نوّاب زغرتا يتوافقون على "أمنَنة" النزوح: ماذا بعد انفجار أيطو؟

رازي أيوب

18/10/2024

انشر المقال

أدّى العدوان الإسرائيلي يوم الإثنين على أيطو في قضاء زغرتا، إلى استشهاد 23 نازحا من قرية عيترون الحدوديّة. وقبل معرفتنا لعدد الشهداء، انفتح جدلٌ بشأن ظروف الاعتداء وتحديدا فيما إذا كان هنالك أشخاص استهدفتهم آلة القتل الإسرائيلية بعينهم. وعليه، ومع اندلاع هذا الجدل، أدلى نواب زغرتا طوني فرنجية وميشال معوض وميشال دويهي بمواقف التقوا فيها حول ضرورة التضامن مع النازحين، وإن اختلفوا بشأن ظروف الاعتداء. فمنهم من رأى أن النازحين وأهالي منطقة أيطو هم المستهدفون (فرنجية-الدويهي) ومنهم من رأى أنّ حزب الله هو المستهدف (معوّض). 

وفيما سرت شائعات كثيرة، فإن مالك المبنى صرح في حديثه لل LBC أن المستهدف لم يكن شخصا من القاطنين في المبنى، إنما زائر يعتقد أنه ينتمي إلى حزب الله وقد جال على عدد من النازحين في المنطقة بهدف تقديم مساعدات اجتماعية. وإذا صدقت هذه الشائعات، فإن ذلك يعني أنه كان بإمكان إسرائيل استهداف الشخص المذكور في سيارته قبل ولوجه إلى المنزل أو خروجه منه، لكن تعمدت استهدافه داخل المنزل لتقتل معه عشرات الأشخاص من المدنيين.   

وقد حاولنا في هذا المقال إجراء مقارنة سريعة بين مواقف هؤلاء في هذا الخصوص.  

 

موقفان من الجريمة بين التبرير والإدانة 

أدان كلا من النائبيْن طوني فرنجية وميشال الدويهي الاستهداف بعدما وصفاه مخالفة لكل الأعراف والقوانين الدولية. بالمقابل، أعرض النائب ميشال معوّض عن أي إدانة للفعل، موضحا في سياق زيارته إلى موقع الاعتداء في تصريحه ل تلفزيون الجديد، أن "ما تم استهدافه ليس أيطو، وهي قرية سياديّة مسالمة، إنما أحد عناصر حزب الله الذي كان متواجداً مع عائلته في المنزل المستهدف". وبعد سؤال المراسل لمعوّض عن كيفيّة علمه بهذا الأمر، أجاب أن هذا ما وصله من الأجهزة الأمنية وإن امتنع عن الإجابة على السؤال حول هويّة الأجهزة أو هويّة العنصر الحزبي.

 

الاستغلال السياسي

رغم فداحة الجريمة، تحوّلت مسؤوليّة تنظيم النزوح موضوع شدّ حبال ومناكفات سياسية. 

هذا ما نستشفّه من كلام  النائب طوني فرنجيّة حين أكّد في تغريدة أنهم (أي المردة) لم يأووا أي شخص يشكل خطرا على المنطقة. ثمّ أكّد أن مالك المنزل المستهدف لا ينتمي إلى "المرده" (سبقه والده زعيم تيار المردة سليمان فرنجيّة وألمح في مقابلة على "الجديد" أنّ مالك المنزل المستهدف ينتمي إلى حزب القوات، أو بتعبيره "ينتمي إلى حزب متعاطف مع إسرائيل"). وحول إذا ما كان مالك المنزل قواتيا، قال النائب فرنجيّة "هذا ما يقال". وفي نفس السياق الذي يجعل النازحين من مسؤوليّة صاحب النفوذ الطائفي، قال النائب فرنجيّة في إحدى المقابلات، أنهم اتخذوا لاستقبال النازحين كلّ الإجراءات اللازمة في مراكز الإيواء التي يشرف عليها "المرده"، التي تضمن سلامة أهل المنطقة والنازحين. وبذلك، بدا كأنما فرنجية يسعى ليس فقط إلى تبرئة حزبه من أي تقصير في مجال النزوح بل إلى إلقاء المسؤولية على الخصم السياسي الذي هو القوات اللبنانية. وكان والده أوضح أن ثمة اتفاقا مع حزب الله على تحييد المنطقة وعدم لجوء أي من مسؤولي الحزب إليها.   

أمّا معوّض، فقد عمد إلى توجيه الأسهم ضد حزب الله الذي يتجول مسؤولوه في المناطق الآمنة، موضحا أنه سبق وحذّر "أوّلاً من تسلل عناصر مسلحة وثانياً من تسلل عناصر حزبيّة". على اعتبار أن "هذا يعرّض قرانا وأهلنا للخطر". ولم يفتْ معوض أن يلمح إلى مسؤولية تيار "المردة" بالتستر على هوية هؤلاء بفعل منع ناشطين ومسؤولين في مؤسسة رينيه معوّض من تقديم المساعدات في بعض المدارس (أي مراكز الإيواء). 

وإذ ردّ النائب فرنجيّة داعيا معوّض "أن يزور مراكز الإيواء كلّها ويصحح ما سبق وصرّح به لأنّ الوقت ليس للمزايدات السياسية، عاد معوّض ليرد أنّ "موقف الزميل طوني فرنجيه بأن كلّ مراكز الإيواء مفتوحة للجميع يشكّل تصحيحاً مشكوراً لتصرّفات خاطئة ومرفوضة قام بها مسؤولو المرده لأسباب معروفة الأهداف". 

وقد عكس هذا التجاذب بين النائبين المتنافسين إحدى أكبر إشكاليات تنظيم النزوح في لبنان والذي يقوم على تولّي الأحزاب السياسية توزيع المساعدات، مع ما يستتبع ذلك من هامش واسع في استغلال الإغاثة سياسيا. وهذا ما يتعارض مع المبادئ الأساسية للإغاثة والتي أوضحتْها المفكرة القانونية في سياق انتقادها لخطة الطوارئ. 

بقي الدويهي خارج هذا التجاذب. وهذا ما نستشفه من تصريحه بأنّ هذه الحادثة الأليمة "تستدعي منّا جميعًا تجاوز السجالات السياسية في قضاء زغرتا والتي حسمتها الانتخابات عام 2022"، في تلميح إلى أنّ النقاشات الدائرة طابعها أكثر انتخابي. وأكّد ضرورة الحفاظ على السلم الأهلي قبل كل شيء.
 

أمننة النزوح 

فيما يسجل للنواب الثلاثة إجماعهم على ضرورة التضامن مع النازحين، بدا جلياً في مواقفهم اتجاه إلى تحويل النزوح إلى مسألة أمنية على خلفية التسليم بخطورة نزوح المنتمين إلى حزب الله أو المرتبطين به، وهو ما أسماه الأستاذ الجامعي جميل معوض "أمننة النزوح وشيطنته". واللافت أنّهم تعاملوا مع مواجهة هذا الخطر على أنّه عمل سياسي أو أمني بمعزل عن أي معايير واضحة، في تجاهل تامّ لحق أي لبناني أن يسكن في أي منطقة في لبنان (فقرة ط من مقدمة الدستور) أو حق الملكية الذي يخول أي مالك أن يستخدم ملكه كما يرغب. ويعكس التقاء النواب على ذلك حجم الخوف الذي نجحت إسرائيل في بثه من خلال اعتداء أيطو أو الاعتداءات المشابهة له في مراكز النزوح، وإن ركّز الدويهي وفرنجية بخلاف معوض على وجوب عدم ترك إسرائيل تستثمر في الخلافات الداخلية. 

وعليه، دعا معوض مثلا الى تعاون سائر القوى السياسية الموجودة على الأرض ومع الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية والأمنية، ليس فقط لرفض وجود أي سلاح بحوزة النازحين (وهو أمر طبيعي)، ولكن للتأكد من هوية كل نازح، و"التنسيق مع الأجهزة الأمنية للحصول على المعلومات اللازمة لضمان عدم وجود عناصر حزبية أو أمنية بين النازحين". ودعا الدويهي بدوره الجميع (أهالي المنطقة) للتنسيق مع السلطات المحليّة من مخاتير وبلديات ونوّاب القضاء "كي نعرف داتا أسماء الوافدين إلى قضاء زغرتا". بالمقابل، اعتبر سليمان فرنجية أن النزوح الآمن يتحقق بفعل التفاهمات بين حزب المردة وحزب الله الذي هو وعد بعدم توجيه أي من مسؤوليه إلى مراكز النزوح كما سبق بيانه.   

وقد تمأسس هذا التوجّه نحو الأمننة أمس، في لقاء "خلية متابعة أزمة النزوح" في مكتب قائمقام قضاء زغرتا، جمع ممثلي نوّاب القضاء ومسؤولي أجهزة أمنية والبلديات المعنيّة. وقد خلصوا إلى وجوب "التحديث اليومي لداتا النازحين في مراكز الإيواء"، وإلى وجوب "الإسراع في استكمال عملية تسجيل النازحين خارج مراكز الإيواء".