الاقتراح الثاني لإنشاء مجلس شيوخ: حرقٌ للمراحل في مخالفة واضحة للدستور
27/05/2025
تقدم النائبان ملحم خلف ونجاة عون بتاريخ 19 أيّار 2025 باقتراح قانون ينظّم "إنشاء "مجلس الشيوخ" وسائر القضايا المرتبطة به". ويشير الاقتراح في مقدّمته إلى أنّ النائب ملحم خلف في أيّام تولّيه رئاسة نقابة المحامين في بيروت كان قد شكّل لجنة تضمّ عددًا من العاملين في الشأن القانوني هدفت إلى دراسة آليّة إنشاء مجلس الشيوخ المنصوص عليه في الدستور، وقد أسفر عمل اللجنة عن إعداد مسودة قانون تشكّل محتوى هذا الاقتراح.
ينشئ الاقتراح في مادته الأولى مجلس شيوخ "تتمثل فيه العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيريّة". على أن يتألف هذا المجلس بحسب المادة الثانية من خمسين عضوًا وتكون مدة ولايته خمس سنوات ويتمّ الانتخاب بالاقتراع العام على دورة واحدة. تنصّ المادة الثالثة على أن تتوزع مقاعد المجلس على العائلات الروحية بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين ونسبيًّا بين "العائلات الروحيّة" في كلّ من الفئتين، وذلك وفق جدول مرفق بالقانون. يتنبّه الاقتراح في مادته الرابعة إلى معضلة ترشّح أحد اللبنانيين من الطائفة اليهوديّة، فيطرح في هذه الحالة إضافة مقعد من خارج عدد الأعضاء المحدّد بخمسين على أن يصبح عدد الأعضاء الكامل في هذه الحالة 51 شيخًا. وتنصّ المادة الرابعة أيضًا إلى أنّه في حال عدم ترشّح أحد من الطائفة اليهوديّة، يحقّ للناخبين اليهود التصويت لأي من المرشحين من جميع العائلات الروحيّة.
وتحدد المادة السادسة أن انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ يكون من قبل الناخبين التابعين لكلّ طائفة "على أن يكون لبنان دائرة انتخابيّة واحدة" علما أن نظام الاقتراع "يعتمد النظام النسبيّ بقوائم مقفلة للعائلات التي تضم ثلاثة مقاعد أو أكثر، ويعتمد النظام الأكثريّ للعائلات التي تضمّ مقعديْن أو أقلّ". ويتضمّن الاقتراح جدولًا مرفقًا يحتوي على توزيع مقاعد المجلس على العائلات الروحية.
كما تنصّ المادة 19 أنّ مجلس الشيوخ يختصّ "بالنّظر في القضايا المصيريّة" والتي تحصر على الوجه الآتي: "تعديل الدّستور بإعادة النّظر بالمواد رقم 76 و77 من الدستور، تعديل النظام الدّاخلي لمجلس الشيوخ، القوانين المتعلّقة بأنظمة الطوائف الدينيّة، القوانين المتعلّقة بالأحوال الشخصيّة، القوانين المتعلّقة بالتعليم الديني، الخطط الإنمائيّة الشّاملة والطويلة المدى، وقوانين الموافقة على إبرام المعاهدات والاتفاقيات الدوليّة"، علما أنّه "لا يدخل ضمن اختصاصات مجلس الشيوخ تقديم اقتراحات بخصوص الصلاحيات المشار إليها".
إمّا الأسباب الموجبة للاقتراح فتركّز على المسألة الطائفيّة السياسيّة في لبنان، وهي تنص على أنّه بالرغم من الإيجابيات التي يحملها هذا البعد الطائفي من تنوّع اجتماعي وانفتاح على الآخر وتقبّل له، إلّا أنّه يحمل أيضًا "سلبيّات عديدة ما زالت النخب السياسيّة اللبنانيّة تخوض نقاشًا حولها وتسعى للخروج منها وإلغائها". وتضيف الأسباب الموجبة أنّه لم يتمّ حتى اليوم النجاح بالتخلّص من هذه "الآفة المتمثلة بالطائفيّة السياسيّة" وأنّ جميع محاولات إلغاء الطائفيّة منذ سنة 1943 كانت تواجه "بجدار صلب وتأتي النتائج معاكسة للمرتجى". وذكّرت الأسباب الموجبة بمجلس الشيوخ الذي أنشأه الدستور اللبناني سنة 1926 ثم ألغي سنة 1927 بتعديل دستوري. كما أشارت إلى المادة 22 من الدستور كما عدّلت سنة 1990 والتي تنص على إنشاء مجلس شيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحيّاته بالقضايا المصيريّة وذلك بالتزامن مع انتخاب أوّل مجلس نوّاب على أساس وطني لا طائفي. واعتبرت بالتالي أنّ الدستور قد أعاد "نظام المجلسيْن غير أنّه ربط هذا الأمر بإجراءات محدّدة" عدّدتها وهي إنشاء الهيئة الوطنيّة لإلغاء الطائفيّة ووضع قانون انتخاب على أساس وطني لا طائفي وإجراء انتخابات نيابيّة على أساسه، "وعندها وبالتزامن مع إجراء هذه الانتخابات، ينشأ مجلس الشيوخ".
ومن أهمّ ما نصّت عليه الأسباب الموجبة هو اعتبار أنّ المادة 22 من الدستور، بالرغم من عدم إفصاحها "عن كافة تفاصيل مجلس الشيوخ" إلّا أنّ لها "طبيعة إنشائيّة لا لبس فيها تترك المجال أمام مجلس النواب صاحب الاختصاص الأصيل بوضع تفاصيل هذا المجلس مستلهمًا روح الدستور والمقاصد التي يسعى لتحقيقها".
وتنتهي الأسباب الموجبة قائلة أنّ إنشاء مجلس الشيوخ اليوم ليس عودة للمجلس الذي نشأ سنة 1927 والذي كان "يعتبر مشرّعًا كمجلس النواب"، بل إنّه "خطوة تدفع في اتّجاه إلغاء الطائفيّة السياسيّة في النظام الدستوريّ اللبنانيّ مع الإبقاء في جانب منه على النظام الطائفيّ حيث تتمثل كلّ العائلات الروحيّة في مجلس الشيوخ".
ولا بدّ من التذكير أنّ هذا الاقتراح هو الثاني الذي يقدم أو يجدد تقديمه في هذه الولاية والذي يهدف إلى إنشاء مجلس شيوخ بعد الاقتراح الذي قدمه النائب علي حسن خليل. ويأتي هذان المقترحان في إطار مبادرات تشريعيّة مختلفة تشمل أيضا تعديل قانون انتخاب أعضاء مجلس النوّاب وُضعت جميعها على جدول أعمال اللجان المشتركة، وفي إطار استباق الانتخابات النيابيّة المقبلة سنة 2026 ولا يمكن فهمها إلّا على ضوء المزايدات الطائفيّة بين الكتل النيابيّة المهيمنة على مجلس النوّاب بهدف التوصّل إلى تسويات انتخابيّة تضمن مصالحهم مستقبلًا. وفي هذا الإطار، أشار النائب ملحم خلف في حديثه إلى المرصد البرلماني أنّ هذا التسارع في تقديم الاقتراحات المتعلّقة بمجلس الشيوخ قد دفعه إلى تقديم اقتراحه الآن بغية ضمّه إلى النقاش المفتوح وأخذه بعين الاعتبار.
وفي مقارنة سريعة، فإنّ اقتراح النائب علي حسن خليل هو بمثابة قانون انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ من دون أن يأتي على ذكر صلاحيات هذا المجلس أو على أمور تخص تنظيم جلساته أو فترات انعقاده. بالمقابل، يلتقي الاقتراحان على حصر انتخاب الشيوخ من أبناء طوائفهم فقط. يبقى أنّ اقتراح حسن خليل ينطلق من اعتبار لبنان دائرة واحدة على أنّ يتمّ الاقتراع بالنظام النسبي من خلال لوائح مقفلة، بينما ينص اقتراح خلف وعون على انظمة انتخابية مختلفة بحسب عدد المقاعد لكلّ طائفة كما هو مذكور آنفًا.
وعليه، يمكن إبداء الملاحظات التالية بخصوص الطبيعة القانون لهذا الاقتراح من دون الدخول في تفاصيله المتعلقة بالنظام الانتخابي الذي جرى تبنيه:
اقتراح مخالف للدستور: هل يمكن تحديد صلاحيات مجلس الشيوخ بقانون؟
إنّ اقتراح القانون المقدّم الذي يرمي إلى إنشاء مجلس شيوخ يطرح عدّة تساؤلات حول جواز إنشاء مؤسّسة دستوريّة ستشكّل الركن الثاني للسّلطة التشريعيّة بقانون عاديّ. وفيما تتذرّع الأسباب الموجبة للاقتراح بنصّ المادة 22 من الدستور الذي يقول بإنشاء مجلس شيوخ لاعتبار وجود هذا المجلس بات مكرّسًا دستوريًّا، لكن هذه المادة لا تكفي على الإطلاق إذ هي أشبه ببرنامجٍ وضعه الدستور معلنًا ضرورة إنشاء مجلس للشيوخ مع إلغاء التمثيل الطائفي في مجلس النواب، ما يعني أن تحديد طبيعة العلاقة بين مجلسي الشيوخ والنواب يحتاج إلى تعديل دستوريّ ولا يمكن إطلاقًا النص على تلك التفاصيل في قانون عاديّ. وعلى سبيل المثال، تعدّ كل المواضيع المتعلّقة بانتخاب مكتب مجلس شيوخ والعقود التي يجتمع فيها سنويًّا والنصاب الضروري لقانونية الجلسة والأغلبّيات المطلوبة لأخذ قراراته واختصاصاته التشريعية وحصانة الشيوخ مسائل دستورية لا يجوز الاكتفاء بتحديدها بموجب قانون عادي، كون ذلك يجعل من مجلس الشيوخ مجرّد مؤسّسة تابعة من الناحية القانونية لمجلس النواب وهو أمر لا يستقيم من الناحية الدستوريّة.
والأغرب من ذلك أنّ الاقتراح ينصّ على حصر مهامّ مجلس الشّيوخ بالمواضيع المصيريّة ويشير في المادة 20 منه على ضرورة عرض مشاريع واقتراحات القوانين التي تدخل في هذه المواضيع على مجلس الشيوخ بعد إقرارها في مجلس النواب وقبل إصدارها من رئيس الجمهورية للموافقة عليها. وفي حال رفض مجلس الشيوخ القانون، يمكن لمجلس النواب أن يصرّ عليه أو أن يرفض ملاحظات مجلس الشيوخ بغالبيّة الثلثين من مجموع أعضائه.
وهكذا يتبيّن أن هذا الاقتراح يؤدّي إلى تعديل كبير في الآليّة التشريعية التي يلحظها الدّستور ما يعني أنه يخالف الدستور صراحة ولا يعقل تبني مثل تلك الآلية في نص قانوني عادي ما يؤكد مجددا أن تحديد العلاقة بين مجلسي الشيوخ والنواب لا يمكن أن يتمّ إلا من قبل الدستور نفسه، الأمر الذي يوجب حكما تعديل الدستور من أجل تحديد تلك التفاصيل. إذ أنّ تنظيم العلاقة بين غرفتي البرلمان في كل دول العالم يتمّ في دستور الدولة، إذ لا يعقل أن السند القانوني للسلطة التشريعية التي تتألف من غرفتين يكون مبعثرا بين النص الدستوري لمجلس النواب وقانون عادي يقرّه هذا الأخير بالنسبة لمجلس الشيوخ، فهذا محال لا يستقيم مع أي منطق دستوري سليم.
ولا يردّ على ذلك بالقول كما أوحت الأسباب الموجبة بأن مجلس الشيوخ اليوم لن يعتبر "مشرّعا كمجلس النواب" لأن مجرد إرغام مجلس النواب على إخضاع القوانين التي يقرّها لمذاكرة جهة أخرى يؤدي إلى المسّ بصلاحيّاته الدستورية وتعديل الآلية التشريعية التي أوجدها الدستور. لكن الاقتراح لا يكتفي بذلك بل هو يفرض على مجلس النّواب التصويت بغالبيّة مشددة من أجل تخطّي رفض مجلس الشيوخ وهو ما يخالف المادة 34 من الدستور التي تنص على أن القوانين يتم إقرارها بغالبية الأصوات فقط. وهكذا يتبين بشكل لا لبس فيه أنّ الاقتراح يجعل من السلطة التشريعيّة في لبنان بيد برلمان يتألف من غرفتين، وهذا موضوع يحتاج إلى نصّ دستوريّ واضح ولا يمكن تخطي هذا الشرط بأي حال من الأحوال. والأمر نفسه ينطبق على المادة 57 من الدستور التي تسمح لرئيس الجمهورية بإعادة القوانين إلى مجلس النواب الذي يتوجب عليه دراستها من جديد وإقرارها بالغالبية المطلقة، وهو موضوع يغيب بالكامل عن الاقتراح الذي لا ينتبه أن إعادة القانون مع إنشاء مجلس الشيوخ تفرض عرض القانون مجددا على مجلس الشيوخ في حال كان يدخل ضمن صلاحياته، ما يوجب أيضا تعديل الدستور لتحديد دور هذا الأخير والغالبية المطلوبة للإصرار على القانون كون كل هذه التفاصيل لا يمكن تخيل تنظيمها في قانون عادي.
من جهة ثانية، إن تمتّع مجلس النواب بصلاحيات أكبر من مجلس الشيوخ لا يعني إطلاقا أن مجلس الشيوخ ليس "مشرّعا كمجلس النواب" كون العديد من دول العالم تتبنى نظاما حيث يتألف البرلمان من غرفتين لكن مع أرجحيّة في الصلاحيات للغرفة التي يكون انتخابها أكثر ديمقراطية كالجمعية الوطنية في فرنسا التي تتمتع بصلاحيات تفوق صلاحيات مجلس الشيوخ الفرنسي، أو مجلس العموم البريطاني الذي يتمتع بصلاحيات تفوق بكثير مجلس اللوردات. لا بل أن الدستور اللبناني سنة 1926 تبنّى الخيار نفسه بخصوص الصلاحيات التشريعية لمجلس الشيوخ، إذ نصّ في المادة 19 القديمة منه على أنّ القوانين التي يقرّها مجلس النواب بناء على اقتراح الحكومة لا تعرض على مجلس الشيوخ إلا إذا أبدى هذا الأخير رغبته بذلك خلال ثمانية أيام من إبلاغه إياها وإلا "حسب موافقا عليها". وهكذا يتبيّن أنّ الدستور سنة 1926 أنشأ برلمانا حيث مجلس النواب يتمتّع بسلطة تشريعيّة أكبر من مجلس الشيوخ لكن ذلك لم يكن يعني إطلاقا أن مجلس الشيوخ ليس "مشرّعا" وأن صلاحياته لا تحتاج إلى تكريس دستوري.
والأغرب من ذلك كله، أنّ الاقتراح يتنبه لهذا الأمر في نقاط أخرى أقلّ أهمية كالمادة 21 التي تنص على أن رئيس مجلس الشيوخ أو عشرة أعضاء يمكن لهم الطعن بالقوانين أمام المجلس الدستوري "بعد إعادة النظر بالمادة رقم 19 من الدستور". فإذا ما وضعنا جانبًا الطبيعة المستغربة لاقتراح يتضمّن نصّا مشروطًا يتم إقراره قبل تعديل الدستور على أن يتم تعديل الدستور بعد ذلك، فإن الاقتراح يقرّ بأن تحديد الجهات التي يحقّ لها الطعن أمام المجلس الدستوري يحتاج إلى تعديل للدستور، فكم بالحري صلاحيات مجلس الشيوخ التي باتت تتقاطع مع الصلاحيات التشريعية لمجلس النواب.
والأمر نفسه يتكرر في الفقرة "أ" من المادة 19 التي تنصّ على أنّ تعديل الدستور يدخل في صلاحيات مجلس الشيوخ "بعد إعادة النظر في المواد رقم 76 و77 من الدستور".
إنطلاقًا ممّا تقدّم، يتبيّن أنّ مجلس الشيوخ هو شريك في السلطة التشريعيّة من دون أيّ التباس. وبالتالي، فإنّ هيئة تشريعيّة جديدة تضاف إلى مجلس النوّاب لا بدّ وبشكل حاسم أن يتمّ إنشاؤها من خلال تعديل دستوريّ إذ لا يعقل أن يقوم مجلس النوّاب بنفسه من خلال قانون بابتداع سلطة تشريعيّة ثانيّة، ما يعتبر تلاعبًا في تكوين السلطات الدستوريّة ومخالفة واضحة وصريحة للدستور في مادته 16 التي تنصّ على أن "تتولى السلطة التشريعيّة هيئة واحدة هي مجلس النوّاب". لا بل أن مجلس الدستوري أكّد في العديد من قراراته على حصرية السلطة التشريعية في مجلس النواب، ما يعني أنّ أيّ مسّ بهذه الحصرية يحتاج إلى تعديل دستوري وهو أمر يعتبر من البديهيات الدستورية التي يفشل الاقتراح عن فهمها بشكل ذريع.
من جهة أخرى، إنّ إنشاء مجلس الشيوخ بطريقة القانون العاديّ لا تتلاءم والدّور المعطى له للتقرير بالقضايا المصيريّة. فإذا كان هدف مجلس الشيوخ هو منح ضمانات للطوائف في لبنان على تمثيلها بشكل متوازن في السلطات الدستوريّة عند اتخاذ قرارات تعتبر مصيريّة، فإن ذلك لا يمكن أن يتمّ إلا بنص دستوري يسمو على القانون العادي. وبالتالي من الضروريّ لتحصين دور مجلس الشيوخ كضمانة للطوائف اللبنانية من أن يحظى بالضمانات التي يؤمّنها الدستور من خلال إدخال صلاحياته المنصوص عليها آنفًا إليه في صلب الدستور، حيث أنّ الإجراءات الأكثر تعقيدًا وصعوبة التي ينص عليها الدستور لناحية تعديل مواده وهو الضمانة الأهمّ التي تميّز المحتوى التشريعي للدستور عن المحتوى المنصوص عليه في القوانين العاديّة.
ضرورة التمييز بين تنظيم مجلس الشيوخ وطريقة انتخاب أعضائه
ينطوي الاقتراح على خلط بين المسائل التي تشكّل عنصرًا أساسيًا في تكوين مجلس الشيوخ والتي لا بدّ من تعديل دستوري يدخلها إلى الدستور، وبين المسائل المتعلّقة بطريقة انتخاب مجلس الشيوخ والتي يمكن أنّ ينصّ عليها قانون انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ، وبين بعض الأمور التنظيميّة التي يكتفى بإدخالها في النظام الداخلي للمجلس الجديد.
وقد سبق وأن ذكرنا المواضيع التي تحتاج إلى تعديل دستوري. أمّا تحديد عدد الشيوخ ونظام الاقتراع من أجل انتخابهم فيمكن أن يتم بقانون عادي. وبالتالي فإنّ ما ينصّ عليه اقتراح القانون في المواد 4 حول ترشّح أبناء الطائفية اليهوديّة، والفصل الثاني حول انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ الذي يتضمّن النظام الانتخابي وحالات التمانع، بالإضافة إلى ملحق توزيع مقاعد المجلس يكون داخلًا في نطاق هذا القانون.
والأغرب من ذلك كله أن الاقتراح لا يعطي مجلس الشيوخ صلاحيات إقرار القانون المتعلق بانتخاب أعضائه إذ يفهم منه أن هذا الأمر متروك لمجلس النواب. وهذا أمر عجيب لا يمكن فهمه كون مجلس الشيوخ الذي يتشاطر ومجلس النواب صلاحيات تشريعية مهمة لا قول له في كيفية انتخاب أعضائه، ما يحدّ جدّا من استقلاليته ويجعله شبيها بالهيئات الإدارية المستقلة أو حتى أي إدارة أو مؤسسة عامة خاضعة بالكامل لناحية تكوين جهازها لإرادة مجلس النواب.
ومن التناقضات التي ينطوي عليها الاقتراح نصّه في المادة 19 أيضًا أن تعديل النظام الداخلي لمجلس الشيوخ هو من القضايا المصيرية. ولا شك أن هذا الأمر يعكس مجددا عدم فهم الاقتراح للمنطق الدستوري كون النّظام الداخليّ لمجلس الشيوخ يجب أن يكون شبيهًا بالنظام الداخلي لمجلس النواب حيث ينفرد هذا الأخير بوضعه من أجل ضمان استقلاليّته. إذ أنّ انفراد كل غرفة من غرف البرلمان بوضع نظامها الداخلي بات من مسلّمات الدساتير الحديثة عملا بمبدأ الفصل بين السلطات. فالاقتراح بقوله أن النظام الداخلي لمجلس الشيوخ يدخل في القضايا المصيرية يعني أن هذا النظام يحتاج إلى موافقة مجلس النواب أيضا، وهذا لا يستقيم إطلاقا في أي نظام برلماني قائم على ثنائية السلطة التشريعية.
اقتراح يحرق المراحل الدستوريّة
إنّ إنشاء مجلس شيوخ بحسب المادة 22 من الدستور يتمّ بالتزامن مع "انتخاب أوّل مجلس نوّاب على أساس وطني لا طائفي". وقد نصّت المادة 95 من الدستور كما عدّلت سنة 1990 أنّه على مجلس النوّاب المنتخب مناصفة بين المسيحيين والمسلمين العمل على إلغاء الطائفية السياسيّة "وفق خطّة مرحليّة، وتشكيل هيئة وطنيّة" بهذا الصدد تكون مهمتها "دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية."
وقد أشارت الأسباب الموجبة للاقتراح إلى هذه المراحل الانتقاليّة التي نصّ عليها الدّستور من أجل إلغاء الطائفيّة السياسيّة، وربطت إنشاء مجلس الشيوخ "بالتزامن مع إجراء هذه الانتخابات"، أي تلك التي ستكون خارج القيد الطائفيّ لملء مقاعد مجلس النوّاب. وهكذا يمكن أن نستنتج أنّ هذا الاقتراح يفترض أنّ الانتخابات النيابيّة باتت تحصل خارج القيد الطائفي.
إلّا أنّ غياب أي مبادرة فعليّة من قبل المجلس النيابي عملًا بالمادة 95 من الدستور لإطلاق عجلة الهيئة الوطنيّة المنصوص عليها والبدء برسم خطّة إلغاء الطائفيّة السياسيّة للوصول إلى إنشاء مجلس الشيوخ في نهاية المسار الدستوري يطرح تساؤلات حول الفائدة من تقديم هذا الاقتراح الآن لا سيّما وأنّ جميع الشروط التي يفرضها الدستور للوصول إلى استحداث مجلس شيوخ غير متوفرة اليوم. لذلك يتّسم هذا الاقتراح بالغموض إذ إنه يسارع إلى إنشاء مجلس شيوخ مع الإبقاء على التمثيل الطائفي في مجلس النواب ما يعيد التذكير بالطرح الذي كان قد تقدم به الرئيس نبيه بري سنة 2016 والقاضي بإنشاء مجلس شيوخ طائفي في ظل وجود مجلس نواب طائفي أيضا. فالمادة 24 من الدستور في نصها الحالي تفرض انتخاب مجلس للنواب حيث المقاعد موزعة مناصفة بين المسيحيين والمسلمين ونسبيا بين طوائف كل منهما، لذلك لا يمكن إنشاء مجلس للشيوخ إلا من ضمن مبادرة متكاملة تقضي بتعديل الدستور وقانون الانتخابات من أجل إلغاء التمثيل الطائفي وحصره بمجلس الشيوخ.
بالإضافة إلى ما تقدّم، فإنّ مسألة تمثيل اللبنانيين الذين أقدموا على شطب قيدهم الطائفي عن سجّلات النفوس تصبح إشكالية، ليس فقط على صعيد الترشيح ولكن أيضا على صعيد الانتخاب، في حال تمّ تنظيم الانتخابات على أساس هيئات انتخابية طائفية. ويلحظ أن الاقتراح عالج مسألة تمثيل اليهود واقتراعهم، لكنّه من ناحية أخرى أغفل التطرّق إلى مسألة مشطوبي القيد الطائفي وكيفية اقتراعهم في انتخابات مجلس الشيوخ.
خلاصة
في الخلاصة يتبين أن هذا الاقتراح ينطلق من فهم مغلوط لطبيعة الدستور بوصفه القاعدة القانونية العليا في الدولة الحديثة وهو يخالف الدستور في العديد من مواده إذ كان من الأجدى التقدم بطلب تعديل للدستور يتضمن كل التفاصيل المتعلقة بصلاحيات مجلس الشيوخ، وهو طلب قد يتضمّن أيضًا بعض الأحكام المتعلقة بكيفية انتخاب الشيوخ إذ لا شيء يمنع من ذلك نظريا. ومن ثم بعد إقرار هذا التعديل الدستوري يتم إقرار القانون المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس الشيوخ. فالاقتراح يفشل في الفصل بين الأحكام التي تحتاج إلى نصّ دستوري وتلك التي يمكن تركها للقانون العادي ما يجعله غير صالح على الاطلاق ومخالف لبديهيات العلم الدستوري.
"سؤال وجواب" مع النائب ملحم خلف
وفي حديث للمرصد البرلماني، أشار النائب ملحم خلف أنّ المراحل التي تنص عليها المادة 95 من الدستور للوصول إلى انتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي ومن ثمّ تطبيق المادة 22 لإنشاء مجلس الشيوخ هي واجبة التطبيق. إلّا أنّه يقترح أن يتمّ تفعيل إنشاء مجلس الشيوخ بشكل مواز لانتخاب مجلس نواب على أساس غير طائفي، وذلك حرصًا على تطمين المجتمع أمام هذا التغيير الجذري في تمثيله ولمحو الخشية من الانطلاق نحو دولة المواطنة.
أمّا بخصوص صلاحيّات مجلس الشيوخ كما هو منصوص عليها في المادة 19 من الاقتراح، فقد اعتبر النائب خلف أنّ تحديدها لا يحتاج إلى تعديل دستوري بل يمكن الاكتفاء بالمادة 22 من الدستور التي تنص على أنّ مجلس الشيوخ "تنحصر صلاحياته في القضايا المصيريّة" ما يفتح المجال أمام تحديدها بالقانون فقط كما ينص الاقتراح.
وفي جوابه حول طبيعة هذا المجلس المزمع إنشاؤه، أصرّ النائب خلف على أنّ هذا المجلس ليس تشريعيًّا، معتبرًا أنّ ذلك سيؤدّي إلى تكريس نظام الفيتوهات وعرقلة عمل السلطة التشريعيّة وهذا ما يريد الابتعاد عنه. لكن في نفس الوقت فإنّ هذا المجلس ليس استشاريًّا إذ هو يعمل بطريقة التصويت وليس دوره اعطاء استشارات. وقد أعطى النائب خلف توصيف لمجلس الشيوخ على أنّه "مجلس طمأنة".
أمّا بخصوص انتخاب الشيوخ من قبل المواطنين الذين اختاروا شطب قيدهم الطائفي عن سجلّات النّفوس، فقد أشار النائب خلف أنّ غاية مجلس الشيوخ هو أن يكون طائفيا. وفي المقابل سيكون هناك مجلس نواب غير طائفي ما يؤمّن تمثيل كافة اللبنانيين على اختلاف توجهاتهم.