التشريع على قياس رؤساء النيابة العامة: تأخير سنّ التقاعد سيشمل إبراهيم وحجّار
03/12/2024
يوم الأربعاء الماضي، سجّل "المرصد البرلماني" مخالفة تشريعيّة كبيرة، قوامها زجّ فقرة ضمن اقتراح قانون تعديليّ لقانون تنظيم القضاء العدلي، قوامها تأخير سنّ تقاعد القضاة الذين يتوفّر فيهم شرطان: بلوغ سن التقاعد في الفترة الممتدة من 15/3/2025 إلى 15/3/2026 والذين يتطلب تعيينهم في مراكزهم مرسوماً يتخذ في مجلس الوزراء، وذلك لمدة ستة أشهر من تاريخ تقاعدهم. ولا يحتاج المرء لكثير من الجهد ليدرك أن هذين الشرطين على قدر كبير من الاعتباطيّة. إذ على فرض هدف الاقتراح إلى تأمين الاستمرارية في المراكز العليا في القضاء (وهي المراكز التي يتطلّب تعيين قضاة فيها مرسوماً يتخذ في مجلس الوزراء) بالنظر إلى أهمية وظيفتها، فلماذا يشترط القانون بدء مدة تاريخ التقاعد في 15/3/2025 وليس في تاريخ نفاذ القانون؟ هل يكون حصول الفراغ في هذه المراكز العليا مقبولا في حال حصوله في شهر كانون الأول أو الثاني أو شباط ولا يكون مقبولا في حال حصوله في آذار، علما أن الفراغ الذي قد يحدثه تعطيل التعيينات تبعا للأزمة السياسية في أيّ من المراكز العليا المذكورة يكون أطول بقدر ما يبلغ شاغله سن التقاعد بصورة أبكر.
وبمراجعة بيانات القضاة، يتبيّن أمران هامّان وهما أن القاضي المستفيد الوحيد من هذه الفقرة المضافة هو النائب العام المالي علي إبراهيم الذي يستجدّ تقاعده في نيسان 2025. كما تكشف هذه البيانات معلومة أخرى لا تقلّ خطورة ومن شأنها تفسير سبب تأخير تاريخ بلوغ سن التقاعد للاستفادة من تأخير هذه السنّ لستة أشهر. تفيد هذه المعلومة أن رئيسة هيئة القضايا هيلينة اسكندر تتقاعد في كانون الثاني 2025. بمعنى أن الفقرة المضافة لم تهدف إلى منح النائب العام المالي إمكانية تأخير تقاعده وذلك للمرة الأولى في تاريخ القضاء اللبناني، بل هدفت أيضا إلى حرمان القاضية هيلينة اسكندر المتواجدة في الوضعية نفسها من هذه المنحة. إذ ذاك، اعتبر "المرصد البرلماني" ما حصل بمثابة فضيحة تشريعية تخالف أصول التشريع ومبادئه.
لكن سرعان ما تبيّن أن ما خفي أعظم. وهذا ما تكشّفَ عند الاطّلاع على نسخة القانون المرسلة إلى الحكومة فعليّا في تاريخ أمس. فقد عمد الجهاز المشرف على إعداد المحاضر التشريعية إلى إجراء تعديل على هذه الفقرة على خلفية أنه شابها خطأ مادي. هذا التعديل تناول الفترة التي يشترط حصول التقاعد خلالها للاستفادة من هذه المنحة. ففيما بقي تاريخ بداية هذه الفترة هو نفسه (أي 15 آذار 2025)، دفش تاريخ نهايتها ليصبح 15 أيار 2026. وهنا أتت البيانات لتكشف الأعظم وهو أن دفش تاريخ نهاية الفترة على هذا الوجه إنما يُفيد قاضيا واحدا هو النائب العام التمييزي بالتكليف جمال حجار الذي يتقاعد وفق بيانات القضاة في شهر نيسان 2026.
وعليه، اكتملت الحكاية: كواليس التشريع أثمرت قانونا على قياس شخصين وليس شخص واحد: وهما القاضيين اللذين يشغلان أعلى مراكز النيابة العامة وأكثرها حساسية: أي مركز النائب العام التمييزي الذي يرأس كل النيابات العامة وله أن يوجه إليها أي تعليمات خطية أو شفهية وعامة أو خاصة، ومركز النائب العام المالي الذي هو يتولّى الادّعاء في مجمل قضايا الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال وبشكل أعم القضايا المالية. وتتبلور الدوافع أكثر فأكثر حين نعرف أن النائب العام المالي هو الذي يتولى تمثيل النيابة العامة في قضية رياض سلامة بشأن عمولات مصرف لبنان المليارية تحت إشراف النائب العام التمييزي؛ والأهم حين نعرف أن رئيسة هيئة القضايا اسكندر التي حرمت قصدا من منحة التمديد هي التي تجهد لضمان تمثيل الدولة في هذه القضايا كما أيضا في القضايا المقامة ضد سلامة في فرنسا.
غدا، سينظر مجلس الوزراء في إصدار القوانين على جدول أعمال مجلس الوزراء. وأمس، طلب رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبّود من السلطات الدستورية تصحيح الخلل التشريعي الذي احتواه هذا القانون. يؤمل أن يعيد مجلس الوزراء القانون إلى المجلس النيابي عملا بالمادة 57 من الدستور. فإذا لم يحصل، يؤمل أن يتقدم عدد كافٍ من النواب بطعن على هذا القانون أمام المجلس الدستوري الذي سيكون إذّاك أمام امتحان مهم جدا لصون الانتظام العام الدستوري.