث المجني عليهم على نحو يحصر الحماية بالإناث في موازاة إقصاء الذّكور من دائرة الحماية. ففيما تنصّ المادة 505 عقوبات على معاقبة "من جامع قاصرا" من دون تحديد إذا كان ذكرًا أم أنثى، ينصّ الاقتراح التعديليّ على معاقبة "كل شخص بلغ الثامنة عشرة من عمره على إقامة علاقة جنسية مع قاصر لم تتمّ الثانية عشرة من عمرها"، على نحو قد يفهم منه حصر التجريم في إقامة علاقة جنسية بين راشد رجل وفتاة قاصرة. وينسحب الأمر على مُقترحات تعديليّة أخرى تتناول معاقبة من "أكره امرأة على ممارسة أفعال غير رضائيّة ذات طابع جنسي مع شخص آخر"، أو تعاقب "حضّ المرأة على ممارسة الدعارة أو سهلها لها".

من جهة أخرى، عمد الاقتراح إلى تشديد عقوبات الجرائم المذكورة لتصل معظمها إلى أشغال شاقّة، الأمر الذي يفرض هنا الإحالة إلى ما سبق وذكرناه بشأن هيمنة المقاربة العقابية والانتقادات الموجهة إليها.

 

أخيرا، من اللافت أن الاقتراح ذهب إلى معاقبة "كلّ من أقدم على شراء أو محاولة شراء خدمة جنسية مباشرة من الضحية أو من خلال" أشخاص ثالثين. ويستند هذا التوجّه إلى بعض القوانين المقارنة التي اعتمدت تجريم الزبائن بهدف مكافحة الاستغلال الجنسي وردعه (السويد وفرنسا مثلا). إلا أن هذا التوجّه يقبل أيضا انتقادات عدة[7] لجهة أن من شأن تجريم الزبائن أن يحوّلهم إلى شركاء جرميّين لمسهّلي الدعارة وتجريم العلاقات التي قد تقيمها العاملات في الدعارة من دون وسيط، مما قد يصعّب ملاحقة شبكات الإتجار والكشف عنهم ويغرق الدعارة في مزيد من الخفاء والعتمة. ومن شأن كلّ ذلك أن يؤدي إلى مفاعيل عكسية لجهة تعزيز وصمة العار والاستغلال، مما قد يزيد من المخاطر على العاملات وتدهور ظروف العمل.

ويوصي التقرير الصادر عن نقابة العمل الجنسي الفرنسية (Syndicat du Travail Sexuel en France STRASS) بعنوان "Rapport sur la décriminalisation de la prostitution"، باعتماد سياسات تقوم على إلغاء تجريم الزبائن وتطبيق نماذج تنظيمية تضمن حقوق العاملات وتوفر لهن بيئة عمل أكثر أمانًا، مشددا على ضرورة إعادة النظر في الإطار القانوني للدعارة بحيث يُنظر إليها كقضية صحية واجتماعية وليس مجرد جريمة يُعاقب عليها العملاء فقط.

 

خاتمة

على ضوء ما سبق، يتّضح أنّ اقتراح قانون مناهضة العنف ضدّ المرأة يحمل طموحاتٍ إصلاحيّة جزائيّة عدّة، إلّا أنّه في الوقت ذاته يواجه تحديات وإشكاليات قانونية واجتماعية تتمحور حول اعتماده على النهج العقابي في معالجة معظم هذه القضايا، ويُكرّس صورة المرأة كضحية دائمة، التي تحتاج دائما لتدخل خارجي قد يتحوّل إلى نوع جديد من "السلطة الأبويّة" التي تمارس عليها وتقيّد من أمرتها على ذاتها واستقلاليتها، ويقلل من احتمالات تمكينها.

 

أسئلة إلى النائب ميشال الدويهي بقيت من دون جواب 

أخيرا، وبهدف تمكين أحد النواب مقدمي الاقتراح من إبداء الرأي بشأنه، طرحنا على النائب ميشال دويهي الأسئلة الآتية: 

1- الاقتراح يؤدي إلى تخصيص النساء بقانون خاصّ لحمايتهن من العنف، رغم وجود قانون ما يزال معمولاً به وهو قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري. ألا ترون أن من شأن ذلك أن يولد تناقضا وتداخلا في القوانين وسوء إدارة الموارد المالية والبشرية (القضاء، الشرطة)؟ 

2- أظهرت قراءتنا للمقترح اعتماده منطقا عقابيا يقوم على تشديد العقوبات في كل ما يتصل بالعنف ضد النساء ويوجب على الجميع بما فيهم أصحاب المهن الإبلاغ عن حالات العنف. هل تعتبرون أن المراهنة على تشديد النظام العقابي تؤدي فعليا إلى مكافحة العنف ضد النساء أم أن من شأنه أن يحدّ على العكس من ذلك من قدرة النساء على اللجوء إلى القانون وضمنا قدرتهن اللجوء إلى أصحاب المهن خشية من افتضاح العنف والتبليغ عنه؟ 

3- عدلّ المقترح تعريف التحرّش الجنسي المنصوص عليه في القانون رقم 205 والصادر في 30/12/2020، بحيث تمّ إلغاء شرط التكرار في جميع الحالات، وتخلّى عن عنصر آخر مهمّ يدخل في توصيف القانون الحالي للجرم وهو "كونه غير مرغوب به من الضحية". ألا تخشوْن أنّ تؤدي ضبابية التعريف، إلى نسف إحدى الحمايات الأساسية وهي أن لا عقوبة من دون نص فضلا عن مخاوف تقييد حريّة التعبير أو النقاش، على نحو يصل إلى حدّ تجريم التفاعلات الإنسانيّة اليوميّة والابتزاز؟ 

4- ينصّ الاقتراح على معاقبة الزبون من الخدمة الجنسية. ألا تخشون أن يؤدي فرض عقوبات على زبائن الدعارة إلى دفع نشاط الدعارة إلى الخفاء، ما قد يصعّب عمل الجهات الرقابية في مراقبة واقع الدعارة والتدخل في حالات الاستغلال أو الإتجار بالبشر، وتقديم الدعم والحماية القانونية للعاملات؟

 

إلا أننا لم نلقَ أي جواب. تبقى صفحات "المرصد" و"المفكرة" مفتوحة للنائب معوّض ولأيّ من النواب الآخرين الذين قدّموه ولمنظّمة كفى التي نقدّر عاليا جهودها المبذولة في حماية النساء من العنف وإن اختلفنا معنا في بعض المقاربات، لإبداء الرأي طبعا.

 


[1] Goodmark, Leigh S., "Decriminalizing Domestic Violence: A Balanced Policy Approach to Intimate Partner Violence" (2018)

[2] Schneider, Elizabeth M. Battered Women and Feminist Lawmaking. Yale University Press, 2000. JSTOR, http://www.jstor.org/stable/j.ctt1npsn7. Accessed 26 Feb. 2025.

[3] GOODMARK, LEIGH. Decriminalizing Domestic Violence: A Balanced Policy Approach to Intimate Partner Violence. 1st ed. University of California Press, 2018. http://www.jstor.org/stable/10.1525/j.ctv5cg9wh.

[4] Bernstein, E. (2012). Carceral Feminism. Signs: Journal of Women in Culture and Society, 42(1), 1–27.

Halley, J. (2006). Split Decisions: How and Why to Take a Break from Feminism. Princeton University Press.

[5] Janet Halley is an Eli Goldston Professor of Law at Harvard University. She is an expert on feminist legal theory; sex, sexuality, gender and the law; family law; law and humanities; and critical legal studies. She has a Ph.D. in English Literature from UCLA and a J.D. from Yale Law School. Her publications include: Split Decisions: How and Why to Take a Break from Feminism (Princeton 2006) and (with Hila Shamir, Rachel Rebouché, and Prabha Kotiswaran) Governance Feminism: An Introduction (Minnesota 2018) and Governance Feminism: Notes from the Field (Minnesota 2019). She has written about Title IX enforcement, the slavery legacy of the Royall Chair, which she formerly occupied, rape in the international law governing armed conflict, the theory and history of family law, social movements and the law, and the law of human trafficking. She has consulted on Title IX enforcement and related criminal matters.

[6] Halley, J. (2006). Split Decisions: How and Why to Take a Break from Feminism. Princeton, NJ: Princeton University Press.

[7] Ditmore, M. H. (2006). Prostitution, Trafficking, and Traumatic Sexualization: A Critical Analysis of the Nordic Model. Rowman & Littlefield.

Global Network of Sex Work Projects (NSWP) (2012). Decriminalisation of Sex Work: A Pathway to Improved Health and Human Rights.

Amnesty International (2016). No More Criminals: The Human Rights Costs of Criminalizing Sex Work.

STRASS (Syndicat du Travail Sexuel) – "Rapport sur la décriminalisation de la prostitution" (2015).